القراءة بوصفها طريقاً للتعافي

«الأدب والتحوّل» يرصد تأثيراتها على سيكولوجية الإنسان

غلاف  الكتاب
غلاف الكتاب
TT

القراءة بوصفها طريقاً للتعافي

غلاف  الكتاب
غلاف الكتاب

«هذا بيت لشفاء الأرواح»... نقش على مدخل أقدم مكتبة معروفة، تعود إلى عهد الفرعون رمسيس الثاني. ومن ثم، يبدو من المسلّم به أن لقراءة النّصوص الأدبيّة تأثيرات سيكولوجية وعاطفيّة متفاوتة على الأفراد قد يتجاوز بعضها لحظة فعل القراءة ذاتها، وهو أمر كان خبره القدماء، وحاول الأطبّاء في العصور الحديثة مأسسته في قراءات علاجيّة مرتبطة بأوجاع جسديّة أو نفسيّة محددة، فتُصرف لها الكتب مع الأدوية كما لو كانت عقاقير لشفاء الأرواح أو مسكنات للقلوب. وهناك سجلات تعود للعام 1916 عن أعمال أدبيّة كانت توزّع للجنود البريطانيين الجرحى لتخفف من آلامهم، كما يستمر أكثر من مركز أكاديمي في العالم بإجراء أبحاث علميّة وفسيولوجية تستهدف رصد انعكاسات القراءة على دماغ الإنسان، وتفسير استجاباته العاطفيّة للنصوص التي تُعرض عليه.
لكّن ربط العمل الأدبي بالدور العلاجي الطابع الموجه نحو عامّة القرّاء لا يلقى بالضرورة عميق ارتياح في جميع الأوساط الأكاديميّة والأدبيّة، والتي لا يرى بعضها جديداً في توثيق استجابات الإنسان للنصوص؛ إذ إن الجهاز العصبي المتطوّر للبشر يستجيب لكل محفّز بطريقة مختلفة وما القراءة – من هذه الناحية - إلا مجرد محفّز آخر مثله مثل الأصوات، والموسيقى، والحرّ، والبرد.
وعند هؤلاء، فإن منح تلك الهالة العلاجيّة لنصوص محددة يستلزم حكماً أن تكون سهلة العبور للغالبية من القرّاء، وهو أمر قد لا يتوافق مع الأعمال الأدبية التجريبية أو النهج المعقّد ذاته الذي يستهوي فئة محددة من ذوي الذائقة أو المعرفة أو كليهما؛ إضافة إلى توجه كثير من النصوص المعاصرة، لا سيما الأكاديمية منها إلى التركيز على الوقائع والحقائق المجردة، والدّقة العلميّة مقابل نزع كل ما هو عاطفي أو شخصي؛ مما يعزلها في النهاية وراء جدران أبراج عاجية عالية. ولهذا؛ فإن تجربة القراءة المعنية بالعواطف قد تليق ربما بالصحافة السّارية والنصوص الشعبيّة الطابع لا القراءة الجادّة.
تور ماغنوس تانجيراس في كتابه الجديد «الأدب والتحوّل: دراسة سرديّة لخبرات تغيّر الحياة جرّاء القراءة»*، يرى أن هذا التناقض يُفقد تجربة القراءة المعاصرة شيئاً من السحر الذي لطالما رافقها مذ صنعت الكتب لتسجيل نصوص تستحق البقاء لقدرتها على مخاطبة روح إنسان آخر غير كاتبها، وربما تغيير تجربته الوجودية، وإحساسه بالحياة، وبالعالم من حوله. وهو يدعو بالمقابل إلى مغادرة مربّع الجدل البيزنطي بين المثقفين إلى فضاء القرّاء أنفسهم واستكشاف تجاربهم مع النّصوص.
في أيامنا بالطبع يمكنك دائماً القبض على ردود فعل الطرفين، المثقفين والقرّاء، على كل ما ينشر من كتب ونصوص جديدة. للأولين هناك مراجعات النقّاد المحترفة في الصحف والمجلات والدوريات المتخصصة، ولبقيتنا هناك المراجعات على مواقع متاجر الكتب (أمازون مثلاً) وصفحات الإنترنت، إضافة إلى التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي.
وكثيراً ما تتباين وجهات نظر الجانبين بشأن قيمة المادة المنشورة وقد تصل إلى حد التناقض. وبما أن رأي القراء أصبح أكثر وزناً في العقدين الأخيرين لناحية تقييم قرارات النشر (للأغراض التجارية) بفضل انتشار الإنترنت، فإن هنالك دفعاً – لا شك معرفياً ورأسماليّا أيضاً؛ بحثاً عن تعظيم الأرباح - باتجاه «الاستماع إلى ما يقوله النّاس حول المشاعر التي تثيرها في صدورهم كتب معينة»، ومن ثمّ تبني خيارات استراتيجية حول تقييم النّصوص.
تانجيراس في «الأدب والتحوّل» يمشي خطوة أوسع في هذا الاتجاه لاستكشاف الفضاء الثاني بعيداً عن عالم النّقد المحترف، لكنّه بدلاً من محاولة التنظير عن القراء من خلال استقراء تعليقاتهم حول ما قرأوه على جُدر الإنترنت، أو توظيف الخوارزميّات المتقدّمة لتجميع كتل آرائهم في ملخصات، فإنّه يجلس إليهم ويتحدث معهم، ويسجل، كما في بحث علمي تجريبي، ردود أفعالهم ومشاعرهم بشأن كتب أو نصوص أحسوا أنها تركت عليهم أثراً بالغاً طويل المدى، أو بحسب تعبير بعضهم غيّرت حياتهم جذرياً.
وللحقيقة، فإن تطبيق أساليب البحث التجريبي في الدراسات الأدبيّة أمر لا يزال يعد نادراً على الرّغم من وجود بعض محاولات رائدة لرصد تأثيرات القراءة في أطر مختبرية الطابع. وقد استعان تانجيراس في سعيه للوصول إلى عيّنة من القراء بتعليق الإعلانات في جامعة كامبريدج، والبحث على مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى خدمات جمعية خيرية بريطانية تعنى بتشجيع القراءة الجماعية العلاجيّة، وأجرى عشرات المقابلات التي اختار خمساً منها لنشرها في «الأدب والتحوّل». بالتأكيد، فإن المنهجية التي اختارها ليست بكفاءة الخوارزميّات من ناحية الشمول وحجم العينة، لكنها أعمق بما لا يقاس من ناحية استقراء ردود الأفعال على النصوص عن قرب وبشكل شخصيّ.
أوّل تلك المقابلات التي يسجلها «الأدب والتحوّل» تجري مع سيّدة تدعى فيرونيكا، والتي قالت، إن اكتشافها رواية «عشيق سيدة تشاترلي» – للبريطاني ديفيد هيربرت لورانس نشرها بداية في إيطاليا 1928 بعد أن تعذّر طبعها في المملكة المتحدة لأسباب رقابيّة حتى العام 1960 - شجّعها على التحرر من علاقة فاشلة تورطت بها. هناك أيضاً مقابلة مع الشابة نينا التي اعتبرت أن كتاب طفولتها المفضّل «صديقي فليكا – 1941» للروائيّة الأميركيّة ماري أوهارا قد ألهمها لمتابعة شغفها لتصبح موسيقيّة محترفة. المقابلة الثالثة كانت مع السيّدة استير، التي تحدّثت عن رؤى عميقة لفهم العلاقات الزوجيّة بما فيها علاقة والديها الفاشلة وعلاقتها الشخصيّة المتعثرة بزوجها تكونت لديها لدى قراءتها قصيدة «الحلقة» للشاعرة النرويجية الشهيرة إنغر هاغيروب. المقابلة الرابعة كانت مع الشابة جين التي وصفت كيف هزّتها رواية الخيال العلمي «شيكاستا - 1979» للروائيّة البريطانيّة دوريس ليسينغ، وغيّرت نظرتها لكل شيء اعتقدت دائماً أنه ذاتها، ومنحتها شعوراً بامتلاك غرض لحياتها.
ومع أن بعض هذه الأعمال الأدبيّة معروفة تاريخيّاً بتأثيراتها الإيجابيّة على حياة قرّائها، إلا أن تانجيراس، يقدم من خلال شهادات القرّاء وجهة نظر بديلة لما يفترض الخبراء والمتخصصون - وكما جرت العادة - بأنها النصوص المناسبة لنا، وتأتي هذه الشهادات في إطار مقابلات أشبه ما تكون بجلسات العلاج النفسي التي تتجاوز حرفية الإجابات إلى معاينة السلوك العام لمن أجريت معهم المقابلات تجاه تجاربهم الشخصيّة في القراءة مثلاً عندما يطلب إليهم أن يقرأوا نصوصهم المفضلة بصوت عالٍ أمامه.
استير سرعان ما ترقرقت الدّموع في عينيها بعدما تلت بضعة أسطر من قصيدة «الحلقة». ويذكرنا تانجيراس هنا بأن القارئة عثرت على تلك القصيدة لأول مرة قبل خمسين عاماً، ومع ذلك ما زالت محتفظة بتأثيرها العميق كما لو أنها قرأتها بالأمس القريب.
يستبعد تانجيراس من الأدب الذي يمكن أن يسبب تحولاً في حياة المتلقي تلك الكتب التي تصنّف تحت فئة «قراءة المساعدة الذاتية» والتي قد تكون مفيدة بالفعل لتشخيص مشكلة محددة، ومن ثم تطبيق بعض الحلول المقترحة للتعامل معها، لكنّها لا تشبه تجارب القراء الذين قابلهم للبحث في «الأدب والتحوّل». وما يتطرق له هنا يبدو أكثر أصالة وعمقاً، وأقرب لتجربة «روحيّة» سامية ينتجها التقاء عقلي الكاتب والقارئ على صعيد الصفحة والكلمات، تماماً كما هو جوهر القراءة منذ مكتبة الفرعون رمسيس الثاني وكما كل تواصل إنساني، بعض هذه اللقاءات يمكن أن تغيّرنا بطرق لم نتخيلها أبداً.


مقالات ذات صلة

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»
TT

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

قراءات المثقفين في دول الخليج «2024»

مرت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الأصعدة، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة وطالت لبنان، ولا تزال مشاهدها الدامية تراكم الخراب والدمار على أرض الواقع. في غبار هذا الكابوس تستطلع «الشرق الأوسط» أهم قراءات المثقفين والمبدعين العرب خلال 2024.

في دول الخليج تنوّعت قراءات المثقفين والكتاب ما بين القراءات الشعرية والروائية، مع انفتاح على التجارب الأدبية في العالم العربي، ومقاربات للأعمال التي رصدت التجربة الحداثية وتأثيراتها، وكذلك التجارب النسوية في الرواية والسيرة الذاتية، وبينها كتب في الفكر والفلسفة والتاريخ الاجتماعي.

 

باسمة العنزي: ثوب أزرق وقبيلة تضحك ليلاً!

 

من الكويت، تقول الكاتبة والروائية الكويتية باسمة العنزي: سنة عاصفة مليئة بالأحداث المحبطة والأخبار البائسة! القراءة بدت فيها كاستراحة من لهاث متابعة أخبار الحروب وتردي الأوضاع وانحدار البشرية السريع. المفرح وسط كل هذا أن يقع بين يديك أعمال مبهرة هي الأولى لأصحابها!

قرأت للكاتبة السورية الكردية هيفا نبي «ثوب أزرق بمقاس واحد» الصادر عن دار «جدل» عام 2022، وهي رواية كتبت على شكل مذكرات، تناقش موضوع اكتئاب ما بعد الولادة بسرد جميل ونبرة أنثوية تغلغلت لتفاصيل عالم الأمومة الجديد لدى شابة مهجّرة من مدينتها بسبب الحرب. سرد شفاف يحلّق نحو ذات وحيدة تجتاز أزمتها عبر البوح. وهو عمل - للأسف - لم يحظَ بما يستحقه من اهتمام وانتشار رغم تجلي موهبة الكاتبة وتمكنها اللغوي وقدرتها على اقتناص الحالات النفسية ووصفها بكل تدرجاتها.

أما العمل الثاني فهو للكاتب السعودي سالم الصقور «القبيلة التي تضحك ليلاً» الصادر عن دار «مسكيلياني» عام 2024، وهو أيضاً يتناول موضوعاً جديداً في الرواية العربية عن عدم القدرة على الإنجاب في مجتمع قبلي معاصر، العمل مكتوب بلغة شعرية فذة وبنظرة فلسفية عميقة تضع تحت المجهر مفاهيم مثل الأمل والحرمان وخسارات الحياة القسرية. نوفيلا مكتنزة تدور أحداثها في نجران ليوم واحد يتحدد فيه مصير أبوة البطل المنتظرة!

هيفا نبي وسالم الصقور جاء عملاهما كإضاءة مبشّرة بالكثير في عالم يفقد دهشته ويخفت فيه صوت الحكمة، وقرأتهما في عام شحّت فيه الأشياء المدهشة!

 

د. عبد الرزّاق الربيعي: عودة لعبد الوهاب البياتي

ومن سلطنة عُمان، يقول الشاعر الدكتور عبد الرزاق الربيعي: كتب كثيرة قرأتها هذا العام، والبعض أعدت قراءته، وفق نظرة جديدة أكثر نضجاً، وتمحيصاً، وتذوّقاً، كالأعمال الشعرية لعبد الوهاب البياتي، والذي حفّزني للعودة إليها كتاب صدر عن دار «أبجد» هذا العام ضمن فعاليات مهرجان بابل العالمي للثقافات والفنون والإعلام (دورة 2024)، حمل عنوان «عبد الوهّاب البيّاتي... دراسات وشهادات وحوارات»، حرّره وقدّم له د. سعد التميمي. في بادرة ولمسة وفاء تُحسَب لرئيس المهرجان د. علي الشلاه.

وتأتي أهمية الكتاب كون محرّره د. التميمي، أستاذ النقد والبلاغة بالجامعة المستنصرية، وجّه دعوة ضمنيّة لقراءة البياتي، والكشف عن دوره الريادي، وفحص نتاجه من قبل النقاد الذين صرفت غزارة إنتاجه الشعري أنظارهم عنه، فهذه الغزارة بنظر د. حاتم الصكر «لم تدع فسحةً لقراءة نصيّة مناسِبة، فكثير من منتقدي سيرته السياسية اتبعوا ما أشيع عنه دون تمحيص؛ إذ لم يضعه الشيوعيون العراقيون - كما يشاع - محل السياب حين ارتدّ عنهم، لأنهم ليسوا بحاجة لشاعر، ومعهم مثقفوهم وأدباؤهم، كما أن البياتي ينتهج فكراً يسارياً قبل اصطفافه نصيراً للفكر اليساري التقليدي، وقد عزا ذلك - حين كتب (تجربتي الشعرية) - إلى ما كان يرى وهو صبي، من مظالم ومآسٍ تحيق بالمشردين والفقراء والنازحين للمدينة، وهو يراهم حول مزار الصوفي عبد القادر الجيلاني بوسط بغداد، حيث ولد البياتي ونشأ». وقد شارك في الكتاب كل من: د. حاتم الصكر، ود. بشرى موسى صالح، ود. خالد سالم، ود. محمد عبد الرضا شياع، ود. أناهيد الركابي، والشعراء: علي الشلاه، وهادي الحسيني، ومحمد مظلوم، ومحمد تركي النصار، ود. عبد الرزاق الربيعي، واشتمل على دراسات وشهادات وحوارات مسلطاً الضوء «على الإرث الشعري الذي خلّفه البياتي، وإسهاماته في تحديث القصيدة العربية، ورؤية البياتي للشعر، والحداثة وموقف الشاعر من السلطة والحرية، فضلاً عن تقنية كتابة القصيدة، وفاعليته في الوسط الثقافي».

قسّم التميمي الكتاب إلى ثلاثة فصول: تضمن الأول دراسات وقراءات، والثاني شهادات وذكريات، والثالث حوارات. وقد احتل الفصل الأول مساحة واسعة؛ إذ ضم سبع دراسات هي: القصيدة... المنفى... الموت... مفردات في تجربة البياتي الشعرية، للدكتور حاتم الصكر، وهالة الأسطورة في شعر عبد الوهاب البياتي، للدكتورة بشرى موسى صالح، والمتعاليات النّصّيّة في شعر البياتي، للدكتور محمد عبد الرضا شياع، والتجربة الإسبانية لدى البياتي، للدكتور خالد سالم، والبياتي من فلسفة الرفض إلى استشراف الرؤية، للدكتور سعد التميمي، ومركزية الهامش في شعر البياتي، للدكتورة أناهيد الركابي، ومجد الشعلة الخالدة الآخر في مرآة البياتي الشعرية، لمحمد تركي النصار.

أمّا الفصل الثاني، فقد ضمّ ثلاث شهادات حملت العناوين: «رجاءً عدم الجلوس... عبد الوهّاب البيّاتي قادمٌ بعد قليل» لعبد الرزاق الربيعي، و«في ذكرى البياتي» لهادي الحسيني، و«البياتي وسنواتنا في عمّان» للدكتور علي الشلاه.

وخُصّص الفصل الثالث لحوارات أجريت مع البياتي، وقد تناولت الدراسات الأثر الذي تركه البياتي ليس فقط لدى الشعراء العرب، بل تجاوز ذلك إلى الإسبان، خلال إقامته بمدريد في الفترة (1980-1990).

لقد أعاد هذا الكتاب لنفسي شغفي بقصيدة البياتي، التي تأثّرت بها في بداياتي مطلع الثمانينيات، فوفّر لي فرصة العودة للمنابع الشعرية الأولى.

 

عبد العزيز الصقعبي: أيام الغزو وسير النساء الذاتية

ومن السعودية، يقول الروائي والمسرحي السعودي عبد العزيز الصقعبي: أنا متفرغ حالياً للقراءة والكتابة، فالكتاب وجبة يومية، من الصعوبة تركها، والجميل في زمننا هذا هو سهولة الوصول للكتاب، ورقياً أو إلكترونياً، الحصة الأكبر من قراءاتي دائماً الرواية والقصة ثم الشعر والمسرح، إضافة إلى الكتب الفكرية والدراسات المهمة.

ربما - وأنا أتحدث عن نفسي كروائي - يرد في ذهني أمر ما - ربما وليس أكيداً – أتناوله في مشروع روائي؛ لذا أكثف قراءاتي حول ذلك الموضوع، أطرح لكم بعض الأمثلة «أيام الغزو... يوميات إسماعيل شموط أثناء احتلال الكويت»، وهي يوميات للفنان التشكيلي إسماعيل شموط؛ حيث كان لدي اهتمام بتلك الفترة التي لم تؤثر على الكويت فقط، بل على كامل المنطقة وبالأخص المملكة، بالطبع قرأت عدداً من الروايات والكتب حول ذلك ومن أهمها السباعية الروائية «إحداثيات زمن العزلة» للروائي الراحل إسماعيل فهد إسماعيل، على الرغم من كل الكتابات فتلك الفترة تحتاج إلى مزيد من الكتابة.

وحقيقة من الصعوبة سرد بقية أسماء الكتب التي قرأتها، فهنالك مثلاً روايات، تكون مقبولة وأنتهي منها عند آخر صفحة، ولكن لا تبقى في الذاكرة ولا تشجّع على قراءتها مرة أخرى ناهيكم عن كثير من الكتب وبالذات النصوص السردية التي لا أستطيع إكمالها، اللافت في 2024 دخول عدد من السير الذاتية النسائية في دائرة قراءاتي، بدأتها بسيرة «السنوات» الحائزة جائزة نوبل (أني إرنو)، وبعد ذلك أجد نفسي أمام سيرتين متشابهتين وفي الوقت ذاته مختلفتين؛ «حد الذاكرة» لعائشة محمد المانع، و«حياتي كما عشتها... ذكريات امرأة سعودية من عنيزة إلى كاليفورنيا» لثريا التركي، وبكل تأكيد هنالك قائمة طويلة أحتفظ بها لنفسي، من الكتب التي قرأتها أو سأقرأها، أو أتصفحها ربما تشدني للقراءة.

 

كاظم الخليفة: الأدب السعودي والعلاقة بين الأدب والفلسفة

ويقول الكاتب والناقد السعودي كاظم الخليفة: كان مشروعي القرائي لعام 2024 هو استكشاف الأفق الإبداعي للكتاب السعوديين، الذي أتاحه المرور على عناوين وتصفح بعض إصدارات مشروع «1000 كتاب» الذي تقوم عليه دار «أدب للنشر والتوزيع» بدعم من الصندوق الثقافي السعودي، وكذلك قراءة «كتاب أنطولوجيا القصة القصيرة في المملكة العربية السعودية» - الجزء الثاني - ذلك المشروع الرائد الذي قام بجهد شخصي من الأديب والقاص خالد اليوسف؛ لإبراز المشهد السردي السعودي المعاصر ومدى تقدمه من خلال ممارسة التجريب وتنوع الأدوات السردية. والثالث، كان المشروع الآخر للشاعر عبد الله السفر «رمال تركض بالوقت» الذي كان برعاية من مركز الملك عبد العزيز الثقافي «إثراء»، وهو عبارة عن مختارات لنصوص شعرية تختص بقصيدة النثر السعودية بغية ترجمتها للقارئ الفرنسي.

تعرض تلك الكتب جانباً مهماً من حراك الأدب السعودي المعاصر الذي يتطلب الكثير من الدراسة والتأمل، لكن الانطباع العابر يمكن استخلاصه في أن القصيدة الكلاسيكية السعودية تحاول تجديد ثوبها من خلال جعل «ذات» الشاعر بهواجسه وأحلامه أحد مواضيعها المهمة. أي أن الدافع الذاتي للكتابة، واتخاذ القصيدة وسيلة فضلى للتفكير، قد عمل على تقليص المساحة الكبيرة التي كان يحتلها شعر «المناسبات» في دواوين الشعراء.

والانطباع الثاني عن مستوى التقدم في كتابة قصيدة التفعيلة، التي لم تتقدم وتكتسب نسبة وازنة في دواوين الشعراء المعاصرين بشكل ملحوظ. أما ملمح قصيدة النثر الحديثة فنجد بروزاً لموضوع «الميتاشعرية»؛ حيث سؤال القصيدة ومحرضات كتابتها وجدواها. وفي كلا الجنسين الشعريين: الكلاسيكي والنثري، نلحظ فيهما تجاوز الشواعر النساء أزمة «النِّسوية» وبالتالي الكتابة بروح الأنثى المدركة لكينونتها.

في السرد، نلحظ نمواً لجنس القصة القصيرة جداً واقترابها - في بعض التجارب - من شذرات قصيدة النثر. وما يخص جنس القصة القصيرة، فيمكن ملاحظة أنها اتجهت نحو التنوع - بشكل واضح - في مواضيعها، مع تناول أكبر بالتركيز على الجوانب الوجودية والأزمات النفسية لشخوص حكاياتها. أما الرواية، فيمكننا رؤية اجتذابها للكتاب الشباب بإنتاج متلاحق لبعضهم؛ حيث يفصل بين كل عمل روائي وآخر أقل من عام.

مجال القراءة الحرة كان من نصيب كتب مميزة في بابها، وإن لم تبتعد كثيراً عن الأدب. ولعل أبرزها كتاب حديث للناقد الفرنسي كاميل ديموليي «الأدب والفلسفة... بهجة المعرفة في الأدب» الذي يُعتبر من أواخر من دخلوا في حلبة الصراع والجدل - منذ أفلاطون – عمّن هو الأجدر بتمثيل «الحقيقة»؛ الأدب أم الفلسفة، وكذلك عن طبيعة العلاقة الملتبسة بينهما. ففي هذا الكتاب يستعرض ديموليي الجدل القديم/الجديد عن علاقة الفلسفة بالأدب، ويحاور فيه جميع آراء الأدباء والفلاسفة البارزين، ابتداء بأفلاطون وسقراط، وانتهاء بنيتشه وهايدغر، ثم في خاتمة الكتاب يميل إلى الرأي الذي يقول إن «فكرة الفلسفة هي الأدب»، وذلك بمعنيين: أولاً أن الأدب هو فكرة الفلسفة، أي أنها إبداعه أو ابتداعه؛ ثم إنها مدار دراسته. وهكذا صار الأدب في نتيجته هو منبع الأفكار الفلسفية، وأنها تعود فيه وكأنها تعود إلى أصلها المنسي، كما يقول. بل إن نيتشه والتيار الرومانسي حاولا إعادة الفلسفة والأدب إلى أصلهما الشعري، بصفته نشاطاً خلاقاً؛ حيث الفلسفة - من وجهة النظر هذه - يمكن أن تكون ضرباً من الشعر المتحجر؛ أي خطاباً بواسطة الصور والمجازات.

 

حمد الرشيدي: بين البردوني والأفلاج والزلفي

من الرياض، يقول الشاعر والروائي السعودي حمد حميد الرشيدي: كثيرة هي الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، وكتبت بعض انطباعاتي الشخصية لما قرأته منها، وهي كتب تُعنى بالأدب والشعر والرواية والقصة القصيرة والمسرح والدراسات النقدية، وقرأت بعض الكتب التي أثارت اهتماماً من قبل القراء أو النقاد... ومن الكتب التي قرأتها هذا العام وأعجبت بها، كتاب «المكان في شعر البردوني» للدكتور خالد اللعبون، وهو دراسة موضوعية تحدث فيها الكاتب عن ظاهرة اكتناز شعر الشاعر العربي اليمني الكبير عبد الله البردوني (رحمه الله) بالمكان وجغرافيته وارتباطه الحسي والمعنوي بالإنسان.

وفي مجال أدب الرحلات، قرأت كتاب «الأفلاج كما رآها فيلبي» وهو من تأليف عبد العزيز المفلح الجذالين. ويتحدث فيه مؤلفه عن أهمية مدينة الأفلاج عبر التاريخ وما ذكره الرحالة الإنجليزي المعروف عبد الله فيلبي عن هذه المدينة عندما زارها زيارة ميدانية سنة 1918م.

وفي مجال علوم التاريخ والاجتماع، قرأت كتاب «الكويت والزلفي» لمؤلفه حمد الحمد، وهو يتحدث عن الصلات التاريخية والاجتماعية بين بعض العوائل والأسر العربية ذات العوامل المشتركة في الاسم والنسب والأرومة في كل من الكويت ومدينة الزلفي.

وفي الفكر والفلسفة، قرأت كتاب «الحضارة العربية الإسلامية وعوامل تأخرها» للدكتور أمين أحمد زين العابدين، وهو كتاب تطرّق فيه المؤلف للحضارة العربية والإسلامية عبر التاريخ وما مرت به من مراحل وتغيرات عبر الزمن وأثرها وتأثيرها في الحضارات الأخرى.

وفي العلوم، قرأت كتاب «في تاريخ العلوم» للدكتور عبد الله محمد العمري، وهو كتاب يبحث في تاريخ العلوم عند العرب القدامى حتى العصر الحديث، وأهم الاكتشافات والاختراعات التي قام بها العرب والمسلمون منذ القدم، ثم تم نقلها عنهم للشعوب الأخرى التي قامت بالاستفادة منها وتطويرها في الوقت الحاضر.

جمانة الطراونة

 

جمانة الطراونة: من «أشجار الكلمات» إلى «غيم على سرير»

الشاعرة الأردنية المقيمة في مسقط (سلطنة عُمان) جمانة الطراونة، تقول: أميل إلى قراءة كتب المختارات الشعرية، كونها تعطي فكرة عن التجارب الشعرية المتحقّقة، وضمن هذا السياق، قرأت كتاب «أشجار الكلمات»؛ وهو مختارات شعرية للشاعر عدنان الصائغ. اختارها وقدم لها: حاتم الصكر، وحسن ناظم، وناظم عودة. وصدر عن دار «صوفيا» للنشر والتوزيع في الكويت، ومما علق في ذهني قوله:

«في الليلِ

أرى شخصاً آخرَ

لا أَعْرِفُـهُ

يَتَعَقَّبُني

فأغذُّ خطايَ،

وأسرعُ

أسمَعُهُ يتوسّلُ خلفي:

– اصحبْني ظلاً

فأنا أخشى أنْ أمشي منفرداً في الطُرُقاتْ».

أما أحدث كتاب قرأته هذا العام من كتب المختارات فهو كتاب «غيم على سرير» وقد ضمّ بين دفتيه مختارات من شعر عبد الرزاق الربيعي، وقد صدر عن دار «شمس» للنشر والإعلام، بالتعاون مع بيت الشعر ببغداد، والنصوص من اختيار الشاعر عماد جبّار، وقدّم لها د. سعد التميمي، الذي قال: «ينفرد الشاعر عبد الرزاق الربيعي من بين شعراء جيل الثمانينات باتّساع تجربته الشعرية وعُمقها وتنوعها، وهو الحاضر باستمرار في الساحة الشعرية والقادر على الانتقال من منطقة إلى أخرى مجدِّداً في القصيدة على مستوى اللغة والأسلوب والمعالجة والمفارقة، كاشفاً ما يحمله من عمق معرفي يتجلى في تناصّاته المتنوعة، (...) فهو القادم من صومعة الشعر حاملاً الوطن المثخن بالجراح والألم وصور الخراب والموت التي يختلط فيها الدم بالدموع»، وعلى الغلاف الأخير للمختارات كتب د. حاتم الصكر شهادة حول تجربة الربيعي، وقد قرأت ديوان الصكر «الهبوط إلى برج القوس» الصادر عن دار «أرومة للدراسات والترجمة والنشر»، وأبحرت مع عوالم الفقد، وأحزان غربته، التي يسرّبها عن طريق الشعر الذي يعتبره ملاذه الأخير ويستثمر الموروث الرافديني حين يرسم «بورتريهات» لعدد من أصدقائه كما في «خُطى جلجامش» التي يهديها إلى الشاعر عبد الرزاق الربيعي.