السودان معزول عن العالم... وعشرات الضحايا باحتجاجات في الخرطوم

«تجمع المهنيين»: ما يجري في الشوارع جرائم بشعة ضد الإنسانية تتضمن القتل العمد

محتجون يواجهون الشرطة في أحد شوارع الخرطوم (أ.ب)
محتجون يواجهون الشرطة في أحد شوارع الخرطوم (أ.ب)
TT

السودان معزول عن العالم... وعشرات الضحايا باحتجاجات في الخرطوم

محتجون يواجهون الشرطة في أحد شوارع الخرطوم (أ.ب)
محتجون يواجهون الشرطة في أحد شوارع الخرطوم (أ.ب)

شهد السودان أمس أكثر أيامه دموية منذ انقلاب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مع مقتل وجرح عشرات المتظاهرين المعارضين للحكم العسكري... فيما عُزل السودانيون عن العالم بعد قطع خدمات الهواتف والإنترنت بالكامل.
وقالت لجنة الأطباء المركزية، وهي نقابة مؤيدة للحكم المدني، إن 10 محتجين قتلوا في الخرطوم بحري (إحدى مدن العاصمة الثلاث) وفي قلب الخرطوم وأم درمان، وقد قتلوا «جميعهم برصاص حي بين الرأس والصدر والبطن». وترتفع بذلك حصيلة الضحايا الذين سقطوا نتيجة قمع قوات الأمن للمتظاهرين منذ قاد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان انقلاباً على شركائه المدنيين في الحكم في 25 أكتوبر (تشرين الأول)، إلى 34 قتيلاً قابلة للازدياد.
وقال «تجمع المهنيين السودانيين»، وهو تكتل نقابي قام بدور محوري في إطلاق «الثورة» التي أسقطت عمر البشير بعد 5 أشهر من الاحتجاجات في 11 أبريل (نيسان) 2019، إن «ما يجري اليوم في شوارع ومدن السودان هو جرائم بشعة ضد الإنسانية تتضمن القتل العمد... إلى جانب انتهاك الكرامة بالضرب واقتحام البيوت بالقوة المسلحة» مع «تعمد قطع كل وسائل الاتصال لإخفاء وتغطية عشرات الجرائم الأخرى».
وقال «تجمع المهنيين السودانيين» إن «قوات أمن السلطة الانقلابية تهاجم المنازل بضراوة، وتستخدم الذخيرة الحية لتفريق المتظاهرين».
وقطعت السلطات العسكرية السودانية «خدمات الاتصالات» بشكل عام عن البلاد، وأقفلت الجسور الرابطة بين مدن العاصمة الخرطوم الثلاث، بيد أنها فشلت في الحيلولة دون إفشال الحشود الشعبية المحتجة على «الانقلاب» العسكري، التي واجهتها بعنف مفرط أدى إلى مقتل وجرح العشرات.
وتهدف الاحتجاجات إلى إجبار العسكريين على إعادة السلطة المدنية بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الموضوع قيد الإقامة الجبرية المشددة منذ نحو الشهر.
واستخدمت القوات العسكرية الغاز المدمع والرصاص الحي والمطاطي بكثافة لافتة ضد مئات الآلاف الذي تجمعوا في أمكنة متفرقة من العاصمة الخرطوم، وبعض المدن السودانية الأخرى.
وقطعت السلطات خدمة المكالمات الهاتفية بشكل كامل، وأكملت قطع خدمة الإنترنت، بعد أن كانت قد سمحت بها في المكاتب والمؤسسات، حتى تأثرت بذلك الخدمات البنكية الإلكترونية، التي كانت تعمل رغم قطع الإنترنت الجزئي طوال الفترة الماضية، وتحولت الخرطوم بمدنها الثلاث لجزر معزولة، بعضها عن بعض.
وحاولت السلطات منع تجمع المتظاهرين بشتى السبل دون جدوى، بيد أنهم استطاعوا التجمع بعد معارك كرّ وفرّ واسعة امتدت حتى داخل الأحياء السكنية، كما أنهم أفلحوا في التجمع في عدد من النقاط الرئيسية، وهي شارع الستين، ومحطة 7 بالصحافة، ومنطقة بري، وفي مظاهرات متفرقة أخرى في الخرطوم، وفي أم درمان أفلح عشرات الآلاف من المحتجين في التجمع في شارع الأربعين والعرضة، بعد أن خاضوا معارك كرّ وفرّ مع الشرطة، التي استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص لتفريقهم.
وشهدت منطقة «بري» بالقرب من القيادة العامة للجيش مواكب حاشدة، وينظّم ثوارها الذين يطلق عليهم «أسود البراري» منذ الثورة التي أطاحت الرئيس المعزول عمر البشير في أبريل 2019، اعتصاماً ليوم واحد في أحد الشوارع الرئيسة التي تربط وسط الخرطوم بشرقه «شارع المعرض».
وظلّت قوات الأمن المدججة بالسلاح تلاحق المحتجين داخل الأحياء والأزقة الداخلية، في أركويت والطائف والمعمورة، وتطلق الغاز المسيل للدموع بعشوائية داخل المنازل؛ حيث يوجد كبار السن والأطفال.
ومنذ استيلاء السلطات العسكرية على السلطة في البلاد، وإعلان حالة الطوارئ، وتعليق الوثيقة الدستورية، واعتقال قادة ووزراء الحكومة الانتقالية، بما فيهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، تشهد البلاد حالة من الغليان والاحتجاجات المستمرة ضد ما يطلق عليه الثوار «انقلاب البرهان»، وللمطالبة بالعودة إلى ما قبل إجراءات 25 أكتوبر على المستوى السياسي، أما الثوار والشارع السياسي فيرفض بشكل كامل أي مفاوضات أو تسوية أو حوار مع العسكريين الذين استولوا على السلطة في البلاد، ويطالبون بمحاسبتهم وتقديمهم لمحاكمات على الجرائم التي ارتكبوها بحق الشعب.
وكالعادة، دأب الثوار على ترديد هتافاتهم المألوفة للتعبير عن رفضهم لقرارات قائد الجيش، وتتمثل في «لا تفاوض لا شراكة لا شرعية، لا للانقلاب العسكري، الردة مستحيلة»، وهتافات أخرى من قبيل «يسقط يسقط حكم العسكر، البلد حقتنا مدنية حكومتنا، يسقط يسقط البرهان»، وغيرها.
ومنذ سيطرة الجيش على السلطة، فشلت المبادرات كافة للعودة لما قبله، في الوقت الذي واصل فيه قائد الجيش التصعيد، وكوّن مجلس سيادة جديداً، ونصّب نفسه رئيساً عليه، ونصّب قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» نائباً له، وهو ما عدّه مراقبون خطوة تصعيدية، تزيد الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ نحو شهر.
وبسبب قطع خدمات الاتصالات، لم تتمكن الصحيفة من معرفة الأوضاع في مناطق الخرطوم، ولا سيما «شرق النيل»، وهي منطقة اشتهرت بكبر حجم وقوة احتجاجاتها منذ الثورة التي أطاحت البشير، فيما لم تستطع التواصل مع مدن البلاد الأخرى لذات السبب.
وقالت سهى، وهي متظاهرة في الثانية والأربعين من عمرها: «اليوم العنف شديد جداً ولم نكن قادرين على التجمع بسبب الانتشار الأمني». وأضافت لوكالة الصحافة الفرنسية: «كان هناك طوال الوقت إطلاق للغاز المسيل للدموع وقنابل صوتية، كما كانت هناك اعتقالات كثيرة».



مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر: «كشك باب النصر» يعيد الجدل بشأن «التعدي» على الآثار

مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)
مطالب بإعادة النظر في الصورة الجمالية للقاهرة التاريخية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

جدد بناء «كشك نور» بالطوب الأحمر، في مكان بارز بمنطقة الجمالية الأثرية في مصر، مطالب خبراء أثريين بتشديد الرقابة على المناطق الأثرية وحمايتها من الاعتداء بالاستناد إلى قانون حماية الآثار.

ويرى الخبير الأثري الدكتور محمد حمزة أن واقعة بناء كشك كهرباء داخل «حرم موقع أثري»، صورة من أوجه مختلفة للاعتداء على الآثار في مصر، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «يمثل هذا الكشك مثالاً لحالات البناء العشوائي التي لا تراعي خصوصية المناطق الأثرية، وتشويهاً معمارياً مثل الذي شهدته بنفسي أخيراً ببناء عمارة سكنية في مواجهة جامع «الحاكِم» الأثري في نهاية شارع المعز التاريخي، بما لا يتلاءم مع طراز المنطقة، وأخيراً أيضاً فوجئنا بقرار بناء مسرح في حرم منطقة سور مجرى العيون الأثرية، وهناك العديد من الأمثلة الأخيرة الخاصة بهدم آثار كالتعدي على قبة الشيخ عبد الله بمنطقة عرب اليسار أسفل قلعة صلاح الدين الأيوبي، وتلك جميعها صور من الاعتداء التي تتجاهل تماماً قوانين حماية الآثار».

كشك كهرباء باب النصر (حساب د. محمد حمزة على فيسبوك)

وحسب الدكتور محمد عبد المقصود، الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار، فإن بناء هذا الكشك «هو حالة متكررة لمخالفة قانون حماية الآثار بشكل واضح»، حسبما يقول لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «يجب أن تتم إزالته، فهو يؤثر بشكل واضح على بانوراما المكان الأثري، علاوة على أنه كيان قبيح ولا يليق أن يتم وضعه في موقع أثري، ويتسبب هذا الكشك في قطع خطوط الرؤية في تلك المنطقة الأثرية المهمة».

ويضيف عبد المقصود: «المؤسف أن وزارة السياحة والآثار لم تعلق على هذا الأمر بعد، مثلما لم تعلق على العديد من وقائع الاعتداء على مواقع أثرية سواء بالبناء العشوائي أو الهدم قبل ذلك، رغم أن الأمر يقع في نطاق مسؤوليتهم».

قانون الآثار المصري يمنع بناء مبان أعلى من المنشآت الأثرية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وأثار تشويه بعض نقوش مقبرة مريروكا الأثرية في منطقة سقارة بالجيزة (غرب القاهرة) ضجة واسعة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وسط دعوات بضرورة تطبيق قانون حماية الآثار الذي تنص المادة 45 منه رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته، على أنه «يعاقَب كل من وضع إعلانات أو لوحات للدعاية أو كتب أو نقش أو وضع دهانات على الأثر أو شوّه أو أتلف بطريق الخطأ أثراً عقارياً أو منقولاً أو فصل جزءاً منه بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد على 500 ألف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين».

الآثار الإسلامية تتوسط غابة من الكتل الخرسانية (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وترى الدكتورة سهير حواس، أستاذة العمارة والتصميم العمراني بقسم الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة، أن منطقة القاهرة التاريخية مسجلة وفقاً لقانون 119 لسنة 2008، باعتبارها منطقة أثرية لها اشتراطات حماية خاصة، وتقول في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «تشمل تلك الحماية القيام بعمل ارتفاعات أو تغيير أشكال الواجهات، وأي تفاصيل خاصة باستغلال الفراغ العام، التي يجب أن تخضع للجهاز القومي للتنظيم الحضاري ووزارة الثقافة».

شكاوى من تشويه صور الآثار الإسلامية بالقاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وحسب القانون يجب أن يتم أخذ الموافقة على وضع أي كيان مادي في هذا الفراغ بما فيها شكل أحواض الزرع والدكك، وأعمدة الإضاءة والأكشاك، سواء لأغراض تجميلية أو وظيفية؛ لذلك فمن غير المفهوم كيف تم بناء هذا الكشك بهذه الصورة في منطقة لها حماية خاصة وفقاً للقانون.

ويرى الخبير الأثري الدكتور حسين عبد البصير أنه «لا بد من مراعاة طبيعة البيئة الأثرية، خاصة أن هناك العديد من الطرق التي يمكن بها تطويع مثل تلك الضرورات كتوسيع الطرق أو البنية التحتية أو إدخال تطويرات كهربائية بطريقة جمالية تلائم النسيج الجمالي والبصري للأماكن الأثرية».