مسرور بارزاني: المهاجرون لم يغادروا إقليم كردستان بضغط من الحكومة

محللون يحمّلون أخطاء الحكومات المتعاقبة في أربيل مسؤولية الهجرة

وارزر إبراهيم الذي يعتزم السفر مع أسرته إلى بيلاروسيا هذا الشهر أملاً في الوصول إلى الاتحاد الأوروبي يتابع تقريراً تلفزيونياً عن المهاجرين ببلدة سيد صادق بمحافظة السليمانية (رويترز)
وارزر إبراهيم الذي يعتزم السفر مع أسرته إلى بيلاروسيا هذا الشهر أملاً في الوصول إلى الاتحاد الأوروبي يتابع تقريراً تلفزيونياً عن المهاجرين ببلدة سيد صادق بمحافظة السليمانية (رويترز)
TT

مسرور بارزاني: المهاجرون لم يغادروا إقليم كردستان بضغط من الحكومة

وارزر إبراهيم الذي يعتزم السفر مع أسرته إلى بيلاروسيا هذا الشهر أملاً في الوصول إلى الاتحاد الأوروبي يتابع تقريراً تلفزيونياً عن المهاجرين ببلدة سيد صادق بمحافظة السليمانية (رويترز)
وارزر إبراهيم الذي يعتزم السفر مع أسرته إلى بيلاروسيا هذا الشهر أملاً في الوصول إلى الاتحاد الأوروبي يتابع تقريراً تلفزيونياً عن المهاجرين ببلدة سيد صادق بمحافظة السليمانية (رويترز)

قال مسرور بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان، أمس (الثلاثاء)، إن المهاجرين الكرد الموجودين على حدود بولندا وبيلاروسيا لم يغادروا بضغط من حكومة الإقليم، بل إن معظمهم غادروا بإرادتهم، وبشكل قانوني، وبعضهم وقع ضحية لشبكات تهريب البشر، مستبعداً وجود أي أسباب سياسية وراء قرارهم في الهجرة، في حين يرى محللون سياسيون وباحثون أن سبب الهجرة هو أخطاء استراتيجية في سياسات الحكومة في توفير فرص العمل، واعتمادها على التوظيف الحكومي، دون خلق فرص عمل في القطاع الخاص.
وأكد بارزاني، على هامش ملتقى الأمن والسلام في الجامعة الأميركية في دهوك، أن «هجرة المواطنين الكرد محل قلق عميق بالنسبة لنا، وأولوياتنا الآن هي سلامة المواطنين الكرد الموجودين على الحدود الأوروبية في ظروف حياتية قاسية»، مبيناً أن «هؤلاء المهاجرين لم يغادروا لأسباب سياسية أو ضغوطات من قبل حكومة الإقليم، إنما غادروا بإرادتهم، وسلكوا الطريق القانوني، فيما وقع جزء منهم ضحايا لاحتيال شبكات التهريب والاتجار بالبشر».
وأشار بارزاني إلى أن «حكومة الإقليم، على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة بسبب عدم إرسال الميزانيات من قبل الحكومة الاتحادية، وفرت 100 ألف فرصة عمل»، متسائلاً: «لماذا يأتي الناس من باقي مناطق العراق والبلدان الأخرى للعمل في الإقليم؟».
وتسلل المئات من مواطني إقليم كردستان، غالبيتهم من الشباب، إلى حدود بيلاروسيا مع بولندا، بهدف الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، والحصول على حق اللجوء فيها، متحججين بسوء الأوضاع الاقتصادية، وعدم توفر فرص العمل في الإقليم، ما شكل أزمة دولية بين الاتحاد الأوروبي وبيلاروسيا التي اتهمها الاتحاد بالتورط في دفع المهاجرين إلى حدود بولندا بدافع استخدام اللاجئين ورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي بعد العقوبات التي فرضت عليها مؤخراً.
الباحث المحلل السياسي عمر عبد القادر يرى أن «أسباب الهجرة متعددة، وقد خلقت حالة من الإحباط وفقدان الأمل، خاصة بين فئة الشباب العاطل عن العمل، ومنها اعتماد حكومة الإقليم على سياسة التوظيف العشوائي بهدف كسب ود الجمهور في سنوات الرخاء، ما خلق حالة من الاستسهال في الحصول على مصادر الدخل، مع تهميش وتراجع قطاعات العمل الأخرى، مثل الزراعة والصناعة والاستثمار، والقطاع الخاص بشكل عام».
وبيّن عبد القادر أن «الاستياء ازداد بين المواطنين بعد عام 2014، عندما عجزت الحكومة عن توظيف مزيد من الخريجين، لأسباب اقتصادية وسياسية متعددة، وعدم القدرة على دفع مستحقات الكم الهائل من الموظفين الذين غالبيتهم تم تعيينهم تحت مفهوم البطالة المقنعة، وهو ما خلق أزمة عمل في الإقليم».
الكاتب الصحافي سامان نوح يقول بدوره إن القطاع الحكومي «هو السائد في الإقليم، فيما القطاع الخاص ضعيف جداً، لذا الكل ينتظر تعيينات القطاع الحكومي المتوقفة منذ 2014، وهذا يعني أن هناك نحو 200 ألف خريج جامعي جديد ينتظر أغلبهم التعيين في الدوائر الحكومية، فضلاً عن مئات آلاف آخرين ممن لم يكملوا تعليمهم، وينتظرون أيضاً الحصول على فرص عمل تناسبهم»، مضيفاً أن «المشكلة أن فرص العمل قليلة، وينافسهم عليها السوريون، فضلاً عن المواطنين العرب العراقيين القادمين من باقي مناطق البلاد، إلى جانب الأتراك، علماً بأن الشركات التركية هي التي تستحوذ على مشاريع الإعمار والبناء، ونسبة تشغيل الأتراك فيها تتجاوز أحيانا الـ60 في المائة».
ويضيف نوح سبباً آخر لهجرة الشباب من الإقليم، قائلاً: «إلى جانب البطالة، هناك مشكلة عدم الاستقرار السياسي في الإقليم، فالصراعات كبيرة بين القوى الكردية، والصراعات داخل تلك القوى كبيرة جداً، وهي تنعكس سلباً على الشارع، وتثير قلق أبناء إقليم كردستان بشأن مستقبلهم، خاصة في ظل ضعف الحكومة أمام قوة الأحزاب، وعجز البرلمان وبقية المؤسسات، فالقادة الحزبيون هم من يسيطرون فعلياً على كل مفاصل الإدارة والاقتصاد والقرار في الإقليم، ما يعني أن دور المؤسسات مغيب، وأن المواطنين ليسوا سواء أمام القانون، فلا مساواة بين الحزبي وغير الحزبي، والنتيجة شعور شريحة واسعة من المواطنين بأنها محرومة من حقوقها الأساسية، فيما المسؤولون يتمتعون بامتيازات كبيرة، وربما هذا جعل نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة أقل من 35 في المائة من مجموع الناخبين».
ويتابع نوح أن «هناك سبباً آخر قد لا يكون جوهرياً، لكن له تأثيراً، ويتمثل في تراجع الحريات في إقليم كردستان، فما زال أبناء الإقليم يعيشون صدمات محاكمة نحو 70 ناشطاً ومدوناً وجهت لهم تهم مختلفة بعد مشاركتهم في مظاهرات للمطالبة برواتبهم المستقطعة قبل عامين».
الكاتب الباحث الأكاديمي هفال زاخويي يرى أن «موجهة الهجرة هذه ليست حالة عابرة أو رغبة لرحلة جميلة باتجاه اكتشاف عالم جديد من أجل الاستجمام والمتعة والترويح عن النفس، بل إن هؤلاء المواطنين يسعون وراء مسببات العيش الكريم، وهم يعلمون ويدركون المخاطر التي ستواجههم، سواء في رحلة العبور أو الإقامة في الغرب الذي لم تعد دوله كما كانت في السابق، لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية معروفة»، مبيناً أن «غياب الرؤية المستقبلية، وغياب الاستراتيجيات والخطط الكفيلة بتأمين حتى الحد الأدنى من المعيشة، وكذلك غياب عنصري العدالة والمساواة، هي أسباب جوهرية لظاهرة الهجرة الخطيرة الحالية التي انهمكت بها أجهزة الإعلام العالمية، وأرهقت حكومات الغرب».
وأوضح أن «غياب الرؤية والاستراتيجيات والخطط هي نتيجة لأخطاء متراكمة لممارسة الحكم لمدة 3 عقود من الزمن؛ هذا السقف الزمني كان كفيلاً بإحداث تغييرات جوهرية وبنيوية في المجتمع الكردي، لكن للأسف كانت هذه التغييرات بالاتجاه السلبي أكثر مما كانت في الاتجاه الإيجابي، حيث تحول المجتمع إلى مجتمع اتكالي بسبب سياسة الاقتصاد الريعي الذي تبنته الحكومات المتتالية التي أدارت الإقليم».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.