حفتر يترشح للانتخابات الرئاسية... والدبيبة ينتظر «اللحظة المناسبة»

مجلس الدولة يشكك في قدرة «المفوضية» الليبية على إجراء الاستحقاق في موعده

خليفة حفتر في مؤتمر صحافي في بنغازي بعد إعلان ترشحه للانتخابات أمس (أ.ف.ب)
خليفة حفتر في مؤتمر صحافي في بنغازي بعد إعلان ترشحه للانتخابات أمس (أ.ف.ب)
TT

حفتر يترشح للانتخابات الرئاسية... والدبيبة ينتظر «اللحظة المناسبة»

خليفة حفتر في مؤتمر صحافي في بنغازي بعد إعلان ترشحه للانتخابات أمس (أ.ف.ب)
خليفة حفتر في مؤتمر صحافي في بنغازي بعد إعلان ترشحه للانتخابات أمس (أ.ف.ب)

أعلن المشير خليفة حفتر ترشحه لخوض الانتخابات الرئاسية الليبية، المقررة قبل نهاية الشهر المقبل، بينما مهّد عبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة «الوحدة» الوطنية، لإعلان تأجيلها بانتقاده قوانين العملية الانتخابية.
وقال حفتر في كلمة متلفزة إنه ترشح للانتخابات الرئاسية أمس، ووصف ذلك بأنه «مناسبة تاريخية جاءت امتثالاً لقواعد الديمقراطية، وتطبيقاً لخريطة الطريق المتفق عليها، وبعد توكلي على الله».
وأضاف حفتر، الذي قدم أوراق ترشحه لمقر مفوضية الانتخابات من معقله بمدينة بنغازي (شرق): «اليوم فتحت أمام الشعب أبواب الأمل لاستعادة الشرعية للعبور نحو شواطئ الأمان».
واختصر حفتر برنامجه الانتخابي، مخاطباً ناخبيه قائلاً: «إذا قُدّر لنا تولّي الرئاسة بإرادتكم الحرة، فإن عقلنا مليء بأفكار لا تنضب لتحقيق التقدم والازدهار». وحثهم على ممارسة دورهم في الانتخابات، وتوجيه أصواتهم «حيث يجب أن تكون، لبدء مرحلة المصالحة والسلام والبناء والاستقرار».
في غضون ذلك، قال الدبيبة في كلمة ألقاها مساء أول من أمس، أمام «الفعاليات الشبابية والطلابية» بطرابلس، إن «الشعب الليبي يريد الانتخابات، لكننا لن نرضى بالقوانين المعيبة والمفصلة على أشخاص»، مضيفاً: «نريد برلماناً نزيهاً يخدم كل الليبيين، وانتخابات تقوم على أساس قاعدة دستورية وقوانين عادلة».
ومازح الدبيبة الشباب قائلاً: «إياكم أن تتخلوا عني... وأنا لن أترككم... فأنتم من تقررون ترشحي للانتخابات، وسأعلن موقفي من الترشح للانتخابات في اللحظة المناسبة... قرار ترشحي للانتخابات قراركم أنتم يا ليبيين».
واعتبر الدبيبة أن العملية الانتخابية «تمر بمشكلة كبيرة جداً، كون القوانين الحالية وضعت لتعرقل مسار الانتخابات»، وأوضح أنه لا يمكن التنازل عن مطلب «اختيار الشعب الليبي لمن ينتخبه»، وأن «من وضعوا القوانين عرقلوا هذا المسار الانتخابي»، في إشارة إلى مجلس النواب، مؤكداً ضرورة إقامة الانتخابات، وفق «قاعدة دستورية وقانون يتفق عليه الجميع». وقال في هذا السياق: «ليبيا بلد غني، ومشكلتها ليست الأموال، بل الفساد وسوء الإدارة، وبنهاية الشهر المقبل سيتم الإعلان عن جدول رواتب عادل وموحد لكل فئات المجتمع».
كما طالب الدبيبة بفتح ملف قضية «لوكربي» داخل ليبيا «ضد من استغلوا أموالها لصالح تعويضات خارجية»، مشيراً إلى أن من وصفهم بـ«المشوشين» اتهموا نجلاء المنقوش وزيرة الخارجية بأنها أعادت فتح الملف.
بدورها، قالت مفوضية الانتخابات، التي تجاهلت خبر ترشح حفتر، حتى بعد ظهر أمس، إن عدد مرشحي الانتخابات الرئاسية ارتفع إلى خمسة، مشيرة إلى تقدم ثلاثة مرشحين إلى مقرها ومقر مكتب الإدارة الانتخابية في طرابلس بأوراق ترشحهم، أمس، مصحوبين بمستنداتهم ووثائقهم الخاصة بالتقدم لطلب الترشح المبدئي.
ولفتت المفوضية إلى أن قبول طلبات الترشح «يعد قبولاً مبدئياً إلى حين التحقق من بيانات المرشحين»، مشيرة إلى أنها ستعلن بعد إغلاق باب الترشح القوائم المبدئية للمرشحين، وأنها ستنشر بوسائل الإعلام وموقعها الرسمي.
كما أعلنت المفوضية أن عدد مرشحي الانتخابات البرلمانية في كل الدوائر الانتخابية بلغ حتى مساء أول من أمس، 721 شخصاً، وأنها أحالت بيانات 601 منهم للجهات المختصة، بما في ذلك النائب العام، وجهاز المباحث الجنائية، والإدارة العامة للجوازات والجنسية.
وأدرجت المفوضية هذا الإجراء في إطار حرصها على تطبيق القانون، والتأكد من توفر شروط الترشح في الطلبات المقدمة، بهدف إضافة مزيد من الشفافية على إجراءات العملية الانتخابية. كما دعت المفوضية المواطنين إلى الإسراع بتسلم بطاقة الناخب «المتبقي لها 14 يوماً فقط، استعداداً للاستحقاق الانتخابي المقبل».
وتستمر عملية تسجيل المرشحين للانتخابات الرئاسية، التي بدأت منذ أسبوع حتى 22 الشهر الجاري، وللانتخابات البرلمانية حتى السابع من الشهر المقبل، حيث ينتظر أن يدلي أكثر من 2.8 مليون ليبي بأصواتهم.
وكان المجلس الأعلى للدولة قد شكك في قدرة المفوضية على إجراء الانتخابات، بعدما نشرت خبراً مساء أول من أمس، يتعلق باستبعاد سيف القذافي من قائمة المرشحين للانتخابات قبل أن تسارع بحذفه، ما أثار حالة من الجدل.
وتعد هذه هي المرة الثالثة على التوالي، التي تتراجع فيها المفوضية عن نشر أخبار مثيرة للجدل بشأن العملية الانتخابية في البلاد.
ونفت مديرية أمن مدينة سبها تعرض مكتب الإدارة الانتخابية فيها لهجوم مساء أول من أمس، وقالت في بيان مقتضب، إن الأمن مستقر في المدينة عبر تنفيذ الخطة الأمنية بتسيير دوريات ثابتة ومتحركة.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.