السبسي يشرف على إحياء ذكرى وفاة بورقيبة قبل التوجه إلى باريس

الرئيس التونسي يبحث مع هولاند اليوم توثيق العلاقات ويسعى لمزيد من الدعم الأمني والاقتصادي

تونسيتان من قوات الأمن أمام محكمة تونسية أمس حيث تجري محاكمة 80 متهما  في هجوم استهدف الجيش صيف 2013 أدى إلى مقتل 8 جنود (أ.ف.ب)
تونسيتان من قوات الأمن أمام محكمة تونسية أمس حيث تجري محاكمة 80 متهما في هجوم استهدف الجيش صيف 2013 أدى إلى مقتل 8 جنود (أ.ف.ب)
TT

السبسي يشرف على إحياء ذكرى وفاة بورقيبة قبل التوجه إلى باريس

تونسيتان من قوات الأمن أمام محكمة تونسية أمس حيث تجري محاكمة 80 متهما  في هجوم استهدف الجيش صيف 2013 أدى إلى مقتل 8 جنود (أ.ف.ب)
تونسيتان من قوات الأمن أمام محكمة تونسية أمس حيث تجري محاكمة 80 متهما في هجوم استهدف الجيش صيف 2013 أدى إلى مقتل 8 جنود (أ.ف.ب)

أشرف الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، أمس، على موكب إحياء الذكرى الـ15 لوفاة الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة في ظل جدل متواصل حول مدى نجاح الزعيم التونسي الأسبق في تطبيق منهج التحديث الاجتماعي الذي اعتمده من خلال دعم التعليم وتمكين المرأة من الحرية والمساواة مع الرجل. وجاءت هذه الاحتفالات عشية توجه السبسي إلى باريس اليوم في زيارة دولة رسمية تهدف إلى تعزيز العلاقات بين البلدين.
وزار السبسي، أمس، مدينة المنستير؛ مسقط رأس الزعيم التونسي الراحل، برفقة الحبيب الصيد رئيس الحكومة، ولزهر القروي الشابي الوزير الممثل لرئيس الجمهورية، ومحمد ناجم الغرسلي وزير الداخلية.
وحضر هذا الموكب كثير من الشخصيات السياسية مثل فؤاد المبزع الرئيس التونسي الأسبق، والجنرال السابق رشيد عمار، ووزراء في نظام بورقيبة، من بينهم الطاهر بلخوجة وزير الداخلية السابق، ورشيد صفر رئيس آخر حكومة في نظام بورقيبة، هذا إلى جانب عدد من أفراد عائلة بورقيبة.
ووفق رئيس جمعية الفكر البورقيبي، وهي جمعية مستقلة، فقد انطلقت الأنشطة السياسية والفكرية منذ يوم الجمعة الماضي.
وبشأن هذه الاحتفالات وعودة الروح إلى صورة بورقيبة، خاصة بعد الثورة، قال محمد بريك الحمروني رئيس الجمعية، لـ«الشرق الأوسط»، إن بورقيبة لا يزال يمثل مظلة تجمع كل التونسيين، فقد كان طوال حكمه لتونس يجمع في تركيبة الحكومة كل الأطراف السياسية ولا يفرق بين التونسيين. وأضاف موضحا: «نحن لا نحتفل اليوم بشخص بورقيبة بقدر ما نوجه اهتمامنا إلى فكره ونمط العيش المجتمعي الذي كان يريده للتونسيين».
وتابع الحمروني قوله «إن حضور كبار المسؤولين في الدولة في المنستير يؤكد تجاوز الخلاف التاريخي بين بورقيبة المجدد وصالح بن يوسف الذي يمثل التيار المحافظ الذي تمسك بالاستقلال التام عن فرنسا، وكذلك عدد من التيارات الإسلامية من بينها حركة النهضة».
وتفرش باريس السجاد الأحمر لاستقبال الرئيس التونسي الذي يصل اليوم إلى العاصمة الفرنسية في زيارة دولة، سيخصص جانب مهم منها لتناول المسائل الأمنية التي تشغل السلطات التونسية بعد العملية الإرهابية التي استهدفت متحف باردو، واستمرار التهديد الإرهابي إن كان من الغرب في جبل الشعانبي ومحيطه أو من الجنوب عبر الحدود الليبية. ونهلت باريس مما يتيحه البروتوكول الفرنسي لتكريم الضيف الرسمي التونسي الذي التقاه الرئيس فرنسوا هولاند في تونس يوم الأحد ما قبل الماضي بمناسبة المسيرة الشعبية التي شهدتها العاصمة التونسية للإعراب عن رفض الإرهاب الذي ضربها في الصميم.
بيد أن المظاهر الاحتفالية وإعلان باريس عن استعدادها للوقوف إلى جانب تونس ومساعدتها، إن على الصعيد الثنائي أو في إطار العلاقات مع الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المالية الدولية لم يمنع السبسي من التعبير عن شيء من الخيبة «السابقة» من السلطات الفرنسية التي يتهمها بأنها وقفت إلى جانب منافسه في الانتخابات الرئاسية. وقال السبسي في مقابلة مع مجلة «باري ماتش» الصادرة نهاية الأسبوع، إنه «لم يكن هناك غموض من جانب فرنسا التي أبدت تأييدا واضحا لخصمي (المنصف المرزوقي) في الحملة الانتخابية. هكذا جرت الأمور. أما أنا، فإن دعمي قد جاء من التونسيين، خصوصا التونسيات».
المرجح أن الرئيس التونسي يريد الاستفادة من الزيارة لتوثيق العلاقات مع فرنسا التي هي شريك تونس الاقتصادي الأول، ولكن من غير إعطاء الانطباع أن بلاده «تركض» وراء المساعدات من أي نوع كان وهو ما قاله بصراحة في حديث صحافي آخر حيث أعلن أن تونس «لا تطلب شيئا من أحد، ولكنها تقبل أي نوع من الدعم والتضامن من أصدقائها والدول الشقيقة مما يمكنها من تجاوز المرحلة الحرجة» التي تمر بها. وقال السبسي لصحيفة «لو موند»، إن «نجاح تونس في نقلتها الديمقراطية يفترض تحسنا في الوضع الاقتصادي، والحال أن هذا الأمر غير متوافر حتى الآن». وأضاف السبسي: «فرنسا شريكتنا الأولى ونأمل أن تتفهم بشكل أفضل قضايانا، ونحن منفتحون على كل شكل من أشكال التعاون الثقافي، والعلمي، والاقتصادي، والسياسي، وحتى الأمني».
في معرض تقديمها الأسبوع الماضي لزيارة السبسي إلى باريس، قالت مصادر الإليزيه إن الملف الأمني سيبحث بين الجانبين. وكان لافتا إشارتها إلى وجود مناقشات مع «أطراف أخرى» ذاكرة منها الإمارات العربية المتحدة. لكن هذه المصادر نفت وجود خطط شبيهة بما حصل للبنان حيث قدمت السعودية هبة من 3 مليارات دولار للبنان لتمويل مشترياته من الأسلحة فرنسية.
لكن يبدو أن ثمة توجه جدي نحو هذا الخيار؛ إذ إن وزير الخارجية التونسي الطيب بكوش الذي زار باريس يوم حصول الاعتداء على متحف باردو، أقر الأسبوع الماضي بموجود اتصالات مع أبوظبي وباريس لشراء أسلحة فرنسية لمواجهة الوضع على الحدود مع الجزائر ومع ليبيا. وكان الملف الأمني قد تمت دراسته خلال الزيارة التي قام بها وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف إلى تونس.
وتعي باريس التحديات التي تواجهها السلطات التونسية، وكذلك القدرات المحدودة للجيش التونسي الذي يختلف تاريخيا عما عليه جيوش دول أخرى في المنطقة. ولذا، عمدت فرنسا لتقديم معدات وأسلحة، خصوصا الطوافات ووسائل الاتصال، لتمكين القوات التونسية من مواجهة المجموعات الإرهابية التي تتحرك، إن على الحدود الغربية أو في جنوب البلاد قريبا من الحدود مع ليبيا كما أنها تعي كم أن الوضع في ليبيا يهدد أمن تونس. وأكثر من مرة، أكدت باريس على تمسكها بإنجاح «النموذج التونسي» الذي ترى فيه النجاح الوحيد الذي يعتد به للربيع العربي.
إضافة إلى المسائل الأمنية والاقتصادية التي ستترجم عمليا بتوقيع مجموعة من الاتفاقيات الثنائية، فإن باريس، كما تقول مصادرها، تريد إقامة «حوار سياسي منتظم» مع الجانب التونسي، خصوصا فيما يتعلق بالوضع في ليبيا وما يطرحه من تحديات على صعيد شمال أفريقيا وبلدان الساحل والبحر الأبيض المتوسط بشكل عام.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».