أوباما: سنقف بجانب أصدقائنا العرب عندما يصل الأمر إلى العدوان الخارجي

وصف في حوار تنشره «الشرق الأوسط» اتفاق إيران «بفرصة العُمر» لاستقرار المنطقة

الرئيس الأميركي باراك أوباما (نيويورك تايمز)
الرئيس الأميركي باراك أوباما (نيويورك تايمز)
TT

أوباما: سنقف بجانب أصدقائنا العرب عندما يصل الأمر إلى العدوان الخارجي

الرئيس الأميركي باراك أوباما (نيويورك تايمز)
الرئيس الأميركي باراك أوباما (نيويورك تايمز)

صرح الرئيس الأميركي باراك أوباما في مقابلته مع توماس فريدمان التي تنشرها {الشرق الأوسط}، بأن سياسته التفاعلية مع إيران ودول أخرى في العالم لا تعني أن الولايات المتحدة عاجزة عن الدفاع عن مصالحها أو مصالح حلفائها.
زرت إيران في سبتمبر (أيلول) 1996، وإحدى أكثر ذكرياتي ديمومة من تلك الزيارة جاءت في بهو الفندق حيث كانت هناك لافتة تعلو الباب وقد كُتب عليها «الموت لأميركا»، غير أنها لم تكن لافتة من لافتات الشارع أو من الكتابات الجدارية، بل كانت مرصوفة وملصقة على الحائط كجزء لا ينفك عنه. فقلت لنفسي: «يا للهول.. إنها ملصوقة هناك! وليس من السهل نزعها من مكانها». الآن وبعد 20 عاما، وعلى إثر مسودة الاتفاق بين إدارة الرئيس أوباما مع إيران، سنحت لنا ما يمكن اعتبارها الفرصة الذهبية لنزع تلك اللافتة من مكانها العتيق، وللتخفيف من حالة الحرب الباردة المشتعلة ما بين الولايات المتحدة وإيران، والتي كدرت صفو المنطقة لما يربو على 36 عاما. غير أنها فرصة تحفّها المخاطر الكثيرة بالنسبة إلى أميركا، وإسرائيل، وحلفائنا من العرب السنّة، إذ يمكن لإيران أن تتحول في نهاية الأمر إلى دولة مسلحة نوويا.

دعاني الرئيس أوباما بعد ظهيرة يوم السبت إلى المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض ليوضح لي بالضبط كيف كان يحاول تحقيق التوازن بين تلك المخاطر المحدقة والفرص السانحة في إطار الاتفاق المبرم مع إيران الأسبوع الماضي في سويسرا. ما أثار دهشتي بحق هو ذلك الأمر الذي بت أسميه «عقيدة أوباما» المتأصلة في تصريحات السيد الرئيس، فلقد بدت واضحة حينما سألته ما إذا كان هناك قاسم مشترك إزاء قراراته بالانفكاك من السياسات الأميركية طويلة الأمد والجامدة حيال عزل بورما وكوبا، وحاليا إيران. فجاء رد أوباما بأن رؤيته ترتكز على مبدأ «التفاعل» الذي -مقترنا مع الاحتياجات الاستراتيجية الأساسية- يمكن أن يقدم خدمات عظيمة للمصالح الأميركية من خلال التعامل «وجها لوجه» مع تلك البلدان الثلاث، وبصورة أفضل بكثير من فرض العقوبات وحالة العزلة الدولية التي لا نهاية لها. كما أضاف أن أميركا، ومن واقع قوتها الهائلة، تحتاج إلى ثقة غامرة بالنفس تمكنها من التعاطي مع مخاطر محسوبة بعناية تفتح من خلالها الباب أمام فرص جديدة، مثالا بمحاولة صياغة اتفاقية دبلوماسية مع إيران التي، في حين تسمح لها بامتلاك بعض من بنيتها النووية التحتية، تقطع عليها الطريق نحو قدرة بناء القنبلة النووية لمدة لا تقل عن 10 سنوات، إن لم يكن لفترة أطول.
يقول الرئيس الأميركي: «نحن أقوياء بما فيه الكفاية، وتمكننا قوتنا من اختبار تلك الأطروحات من دون تعريض أنفسنا لمخاطرها. وذلك هو الأمر الذي يبدو أن الناس لا يدركونه. فعليك بمثال دولة كوبا، فإن اختبارنا أن إمكانية التفاعل مع كوبا قد يعود بنتائج جيدة يستفيد منها الشعب الكوبي، لا يشكل قدرا من المخاطر علينا في شيء. إنها دولة صغيرة للغاية. وهي ليست بالدولة التي تهدد مصالحنا الأمنية الرئيسية بحال، وبالتالي [فليس هناك من سبب يدعونا] لعدم اختبار تلك الأطروحة معهم. فإذا ما تبين أنها لا تعود بما نتوقعه من نتائج طيبة، فيمكننا تعديل سياساتنا بمنتهى السهولة. وينطبق ذات المنوال في ما يتعلق بإيران، وهي دولة أكبر، ودولة خطيرة، تلك التي اضطلعت بأنشطة كثيرة أسفرت عن مقتل كثير من المواطنين الأميركيين، ولكن حقيقة الأمر تكمن في أن ميزانية إيران الدفاعية تقدر بـ30 مليار دولار. أما ميزانيتنا الدفاعية تجاوز 600 مليار دولار. ومن ذلك فإن إيران تدرك تماما أنها لا طاقة لها بقتالنا. لقد سألتني عن عقيدة أوباما. إن عقيدتي في ذلك هي: سوف نتفاعل معهم، لكننا سوف نحتفظ في ذات الوقت بكامل إمكانياتنا».
تابع السيد الرئيس يقول: «إن فكرة أن إيران قوة لا رادع لها ليست هي القضية الرئيسية. وهكذا الأمر بالنسبة لنا حين نقول: دعونا نحاول - من واقع إدراكنا أننا نحتفظ بجميع الخيارات في أيدينا، وأننا لسنا من السذّج - ولكن في حقيقة الأمر يمكننا تسوية تلك القضايا بالوسائل الدبلوماسية، ونحن أكثر أمنا وأكثر سلامة، وفي وضع أفضل لحماية حلفائنا، ولكن من يدري؟ فقد تتغير إيران. وإذا لم يطَلها التغيير فإن وسائل الردع لدينا كافية وقوتنا العسكرية الفائقة لا تزال موجودة وفاعلة. إننا لن نتخلى عن قدراتنا للدفاع عن أنفسنا أو عن حلفائنا. ومن ذلك الموضع، لماذا لا نجرب ذلك ونختبره؟».
أضاف الرئيس أوباما: «من الواضح أن إسرائيل في وضع مختلف. الآن، ما يمكنك سماعه من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي أحترمه، هي تلك الفكرة: انظروا، إن إسرائيل أكثر عرضة للخطر الآن. ليس لدينا متسع يمكننا من اختبار الأطروحات على منوالكم. وإنني أتفهم وأدرك ذلك تماما. ولأكثر من ذلك، إنني أدرك تماما عقيدة إسرائيل أنه باعتبار التاريخ المأساوي للشعب اليهودي، فلا يمكنهم الاعتماد حصريا علينا في ما يتعلق بأمن بلادهم. ولكن ما أقوله لهم هو أنني لست فقط ملتزما بالكامل لضمان احتفاظهم بالتفوق العسكري النوعي، وأنهم يمكنهم ردع أية هجمات مستقبلية محتملة، بل ما أنا على استعداد لفعله هو الاضطلاع بتلك الالتزامات التي تبعث برسالة واضحة وجلية للجميع في منطقة الشرق الأوسط، ومن بينهم إيران، أنه إذا تعرضت إسرائيل لهجوم من قبل أي دولة، فسوف نقف إلى جانب إسرائيل على الفور. وذلك، كما أعتقد، ينبغي أن يكون كافيا للاستفادة من تلك الفرصة التي لا تأتي في العمر إلا مرة واحدة لنعرف هل بإمكاننا، على أدنى تقدير، سحب ملف القضية النووية من على طاولة المفاوضات».

* ما الذي يود الرئيس أوباما قوله للإسرائيليين؟
* يوضح الرئيس أوباما لماذا يعد الاتفاق النووي مع إيران هو الأفضل، وليس مجرد خيار للحفاظ على أمن إسرائيل من التهديدات الإيرانية. «هناك نقطة كانت تشغلني كثيرا. انظر إلى إسرائيل، إنها دولة ديمقراطية مشاكسة. ونحن نشاركها ذلك بقدر كبير. إننا نتقاسم معهم الدماء والعائلات. وجزء كبير مما يميز عمق العلاقات الأميركية - الإسرائيلية هو أنها تجاوزت حاجز التفرقة، وهو أمر لا بد من الحفاظ عليه. تتاح لي بحكم منصبي إمكانية الاعتراض على سياسة المستوطنات، على سبيل المثال، من دون اعتباري مناوئا مباشرا لإسرائيل. لا بد أن تكون هناك طريقة يعترض بها رئيس الوزراء نتنياهو على سياساتي من دون اعتباره معارضا للديمقراطية، وأعتقد أن الطريقة المثلى لذلك هي إدراك أنه بقدر القواسم المشتركة التي تجمعنا معا، فسوف تكون هناك خلافات استراتيجية كذلك. كما أعتقد أنه من الأهمية بمكان لكلا الجانبين احترام المناقشات التي تثور في الدولة الأخرى وعدم العمل من جانب واحد فقط، غير أن ذلك كان عسيرا للغاية بالنسبة لي نظرا للانتماءات العميقة التي أحملها بداخلي للشعب الإسرائيلي وللشعب اليهودي. لقد كانت فترة شاقة بحق».
أما بالنسبة لحماية حلفائنا العرب السنّة، مثل المملكة العربية السعودية، فقد قال السيد الرئيس إنهم تواجههم بعض التهديدات الخارجية الحقيقية، كما يعانون من بعض التهديدات الداخلية كذلك.
من واقع ذلك، فإن الاتفاق مع إيران هو أبعد ما يكون عن مرحلة النهاية. كما تابع السيد الرئيس حديثه: «لم ننتهِ بعد. هناك كثير من التفاصيل تحتاج إلى مزيد من العمل، ويمكنك ملاحظة بعض من المنزلقات والتراجعات وقدر من الصعوبات السياسية الحقيقية، في كل من إيران وبمزيد من الوضوح هنا في كونغرس الولايات المتحدة».
سألت السيد الرئيس، من واقع كثرة تعاملاته المباشرة وغير المباشرة مع القيادة الإيرانية - بما في ذلك تبادل كثير من الخطابات بين المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي - أكثر مما كان مع أي من أسلافه ومنذ اندلاع الثورة الإيرانية في 1979، عما تعلمه من علاقاته وتعاملاته معهم، فقال: «أعتقد أنه من المهم إدراك أنه بالنظر إلى التاريخ القائم ما بين البلدين فإن هناك حالة عميقة من عدم الثقة ومن غير المتوقع تلاشيها على المدى القريب. فالأنشطة التي يضطلعون بها، من حيث الخطاب المعلن، المضاد للولايات المتحدة والمعادي للسامية، والمناوئ لإسرائيل، تسبب قدرا عميقا من القلق. فهناك توجهات متأصلة في ذلك البلد لا تعارض مصالح وآراء أمننا القومي فحسب، ولكنها تهدد الأمن القومي لحلفائنا وأصدقائنا كذلك في المنطقة، وتلك الانقسامات بالفعل حقيقية».
لكنه أضاف: «لقد رأينا أيضا أن هناك مسارا عمليا لدى النظام الإيراني. وأعتقد أنهم مهتمون بقضية الحفاظ على بقاء وثبات النظام. كما أعتقد أنهم متجاوبون، إلى درجة ما، حيال الرأي العام الإيراني الداخلي».
وأرى أن انتخاب الرئيس روحاني يشير إلى وجود تطلع لدى الشعب الإيراني للاندماج مجددا في المجتمع الدولي، وتركيز على القضايا الاقتصادية مع رغبة في التواصل مع الاقتصاد العالمي. ولذلك، فإن ما شاهدناه عبر السنوات القليلة الماضية، كما أعتقد، يعد من قبيل الفرصة المواتية لتلك القوى الداخلية في إيران التي تسعى لكسر الإطار القوي الصلد الذي ظلوا سجناء له عبر فترات طويلة، والتحرك الفعلي في اتجاه مختلف. لن يكون كسرا جذريا عميقا، ولكنها المحاولة التي أعتقد أنها تتيح الفرصة لنوع مغاير من العلاقات، وذلك الاتفاق النووي، كما أعتقد أيضا، ليس إلا تعبيرا محتملا لذلك».

* ماذا عن المرشد الإيراني الأعلى، الذي له الكلمة الأخيرة في ما إذا كانت إيران سوف تمضي قدما في الاتفاق من عدمه؟ ماذا لدى السيد الرئيس حوله؟
* يوضح الرئيس أوباما السبب وراء عدم رغبة إيران في امتلاك الأسلحة النووية لتكون قوة إقليمية كبيرة، قائلا: «إنه شخصية صعبة للغاية. لم أتحدث إليه مباشرة، ولكن من واقع الخطابات المرسلة منه، هناك في العادة كثير من التذكير بما يحمله الرجل من مظالم ماضية ضد إيران، ولكن ما يوحي به ذلك، كما أعتقد، أنه أفسح المجال أمام فريق مفاوضيه خلال المحادثات، مما منحهم إمكانية تقديم تنازلات مهمة، مما أدى باتفاق الإطار النووي إلى أن يؤتي ثماره. لذا، ما أستخلصه من ذلك هو - على الرغم من شكوكه العميقة حيال الغرب والنزعة الانعزالية في الطريقة التي يفكر بها إزاء القضايا الدولية فضلا عن القضايا الداخلية، وكونه رجلا محافظا للغاية - أنه يدرك بالفعل أن نظام العقوبات الدولية الذي فرضناه معا أدى إلى إضعاف إيران على المدى الطويل، وأنه في واقع الأمر إذا ما أراد رؤية إيران تستعيد مكانها في المجتمع الدولي، فلا بد من وجود قدر كبير من التغييرات».
«نعلم أنه إذا لم نفعل شيئا، غير استمرار فرض العقوبات، فسوف يستمرون في تشييد البنية التحتية النووية ولن يكون لدينا إلا مجال ضيّق للغاية لمعرفة ما يجري هناك. ولذلك، وربما لن يكون ذلك هو الحل الأمثل، في عالم مثالي، فسوف تقول إيران: (ليست لدينا أية بنية تحتية نووية على الإطلاق)، ولكن ما نعلمه أن ذلك الأمر صار من قبيل الفخر والإعزاز والقومية بالنسبة لإيران. حتى بالنسبة إلى أولئك الذين نعتبرهم من المعتدلين والإصلاحيين فهم يؤيدون بعض مناحي البرنامج النووي الإيراني في الداخل، وباعتبار أنهم لن يستسلموا تماما، وباعتبار عدم قدرتهم على بلوغ العتبة النووية التي أشار إليها السيد نتنياهو من قبل، فلا يوجد في إيران قادة يستطيعون تنفيذ ذلك. وباعتبار، أيضا، حقيقة مفادها أن تلك الدولة تحملت حربا لمدة 8 سنوات كاملة ومليون قتيل، فلقد برهنت على استعدادها، كما أعتقد، لتحمل المشاق والصعاب إذا ما وصل الأمر إلى نقطة الفخر الوطني أو، في بعض الحالات، البقاء (قوميا) على قيد الحياة».
تابع الرئيس يقول: «بالنسبة إلينا، فإننا ندرس تلك الخيارات ونقول لأنفسنا: إذا استطعنا الحصول على حزمة تفتيش نووية صارمة، وغير مسبوقة، ونعرف في كل نقطة منها على طول التسلسل النووي الإيراني ماذا يفعلون بالتحديد، ويستمر ذلك لمدة قدرها 20 عاما، وأدى ذلك إلى عدم تجميد برنامجهم النووي فحسب، بل وتراجعه إلى الوراء تماما خلال السنوات العشر الأولى، ونعرف كذلك أنهم إذا ما أرادوا الغش فسوف تكون لدينا فترة إنذار لعام كامل، وهي تزيد بثلاثة أضعاف عما لدينا الآن، وسوف يكون لدينا إشراف على برنامجهم مما لم يتَح لنا من قبل، فإن الفكرة التي تدور حول أننا إذا لم نقبل الاتفاق الحالي وأنه لا يصب في صالح إسرائيل، هي فكرة غير سليمة بكل تأكيد».
يبدو أن هناك نقاشا يدور داخل إيران بشأن ما إذا كانت الدولة سوف تمضي قدما في سبيل اتفاق الإطار النووي من عدمه، لذلك، ما الذي يمكن للرئيس قوله إلى الشعب الإيراني لإقناعهم بأن تلك الصفقة تصب في صالحهم؟
قال الرئيس: «إذا كان قادتهم يخبرونهم بحقيقة أن إيران لا تسعى فعليا لامتلاك السلاح النووي، فإن الفكرة تدور حول رغبتهم الأكيدة في التوسع في رمزية ذلك البرنامج في مقابل تسخير المواهب الفذة والعبقريات العلمية ورواد الأعمال من الشعب الإيراني، ويصبحون جزءا من الاقتصاد العالمي ويشهدون نجاح بلادهم في تلك المجالات، فلن يكون ذلك إلا خيارا واضحا وجليا بالنسبة إليهم. ولهذه المسألة، فإن ما أود قوله للشعب الإيراني: لا يلزمكم معاداة السامية أو معاداة إسرائيل أو معاداة السنّة لكي تكونوا قوة إقليمية كبيرة. وأعني أن الحقيقة تقول إن إيران تمتلك أصولا وإمكانيات كبيرة تستطيع الاستفادة منها، إذا ما كانت لاعبا دوليا على قدر المسؤولية، إذا لم تحمل خطاب الكراهية والعدوان ضد جيرانها، إذا لم تعبر عن معاداتها لإسرائيل وللسامية، وإذا حافظت على القدرات العسكرية التي تمكنها من الدفاع عن نفسها، وعدم الانخراط في مجموعة كاملة من الحروب بالوكالة في جميع أرجاء المنطقة، فمن واقع حجم إيران وثرواتها وشعبها، يمكنها أن تتحول إلى قوة إقليمية كبيرة وناجحة. لذلك فإني أملي في أن يبدأ الشعب الإيراني في إدراك ذلك والاعتراف به».
يتابع السيد الرئيس حديثه حول إيران فيقول: «لا تزال هناك عقوبات اقتصادية من جانب الولايات المتحدة تتعلق بسلوكيات إيران في ما يخص الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان، ورغم ذلك هناك بعض العقوبات التي سوف تستمر وتتواصل من حيث عدم ارتباطها بالبرنامج النووي الإيراني، ويدفعنا ذلك، كما أعتقد، إلى نقطة معينة عبرنا عنها مرارا وتكرارا. إذا ما تمكنّا من وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق النووي، وإذا ما التزمت إيران بما فيه، فذلك قدر كبير من النجاح قد توصلنا إليه، ولكن ذلك لا يعني حدا فاصلا لمشكلاتنا مع إيران، ولسوف نواصل العمل بقوة مع حلفائنا وأصدقائنا للتقليل من - وربما نتمكن عند مرحلة ما من إيقاف - أنشطة زعزعة الاستقرار التي تضطلع بها إيران، من حيث رعايتها للتنظيمات الإرهابية. وسوف يستغرق ذلك بعض الوقت. ولكن اعتقادنا، واعتقادي أنا بالأحرى، أننا سوف نكون في موضع أقوى لتنفيذ ذلك إذا ما انتهينا تماما من ملف القضية النووية. وإذا استطعنا تنفيذ ذلك فسوف يمكن لإيران، بعد الاستفادة من مكاسب تخفيف العقوبات الدولية، البدء في التركيز على الاقتصاد وعلى شعبها. وتبدأ الاستثمارات في التدفق، وتبدأ الدولة في الانفتاح على العالم. إذا ما قمنا بعمل جيد في تعزيز الإحساس بالأمن والتعاون الدفاعي بيننا وبين الدول السنية، وإذا ما تأكد لدينا تمتع الشعب الإسرائيلي بالحماية التامة وليس فقط من خلال قدراتهم الذاتية، ولكن من واقع التزاماتنا حيالهم، لذا فمن الممكن أن ترى قدرا من التوازن في المنطقة، ويبدأ السنّة والشيعة، في أن يقولوا: قد يجدر بنا التخفيف من حدة التوترات والتركيز على المتطرفين من شاكلة تنظيم داعش والذين يريدون حرق المنطقة بالكامل إذا ما استطاعوا».
يقول السيد الرئيس: «إن الرسائل التي أود أن أبعث بها إلى دول الخليج العربي هي: أولا وقبل كل شيء، كيفية بناء قدرات دفاعية أكثر فعالية. أعتقد أنك إذا ما نظرت إلى ما يحدث في سوريا، على سبيل المثال، فلقد كانت رغبة الولايات المتحدة كبيرة في الذهاب إلى هناك وتحقيق شيء ملموس. ولكن يبقى السؤال هو: لماذا لا يقوم العرب بالقتال [ضد] الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان التي ارتكبت هناك، أو القتال ضد ما فعله ويفعله نظام بشار الأسد؟ كما أعتقد أيضا أنني يمكنني أن أبعث برسالة إليهم حول التزامات الولايات المتحدة بالعمل معهم وضمان عدم تعرضهم للغزو الخارجي، ومن شأن ذلك أن يخفف بعض من مخاوفهم، ويسمح لهم بإجراء مزيد من المحادثات المثمرة مع الإيرانيين. ما الذي لا أستطيع فعله، رغم ذلك، هو الالتزام بالتعامل مع بعض من القضايا الداخلية التي يواجهونها دون إجراء بعض التغييرات الحاسمة من جانبهم والتي تعتبر أكثر استجابة لمطالب شعوبهم».
هناك طريقة وحيدة للتفكير في ذلك، كما يستطرد السيد أوباما، وهي: «عندما يصل الأمر إلى العدوان الخارجي، أعتقد أننا سوف نقف بجانب أصدقائنا العرب، وإنني أود رؤية كيف يمكننا إضفاء الطابع الرسمي على ذلك الأمر أكثر مما هو عليه الوضع الآن، والمساعدة كذلك في بناء القدرات حتى يشعروا بمزيد من الثقة الذاتية حيال قدرتهم على الدفاع عن أنفسهم من العدوان الخارجي. ولكن قد لا تكون التهديدات الكبيرة التي يعالجونها قادمة من إيران الغازية. والآن، إذا ما أخرجنا النشاط الإرهابي الحقيقي داخل بلادهم خارج المعادلة، فكيف يمكننا علاج الأوضاع؟ كيف نتفاعل في التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب الذي يحمل قدرا غاية في الأهمية لأمننا القومي؟ ومن دون إضفاء الشرعية التلقائية أو المصادقة على أي تكتيكات قمعية قد يتخذونها، فإنني أعتقد أنها رسالة قاسية لا بد من إرسالها، ولكن لا مفر ولا بد منها».

* خدمة «نيويورك تايمز»



بلينكن يبدأ جولة في 3 دول لاتينية يحكمها رؤساء يساريون

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
TT

بلينكن يبدأ جولة في 3 دول لاتينية يحكمها رؤساء يساريون

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الاثنين، إلى كولومبيا في مستهل جولة تشمل أيضاً تشيلي والبيرو، في محاولة لترسيخ شراكات الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية التي تعد فناءها الخلفي الجيوسياسي، في مواجهة الطموحات الصينية المتزايدة في منطقة شهدت انتخاب عدد من الرؤساء اليساريين أخيراً.
وخلال جولته التي تستمر أسبوعاً في الدول الثلاث، سيحضر كبير الدبلوماسيين الأميركيين أيضاً قمة وزارية. ويقر المسؤولون في واشنطن بأن هناك ضرورة لإظهار اهتمام الولايات المتحدة بجيرانها الجنوبيين، «باعتبارهم أولوية سياسية رغم التركيز على قضايا جيوسياسية كبرى، مثل الحرب الروسية في أوكرانيا، وتهديد الصين لتايوان». وتأمل إدارة الرئيس جو بايدن في أن يحافظ الزعماء اليساريون الجدد في أميركا اللاتينية «على نهج صديق للمشروعات الحرة وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، وألا يجنحوا إلى الشغب الآيديولوجي في حكمهم».
وأفاد مساعد وزير الخارجية الأميركي براين نيكولز، في إحاطة للصحافيين، بأن بلينكن يزور ثلاث دول «كانت منذ فترة طويلة شريكة تجارية حيوية للولايات المتحدة، ولديها اتفاقات تجارة حرة مع الولايات المتحدة (…). نحن نركز على تعزيز علاقاتنا مع تلك الحكومات». وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، أن بلينكن سيلتقي في بوغوتا الرئيس اليساري غوستافو بيترو، وهو متمرد سابق، ووزير الخارجية ألفارو ليفا لمناقشة الأولويات المشتركة بين البلدين، بما في ذلك «الدعوة إلى ديمقراطيات قوية في كل أنحاء المنطقة، ودعم السلام والمصالحة المستدامين، والتصدي للهجرة غير النظامية كأولوية إقليمية، ومكافحة الاتجار بالمخدرات، وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، ومعالجة أزمة المناخ».
وأضافت أن بلينكن سيجدد دعم الولايات المتحدة لاتفاق السلام الكولومبي لعام 2016 خلال مناسبة مع نائبة الرئيس فرانسيا ماركيز، على أن يزور مركزاً لدمج المهاجرين في سياق دعم سياسة الوضع المحمي المؤقت في كولومبيا للمهاجرين الفنزويليين، الذي يعد نموذجاً في المنطقة. وكان بيترو، سخر خلال حملته، من الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على المخدرات، معتبراً أنها «فاشلة»، علماً بأن هذه الدولة في أميركا الجنوبية هي أكبر منتج للكوكايين في العالم، ولطالما واجهت ضغوطاً من واشنطن للقضاء على محاصيل المخدرات. كما تحرك بيترو لإعادة التعامل دبلوماسياً واقتصادياً مع حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، رغم جهود الولايات المتحدة لعزل الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك).
واستخدم مسؤولو إدارة بايدن نبرة تصالحية في الغالب حيال بيترو، مركزين على مجالات الاتفاق في شأن قضايا مثل تغير المناخ واستشهدوا بمناشداته لمادورو للعودة إلى المحادثات مع المعارضة الفنزويلية. وفيما يتعلق بدعوات بيترو لإنهاء الحرب على المخدرات، قال نيكولز إن واشنطن تدعم بقوة «النهج القائم على الصحة والعلم» لمكافحة المخدرات، مضيفاً أن هذا «ينعكس في سياستنا لدعم التنمية الريفية والأمن الريفي في كولومبيا. ونعتقد أن الرئيس بيترو يشارك بقوة في هذا الهدف». لكنّ مسؤولاً أميركياً أكد أن واشنطن تراقب عن كثب، ما إذا كان تواصل كولومبيا مع السلطات في فنزويلا المجاورة يخالف العقوبات الأميركية على حكومة مادورو.
وتأتي جولة بلينكن أيضاً، بعد عملية تبادل أسرى بين الولايات المتحدة وفنزويلا، ما يعكس تحسناً حذراً للعلاقات بين الدولتين، رغم عدم اعتراف واشنطن بإعادة انتخاب مادورو رئيساً لفنزويلا عام 2018... وقال نيكولز: «نحن لا نحكم على الدول على أساس موقعها في الطيف السياسي، بل على أساس التزامها بالديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان».
ويحمل كبير الدبلوماسيين الأميركيين في رحلته هذه، جدول أعمال مثقلاً لمنظمة الدول الأميركية. ويتوجه الأربعاء إلى سانتياغو، حيث سيعقد اجتماعاً مع رئيس تشيلي اليساري غابرييل بوريتش البالغ 36 عاماً من العمر، الذي تولّى منصبه في مارس (آذار) الماضي. وأخيراً، يتوجه إلى ليما الخميس والجمعة، للقاء الرئيس الاشتراكي بيدرو كاستيو الذي ينتمي لليسار الراديكالي والمستهدف بتحقيقات عدة بشبهات فساد واستغلال السلطة منذ وصوله إلى الرئاسة قبل أكثر من عام. وسيشارك في الجمعية العامة السنوية لمنظمة الدول الأميركية. وسيدرس المجتمعون قراراً يطالب بإنهاء «العدوان الروسي على أوكرانيا»، رغم أن بعض الدول الأميركية اللاتينية عبرت عن تحفظها، بالإضافة إلى قرارات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في نيكاراغوا والوضع الاقتصادي والسياسي المتردّي في هايتي.