فعاليات ثقافية متنوعة في «الشارقة الدولي للكتاب»

1632 ناشراً و85 كاتباً وفناناً شاركوا في دورته الأربعين

لقطة من ندوة أثر الكتابة
لقطة من ندوة أثر الكتابة
TT

فعاليات ثقافية متنوعة في «الشارقة الدولي للكتاب»

لقطة من ندوة أثر الكتابة
لقطة من ندوة أثر الكتابة

أُعلن في إمارة الشارقة رسمياً أن معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الأربعين، التي اتخذت شعار «هنا... لك كتاب»، واختتمت السبت الماضي، هو الأكبر في العالم، ومن حيث بيع وشراء حقوق النشر والتوزيع وشارك في دورة هذا العام 1632 ناشراً بمليون ونصف المليون كتاب، وبحضور 85 كاتباً وفناناً ومبدعاً من أنحاء العالم.
والمعرض ليس سوقاً كبيرة لبيع الكتب وتسويقها فقط، بل ظاهرة ثقافية اجتماعية يُعد لها على مدار العام، ورغم تأثيره القوي محلياً وعربياً، إلا أنه أصبح ينافس المعارض العالمية. وتُعد الفعاليات الأدبية والاجتماعية والموسيقية والمسرحية والترفيهية للأطفال وللكبار أحد مرتكزات المعرض التي تجذب شتى الزوار والقراء.
من أبرز فعاليات هذه الدورة جلسة حوارية تفاعلية بين الروائيين والجمهور بعنوان «أثر الكتابة»، نوقشت فيها قدرة الكتابة على تغيير أفكار القراء وأنماط حياتهم، بمشاركة الروائية المصرية منصورة عز الدين، والروائي السوري خالد خليفة، والروائية كارين ميلي جيمس.
قالت منصورة عز الدين، «إن الكاتب يريد من خلال الكتابة إيصال رسالة يحاول أن تكون مفهومة، ولكنها قد تكون رسالة ملتبسة مبهمة أحياناً، لأن الكتابة تنبع من الأوهام، والكاتب بدوره يحولها إلى حقيقة، ومن الغرور أن يعتقد مسبقاً أنه قادر على التأثير، فالكاتب لديه حلم قبل أن يبدأ بالكتابة، وهو يعلم أنه قد لا يتحقق، لذا الكتابة أشبه بتمرين متواصل، وبالتالي فإن الكاتب الطبيعي يشعر دوماً بأنه أقل من طموحه، بعكس النرجسي الذي يعتقد أن كتاباته ستغير العالم، والنجاح الأكبر للكاتب هو جعل القارئ قادراً على اكتشاف الغرابة والتناقض في أشياء كان يعتقد أنها عادية».
أما الروائي السوري خالد خليفة، فيرى أن الإجابة الواسعة عن مدى تأثير الكتابة على القارئ، مرتبطة بالأزمنة، وأن الكاتب لا يستطيع فعل شيء آخر سوى الكتابة، ووصف تجربته الشخصية: «أنا في كل عام، ومع كل كتاب، أزداد جهلاً بالكتابة، وأسوأ لحظاتي هي حين أنتهي من الكتاب ويذهب للطباعة».
وأضاف: «كلما تقدمنا في عملية الكتابة، أصبحنا أكثر هشاشة وأقل ادعاءً، وكل كاتب يعتقد أن عليه أن يربح معركته مع التاريخ، وهناك كتاب عظماء ماتت أعمالهم بموتهم، وأنا شخصياً لا أعتقد أني غيرت حياة أحد، ولكن الكاتب يمكن أن يضيف شيئاً إلى حياة القارئ».
أما الكاتبة البريطانية كارين ميلي جيمس، فترى أن العلاقة بين الكاتب والقارئ ومدى تأثيره في حياته، مسألة متشعبة ولا يمكن حصرها في سياق واحد، وقالت: «أنا مثلاً، أول ما دفعني إلى الكتابة التحدث عن مشاكلي الشخصية، وحين كبرت، أردت أن أحول ذكريات عائلتي إلى كلمات مقروءة، ولاحقاً بدأت أناقش كيف يمكن أن يعيش الإنسان مغامراته ويتشاركها مع قرائه، فالكاتب حين يبدأ بالكتابة، فدافعه الرئيسي لا يكون التأثير في القراء، بل قول ما يجول في الخاطر، ويدخل عالماً آخر حين يكتب، وينغمس مع قرائه في رحلة، وهنا يكمن التأثير. هناك كتاب حاولوا التأثير في الحياة السياسية، لكن تأثيرهم برز في النواحي الاجتماعية».
وحظيت الفعاليات الشعرية بحضور كبير في المعرض، خصوصاً أنها منحت الأصوات الشعرية الجديدة الفرصة للتفاعل المباشر مع الجمهور، من بين تلك الأصوات الشعرية الشاعرتان الإمارتيتان نجاة الظاهري ومريم الزرعوني.
الظاهري لها حضور وقدرة في التقاط التفاصيل اليومية، وصنع صور شعرية لافتة تتخذها مدخلاً لمناجاة المعشوق. تكتب الفصيح والنبطي بحسب، وتصرح بأنها ضد الانتماءات القبلية والاجتماعية وتنتمي للشعر فقط. درست اللغة العربية وآدابها في كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الإمارات، صدر لها خمسة دواوين شعرية منها «جموح/ 2009» و«الحلم البحر/ 2010» و«غيمة مستعملة/ 2020».
تقول في إحدى قصائدها:
«جربْ
وضم إليك صدري
مكثراً تقبيلي
نيل أنا،
أترد يا مصري ماء النيل؟
نور أنا
أتريد أن تحيا بغير نور؟
قصر أنا
يا يوسف ادخل في عظيم قصوري
حضني حياة،
إنني خضراء مثل شعوري»
ووقعت الشاعرة مريم الزرعوني، ديوانها الجديد «لم يعد أمراً ذا أهمية» الصادر عن «دار أبجد» في حفل بالمعرض، وهي أيضاً فنانة تشكيلية، فازت روايتها «رسالة إلى هارفرد» بجائزة العويس لروايات اليافعين عام 2018، ولها ديوان شعري بعنوان «تمتمات/2017». نصوص مريم تفيض بأسئلة الحياة الوجودية وبنثريات المألوف اليومي أيضاً.
تقول من قصيدة بعنوان «حاسة الوقوف»:
خُذ يدي
خذِ اللمسَ برمتِهِ
فقد سئمتُ مس الغريبِ
وتسريبَ الجروحِ من ثقوبِ الروحِ
خذِ المرايا، وسطوحَ الماءِ الصقيلة
لا حاجة لي بالصورِ عوَضَ الأصولِ
وهاكَ اشتعالاً تيهتهُ الفتيلة
وخذْ أيضاً هذا الصدى
الذي استنسخَ كل الحناجرِ
***
وخذِ العالم،
بلِ العوالمَ كلها
فلا هي تغني عن بواعثِ الندمِ...
ولا ترد الذي كنا نرددُ حيالهُ تعاويذَ الإقامة.
وفي ندوة ثقافية أخرى بعنوان «مرايا»، اتفق الناقد والشاعر الإماراتي سلطان العميمي، والروائي الكويتي سعود السنعوسي، والكاتبة البريطانية من أصول أوغندية جينفر ماكومبي، أن الكتب تتيح للقارئ إمكانية تقمص شخصيات الآخرين ومعرفة مكنوناتهم، والبحث في تفاصيلهم، بشكل يؤدي في نهاية المطاف إلى اكتشاف القارئ لنفسه وذاته، مؤكدين أن القراءة كما الكتابة، تشتركان في كونهما مشروعاً كبيراً ومستمراً، وليست مجرد تجربة عابرة. وأشار سلطان العميمي إلى أن العلاقة بين «القارئ/الكاتب»، وبين الكاتب الذي يقرأ له، تحمل شيئاً من الغموض أحياناً، لافتاً إلى أن علاقته الشخصية بالقراءة قبل دخول عالم الكتابة تغيرت كلياً.
وقال: «بعد مشوار طويل في عالم القراءة، وجدتني قارئاً متحولاً، وهذا التحول يكون حاضراً في كل مرحلة كتابية أو عمرية أو حتى في كل مشروع أدبي، أتحول إلى قارئ جديد، بحيث تنتهي علاقتي بكاتب معين، وتبدأ بكاتب آخر. وعلى سبيل المثال فإن فترة التوقف في (كورونا)، ساهمت في تغيير توجهاتي القرائية، فكنت قارئاً نهماً للروايات، وأصبحتُ الآن قارئاً لكتب الفلسفة والدراسات الفكرية والعلمية، ولدي أفكاري الروائية والقصصية الخاصة، فكما أن الكتابة ليست نزهة، فإن القراءة ليست نزهة أيضاً».
بينما يرى الكاتب الكويتي سعود السنعوسي، أن تأثير الأدب، تحديداً الرواية، يكمن في كون القراءة تخرجه من ذاته إلى ذوات الآخرين، فهو يبحث كما يقول عن حياة الآخرين في الكتب، وعن تجاربهم، وبالتالي يقوده هذا بشكل أو بآخر إلى معرفة الذات.
وأضاف: «إن أدب الرواية منحني القدرة أن أعيش أكثر من حياة، وأن أكون في موقع الآخر، وقدم لي فرصة لفهم هذا الآخر عوضاً عن محاكمته، وذلك لأن الشخصية في الأعمال الأدبية المكتوبة بعناية، تعرف قارئها على تجارب جديدة، بشكل تكاد أن تضعه في مكان صاحب التجربة، وهذا من شأنه أن ينعكس أحياناً حتى على حياته الواقعية».
بينما اعتبرت جينفر ماكومبي، أن الأدب مرآة المجتمعات، وقالت: «علينا حقاً أن نلجأ إلى الأدب، تحديداً الروايات والقصص، للتعرف على تجارب الناس ومعايشتها، والتعرف في الوقت نفسه على أنفسنا، على الصعيد الشخصي؛ حين أكتب أسعى للبحث عن ذاتي، وأتساءل دائماً، هل حقاً كتابتي ستسهم في تعرفي على نفسي بشكل أفضل؟ وهل ستتمكن من نقلي خارج هذا الإطار الشخصي إلى مدى أرحب؟ من هذا المنطلق تبدأ كتاباتي، فلطالما وضعت نفسي مكان شخصية الرواية التي قرأتها، لأتعلم من التجارب والأحداث التي تدور».



«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد
TT

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر»... مختارات لأفضال أحمد سيد

«اخترعت الشعر» عنوان لافت لمختارات نقلها عن الأردية المترجم هاني السعيد للشاعر الباكستاني أفضال أحمد سيد الذي يُعد أحد رواد قصيدة النثر في باكستان. وصدر الكتاب حديثاً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ضمن سلسلة «آفاق عالمية» بالقاهرة.

يقول الشاعر، في كلمته التي كتبها خصوصاً بمناسبة صدور هذه الترجمة العربية الأولى لقصائده، إن «هذا الحدث المبهج» أعاد إلى ذاكرته تلك الأيام التي تعرف فيها للمرة الأولى إلى الشعراء العرب فصار أسيراً لسحرهم ومغامراتهم الشعرية مثل امرئ القيس وأبي نواس وأبي تمام والمتنبي... وغيرهم.

ويذكر أفضال أن لمسلمي شبه القارة الهندية الباكستانية علاقة خاصة باللغة والثقافة العربيتين، وهذا هو السبب في أن الترجمات الأردية للشعراء والكتّاب العرب تحظى بشعبية كبيرة لدى القراء الباكستانيين وخاصة الأسماء المشهورة مثل أدونيس ومحمود درويش ونزار قباني وفدوى طوقان، فضلاً عن الروائيين نجيب محفوظ والطيب صالح ويوسف زيدان.

وأشار إلى أنه حين كان طالباً في الجامعة الأميركية ببيروت في الفترة من سنة 1974 إلى 1976، أتيحت له فرصة ثمينة للتعرف المباشر إلى الثقافة العربية التي وصفها بـ«العظيمة»، وهو ما تعزز حين سافر إلى مصر مرتين فأقام بالقاهرة والإسكندرية والسويس ودمياط، حيث لا يمكن له أن ينسى مشهداً ساحراً وهو التقاء النيل بالبحر المتوسط في منطقة اللسان بمدينة رأس البر التابعة لدمياط. وضمن سياق القصيدة التي تحمل عنوان الكتاب يقول الشاعر في مستهل مختاراته:

«اخترع المغاربة الورق

الفينيقيون الحروف

واخترعت أنا الشعر

اخترع الحب القلب

صنع القلب الخيمة والمراكب

وطوى أقاصي البقاع

بعت أنا الشعر كله

واشتريت النار

وأحرقت يد القهر».

وفي قصيدة بعنوان «الهبوط من تل الزعتر»، يرسم الشاعر صورة مثيرة للحزن والشجن لذاتٍ مُمزّقة تعاني الفقد وانعدام الجذور قائلاً:

«أنا قطعة الغيم

المربوطة بحجر

والملقاة للغرق

ليس لي قبر عائلي

من أسرة مرتزقة

عادتها الموت

بعيداً عن الوطن».

ويصف تجليات الحرب مع الذات والآخرين في نص آخر بعنوان «لم يتم منحي حياة بكل هذه الوفرة»، قائلاً:

«وصلتني أنهاري عبر صفوف الأعداء

فشربت دائماً بقايا حثالات الآخرين

اضطررت إلى التخلي عن موسم فارغ للأمطار

من ترك وصية لي

لأعرف ما إذا كان

هو نفسه الذي كانت تحمله امرأة بين ذراعيها وهي تتوسل إلى الخيالة

والتي بقيت طوال حياتها

تحاول حماية وجهها

من البخار المتصاعد من خياشيم الخيل

لا أعرف ما إذا كان

هو نفسه

الذي ربطته أمه في المهد».

وتتجلى أجواء السجن، نفسياً ومادياً، والتوق إلى الحرية بمعناها الإنساني الشامل في قصيدة «إن استطاع أحد أن يتذكرني»؛ حيث يقول الشاعر:

«حل الشتاء

صدر مجدداً الإعلان

عن صرف بطاطين صوف للمساجين

تغير طول الليالي

وعرضها ووزنها

لكنّ ثمة حُلماً يراودني كل ليلة

أنه يتم ضبطي وأنا أهرب من بين القضبان

أثناء تغير الفصول

في الوقت الذي لا يمكن أسره بمقياس

أقرأ أنا قصيدة».

وأفضال أحمد سيد شاعر ومترجم باكستاني معاصر، ولد في 26 سبتمبر (أيلول) 1946 في غازي بور التابعة لمقاطعة أتربرديش بالهند، قبل تقسيم الهند وباكستان وبنغلاديش؛ حيث بدأ فيها أيضاً حياته المهنية بالعمل في وزارة الزراعة الائتلافية هناك وعند تقسيم باكستان وبنغلاديش 1971، انتقل مع أسرته إلى مدينة كراتشي الباكستانية.

بدأ أفضال كتابة الشعر 1976 وأصدر 5 مجموعات شعرية هي «تاريخ منتحل» 1984، «خيمة سوداء» 1986، «الإعدام في لغتين» 1990، «الروكوكو وعوالم أخرى» 2000، ثم أصدرها مجمعة باعتبارها أعماله الشعرية الكاملة 2009 بعنوان «منجم الطين»، كما أصدر في مطلع 2020 كتاباً يضم قصائده الأولى في الغزل.

وتمثل أغلب قصائده طفرة نوعية في قصيدة النثر الأردية التي ما زالت تعاني من الرفض والتهميش إلى حد كبير لحساب فن الغزل بمفهومه الفارسي والأردي التقليدي الذي ما زال مهيمناً بقوة في شبه القارة الهندية.

ترجم أفضال أعمالاً عن الإنجليزية والفارسية وهو من أوائل من ترجموا لغابرييل غارثيا ماركيز وجان جينيه، كما أصدر في مطلع 2020 ترجمته لمختارات من الشعر الفارسي.

درس أفضال أحمد سيد ماجستير في علم الحشرات بالجامعة الأميركية ببيروت بين عامي 1974 و1976، وذلك في بعثة علمية من الحكومة الائتلافية الباكستانية، فشهد الحرب الأهلية اللبنانية في أثناء إقامته هناك.

يعمل حالياً أستاذاً مساعداً في جامعة حبيب بكراتشي، وهو متزوج من الشاعرة الباكستانية البارزة تنوير أنجم.