حمدي الجزار: أحيا كشاهد على البشر وغايتي لحظة بهجة في خطواتهم

الروائي المصري يرى أن المرأة خالقة الصراع ومن دونها لا دراما ممكنة

الكاتب حمدي الجزار
الكاتب حمدي الجزار
TT

حمدي الجزار: أحيا كشاهد على البشر وغايتي لحظة بهجة في خطواتهم

الكاتب حمدي الجزار
الكاتب حمدي الجزار

لا ينزعج الكاتب الروائي حمدي الجزار من ملاحظة البعض قلة إنتاجه، ويؤكد أنه يكتب يومياً ولا ينشر سوى ما يحب، وأن ما يعنيه هو الكيف والإضافة الجمالية. فاز بأكثر من جائزة عن أعماله، وتُرجم بعضها إلى عدة لغات أجنبية، وينفي أنه يكتب وعينه على الجوائز، ويقول: «كل ما أتطلع إليه هو اقتناص لحظة بهجة في سلوك البشر ودراما حياتهم». لدى الجزار شغف خاص بتصوير الحارة الشعبية وتلعب النساء دوراً محورياً في رواياته... هنا حوار معه حول عالمه الأدبي وهموم الكتابة.

> رغم الاحتفاء الذي حظيت به روايتك الأولى «سحر أسود» فإنك لم تصدر بعدها سوى روايتين عبر نحو 16 عاماً، كيف ترى هذه المفارقة؟
- لا توجد أي مفارقة. صدرت روايتي الأولى عام 2005 وبعدها بثلاث سنوات صدرت «لذّات سرية» ثم قامت ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، وتغيّرت مصر، فانشغلتُ بكتابة قصص نُشرت أسبوعياً في كبرى الصحف والمجلات، ثم كتبت «كتاب السطور الأربعة» في جزأين، صدر الأول في 2012 وكاملاً في 2014، وصدرت روايتي الثالثة «الحريم» في أواخر 2014، وانشغلتُ بعدها بكتابة رواية هي الأطول بين أعمالي، فاستغرقتُ سنوات أطول من المعتاد.
يشير السؤال إلى مفهوم «الاحتفاء»، والذي يتصور البعض أنه دافع رئيسي لكتابة عمل جديد، أعتقد أن الكتابة نفسها هي الاحتفاء الجوهري، الذي لا يساويه أي احتفاء آخر، نحن جميعاً نحب أن نقطف ثمرة عملنا، ولكن إذا رهن كاتب نفسه بذلك ضاع، ونضب معين إبداعه الأصلي. بالنسبة إليّ لا توجد غاية خارج العمل الأدبي نفسه، وليس وسيلة لشيء آخر، وحده يكفيني ويهبني الفرح، وهو حياتي الجوهرية، أحيا كشاهد على حياة البشر، وكل ما يجري للجنس البشري، وأكتب للجميع.
> هل أنت مقلٌّ في إنتاجك على غرار أدباء كبار مثل الطيب صالح، وإبراهيم أصلان وغيرهما؟
- كتبت قصة قصيرة وعمري 12 عاماً، ونشرت أول قصة وأنا طالب في العشرين، ونشرتُ رواية «سحر أسود» وأنا في الخامسة والثلاثين، كان الطريق إلى الثقة في قيمة ما أكتب طويلاً، لكنني لست مقلاً في الكتابة، أكتب يومياً منذ زمن طويل، ولا أنشر سوى ما أحب، ولديّ عشرات قصص لم تُجمع في كتب بعد، ما يعنيني بالدرجة الأولى هو الكيف والإضافة الفنية والجمالية.
لم يقصد الطيب صالح أن يكون مقلاً بل شغلته عن الكتابة أشياء أخرى. إبراهيم أصلان ذكر في أحد حواراته أنه نادم لأنه لم يكتب أكثر، هما كاتبان حقيقيان تحريا الكيف، وأعمالهما ما زالت حية وممتعة. وقبل كل شيء الكتابة هي الحرية المطلقة، أن تكتب عملاً، أن تُظهر عالماً للوجود، أو أن تحجبه وتتوقف عن إظهار شخصيات وأحداث وعالم روائي، وفي الحالتين يبقى الكاتب هناك، موجوداً وتبقى الرواية معه، كامنة لكنها قابلة للظهور في أي وقت.
> كيف ترى في المقابل التجارب الروائية التي تتسم بالغزارة في الإنتاج؟
- كنت أتحدث مرة مع الروائي خيري شلبي عن هذه «الغزارة في الإنتاج» فقال: «الغزارة ابنة الموهبة». خيري شلبي بالطبع يشير إلى تجربته، والعبارة أعجبتني، إنها في فهمي تعني القدرة على الكتابة في كل وقت ومكان، الموهبة تعني حضور الكاتب في الشخص، واستعداده الدائم للإبداع.
> في روايتك «الحريم» تحفر عميقاً داخل نسيج الحارة المصرية والحي الشعبي، ألا ترى أن تلك «المنطقة» قد قُتلت بحثاً على يد نجيب محفوظ؟ ما الجديد الذي حاولت أن تضيفه إذن؟
- إذا كان الحفر عميقاً فلماذا لا نحفر؟! كل رواية يجب أن تدور أحداثها في مكان ما، وقبل أن أكتب «الحريم» كتبت رواية تاريخية عن «أحمد بن طولون» أول من استقل بمصر عن الدولة العباسية، عدت إلى مصادر تراثية كثيرة، وأتممت المخطوط في نحو عامين ثم لم يعجبني، ولم أنشر منه شيئاً، بعدها بدأت كتابة «الحريم»، وجعلت الرواية تدور في «طولون»، لم أستعن بالمخطوط الأول لكنه حاضر بين السطور وخلفها، كما إنني عشت لسنوات في مناطق متعددة تتسم بالعراقة التاريخية مثل حي «السيدة زينب» و «المنيرة»، غالباً يحضر المكان الذي أعيش فيه في الرواية التي أكتبها، أحب أن أبقى قريباً. هناك شيء آخر مهم؛ نحن نتحدث عن مكان أدبي وليس المكان الجغرافي الذي يعرفه الناس، المكان الأدبي هو ما يصفه ويرسمه الروائي في عمله وإن اتّخذ اسماً له صلة بواقع جغرافي معين، تماماً مثلما قد تشير بعض شخصيات رواية إلى ناس خارجها، الرواية عالم مكتمل بذاته وخيالي، ورغم ذلك يملك القدرة على النفاذ إلى أعماق الحياة الإنسانية.
الحارة المصرية حاضرة في جلّ أعمال نجيب محفوظ، لكن أي حارة نعني؟ إنها حارة أدبية، أي مكان متخيَّل، وحي نجيب محفوظ الشعبي ليس المكان الواقعي، فالروائي لا يقدم جغرافيا وتقريراً، إنه يخلق مكاناً تحيا فيه شخصياته، وبالطبع سيختلف عن كل ما يمكن أن يكتبه روائي آخر عن مكان يحمل الاسم نفسه. الذي يعرف القاهرة جيداً يعرف أن حياتها الأساسية في أحيائها الشعبية، والتي تقطنها الغالبية العظمى من المصريين، وإن كنت مهتماً بحياة الناس فلا بد لي أن أوجدهم في هذا الأماكن.
المكان الذي تدور فيه «الحريم» ليس من ضمن الأماكن التي أوجدها نجيب محفوظ، مثل أحياء الحسين وخان الخليلي والعباسية أماكنه المفضلة، الحريم تدور في طولون، في موقع أقرب إلى يحيى حقي في رواية «قنديل أم هاشم» وغيرها، وهذا لا يعني شيئاً، لأن المكان متخيَّل وقوة التخيل هي ما تجعله حقيقياً، يشبه الأماكن التي نعرفها ونعيش فيها حياتنا اليومية. أما الجديد الذي حاولت إضافته فهو مهمة النقد.
> ما سر هذا الحضور المهيمن للمرأة في أعمالك؟
- لا توجد رواية بلا شخصيات نسائية، ولا فيلم أو مسرحية، ولا دراما ممكنة بغير المرأة، فهي خالقة الصراع في أي سرد، منها تبدأ الرواية وتنتهي، فالعلاقة جوهرية بين حضور الشخصية النسائية والشكل الروائي نفسه. ولعلكِ تقصدين حضورها المهيمن في «الحريم» بوجه خاص، لأن عنوان كل فصل باسم امرأة: «روحية، لوزة، بطة، رانيا»... هذه تجربة خاصة في الشكل الروائي والسرد، وفي هذه الرواية بعينها، بينما تظهر في أعمالي الأخرى كبطلة مكافئة للرجل.
> يرى البعض أنك تتعمد شد القارئ من خلال عناوين ذات جاذبية تجارية كما في «الحريم» و«لذّات سرية»؟
- لا أتعمد شيئاً من هذا القبيل، لأن القارئ نفسه ليس موجوداً لديّ عند الكتابة، حين أكتب أكون وحيداً تماماً، بلا قارئ أو ناقد أو ناشر، الحاضر هو العمل وحده، ويأتي عنوان العمل كما يأتي العمل نفسه، أحياناً أبدأ بعنوان ثم أغيّره مرات، وأحياناً يبقى العنوان الأول، أو يكون الأخير، والحاكم الوحيد هو يقيني أن هذا العمل ليس له سوى هذا العنوان.
> تُرجم لك «سحر أسود» و«لذّات سرية» إلى الإنجليزية، وتترأس تحرير برنامج «بكل لغات العالم» المعنيّ برصد الأدب العالمي من خلال المختصين والمترجمين... هل أنت محظوظ إذن؟ وكيف ترى واقعنا الأدبي على خريطة الثقافة العالمية؟
- ترجمت «سحر أسود» إلى الإنجليزية والتركية، و«لذّات سرية» إلى الإنجليزية، و«الحريم» إلى الفرنسية والجورجية، وهناك قصص ومقاطع من «كتاب السطور الأربعة» وغيرهما بلغات أخرى كالتشيكية والمالاوية، لا أعتقد في الحظ الطيب أو العاثر، أعتقد في الإخلاص للعمل، والتجويد والمراجعات الدائمة. أما بالنسبة لبرنامج «بكلل لغات العالم» فهو نتيجة لجهود كثير من المترجمين، مثل دينس جونسون ديفيز، وهمفري ديفيز وغيرهما، ونشاط قسم النشر بالجامعة الأميركية. أصبحت الأعمال الرئيسية في أدبنا المصري، على الأقل، متاحة لقراء الإنجليزية، وهي اللغة الأنشط في الترجمة، وكذلك وجود بعض دور النشر الفرنسية المهتمة بالأدب العربي، نحن موجودون لكن المساحة أقل مما يستحق الأدب العربي لأسباب كثيرة، منها إحجام الكثير من المؤسسات الثقافية في العالم العربي عن تمويل نشر أدبنا وترجمته، على غرار ما يفعل الكثير من دول العالم.
> في تجاربك المبكرة كانت القصة القصيرة خيارك المفضل إلا أنك لم تكمل في هذا السياق، لماذا؟
- بدأت بالقصة القصيرة ثم المسرحية وبعدها الرواية، وحدث أن نشرت ثلاث روايات ولم أنشر مجموعة قصصية واحدة بعد، لكنني لم أبتعد عنها، لديّ عشرات القصص القصيرة المنشورة والتي تنتظر أن تُجمع في كتب.
> قمت بتأليف وإخراج أكثر من عمل مسرحي، فماذا عن العلاقة بين الرواية والمسرح وكيف انعكست عليك كروائي؟
- كتبت ثلاث مسرحيات وأخرجتها، وأنا طالب بقسم الفلسفة بجامعة القاهرة، وأفدت كثيراً من تجربتي مع المسرح، وقرأت روائع المسرح العالمي، وعشت على خشبته، وهو الفن الوحيد الذي يتخلق أمام عيني المتلقي، لكنه في النهاية عمل فني مختلف تماماً عن الرواية؛ المسرحية الجيدة هي التي تُكتب لتمثَّل، وهي عمل جماعي يتشارك فيه مؤلف ومخرج وممثل وآخرون، أما الرواية فعمل فرد واحد، وفي التلقي أيضاً المسرحية تتوجه لجماعة وجمهور، أما الرواية فيقرأها فرد في خلوة، الفارق شاسع لكن ما يجمعهما هي «الدراما» وانعكس ذلك في رواياتي بخاصة حساسيتي للحوار بالعامية المصرية.



«أنقذ القطة»... ملاحظات طريفة في فن كتابة السيناريو

«أنقذ القطة»... ملاحظات طريفة في فن كتابة السيناريو
TT

«أنقذ القطة»... ملاحظات طريفة في فن كتابة السيناريو

«أنقذ القطة»... ملاحظات طريفة في فن كتابة السيناريو

تنبع أهمية كتاب «أنقذ القطة»، الذي صدرت ترجمته مؤخراً عن دار «الكرمة» بالقاهرة من كون مؤلفه بليك سنايدر أحد أشهر كتاب السيناريو في هوليوود، لا سيما عبر مسلسلات «ديزني» التلفزيونية. ورغم أن الكتاب الذي ترجمته غادة عبد العال معني أساساً بتقديم نصائح لكتاب السيناريو الجدد، فإن المؤلف يستخدم أسلوباً طريفاً يجنح إلى البساطة والسخرية في التعبير عن أفكاره بشكل لافت.

يتضح ذلك من خلال طريقة سرد المؤلف لبعض المفاهيم الأساسية في فن كتابة السيناريو وفي صناعة السينما بشكل عام مثل «المنحنى - القوس»، الذي يشير إلى التغييرات التي تطرأ على خبرات الشخصية منذ تشكلها على الورق، في بداية وعبر وسط وحتى نهاية السيناريو. إنه المصطلح الذي سوف يسمعه السيناريست الشاب أكثر من أي شيء آخر في اجتماعات مناقشة السيناريو الذي تقدم به إلى جهات الإنتاج. يسأله الجميع: «ما منحنى تطور البطل؟» أو «هل منحنى تطور هذه الشخصيات كاف؟»، بينما يجيب السيناريست الشاب بداخله في سخرية: «ما منحنى تحمل صبري على الجلوس هنا والإنصات لهذه التساؤلات التي لا تنتهي؟».

وهناك كذلك مصطلح «في نهاية اليوم»، الذي يستخدمه الوكلاء ومديرو الأعمال للإشارة إلى أنهم على وشك إخبارك بأخبار سيئة مثل قولهم: «نحب جداً السيناريو ونظن أنه سيكون ممتازاً بالنسبة إلى جوليا روبرتس، لكن في نهاية اليوم، هل هي فعلاً بحاجة إلى عمل فيلم موسيقي في العصور الوسطى؟».

ويذكر المؤلف أن «ثقوب سوداء» مصطلح أو مفهوم يشير إلى تلك الأوقات التي يعجز فيها المؤلف الشاب عن استكمال السيناريو لأنه لا يعرف كيف يطور شخصياته، أو يدفع بالأحداث إلى الأمام، فيجد نفسه يتساءل فيما جعله يحترف هذا المجال، في حين كان بوسعه أن يدخل كلية الحقوق أو ينضم إلى الجيش.

ويؤكد المؤلف أنه بعد أن يبيع السيناريست نصه السينمائي إلى استوديو وبعدما وقعوا معه عقداً لإعادة الكتابة، من الجائز أن يطردوه ثم ينتجوا الفيلم ويرسلوا إليه نسخة من مسودة السيناريو بعد إعادة كتابته. هنا يُصعق السيناريست من اكتشاف أن النص تغير بطرق غبية في الغالب، بطله «بوب» صار اسمه «كارل» وبدلاً من السيارة «البونتياك» أصبح يقود سيارة «بويك».

ويخاطب المؤلف السيناريست الشاب الذي يتعرض لمثل هكذا موقف قائلاً: «أنت ضحية محاولة سطو على حقوق الملكية، يفعلها شخص يسعى لوضع اسمه على فيلم ويظن أنه بقيامه بهذه التعديلات سيصبح النص نصه، لهذا لدينا لجنة تحكيم حقوق الملكية في نقابة المؤلفين الأميركيين الذين يقررون من الذي فعل هذا بك». ويعلق بليك سنايدر قائلاً: «قد لا تحصل على حقوقك، لكن ألا تتفق معي أن هوليوود مدينة عظيمة؟».

وعندما يبدأ الملل في التسلل إلى النص السينمائي، يحضر ما يسميه كثيرون «صاروخ التعزيز» ويقصد به اختراع شخصية أو موقف تستعيد من خلاله حيوية النص وتضفي نوعاً من البهجة والإثارة على الأحداث، لكن المؤلف يستخدم لوصف هذه الحالة مصطلحاً آخر أكثر طرافة هو «طبيب السيناريو».

ويشير المؤلف إلى أن هناك ما يعرف بـ«الخطَّاف» ويقصد به وضع جملة شديدة الجاذبية على الملصق الدعائي للفيلم إلى جوار العنوان بحيث «تخطف» الجمهور وتجعله يقرر الذهاب إلى السينما ليشاهد هذا الفيلم. وتلك الجملة تختلف عما يسمى «الجملة الملخصة» أو «السطر الواحد»، وهو ما يكتبه السيناريست في بداية نصه السينمائي بحيث يلخصه بشكل مشوق وساحر للمنتج والمخرج وفريق التمثيل، وليس للجمهور هذه المرة. إنه إذن فن السيناريو وخدعه المغوية التي تتنوع في هذا الكتاب الشيق.