ولادة بنت المستكفي.. عودة مع تصاعد الحركة النسوية

غدت أسطورة في قرطبة أكثر منها تاريخًا

صورة تخيلية لـ ولادة بنت المستكفي
صورة تخيلية لـ ولادة بنت المستكفي
TT

ولادة بنت المستكفي.. عودة مع تصاعد الحركة النسوية

صورة تخيلية لـ ولادة بنت المستكفي
صورة تخيلية لـ ولادة بنت المستكفي

في 8 مارس (آذار) الماضي، احتفل العالم باليوم العالمي للمرأة. وفي عدد مارس 2015 من المجلة الشهرية البريطانية «التاريخ اليوم» كتبت لي كوين Leigh Cuen مقالة عنوانها «شاعرة الحب» عن الشاعرة الأندلسية ولادة بنت المستكفي محبوبة ابن زيدون وملهمته، وقصتهما ترد في تواريخ الأدب وفي رواية علي الجارم «هاتف من الأندلس» ومسرحية فاروق جويدة «الوزير العاشق» وغيرهما.
كانت ولادة التي عاشت في القرن الحادي عشر الميلادي – صاحبة صالون أدبي يسبق تلك الصالونات التي كانت أديبات فرنسا وكواكبها الاجتماعية اللامعة يقمنها في القرن الثامن عشر وبعده.
والدعوى الأساسية التي تتقدم بها لي كوين هي أن ولادة أثرت في الشعر الأوروپي خلال العصور الوسطى، خصوصا فيما يعرف بالحب الرفيع الذي شاع في بلاط الملوك والأمراء courtly love. كان صالونها في قرطبة مركز جذب للأدباء والساسة – وفيهم من يتنافسون على حبها. وكانت تجمع بين صفات الشاعرة والأميرة وراعية الفنون. وتقول الصحافية الإسبانية ماتيلدا كابيلو: «لقد غدت ولادة أسطورة في قرطبة، أسطورة أكثر منها تاريخا. لقد سمعت بها من أبي في طفولتي، ولكني لم أعرف أنها كانت شخصا حقيقيا». وقد ذهب دارسون – كالدكتور عبد الواحد لؤلؤة وماريا روزا منوكال – إلى أن بعض آثار العصور الوسطى وعصر النهضة مثل قصة «تريستان وأيزولت» و«حكايات كانتربري» للشاعر الإنجليزي تشوسر، و«الكوميديا الإلهية» لدانتي، وأغلب أساطير الملك آرثر وبلاطه وفرسان المائدة المستديرة، إنما تدين بشئ لأديبات أندلسيات مثل ولادة. وفي (1977) ذهب جيمز مانسفيلد نيكولز إلى أن ولادة «وأخواتها من الشواعر» يمثلن الحلقة المفقودة بين الشعر العربي القديم وقصائد الرومانسات الأوربية التي ظهرت في العصور الوسطى. غير أن المؤسسات الثقافية الأوروبية في القرون التالية قد جنحت إلى تجاهل تأثير كتابات النساء، خاصة النساء المسلمات.
كانت ولادة ابنة لمحمد الثالث وهو واحد من آخر الخلفاء في قرطبة. وقصة غرامها مع ابن زيدون تحتل في الأدب العربي مكانة كتلك التي تمثلها مسرحية شكسبير «روميو وجوليت» في الأدب الإنجليزي. امتازت ولادة بالبلاغة والفصاحة، ومع ذلك لم يصلنا من آثارها سوى بضعة أبيات شعرية، ورسائل إلى ابن زيدون. لقد كانت من رواد الحركة النسوية قبل أن يشيع استخدام هذا الاسم. وكانت تطرز أبياتا شعرية في ثيابها.
ولدت ولادة في عام 994، إبان العصر الذهبي للعرب في الأندلس. وكانت قرطبة، مسقط رأسها، عاصمة الأمويين تضم جامعة وقصورا فخيمة وحدائق غناء وعشرات الحمامات العامة. تزخر شوارعها بدكاكين الوراقين، وقلما تلقى فيها شخصا أميا. وكان الدارسون من مختلف البلدان الأوروبية يفدون إليها منبهرين بثراء المدينة وجمالها. وقد زارتها الشاعرة الألمانية هروسويثا في القرن العاشر فوصفتها بأنها «حلية العالم».
نشأت ولادة في أحضان العز ولكن سنين مراهقتها شهدت أحداثا جساما. فقد ضرب الطاعون مدينة قرطبة في عام 1011. وفيما بعد قتل أبوها – الذي اعتلى العرش بعد ثورة عنيفة – في عام 1025. ويصف مؤرخ الأندلس ابن بسام صالونها فيقول إنه كان مفتوح الأبواب دائما لعلية القوم وصفوة الأدباء. وإذ اصطخبت الحياة السياسية من حولها دخلت – كما يقول المؤرخ ابن بشكوال – في مباريات أدبية مع أدباء كثيرين وتفوقت عليهم. وكانت النساء – من مختلف طبقات المجتمع – يفدن على صالونها كي يتعلمن فنون القراءة والكتابة والموسيقى. وممن ربطتها بهم أواصر الصداقة ابن حزم مؤلف كتاب «طوق الحمامة»، وكان معجبا بعقلها وأدبها، نصيرا للأمويين وإن كان يكره أباها – الخليفة القتيل – ويصفه بالسكير. وكتابات ابن حزم في فلسفة الحب و«الرقيب» و«الواشي» كلها قد دخلت في نسيج الأدب الإسباني والفرنسي. وقد ذهب دارسون محدثون – منهم الشاعر الأميركي إزرا باوند – إلى أن الشعر الغنائي الأندلسي هو منبع الشعر الرومانتيكي الحديث. وفي قصر ولادة كان يلتقي النبلاء والإماء، المسلمون والمسيحيون واليهود، الرجال والنساء، دون تفرقة. وأغلب الظن أن ابن زيدون قد تعرف عليها حين بدأ يرتاد صالونها وكان وقتها شاعرا ناشئا لم تستطر شهرته بعد. وقد ألهمته أجمل قصائده مثل «إني ذكرتك بالزهراء مشتاقا». وغيرها. وكما هو الشأن في قصة «روميو وجوليت» المأسوية، فقد كان ابن زيدون وولادة ينتميان إلى أسرتين متعاديتين. كان ابن زيدون قد ناصر أعداء الأمويين قبل مقتل أبي ولادة، ومن ثم اضطر الحبيبان إلى التلاقي سرا، تحت جنح الليل، وإلي تبادل الرسائل حين يكون ابن زيدون موفدا في مهام دبلوماسية بعيدا عن حبيبته. وكانت رسائلها إليه تشتمل على قصائد حب طويلة تردد صداها فيما بعد في شعر عصر النهضة.
قارنها بعض مؤرخي الأدب بالشاعرة الإغريقية سافو. وقد تغزل بها ابن زيدون قائلا إنها صيغت من مسك بينما سائر الناس من حمأ مسنون. وقصائده حافلة بالضراعة إليها والشكوى – شأن المحبين في كل زمان ومكان – من قسوتها عليه. ويقال إنه عشق جارية سوداء لها، مما ساءها وأنهى العلاقة بينهما. بل إنها وجهت إليه قصائد هجاء ساخرة.
وكان لابن زيدون منافس خطير في حب ولادة هو ابن عبدوس وزير الخليفة. وحين بدأ ابن عبدوس يختلف إلى صالون ولادة، وازداد منها اقترابا، ثارت غيرة ابن زيدون، وكتب رسالة في ذم الوزير فرمى به هذا الأخير في السجن، خصوصا بعد أن زعم ابن زيدون أنه كان يتلهى بولادة ثم مجها حين ملها. وتمكن ابن زيدون فيما بعد من الفرار من سجنه ومغادرة قرطبة. وفي هذه الفترة كتب خير شعره الذي ينضح شوقا إلى محبوبته، وشكوى من الأقدار التي فصلت بينهما، وفي طليعته قصيدته النونية التي دخلت ديوان الشعر العربي.
عاشت ولادة حتى سن المائة تقريبا، ولم تتزوج قط. توفيت في عام 1091 في نفس اليوم الذي غزا فيه الموحدون قرطبة. وكان موتها إيذانا بغروب شمس الأدب في تلك المدينة الزاهرة.
توارى اسم ولادة في التاريخ الأدبي على حين علا نجم ابن زيدون. ولكن مجموعة من الشواعر الإسبانيات في ثمانينات القرن الماضي شرعن ينشرن قصائدهن في مجلة اسمها «ولادة». وبذلك عادت إلى الأذهان ذكرى المرأة التي سحرت أدباء عصرها وساسته.
ومع تصاعد الحركة النسوية أصدرت الشاعرة الإسبانية ماجدالينا لاسلا في 2003 رواية عن ولادة. وأعدت الشاعرة السورية مرام المصري ديوانا شعريا ثنائي اللغة (بالعربية والفرنسية) عنوانه «عودة ولادة». واليوم يقوم في أحد أحياء قرطبة عمل نحتي، يمثل يدين تتلامسان في محبة ورفق، تكريما لذكرى ولادة وابن زيدون، عاشقي قرطبة اللذين غدت قصتهما أسطورة.



إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة
TT

إعلان القائمة الطويلة لـ«بوكر» العربية

أغلفة روايات القائمة الطويلة
أغلفة روايات القائمة الطويلة

أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية الروايات المرشّحة للقائمة الطويلة بدورتها عام 2025؛ إذ تتضمّن القائمة 16 رواية. وكانت قد ترشحت للجائزة في هذه الدورة 124 رواية، وجرى اختيار القائمة الطويلة من قِبل لجنة تحكيم مكوّنة من خمسة أعضاء، برئاسة الأكاديمية المصرية منى بيكر، وعضوية كل من بلال الأرفه لي أكاديمي وباحث لبناني، وسامبسا بلتونن مترجم فنلندي، وسعيد بنكراد أكاديمي وناقد مغربي، ومريم الهاشمي ناقدة وأكاديمية إماراتية.

وشهدت الدورة المذكورة وصول كتّاب للمرّة الأولى إلى القائمة الطويلة، عن رواياتهم: «دانشمند» لأحمد فال الدين من موريتانيا، و«أحلام سعيدة» لأحمد الملواني من مصر، و«المشعلجي» لأيمن رجب طاهر من مصر، و«هوّارية» لإنعام بيوض من الجزائر، و«أُغنيات للعتمة» لإيمان حميدان من لبنان، و«الأسير الفرنسي» لجان دوست من سوريا، و«الرواية المسروقة» لحسن كمال من مصر، و«ميثاق النساء» لحنين الصايغ من لبنان، و«الآن بدأت حياتي» لسومر شحادة من سوريا، و«البكّاؤون» لعقيل الموسوي من البحرين، و«صلاة القلق» لمحمد سمير ندا من مصر، و«ملمس الضوء» لنادية النجار من الإمارات.

كما شهدت ترشيح كتّاب إلى القائمة الطويلة وصلوا إلى المراحل الأخيرة للجائزة سابقاً، وهم: «المسيح الأندلسي» لتيسير خلف (القائمة الطويلة في 2017)، و«وارثة المفاتيح» لسوسن جميل حسن (القائمة الطويلة في 2023)، و«ما رأت زينة وما لم ترَ» لرشيد الضعيف (القائمة الطويلة في 2012 و2024)، و«وادي الفراشات» لأزهر جرجيس (القائمة الطويلة في 2020، والقائمة القصيرة في 2023).

في إطار تعليقها على القائمة الطويلة، قالت رئيسة لجنة التحكيم، منى بيكر: «تتميّز الروايات الستّ عشرة التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة هذا العام بتنوّع موضوعاتها وقوالبها الأدبية التي عُولجت بها. هناك روايات تعالج كفاح المرأة لتحقيق شيءٍ من أحلامها في مجتمع ذكوريّ يحرمها بدرجات متفاوتة من ممارسة حياتها، وأخرى تُدخلنا إلى عوالم دينيّة وطائفيّة يتقاطع فيها التطرّف والتعنّت المُغالى به مع جوانب إنسانيّة جميلة ومؤثّرة».

وأضافت: «كما تناولت الكثير من الروايات موضوع السلطة الغاشمة وقدرتها على تحطيم آمال الناس وحيواتهم، وقد استطاع بعض الروائيين معالجة هذا الموضوع بنفَسٍ مأساوي مغرقٍ في السوداوية، وتناوله آخرون بسخرية وفكاهة تَحُدّان من قسوة الواقع وتمكّنان القارئ من التفاعل معه بشكل فاعل».

وتابعت: «أمّا من ناحية القوالب الأدبيّة فتضمّنت القائمة عدّة روايات تاريخيّة، تناول بعضها التاريخ الحديث، في حين عاد بنا البعض الآخر إلى العهد العبّاسيّ أو إلى فترة محاكم التفتيش واضطهاد المسلمين في الأندلس. كما تضمّنت القائمة أعمالاً أقرب إلى السيرة الذاتيّة، وأخرى تشابه القصص البوليسيّة إلى حدّ كبير».

من جانبه، قال رئيس مجلس الأمناء، ياسر سليمان: «يواصل بعض روايات القائمة الطويلة لهذه الدورة توجّهاً عهدناه في الدورات السابقة، يتمثّل بالعودة إلى الماضي للغوص في أعماق الحاضر. لهذا التوجّه دلالاته السوسيولوجية، فهو يحكي عن قساوة الحاضر الذي يدفع الروائي إلى قراءة العالم الذي يحيط به من زاوية تبدو عالمة معرفياً، أو زاوية ترى أن التطور الاجتماعي ليس إلّا مُسمّى لحالة تنضبط بقانون (مكانك سر). ومع ذلك فإنّ الكشف أمل وتفاؤل، على الرغم من الميل الذي يرافقهما أحياناً في النبش عن الهشاشة وعن ضراوة العيش في أزمان تسيطر فيها قوى البشر على البشر غير آبهة بنتائج أفعالها. إن مشاركة أصوات جديدة في فيالق الرواية العربية من خلفيات علمية مختلفة، منها الطبيب والمهندس وغير ذلك، دليل على قوّة الجذب التي تستقطب أهل الثقافة إلى هذا النوع الأدبي، على تباين خلفياتهم العمرية والجندرية والقطرية والإثنية والشتاتية». وسيتم اختيار القائمة القصيرة من قِبل لجنة التحكيم من بين الروايات المدرجة في القائمة الطويلة، وإعلانها من مكتبة الإسكندرية في مصر، وذلك في 19 فبراير (شباط) 2025، وفي 24 أبريل (نيسان) 2025 سيتم إعلان الرواية الفائزة.

ويشهد هذا العام إطلاق ورشة للمحررين الأدبيين تنظّمها الجائزة لأول مرة. تهدف الورشة إلى تطوير مهارات المحررين المحترفين ورفع مستوى تحرير الروايات العربية، وتُعقد في الفترة بين 18 و22 من هذا الشهر في مؤسسة «عبد الحميد شومان» بالأردن.