رغم توصيات مؤتمر باريس... انسحاب القوات الأجنبية من ليبيا لا يزال موضوعاً خلافياً

المندوب التركي تحفظ والروسي نفى علاقة بلاده بمجموعة «فاغنر»

الرئيس الفرنسي مصافحاً محمد المنفي خلال مشاركته في مؤتمر باريس حول ليبيا أول من أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي مصافحاً محمد المنفي خلال مشاركته في مؤتمر باريس حول ليبيا أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

رغم توصيات مؤتمر باريس... انسحاب القوات الأجنبية من ليبيا لا يزال موضوعاً خلافياً

الرئيس الفرنسي مصافحاً محمد المنفي خلال مشاركته في مؤتمر باريس حول ليبيا أول من أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي مصافحاً محمد المنفي خلال مشاركته في مؤتمر باريس حول ليبيا أول من أمس (أ.ف.ب)

لجأ معدو البيان الختامي للمؤتمر الدولي حول لليبيا، الذي استضافته باريس أول من أمس، إلى كنوز اللغة الدبلوماسية لتناول ملف انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، خصوصاً أن أصحاب الخبرة في صياغة البيانات الدولية، التي تتضمن توصيات ومواقف، يدركون جيداً أهمية اختيار العبارات والكلمات بعناية حتى ترضي الجميع، وبحيث لا يسحب أي طرف توقيعه لأنه يرى نفسه مستهدفاً. ولذلك عكس البيان الختامي للمؤتمر، الذي صدر بثلاث لغات (العربية والفرنسية والإنجليزية)، في طياته حرصاً على عدم إغضاب أي أحد، خصوصاً روسيا وتركيا.
وجاء في الفقرة الفاعلة رقم 5 من البيان: «نعرب عن دعمنا التام لخطة العمل الشاملة لسحب المرتزقة والمقاتلين الأجانب، والقوى الأجنبية من الأراضي الليبية، التي أعدّتها اللجنة العسكرية المشتركة التابعة للحوار (5 زائد 5)... بما في ذلك عن طريق وضع إطار زمني على وجه السرعة كخطوة أولى نحو التنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار... ونلتزم بتيسير تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار على نحو متزامن ومرحلي وتدريجي ومتوازن، وفق ما ورد في خطة العمل، وندعو جميع الجهات الفاعلة المعنية إلى تنفيذ أحكامه من دون تأخير. كما نأخذ علماً بأن ترحيل المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوى الأجنبية، والأطراف المسلحة غير التابعة للدولة، يستدعي الاسترشاد بتوجيهات اللجنة العسكرية المشتركة التابعة للحوار (5 + 5)».
يتضح بداية أن المؤتمرين في بيانهم يتلطون وراء اللجنة العسكرية المشتركة، التي يتنبون خطتها لسحب المرتزقة والقوات الأجنبية، بينما كان بمقدور المؤتمر توجيه الدعوة لذلك مباشرة. واللافت أن البيان «يجهل»، من جهة، هوية المرتزقة، بحيث لا نعرف الجهة التي أتوا منها، أو التي يأتمرون بأمرها، علماً بأن كل التفاصيل معروفة. والشيء نفسه يصح بالنسبة للقوات الأجنبية. وإذا كانت انتماءات المرتزقة متعددة (سودانيون، تشاديون، سوريون، روس، أوكرانيون وأعدادهم بالآلاف)، فإن المقصود بالقوات الأجنبية تركيا على وجه الخصوص.
يضاف إلى ما سبق أن البيان يخلو من برنامج زمني مطلوب التقيد به لإخراج المسلحين، كما يخلو من التهديد بعقوبات على المستوى الدولي (قرارات مجلس الأمن)، أو على المستوى الثنائي والجماعي بعكس ما حصل بالنسبة للفقرة المتعلقة بالانتخابات.
وللتذكير، فإن البيان يهدد «الأفراد أو الكيانات داخل ليبيا أو خارجها، التي قد تحاول عرقلة العملية الانتخابية والانتقال السياسي أو تقّوضهما، أو تتلاعب بهما أو تزورهما، بأنها ستخضع للمساءلة، وقد تُدرج في قائمة لجنة الجزاءات التابعة للأمم المتحدة».
وما لم يقله البيان قاله الرئيس إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركيل في المؤتمر الصحافي الذي أعقب المؤتمر. فماكرون لم يتردد في توجيه السهام لروسيا وتركيا، بقوله إنه «يتعين على تركيا وروسيا أن تسحبا من غير تأخير مرتزقتهما وقواتهما العسكرية، لأن وجودها لا يهدد استقرار ليبيا وحدها، بل كل المنطقة». وأكملت ميركل ما بدأه ماكرون بقولها إن الطرف التركي «أبدى بعض التحفظ» في موضوع الانسحابات. وبحسب مصادر حضرت مناقشات المؤتمر، فإن مساعد وزير الخارجية التركي، الذي مثل بلاده في المؤتمر، أعرب عن معارضته الإشارة المباشرة إلى بلده من زاوية أن وجود القوات العسكرية التركية في ليبيا جاء بناء على اتفاقية رسمية موقعة بين حكومة الوفاق خريف عام 2018، والجانب التركي. وبالتالي فإن تركيا «غير معنية» بمطلب الخروج، مشيراً إلى أن أمراً كهذا يسوى بين أنقرة وطرابلس. والحال أن الجميع يدرك وجود خلاف حاد داخل ليبيا بين الشرق والغرب. فبينما يعتبر الشرق القوات التركية «قوات احتلال»، فإن الغرب الليبي يعدها ضمانة وحماية له. أما بالنسبة لروسيا التي تتدخل عسكرياً في ليبيا من خلال مرتزقة مجموعة «فاغنر»، فإن السلطات الروسية تؤكد أنه لا قوات عسكرية لها في ليبيا، وأنه لا علاقة لها بـ«فاغنر». والخلاصة التي تفرض نفسها أنه لا تقدم يذكر تم تحقيقه في ملف الانسحابات، التي تعد أساسية من أجل استعادة ليبيا سيادتها واستقرارها.
ويشير متابعون للشأن الليبي إلى أن الانسحابات تشكل ملفاً خلافياً رئيسياً، وأنه في غياب ضغط دولي حقيقي فإنه أهل ليفجر التفاهمات الهشة بين الأطراف الليبية، نظراً لامتداداته الإقليمية والدولية.
وترى مصادر رئاسية فرنسية أن الانسحابات، التي يراد لها أن تكون «متزامنة» و«تدريجية» و«جماعية» مرجحة لانتظار حصول الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وتشكيل سلطة جديدة مقبولة من كل الأطراف وغير مشكوك بشرعيتها. ومعنى ذلك أن سلطة كهذه ستكون قادرة بدعم دولي أن تتكلم بصوت واحد، وباسم جميع الليبيين، وأن تمنع اختباء الخارج وراء أطراف داخلية. ولذا، تضيف هذه الأوساط «رابطاً عضوياً» بين الانتخابات والانسحابات، وترى أن نجاح الأولى، التي ركز عليها المؤتمر الدولي وجعلها أولى أولوياته، «ضرورية لكنها غير كافية» لحصول الثانية.
بيد أن هذه الانسحابات لم تكن الوحيدة التي أثارت تساؤلات. فملف الانتخابات كشف عن تباينات بين مواقف رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، فيما تسير تكهنات بأن الثاني راغب بالترشح لرئاسة الجمهورية.
وفيما يتمسك المسؤولان بنزاهة الانتخابات وشفافيتها وتوافقيتها، فقد كان لافتاً أن الدبيبة طالب بتعديل قانون الانتخابات، المقررة في 24 ديمسبر (كانون الأول) المقبل، وطالب بأن تكون بشقيها «متزامنة». والحال أنه لم يعد ثمة متسع من الوقت لتغيير قانون الانتخابات، الذي يدور جدل واتهامات حادة بشأنه. ومن جهة ثانية، قررت مفوضية الانتخابات أن تحصل الجولة الرئاسية الأولى أواخر الشهر المقبل، بينما تجري الجولة الثانية بعد عدة أسابيع بالتزامن مع الجولة الأولى من الانتخابات النيابية، الأمر الذي يثير كثيراً من الشكوك.
ومن جانبه، طالب المنفي بضرورة «حلحلة جميع النقاط الخلافية لمشاركة الجميع في الانتخابات وتقبل نتائجها». فيما رهن الدبيبة تسليم السلطة للجهة المنتخبة بأن «تتم العملية الانتخابية بشكل نزيه وتوافقي بين كل الأطراف».
وفي أي حال، فإن كلا المسؤولين يربط تسليم السلطة بتوفير «ضمانات»، حيث رهن الدبيبة تسليم السلطة بضمان إجراء الانتخابات دون خروقات، من خلال تقديم الدعم السياسي والمراقبة الدولية، ووضع ضمانات حقيقية لقبول نتائج الانتخابات، وفرض عقوبات دولية على المعرقلين والرافضين. وهذه الشروط تفتح الباب لكثير من التفسيرات والتأويلات، فضلاً عن أنها تطرح تساؤلات عن الجهة التي ستوفر الضمانات، وتلك التي ستفتي بأن الشروط المطلوبة لم تتوافر لدى حصول الانتخابات.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».