«منتدى أصيلة» يكرم محمد البريني باعتباره مجدداً في الإعلام المغربي

تميّز بمواقفه المستقلة وصرامته المهنية وشجاعته في الرأي

محمد البريني (الشرق الأوسط)  -  وجانب من الندوة المخصصة لتكريم محمد البريني (الشرق الأوسط)
محمد البريني (الشرق الأوسط) - وجانب من الندوة المخصصة لتكريم محمد البريني (الشرق الأوسط)
TT

«منتدى أصيلة» يكرم محمد البريني باعتباره مجدداً في الإعلام المغربي

محمد البريني (الشرق الأوسط)  -  وجانب من الندوة المخصصة لتكريم محمد البريني (الشرق الأوسط)
محمد البريني (الشرق الأوسط) - وجانب من الندوة المخصصة لتكريم محمد البريني (الشرق الأوسط)

شكل احتفاء موسم أصيلة الثقافي في دورته الـ42 بالإعلامي محمد البريني، مؤسس جريدة «الأحداث المغربية» المستقلة أول من أمس الخميس مناسبة لاستحضار مناقب الرجل وإبراز إسهاماته المهمة في الصحافة المغربية.
وتحدث محمد بن عيسى، الأمين العام لمنتدى أصيلة ووزير الخارجية المغربي الأسبق، في افتتاح هذا اللقاء الاحتفائي، عن اختيار البريني ضيفا على «خيمة الإبداع»، باعتباره «أحد الفاعلين المجددين في مجال الصحافة والإعلام، عرف بمواقفه المستقلة، وصرامته المهنية، والشجاعة في الرأي، كما يتجلى ذلك في مساره المهني محررا، فرئيس تحرير ثم مديرا للنشر، في ثلاثة منابر صحافية وطنية، حققت انتشاراً تجاريا وكسبت حظوة لدى القارئ المغربي».
وزاد بن عيسى قائلا إن الاختيار أملته اعتبارات موضوعية، تتعدى الشخص الذي يستحق وحده التنويه بشمائله وصفاته الإنسانية، ليشمل التكريم أسرة ورموز الصحافة والإعلام في البلاد.
وشدد بن عيسى على أن ممارسة الصحافة، بمعناها العام، تعني عنده مسؤولية أخلاقية، وتكملة للرسالة التربوية، وبالتالي، لم يكن انتقال محمد البريني، من قسم التدريس إلى قاعة التحرير تحولا استثنائيا، بعد أن تطور وعيه واشتد عوده، وبعد أن تعززت قناعته بأهمية النضال السياسي في حزب راهن على تعبئة الجماهير وتوعيتها في أفق منظور تقدمي للمجتمع، في ظروف لم تكن سهلة.
ورأى بن عيسى أن الصحافة لم تمثل بالنسبة للبريني، في كل المحطات التي عبرها، الوجاهة والشهرة، أو وسيلة لامتلاك سلطة أو نفوذ، بل ظل مناضلا في التنظيم الحزبي كما في الجريدة باستقامته وتشبثه بما يعتقده صوابا.
وقال بن عيسى إن مناقب ومواقف البريني كثيرة، تربت معه وتشربها من بيئته البسيطة، حيث الاعتماد على النفس والعصامية في كل شيء، الشيء الذي جعل تجربته متفردة في سجل وتاريخ الصحافة المغربية، معتمدا على إمكانياته الذاتية، مستفيدا من نجاحات وإخفاقات الذين ساروا قبله في درب الصحافة الحزبية، حيث تتعارض المواقف والانضباط الحزبي مع الضمير المهني حيث يجد الصحافي نفسه حائرا بين إرضاء القارئ والحقيقة، أو الدفاع بل التستر على موقف المؤسسة الحزبية.
وأضاف بن عيسى أن البريني قام بالدور المسند إليه، فوافق بين إكراهات الحزب ومقتضيات مهنة الصحافي، وحقق الرواج التجاري لمطبوعة الحزب، متجاوبا إلى حد كبير مع انتظارات القارئ.
وختم بن عيسى كلمته بالإشارة إلى أن البريني حينما أحس بأن الهامش قد ضاق، سلم المفاتيح، بطيب خاطر، دون افتعال منازعة على أصل تجاري، كما لم يتنكر لقناعات ظلت ملازمة له، الشيء الذي يجعل منه مثالا فريدا في الصحافة المغربية، يستحق التكريم والتحية.
وتحدث محمد الأشعري، الكاتب الصحافي والروائي ووزير الثقافة الأسبق، عن علاقته بالبريني، قبل أن يتحدث عن خصاله وإيمانه المبكر بأفق النضال الديمقراطي بديلا لكل المغامرات والثوريات الملتبسة، مشيرا إلى الروح الإنسانية التي تبعته من بيئته الصحراوية وظلت لصيقة به حتى وهو يخوض في صراعات مدينة عملاقة، ويقاتل حيتانها الكبيرة، ومن تجليات تلك الروح ذلك الوفاء المنقطع النظير لأفكاره السياسية، ولشغفه بالصحافة لصداقاته، ولأسلوبه الهادئ والصارم في الحوار والعمل المشترك.
وأثنى الأشعري على مسار وإسهامات البريني، مشددا على دوره على مستوى تحديث الجوانب التقنية والتحريرية والخطاب وأساليب العمل والتسيير وتنويع العرض وخوض غمار المنافسة في سوق الصحافة.
وقال خليل الهاشمي الإدريسي، المدير العام لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن البريني شخصية متزنة مبنية على أصول ثقافة الجنوب الشرقي للمغرب، متزن في تعامله مع الأحداث ومع الزملاء، معروف عنه الثبات في المواقف والالتزام بالمبادئ، متشبع بثقافة ديمقراطية عميقة وبحس الحوار وحسن تبادل الأفكار واختيار توقيت التعبير عنه.
وشدد الهاشمي الإدريسي على أن البريني كان مستقلا فكريا ومنضبطا حزبيا في إطار شامل وتقدمي، لكن الصحافي المهني، يضيف الهاشمي الإدريسي، سينتصر على المناضل الحزبي، وهو ما دفعه للخروج من الصحافة الحزبية والانخراط في تجربة أكبر خطورة، تتمثل في دخول المؤسسة الصحافية المستقلة عبر تأسيس صحيفة «الأحداث المغربية».
وتطرق الهاشمي الإدريسي إلى تجربة البريني على مستوى هيكلة قطاع الصحافة والإعلام، إلى جانب عدد من الناشرين والمسؤولين بالصحف الوطنية، مشيرا إلى أنه بذل في ذلك مجهودا كبيرا، مؤمنا بالتدرج والذهاب خطوة خطوة في تحقيق المكاسب وبناء الثقة المتبادلة.
وتحدث محمد مفتاح، رئيس فيدرالية ناشري الصحف بالمغرب، عن الأوضاع المقلقة للصحافة في المغرب، عارضاً معطيات تبين ذلك. وربط بين تجربة البريني وأوضاع مهنة الصحافة، متحدثا عن الحاجة إلى استلهام قيمه وتجربة المحتفى به لرفع التحديات التي تواجهها الصحافة في الوقت الراهن، وذلك في ظل تراجع المقروئية وتأثير الثورة التكنولوجية على أنماط التواصل.
من جهته، استحضر عبد اللطيف بنصفية، مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال، علاقته بالبريني، مثنيا على مواقفه، مشيرا إلى أنه يستحضر اسم محمد البريني كلما تحدث عن الصحافة الوطنية في عصرها الذهبي، معاركه متعددة وفي أكثر من جبهة. وشدد بنصفية على الأسلوب البيداغوجي (التربوي) للبريني والتزامه كمناضل مع حنكة على مستوى تصريف المهام كمناضل حزبي ووظيفته كصحافي مهني. وخلص إلى القول إن البريني هو فارس المعارك الصحافية بامتياز والمغامر في سبيل استقلالية الصحافة الوطنية.
أما محمد برادة، الإعلامي والرئيس المدير العام لشركة سابريس سابقا، فقد استعاد في كلمته علاقته بالبريني، مشيرا إلى أنه عاش معه التغيرات المجتمعية المتتالية وانعكاساتها على الأوضاع المقلقة للصحافة الورقية، كما عاش معه التهديدات والهلع والارتباك والصراع من أجل البقاء، مشددا على أنه لم يكن ليستسلم ولا ليشعر بالخنوع فكان يرفع التحدي ويواجه التيار المعاكس بجرأة المناضل وشجاعة «الصحراوي» (اللقب الذي كان ينادى به)، الملتزم بقضايا الحرية والوطن قبل كل شيء.
وزاد برادة معدداً مناقب البريني، متحدثا عن «الصحافي المسؤول والواعي بجسامة مسؤولياته، الذي نجح في القفز على الحواجز الكثيرة والخروج بالجريدة من رصاص المطبعة إلى حداثة التكنولوجيات والرقمية التي سخرها بحنكة المهني».
وقال برادة إن البريني صحافي من تلك الطينة النادرة، أحد رواد الصحافة المعاصرة التي أدى من أجل استقلالها الثمن غاليا.
على نفس الإيقاع المحتفي بالبريني وإسهاماته، تواصلت مداخلات باقي المشاركين، في جلستين، بشهادات ألقاها كل من عبد الله البقالي رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية ومدير صحيفة «العلم»، ومحتات الرقاص مدير نشر صحيفتي «البيان» و«بيان اليوم»، والإعلامي محمد بوخزار، والمصطفى العراقي رئيس تحرير جريدة «الاتحاد الاشتراكي» سابقا، ويونس مجاهد رئيس المجلس الوطني للصحافي ورئيس الفيدرالية الدولية للصحافة، وأسية أقصبي الاختصاصية النفسية ورئيسة المدرسة العليا لعلم النفس، والمختار لغزيوي مدير نشر جريدة «الأحداث المغربية»، وعبد الإله التهاني مدير الاتصال والعلاقات العامة بوزارة الاتصال سابقا، وعبد الحكيم بلمداحي مدير تحرير صحيفة «الأحداث المغربية»، ونادية لمهيدي الأستاذة الباحثة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، وسعيد خمري الأستاذ الجامعي والصحافي السابق بجريدة «الأحداث المغربية».
وغالب البريني دموعه تأثرا خلال إلقائه كلمة بالمناسبة، في ختام اللقاء التكريمي، مشيرا إلى أن شهادات المتدخلين أسعدته. واستدرك، ملخصاً رقيه الإنساني، بالقول إن شهادات المشاركين قدمته كملاك، مع أنه ارتكب أخطاء عديدة، قال إنه سيشير إلى اثنين منها، خانته فيهما الشجاعة والمهنية، أحدهما يتعلق بعدم تغطية جريدة «الاتحاد الاشتراكي» للمظاهرات التي شهدتها مدن مغربية عديدة سنة 1984، والثاني أخلاقي يتعلق بنشر مقال فيه سب وقدف، قال إنه اعتذر عنه أمام المحكمة غير أن الاعتذار لم يكن كافيا بالنسبة إليه. وختم كلمته بطلب السماح والمغفرة عن الخطأين.
من جهته، اعتبر بن عيسى، في كلمته الختامية، أن اللقاء الاحتفائي يشكل حدثا قويا، «لأن ما قيل فيه كان سردا قويا، ميدانيا، إيديولوجيا، نظريا لجزء مهم من تاريخ المغرب. يقولون إن الإعلام هو المرآة الحقيقية لتاريخ الشعوب، الباقي كتابات تنظيرية أو خيالية. وما زاد هذا اليوم ليس فقط بهجة وتأثرا ولكن قيمة هو أننا نستحضر جهاد إنسان مغربي آمن برسالة وبسبيل في العمل، وبقي ملتزما بذلك الإيمان إلى الآن، هو محمد البريني، الذي أصفه بكلمة واحدة: إنسان نزيه. نزيه مع نفسه وأحبابه وعمله ومع الدولة، لأنه كان مخلصاً وصادقا».
وختم بن عيسى بإعلان قرار تسمية قاعة الندوات بمركز الحسن الثاني للملتقيات الدولية في أصيلة بـ«قاعة محمد البريني».


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».