روسيا تقصف البادية السورية... وأهالي الرقة يحتفلون في «ساحة الجحيم»

40 غارة على مواقع «داعش» بين حمص ودير الزور

ساحة النعيم في الرقة شمال شرقي سوريا في السادس من الشهر الحالي (أ.ف.ب)
ساحة النعيم في الرقة شمال شرقي سوريا في السادس من الشهر الحالي (أ.ف.ب)
TT
20

روسيا تقصف البادية السورية... وأهالي الرقة يحتفلون في «ساحة الجحيم»

ساحة النعيم في الرقة شمال شرقي سوريا في السادس من الشهر الحالي (أ.ف.ب)
ساحة النعيم في الرقة شمال شرقي سوريا في السادس من الشهر الحالي (أ.ف.ب)

في مدينة الرقة السورية، ينتظر نادر الحسين بفارغ الصبر وصول حبيبته إلى دوار النعيم الذي عاد مجدداً ملتقى العشاق والعائلات، بعدما كان تنظيم «داعش» قد حوله لسنوات ساحة للإعدامات والقتل.
ويقول نادر (25 عاماً) أثناء جلوسه على مقعد في منتصف الدوار محاطاً بأحواض مائية وقناطر، «أنتظر لقاء حبيبتي، فهنا أفضل مكان للقاء العشاق والعائلات والأصدقاء». ويضيف: «كنا سابقاً نتجنب حتى المرور قرب الدوار لكي لا نرى الدماء والرعب».
ورغم خسارته شرق الفرات، لا يزال «داعش» مقيماً في البادية. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أمس، «تناوبت عدة طائرات حربية روسية على قصف البادية السورية بعشرات الغارات الجوية، وذلك بعد توقفها عن قصف البادية منذ مساء أول من أمس، وتركزت الضربات الجوية التي زاد عددها عن 40 منذ صباح أمس، على باديتي إثريا وتدمر». وأشار إلى عودة المقاتلات الحربية الروسية إلى التحليق في أجواء البادية السورية، عقب غيابها عن الأجواء لساعات، حيث تتناوب 3 طائرات حربية على استهداف مناطق انتشار «داعش» في بادية آثريا ومثلث حلب - حماة - الرقة ضمن البادية، بالإضافة لبادية تدمر بريف حمص الشرقي.
كما نشرت روسيا منظومة صواريخ في ريف الرقة.
خلال سيطرة التنظيم على الرقة التي شكلت معقله الأبرز في سوريا بين العامين 2014 و2017، استبدل السكان اسم «دوار النعيم» بـ«دوار الجحيم»، بعدما اتخذ منه المتطرفون مكاناً لتنفيذ عقوباتهم الوحشية من قطع أطراف السارقين إلى تنفيذ إعدامات وعمليات صلب علناً للتخويف.
ويقول نادر، «لم أكن أتجرأ على لقاء حبيبتي بل نكتفي بالمكالمات الهاتفية، بسبب خشيتنا من قصاص الرجم بالحجارة»، إذ كان التنظيم المتطرف يمنع النساء اللواتي فرض عليهن ارتداء النقاب، من الخروج من دون محرم.
وحين خسر المتطرفون الرقة في أكتوبر (تشرين الأول) 2017 إثر معارك مع المقاتلين الأكراد بدعم أميركي، بدا الدوار أشبه بساحة ترابية فارغة تنبت فيها الأعشاب ويحيطها الدمار من كل حدب وصوب.
أما اليوم فهو ساحة واسعة تنيرها ليلاً الأضواء الملونة وتتوسطها نافورة بينما تزنرها قناطر حجرية فوق أحواض مليئة بالمياه.
ويقول مناف (24 عاماً) بينما يتسامر مع أصدقائه في وسط الدوار، «تحول دوار النعيم من الجحيم إلى جنة، حتى بات العشاق يأتون إليه».
ويقع الدوار في وسط المدينة الذي يضيق بالمقاهي والمتاجر وتتفرع منه طرق رئيسية عدة.
في وسط الدوار، يركض الأطفال بين المقاعد. يتبادل رجال ونساء الأحاديث ويلتقطون صوراً تذكارية، وتعلو ضحكات أصدقاء يفترشون الأرض ويتناولون الطعام، بينما يجول الباعة بين رواد الساحة حاملين بالونات ملونة وأخرى على شكل قلب. يجلس محمد العلي (37 عاماً) مع زوجته على أحد المقاعد يراقبون أطفالهم الثلاثة وهم يلعبون حول الأحواض المائية.
ويروي كيف كان يتجنب مرور أطفاله في المكان «لئلا يروا الرؤوس المعلقة... أما اليوم فبات (الدوار) مساحة للعائلات وللأطفال لكي يلعبوا». ورغم المباني المدمرة التي لا تزال شاهدة على القصف والمعارك التي سبقت طرد «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم أميركي، للتنظيم، استعادت المدينة بعضاً من عافيتها، وإن كانت ذكريات وحشية المتطرفين لا تزال ترافق سكانها.
قرب دوار الساعة الذي يتوسط سوقاً رئيسية في المدينة وتنطلق من قربه حافلات نقل السكان بين مدينة الرقة وريفها، والذي شهد أيضاً على أحكام «الجهاديين» المتشددة، يمر أحمد الحمد على كرسيه المتحرك.
ويقول أثناء توجهه لشراء الخضار، «يذكرنا هذا الدوار بالمأساة التي عشناها... يذكرنا بالموت»، مضيفاً: «كنا نشهد هنا على قطع الرؤوس والأيادي والإعدامات بالسيف». ويضيف الرجل الذي يقول إن المتطرفين أعدموا أقارب له بقطع الرأس، «كنا نخشى حتى المرور من هنا».
وفي الرقة، رجم المتطرفون للمرة الأولى امرأة حتى الموت، وفيها أيضاً رموا مثليي الجنس من على أسطح الأبنية. كما عرضوا فيها عشرات النساء الإيزيديات اللاتي أسروهن في العراق «للبيع» على أنهن «سبايا» حرب.
أما محيط دوار الدلة القريب، فيزدحم بعمال ينتظرون مرور أصحاب عمل يبحثون عن أيدٍ عاملة، حتى بات سكان الرقة يطلقون عليه تسمية «ساحة العمال».
ويتجه عبد المجيد العبد الله (35 عاماً) كل صباح إلى دوار الدلة الذي يتوسطه مجسم لإبريق قهوة على الطراز العربي وبجانبه فنجان. ويتذكر كيف كان عناصر التنظيم يسجنون الناس في «قفص» عند الدوار، ويضيف: «اليوم بات باباً لرزق العمال».



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.