علاقات حذر وتردد بين طهران وأكراد العراق.. قبل ظهور تنظيم داعش وبعده

تفجيرات 2004 الإرهابية التي استهدفت أربيل هرب بعض منفذيها إلى إيران

علاقات حذر وتردد بين طهران وأكراد العراق.. قبل ظهور تنظيم داعش وبعده
TT

علاقات حذر وتردد بين طهران وأكراد العراق.. قبل ظهور تنظيم داعش وبعده

علاقات حذر وتردد بين طهران وأكراد العراق.. قبل ظهور تنظيم داعش وبعده

تعد العلاقة الإيرانية - الكردية، تاريخيا، علاقة جيدة بصفة عامة. وتعود جذورها إلى سبعينات وثمانينات القرن الماضي عندما كانت بغداد تشكل العدوّ الرئيسي للقوميين الأكراد، بيد أنه بعد إسقاط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وتصاعد المطالبات الكردية بالانفصال والاستقلال، سعت إيران إلى إضعاف الطموحات الكردية، كما حذّرت إيران العام الماضي مسعود بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، من السعي إلى تقسيم العراق.
وهنا يشرح الباحث فلاديمير فان فيلغنبورغ، من مؤسسة جيمستاون، في حديث إلى «الشرق الأوسط» في أربيل، أن إيران والاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) تربطهما علاقة جيدة: «والسبب في ذلك يعود إلى أن المناطق التي يوجد فيها الاتحاد الوطني الكردستاني تحدها إيران وحدها، بينما للحزب الديمقراطي الكردستاني حدود مع كل من إيران وتركيا. وبالتالي، ليس أمام الاتحاد الوطني أي خيار بديل عن بناء علاقات جيدة مع إيران. في المقابل، نرى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني أكثر مرونة في علاقاته، لا سيما أنه يعتبر أن المنفذ الوحيد لتصدير النفط الكردي لديه هو عبر تركيا»، وفق الخبير.
ويضيف فان فيلغنبورغ قوله إن العلاقات بين إقليم كردستان العراق وإيران شهدت بالفعل تحسنا ملحوظا بعد مهاجمة «داعش» الإقليم في شهر أغسطس (آب) الماضي، وصرّح رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني حينذاك قائلا: «لقد طلبنا المساعدة وكانت إيران أول دولة تقدم لنا الأسلحة والذخيرة». ولكن، رغم هذا التطوّر الإيجابي في العلاقات، فإن غالبية الأكراد الذين يعيشون في المناطق الجبلية الممتدة بين السليمانية وأربيل بشمال العراق، والذين تعرَف عنهم «براغماتيتهم» الكبيرة يرون أنه «لا يمكن الوثوق بإيران حتى لو أنهما (الأكراد وإيران) يواجهان عدوا واحدا». ويردّ الباحث سبب ذلك إلى وجود أقلية كردية في إيران لها طموحاتها القومية، وإلى دعم إيران بغداد في محاولة الأخيرة الحد من طموحات الحكم الذاتي الكردي.
إضافة إلى ذلك، تعاظم «الحذر» لدى الأكراد في أعقاب أحداث 1 فبراير (شباط) عام 2004، إثر التفجيرات الانتحارية التي وقعت خلال احتفالات أكراد العراق أثناء عطلة عيد الأضحى في أربيل، عاصمة الإقليم، ويومذاك أرادوا من خلال الاحتفالات أن تلتقي المكوّنات المحلية مع قادة الأحزاب لمشاركتهم مخاوفهم وقلقهم. ومن ثم، تحوّلت تلك الاحتفالات التي نظمها كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني إلى حوادث دامية أسفرت عن مقتل 109 أشخاص من بينهم عدد من السياسيين.
ووفقا لتقرير نشر في ذلك الوقت من إعداد مايكل روبن في «Middle East Intelligence Bulletin» وجهت أصابع الاتهام لمرتكبي التفجيرات إلى تنظيم «أنصار السنة» الذي انبثق عن جماعة «أنصار الإسلام»، التي كانت ربطتها علاقة بإيران وأيضا بتنظيم القاعدة. وحسب روبن: «في سبتمبر (أيلول) 2001 اتحد (أنصار الإسلام) - الذين بدأوا عملياتهم في البداية تحت اسم (جند الإسلام) - مع عدة جماعات إسلامية متشدّدة واتخذوا مقرا لهم في جبال شمال العراق على طول الحدود الإيرانية».
ويتابع روبن قوله إنه في عام 2003 «حين هاجمت القوات الخاصة الأميركية وقوات الاتحاد الوطني الكردستاني مجموعة (أنصار الإسلام) المتطرفة هرب معظم عناصرها إلى إيران. ثم في فبراير 2004، عثر مسؤولون في الاستخبارات الكردية على جوازات سفر سورية ويمنية وسعودية كلها تحمل أختام دخول إلى الأراضي الإيرانية في منزل تابع لـ(أنصار الإسلام) على الجانب الإيراني من الحدود».
وفي السياق نفسه أشار تقرير آخر نشرته ليديا خليل، في مؤسسة جيمستاون، إلى أن الأكراد الذين يقيمون على طول المناطق الحدودية كانوا يخشون في ذلك الوقت من دور إيراني في إعادة ظهور جماعة «أنصار الإسلام». ونقل التقرير أيضا عن صحيفة «هاولاتي» الكردية أن جهاز الاستخبارات السرية الإيرانية وتنظيم القاعدة عمدا حقا إلى تدريب عناصر «أنصار الإسلام».
فلاديمير فان فيلغنبورغ يرى أنه رغم تعذّر الجزم قطعيا بوجود دور إيراني في تفجيرات أربيل عام 2004، فإن إيران استضافت بالفعل، ودعمت المتطرفين والأحزاب الإسلامية، التي تحوّلت في وقت لاحق إلى منظمات متمردة. كذلك فإنها سمحت للمسلحين والمقاتلين المتطرفين بعبور حدودها لمهاجمة قوات التحالف الأميركية في العراق. ويوضح: «فعلى سبيل المثال، أبو مصعب الزرقاوي الذي انضم لفترة وجيزة لـ(أنصار السنة) دخل العراق عبر إيران، وكذلك حسن غول، مبعوث أسامة بن لادن».
ولعل إيران أرادت من خلال دعم هذه الجماعات أن تحافظ على دور أساسي لها في النزاع حتى لو عنى ذلك اللجوء إلى المقاتلين المتطرفين. وحول هذا الجانب، يستطرد روبن قائلا: «إن عددا كبيرا من المقاتلين عادوا في ذلك الوقت واستقروا في مدينة الموصل ومحيطها، بما أن المدينة تشكل صلة وصل فعالة للتنسيق بين المسلحين من (أنصار الإسلام) والإرهابيين الأجانب الآتين في تلك المرحلة من سوريا، وذلك بفضل الوجود البعثي في المدينة». وهنا يشرح نائب عراقي سابق من أصل كردي لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «عندما دخل الجيش الأميركي إلى العراق، فرّ معظم عناصر حزب البعث إلى سوريا، حيث أسست الاستخبارات السورية في البلاد شبكة من أعضاء حزب البعث والمقاتلين المتطرفين». وإلى ذلك، أوردت مجلة «Long War Journal»، أن جماعة «أنصار الإسلام» أو «أنصار السنة» ما زالت ناشطة، وتبنت ما لا يقل عن 14 عملية على حسابها على «تويتر»، و5 من الهجمات استهدفت محافظة كركوك، و5 على الطريق بين كركوك وتكريت الواقعة شمال غربي بغداد، كما نُفذت عمليتان داخل مدينة تكريت، في حين نفذت الاعتداءات المتبقية في الموصل وعلى الطريق بين الموصل وبغداد. أما اليوم، ومع ظهور «داعش»، فسيكون من المثير للاهتمام أن نعلم ما بات مصير هذه المجموعة، التي كانت فيما مضى تحظى بدعم إيراني وسوري نشط، وما إذا كان أعضاؤها قد تعاونوا مع «داعش» أم عارضوه.
أما عن الحاضر، فيقول فان فيلغنبورغ إلى أنه رغم أن الرئيس السوري بشار الأسد وإيران سمحا فعلا للمقاتلين المتطرفين بالقتال في غرب العراق، لا توجد أدلة تؤكد أنهما مرتبطان بالضرورة بالجماعات المتطرفة الناشطة حاليا. لكن هذا الرأي لا يؤيده إطلاقا النائب الكردي الذي يعتبر أن «إيران تسعى إلى إعطاء صورة قاتمة عن السنة، وهي كانت تعلم جيدا ما كان يجري، وقد ساهمت فعليا في ظهور هذه المجموعات المتطرفة».

* تتسم العلاقة بين إيران وإقليم كردستان العراق بكثير من التعقيد، غير أنها بدأت منذ تقدّم «داعش» في الصيف الماضي على محور أربيل، تتخذ طابعا براغماتيا، لا سيما حين أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن إيران انضمت إلى الولايات المتحدة في توفير أسلحة جديدة للقوات الكردية.
ولكن مع هذا الدعم الإيراني، ما زال عدد كبير من أكراد العراق ينظر بكثير من الحذر إلى طموحات إيران وأطماعها، وخاصة أن الهجوم الانتحاري المزدوج في أربيل عام 2004 الذي نُسب حينها إلى مجموعة «أنصار الإسلام» التي ارتبط اسمها طويلا بالاستخبارات الإيرانية، ما زال يخيم على ذاكرة البعض منهم.



فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
TT

فرنسا في مواجهة الإرهاب بالساحل الأفريقي

تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)
تشييع جثامين الجنود الفرنسيين الذين لقوا حتفهم في تصادم بطائرتي هليكوبتر أثناء ملاحقة متشددين بمالي بداية الشهر (أ.ف.ب)

غداة إعلان باريس مصرع 13 جندياً من مواطنيها، في حادث تحطم مروحيتين عسكريتين في جمهورية مالي الأفريقية، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعلن في مؤتمر صحافي أن بلاده تدرس جميع الخيارات الاستراتيجية المتعلقة بوجودها العسكري في منطقة الساحل الأفريقي.
في تصريحاته، أكد ماكرون أنه أمر الجيش الفرنسي بتقييم عملياته ضد المسلحين في غرب أفريقيا، مشيراً إلى أن جميع الخيارات متاحة، وموضحاً أن بلاده «ترغب في مشاركة أكبر من قبل حلفائها في المنطقة من أجل مكافحة الإرهاب».

هل يمكن عد تصريحات ماكرون بداية لمرحلة فرنسية جديدة في مكافحة الإرهاب على أراضي القارة السمراء، لا سيما في منطقة دول الساحل التي تضم بنوع خاص «بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد»؟
يتطلب منا الجواب بلورة رؤية واسعة للإشكالية الأفريقية في تقاطعاتها مع الإرهاب بشكل عام من جهة، ولجهة دول الساحل من ناحية ثانية.
بداية، يمكن القطع بأن كثيراً من التحديات الحياتية اليومية تطفو على السطح في تلك الدول، لا سيما في ظل التغيرات المناخية التي تجعل الحياة صعبة للغاية وسط الجفاف، الأمر الذي يولد هجرات غير نظامية من دولة إلى أخرى. وفي الوسط، تنشأ عصابات الجريمة المنظمة والعشوائية معاً، مما يقود في نهاية المشهد إلى حالة من الانفلات الأمني، وعدم مقدرة الحكومات على ضبط الأوضاع الأمنية، وربما لهذا السبب أنشأ رؤساء دول المنطقة ما يعرف بـ«المجموعة الخماسية»، التي تدعمها فرنسا وتخطط لها مجابهتها مع الإرهاب، والهدف من وراء هذا التجمع هو تنسيق أنشطتهم، وتولي زمام الأمور، وضمان أمنهم، من أجل الحد من تغلغل الإرهاب الأعمى في دروبهم.
على أنه وفي زمن ما يمكن أن نسميه «الإرهاب المعولم»، كانت ارتدادات ما جرى لتنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، من اندحارات وهزائم عسكرية العامين الماضيين، تسمع في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي منطقة الساحل بنوع خاص، ولم يكن غريباً أو عجيباً أن تعلن جماعات إرهابية متعددة، مثل «بوكو حرام» وحركة الشباب وغيرهما، ولاءها لـ«داعش»، وزعيمها المغدور أبي بكر البغدادي.
وتبدو فرنسا، فعلاً وقولاً، عازمة على التصدي للإرهاب القائم والآتي في القارة السمراء، وقد يرجع البعض السبب إلى أن فرنسا تحاول أن تحافظ على مكاسبها التاريخية السياسية أو الاقتصادية في القارة التي تتكالب عليها اليوم الأقطاب الكبرى، من واشنطن إلى موسكو، مروراً ببكين، ولا تود باريس أن تخرج خالية الوفاض من قسمة الغرماء الأفريقية، أي أنه تموضع عسكري بهدف سياسي أو اقتصادي، وفي كل الأحوال لا يهم التوجه، إنما المهم حساب الحصاد، وما تخططه الجمهورية الفرنسية لمواجهة طاعون القرن الحادي والعشرين.
في حديثها المطول مع صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، كانت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلورانس بارلي، تشير إلى أن فرنسا تقود جهوداً أوروبية لتشكيل قوة عسكرية لمحاربة تنظيمي «داعش» و«القاعدة» في منطقة الساحل الأفريقي، وأن هناك خطوات جديدة في الطريق تهدف إلى تعزيز المعركة ضد العناصر الإرهابية هناك، وإن طال زمن الصراع أو المواجهة.
ما الذي يجعل فرنسا تتحرك على هذا النحو الجاد الحازم في توجهها نحو الساحل الأفريقي؟
المؤكد أن تدهور الأوضاع في الساحل الأفريقي، وبنوع خاص المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، قد أزعج الأوروبيين أيما إزعاج، لا سيما أن هذا التدهور يفتح الأبواب لهجرات غير شرعية لسواحل أوروبا، حكماً سوف يتسرب في الوسط منها عناصر إرهابية تنوي إلحاق الأذى بالقارة الأوروبية ومواطنيها.
يكاد المتابع للشأن الإرهابي في الساحل الأفريقي يقطع بأن فرنسا تقود عملية «برخان 2»، وقد بدأت «برخان 1» منذ اندلاع أولى شرارات الأزمة الأمنية في منطقة الساحل، فقد التزمت فرنسا التزاماً حاراً من أجل كبح جماح التهديد الإرهابي.
بدأت العملية في يناير (كانون الثاني) 2013، حين تدخلت فرنسا في شمال مالي، عبر عملية «سيرفال»، بغية منع الجماعات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة من السيطرة على البلاد.
والثابت أنه منذ ذلك الحين، توحدت العمليات الفرنسية التي تضم زهاء 4500 جندي تحت اسم عملية «برخان». وتعمل القوات الفرنسية في هذا الإطار على نحو وثيق مع القوات المسلحة في منطقة الساحل.
ويمكن للمرء توقع «برخان 2»، من خلال تحليل وتفكيك تصريحات وزيرة الجيوش الفرنسية بارلي التي عدت أن دول الساحل الأفريقي تقع على أبواب أوروبا. وعليه، فإن المرحلة المقبلة من المواجهة لن تكون فرنسية فقط، بل الهدف منها إشراك بقية دول أوروبا في مالي بقيادة عملية «برخان 2»، في إطار وحدة مشتركة تدعى «تاكوبا»، بغية مواكبة القوات المسلحة المالية.
ولعل المتابع لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون العام الحالي يرى أن الرجل يكاد ينزع إلى ما مضي في طريقه جنرال فرنسا الأشهر شارل ديغول، ذاك الذي اهتم كثيراً بوحدة أوروبا والأوروبيين بأكثر من التحالف مع الأميركيين أو الآسيويين.
ماكرون الذي أطلق صيحة تكوين جيش أوروبي مستقل هو نفسه الذي تحدث مؤخراً عما أطلق عليه «الموت السريري» لحلف الناتو. وعليه، يبقى من الطبيعي أن تكون خطط فرنسا هادفة إلى جمع شمل الأوروبيين للدفاع عن القارة، وعدم انتظار القوة الأميركية الأفريقية (أفريكوم) للدفاع عن القارة الأوروبية.
هذه الرؤية تؤكدها تصريحات الوزيرة بارلي التي أشارت إلى أن فرنسا تبذل الجهود الكبيرة من أجل أن يكون هناك أوروبيون أكثر في الصفوف الأولى مع فرنسا ودول الساحل. وقد أعلنت الوزيرة الفرنسية بالفعل أن «التشيكيين والبلجيكيين والإستونيين قد استجابوا أولاً، كما أن آخرين حكماً سينضمون إلى عملية (تاكوبا) عندما تصادق برلمانات بلادهم على انتشارهم مع القوات الفرنسية».
لا تبدو مسألة قيادة فرنسا لتحالف أوروبي ضد الإرهاب مسألة مرحباً بها بالمطلق في الداخل الفرنسي، لا سيما أن الخسائر التي تكمن دونها عاماً بعد الآخر في منطقة الساحل قد فتحت باب النقاش واسعاً في الداخل الفرنسي، فقد قتل هناك العشرات من الجنود منذ عام 2013، مما جعل بعض الأصوات تتساءل عن نجاعة تلك العملية، وفرصها في الحد من خطورة التنظيمات الإرهابية، وقد وصل النقاش إلى وسائل الإعلام الفرنسية المختلفة.
غير أنه، على الجانب الآخر، ترتفع أصوات المسؤولين الفرنسيين، لا سيما من الجنرالات والعسكريين، الذين يقارنون بين الأكلاف والخسائر من باب المواجهة، وما يمكن أن يصيب فرنسا وبقية دول أوروبا حال صمت الأوروبيين وجلوسهم مستكينين لا يفعلون شيئاً. فساعتها، ستكون الأراضي الأوروبية من أدناها إلى أقصاها أراضي شاسعة متروكة من الدول، وستصبح ملاجئ لمجموعات إرهابية تابعة لـ«داعش» و«القاعدة».
ما حظوظ نجاحات مثل هذا التحالف الأوروبي الجديد؟
يمكن القول إن هناك فرصة جيدة لأن يفعل التحالف الفرنسي الأوروبي الجديد حضوره، في مواجهة الإرهاب المتغلغل في أفريقيا، لا سيما أن الهدف يخدم عموم الأوروبيين، فتوفير الأمن والاستقرار في الجانب الآخر من الأطلسي ينعكس حتماً برداً وسلاماً على بقية عموم أوروبا.
ولم يكن الإعلان الفرنسي الأخير هو نقطة البداية في عملية «برخان 2» أو «تاكوبا»، فقد سبق أن أعلن رئيس الجمهورية الفرنسية، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، بمعية رئيس بوركينا فاسو السيد روش كابوريه، وهو الرئيس الحالي للمجموعة الخماسية لمنطقة الساحل، إبان مؤتمر قمة مجموعة الدول السبع في بياريتز، إنشاء الشراكة من أجل الأمن والاستقرار في منطقة الساحل.
وترمي هذه الشراكة مع بلدان المنطقة إلى تعزيز فعالية الجهود المبذولة في مجالي الدفاع والأمن الداخلي، وإلى تحسين سبل تنسيق دعم الإصلاحات الضرورية في هذين المجالين، وتمثل ضرورة المساءلة مقوماً من مقومات هذه الشراكة.
ولا يخلو المشهد الفرنسي من براغماتية مستنيرة، إن جاز التعبير، فالفرنسيون لن يقبلوا أن يستنزفوا طويلاً في دفاعهم عن الأمن الأوروبي، في حين تبقى بقية دول أوروبا في مقاعد المتفرجين ليس أكثر، وربما لمح الفرنسيون مؤخراً من طرف خفي إلى فكرة الانسحاب الكامل الشامل، إن لم تسارع بقية دول القارة الأوروبية في إظهار رغبة حقيقية في تفعيل شراكة استراتيجية تستنقذ دول الساحل الأفريقي من الوقوع لقمة سائغة في فم الجماعات الإرهابية، في منطقة باتت الأنسب ليتخذها الإرهابيون مخزناً استراتيجياً ومنطقة حشد لهم، وفي مقدمة تلك الجماعات مجموعات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة تجتمع تحت راية جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، وأخرى تابعة لتنظيم داعش على غرار التنظيم الإرهابي في الصحراء الكبرى، التي تقوم بتنفيذ كثير من الهجمات ضد القوات المسلحة في منطقة الساحل، والقوات الدولية التي تدعمها، والتي تضم بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الإبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، المكلفة بدعم تنفيذ اتفاق السلام المنبثق عن عملية الجزائر العاصمة، ودعم جهود إرساء الاستقرار التي تبذلها السلطات المالية في وسط البلاد.
ولعل كارثة ما يجري في منطقة الساحل الأفريقي، ودول المجموعة الخماسية بنوع خاص، غير موصولة فقط بالجماعات الراديكالية على اختلاف تسمياتها وانتماءاتها، فهناك مجموعات أخرى مهددة للأمن والسلام الأوروبيين، جماعات من قبيل تجار المخدرات والأسلحة، وكذا مهربو البشر، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وهذا هاجس رهيب بدوره بالنسبة لعموم الأوروبيين.
على أن علامة استفهام تبقى قلقه محيرة بالنسبة لباريس وقصر الإليزيه اليوم، وهي تلك المرتبطة بالإرادة الأوروبية التي تعاني من حالة تفسخ وتباعد غير مسبوقة، تبدت في خلافات ألمانية فرنسية بنوع خاص تجاه فكرة استمرار الناتو، وطرح الجيش الأوروبي الموحد.
باختصار غير مخل: هل دعم الأوروبيين كافة لعملية «برخان 2» أمر مقطوع به أم أن هناك دولاً أوروبية أخرى سوف تبدي تحفظات على فكرة المساهمة في تلك العمليات، خوفاً من أن تستعلن فرنسا القوة الضاربة الأوروبية في القارة الأفريقية من جديد، مما يعني عودة سطوتها التي كانت لها قديماً في زمن الاحتلال العسكري لتلك الدول، الأمر الذي ربما ينتقص من نفوذ دول أخرى بعينها تصارع اليوم لتقود دفة أوروبا، في ظل حالة الانسحاب من الاتحاد التي تمثلها بريطانيا، والمخاوف من أن تلحقها دول أخرى؟
مهما يكن من أمر الجواب، فإن تصاعد العمليات الإرهابية في الفترة الأخيرة، أو حدوث عمليات جديدة ضد أهداف أوروبية في القارة الأفريقية، وجريان المقدرات بأي أعمال إرهابية على تراب الدول الأوروبية، ربما يؤكدان الحاجة الحتمية لتعزيز توجهات فرنسا، وشراكة بقية دول أوروبا، ويبدو واضحاً أيضاً أن بعضاً من دول أفريقيا استشرفت مخاوف جمة من تعاظم الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، مثل تشاد التي وافقت على تعبئة مزيد من الجيوش في المثلث الحدودي الهش مع النيجر وبوركينا فاسو.