تعقيدات سياسية وأمنية تطرح تساؤلات حول مستقبل «القاعدة في المغرب الإسلامي»

بعد التطورات الأخيرة في الحرب على الإرهاب والتطرف

تعقيدات سياسية وأمنية تطرح تساؤلات حول مستقبل «القاعدة في المغرب الإسلامي»
TT

تعقيدات سياسية وأمنية تطرح تساؤلات حول مستقبل «القاعدة في المغرب الإسلامي»

تعقيدات سياسية وأمنية تطرح تساؤلات حول مستقبل «القاعدة في المغرب الإسلامي»

قرار تونس قبل بضعة أيام إعادة فتح قنصليتها في العاصمة السورية دمشق وترحيبها بعودة سفير سوريا إلى العاصمة التونسية، فاجأ المراقبين خارج تونس، ولا سيما في مواقف الرئيس السابق الدكتور المنصف المرزوقي الحازمة ضد سياسة القتل والقمع التي مارسها ويمارسها نظام الرئيس بشار الأسد. غير أن متابعي المشهد السياسي والأمني داخل تونس اعتبروا أن هذه الخطوة لا تنفصل عن قلق القيادة الحالية الشديد في عهد الباجي قايد السبسي من خطر المقاتلين المتطرفين التونسيين الذين يقاتلون في سوريا حاليا عند عودتهم إلى البلاد. وكان الهجوم الإرهابي الدموي على متحف باردو في تونس العاصمة أحدث المؤشرات إلى خطر هذه الجماعات، ناهيك من الصلات المقلقة لعلاقات المتطرفين الإرهابيين التونسيين بالجماعات الإرهابية المتطرفة الناشطة في كل من ليبيا والجزائر «جارتي» تونس، ومناطق أخرى بشمال أفريقيا.

أعلن رئيس الحكومة التونسي الحبيب الصيد ومحمد الناجم الغرسلي وزير الداخلية في حكومته، أخيرا، مقتل القيادي المتطرّف «لقمان أبو صخر» في جنوب غربي تونس رفقة 8 من رفاقه. وللعلم، يوصف «أبو صخر» منذ سنوات في الجزائر وتونس بأنه «أخطر إرهابي جزائري ومغاربي» وبكونه الزعيم «الأسطوري» لما يسمى تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«كتيبة عقبة بن نافع» وتنظيم «عقبة بن نافع». كذلك كشف الصيد والغرسلي عن تفاصيل تهم التنظيمين المتهمين بالتورّط في جرائم قتل عشرات العسكريين والأمنيين والسياح بمشاركة متهمين تونسيين وليبيين وجزائريين ومغاربة.
ما هي النتائج السياسية والأمنية لمستجدات الأيام القليلة الماضية؟ وهل سيعني القضاء على أبرز قيادات التنظيمين واعتقال نحو عشرين من عناصرها إغلاقا نهائيا للملف وانتصارا عليهما... أم مجرد «ضربة أمنية» ذات نتائج ظرفية؟
الأمر اللافت للانتباه تمسك رئيس الحكومة التونسي ووزير داخليته منذ جريمة قتل عشرين سائحا و3 تونسيين في متحف باردو بأن الهجوم الإرهابي كان من فعل عناصر من جماعات إرهابية مغاربية بينها كتيبة «عقبة بن نافع» وجناح متطرّف جدا في «أنصار الشريعة»، وليس من فعل عناصر تابعة لتنظيم داعش رغم البيان الذي صدر في الموقع الإلكتروني المحسوب عليه.
بل لقد ذهب وزير الداخلية، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، بعيدا فأوضح أن «(داعش) لم يشارك مباشرة في هجوم 18 مارس (آذار) الماضي» وبيانه الذي تبنّاه يندرج في سياق «خطته الإعلامية الدعائية». وأوضح الوزير أن «كثيرا من التنظيمات الإرهابية تبحث عن الشهرة وتتبنى عمليات لم تقم بها». ومن ثم، حذّر من مسايرة بلاغات تروّج في المواقع الاجتماعية والإعلامية «لأسباب كثيرة من بينها إخفاء بعض خيوط الجريمة عن المحققين».
ورغم ضغوط بعض «الخبراء» في وسائل الإعلام التونسية والعربية والدولية، التي كانت تدفع في اتجاه «مواقف تبسيطية» تلصق الجريمة بـ«داعش»، التزم رئيس الحكومة ووزير الداخلية التونسيان منذ البداية الحذر، وأعطيا الأولوية لنتائج التحقيقات مع الموقوفين وللقرائن والحجج وليس لـ«المواقف المسبقة» التي روّجتها بعض الجهات الاستخباراتية والإعلامية الإقليمية.
ومن جهة أخرى، كشف الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية محمد علي العروي أنه بنتيجة هذا التناول تيسّر التعرف على أسماء عشرات من المتهمين الذين هم على علاقة مباشرة وغير مباشرة بجرائم قتل السياح والعسكريين والمدنيين. ولقد تبين أن معظمهم من تونس والجزائر والمغرب وليبيا، وهم ليسوا من أفراد «داعش» بل من «كتيبة عقبة بن نافع» ومن جناح في «تنظيم أنصار الشريعة» المحسوبين على تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي».
هذا التناول العقلاني في التعامل مع المعطيات الأمنية - بعيدا عن الضغوط الاستخباراتية والأمنية المحلية والدولية - ساعد المحققين التونسيين ونظراءهم الجزائريين على كشف خيوط إضافية في الشبكات الإرهابية وعلى القضاء على «الزعيم الرمز» للمجموعات المتهمة بالاغتيالات السياسية والهجمات الإرهابية المتعاقبة على العسكريين والأمنيين خلال السنوات الماضية وبهجوم باردو الإرهابي.
أضف إلى ما سبق أنه كشفت المشاركة المغاربية والعربية والعالمية الواسعة في المسيرة الدولية المعادية للإرهاب بتونس أن الرأي العام الوطني التونسي والمغاربي وقادة العالم تفاعلوا إيجابا مع الساسة التونسيين الذين تعاملوا بـ«شفافية» مع الأحداث الإرهابية.. بعيدا عن كل أنواع «الرتوش». ويرى متابعون أن مصارحة الحكومة للشعب والعواصم الصديقة بحقيقة المعطيات المتوافرة لديها عامل كان عاملا حاسما في مدّها بمعلومات ساعدت خلال فترة قياسية في الكشف عن مجموعة «لقمان أبو صخر» في الجنوب الغربي وعن علاقاته مع جماعات مسلحة ليبية وجزائرية وتونسية ومغربية، بينها «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«أنصار الشريعة».
أما على الصعيد الاقتصادي، وبحكم التداخل بين المعطيات الأمنية وعنصر الاستقرار الذي يشترط المستثمرون توافره فإن النجاحات الأمنية بعد جريمة باردو، كما يرى الباحث الجامعي زهير بن يوسف «ستساهم في إعادة ثقة الشعب ورجال الأعمال والمستثمرين الأجانب في مناخ تونس وفرص الاستثمار الاقتصادي فيها».
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الوزير الغرسلي أورد أثناء ندوته الصحافية يوم الخميس قبل القضاء على «أبو صخر» أن 80 في المائة من المتهمين جرى توقيفهم (نحو 20 متهما وقتل 9 آخرون بعد ذلك بيومين/ ليلة السبت - الأحد) فإن ذلك يعني «تصفية الغالبية الساحقة من أعضاء هذه الجماعة المسلحة» باستثناء «المتهم الخطير جدا» ماهر القايدي الذي وزّعت صوره في كل وسائل الإعلام والمتهم بالمشاركة في جريمة باردو من خارج المتحف.

* مخاطر أمنية جديدة
«الشرق الأوسط» استوضحت في هذا السياق آراء عدد من الشخصيات والمتابعين والخبراء هم: علي زيدان رئيس الحكومة الليبية السابق، وأبو بكر بعيرة الناطق الرسمي باسم برلمان طبرق الليبي، ومحمد المؤدب أمير اللواء المتقاعد في الجيش الوطني، والدكتورة بدرة قعلول الخبيرة التونسية في الشؤون العسكرية والأمنية، والأكاديمي والمؤرخ التونسي اعلية العلاني. ومن ثم خرجت بحصيلة تتصل بالسؤال المطروح الآن، وهو: ألن تواجه تونس مخاطر أمنية جديدة في ظل تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، وبروز تنسيق كبير بين الجماعات المسلحة المغاربية التي كانت برزت في ثوب جديد منذ 2006 بعدما تطوّرت «الجماعات السلفية للدعوة والقتال» و«الجماعة الإسلامية المقاتلة في الجزائر» (جي. إي. آ.) إلى «القاعدة في المغرب الإسلامي»؟
الدكتورة قعلول رجّحت أن تنظم عمليات إرهابية جديدة «لأن التنسيق بين بعض الجماعات السلفية المسلحة التونسية والمغاربية يعود إلى أواخر 2006 ومطلع 2007 عند الكشف عن تنظيمات مسلحة في سليمان بتونس بينها تنظيم (أسد بن الفرات) وجماعات تنتسب إلى (القاعدة) وأخرى بايع بعض رموزها في سبتمبر (أيلول) الماضي قيادات (داعش) في الشام والعراق وزعامات متشدّدة مسلّحة في مالي وكذلك في مدينتي درنة وسرت الليبيتين».
وبالعودة إلى كلام وزير الداخلية الغرسلي، فإنه كشف عن أن من الأسلحة المستخدمة في الهجوم على باردو مواد متفجرة خطيرة وذخائر عسكرية كان النظام الليبي السابق - في عهد معمّر القذافي - يستخدمها في الحروب إلى درجة أن المفعول التفجيري لـ«حزام ناسف واحد» قد يمتد 8 آلاف متر مربع في الثانية الواحدة. وبما أن ليبيا تعج بالأسلحة «المتطورة» الموروثة عن عهد القذافي وتلك التي وزّعها الحلف الأطلسي وشركاؤه العرب على «الثوار» عام 2011 فإن المخاطر الأمنية تتضاعف بالنسبة لتونس وكامل دول الاتحاد المغاربي وبقية دول المنطقة.
في ضوء ذلك قدّر أبو بكر بعيرة عدد قطع السلاح المنتشرة حاليا في ليبيا بملايين القطع، بينها الصواريخ الفردية ورشاشات الكلاشنيكوف وقنابل. أما رئيس الحكومة الليبية السابقة علي زيدان فطالب الحلف الأطلسي بالبدء فورا في تجميع هذه الأسلحة «لحماية ليبيا وتونس وكل الدول العربية والأورومتوسطية من اتساع رقعة الإرهاب». في حين حذّر محمد المؤدب من «التداخل بين الإرهاب والتهريب» لجهة توظيف الإرهابيين أموال التهريب في تمويل مجموعاتهم وتسليحها. وحقا يؤكد بعض المختصين في الدراسات الأمنية - منهم الدكتورة قعلول - أن نسبة كبيرة من العمليات الإرهابية في تونس والمنطقة مرتبطة بالفعل بعصابات التهريب وأن «لقمان أبو صخر» كان من أكبر «المهرّبين» في منطقة الحدود التونسية - الجزائرية.
في هذا السياق العام لم يستبعد اعلية العلاني أن يتواصل تأثير تنظيمات مغاربية مسلحة مثل «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«عقبة بن نافع» و«أنصار الشريعة»، بحكم تقاطع شبكاتها ومموّليها مع التهريب والاتجار غير القانوني «العابر للحدود» في مواد كثيرة من بينها المخدرات والأسلحة. وبصفة عامة، لا يعتقد خبراء في القضايا الأمنية والتنظيمات المسلحة المتطرفة أن قتل «لقمان أبو صخر» سيؤثر سلبيا على المدى البعيد على الجماعات المتطرفة في تونس والدول المغاربية لأنه سيُعوّض مثلما سبق أن عُوضّ من سبقه، لا سيما أن مثل هذه التنظيمات لا تستسلم بعد سقوط عناصرها وقادتها.
يبقى أن نشير إلى أن تنظيمات «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«أنصار الشريعة» و«عقبة بن نافع» والجماعات المتطرفة المماثلة باتت تستهوي أعدادا متزايدة من الشباب بخلاف الأحزاب الإسلامية القانونية والمعتدلة التي تدافع عن مبدأ «التوافق» بين الإسلاميين والعلمانيين. كما تمتلك هذه الجماعات المسلحة أوراقا كثيرة مقارنة بالأحزاب الإسلامية القانونية والمعتدلة، من بينها: التركيز على الشباب وإبراز قياداتها في موقع «المرجعيات الدينية المتواضعة والزاهدة في الدنيا» والقديرة على تقديم «تأصيل شرعي وفقهي يقنع الشباب والمقاتلين الجدد». غير أن الحصيلة المبدئية لنجاحات قوات الأمن التونسية ستكون إضعاف التنظيمات المتطرفة المسلحة وليس القضاء عليها، ما يعني أن «الحرب على الإرهاب» التي تحدّث عنها كثيرا الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ستكون طويلة.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».