تعقيدات سياسية وأمنية تطرح تساؤلات حول مستقبل «القاعدة في المغرب الإسلامي»

بعد التطورات الأخيرة في الحرب على الإرهاب والتطرف

تعقيدات سياسية وأمنية تطرح تساؤلات حول مستقبل «القاعدة في المغرب الإسلامي»
TT

تعقيدات سياسية وأمنية تطرح تساؤلات حول مستقبل «القاعدة في المغرب الإسلامي»

تعقيدات سياسية وأمنية تطرح تساؤلات حول مستقبل «القاعدة في المغرب الإسلامي»

قرار تونس قبل بضعة أيام إعادة فتح قنصليتها في العاصمة السورية دمشق وترحيبها بعودة سفير سوريا إلى العاصمة التونسية، فاجأ المراقبين خارج تونس، ولا سيما في مواقف الرئيس السابق الدكتور المنصف المرزوقي الحازمة ضد سياسة القتل والقمع التي مارسها ويمارسها نظام الرئيس بشار الأسد. غير أن متابعي المشهد السياسي والأمني داخل تونس اعتبروا أن هذه الخطوة لا تنفصل عن قلق القيادة الحالية الشديد في عهد الباجي قايد السبسي من خطر المقاتلين المتطرفين التونسيين الذين يقاتلون في سوريا حاليا عند عودتهم إلى البلاد. وكان الهجوم الإرهابي الدموي على متحف باردو في تونس العاصمة أحدث المؤشرات إلى خطر هذه الجماعات، ناهيك من الصلات المقلقة لعلاقات المتطرفين الإرهابيين التونسيين بالجماعات الإرهابية المتطرفة الناشطة في كل من ليبيا والجزائر «جارتي» تونس، ومناطق أخرى بشمال أفريقيا.

أعلن رئيس الحكومة التونسي الحبيب الصيد ومحمد الناجم الغرسلي وزير الداخلية في حكومته، أخيرا، مقتل القيادي المتطرّف «لقمان أبو صخر» في جنوب غربي تونس رفقة 8 من رفاقه. وللعلم، يوصف «أبو صخر» منذ سنوات في الجزائر وتونس بأنه «أخطر إرهابي جزائري ومغاربي» وبكونه الزعيم «الأسطوري» لما يسمى تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«كتيبة عقبة بن نافع» وتنظيم «عقبة بن نافع». كذلك كشف الصيد والغرسلي عن تفاصيل تهم التنظيمين المتهمين بالتورّط في جرائم قتل عشرات العسكريين والأمنيين والسياح بمشاركة متهمين تونسيين وليبيين وجزائريين ومغاربة.
ما هي النتائج السياسية والأمنية لمستجدات الأيام القليلة الماضية؟ وهل سيعني القضاء على أبرز قيادات التنظيمين واعتقال نحو عشرين من عناصرها إغلاقا نهائيا للملف وانتصارا عليهما... أم مجرد «ضربة أمنية» ذات نتائج ظرفية؟
الأمر اللافت للانتباه تمسك رئيس الحكومة التونسي ووزير داخليته منذ جريمة قتل عشرين سائحا و3 تونسيين في متحف باردو بأن الهجوم الإرهابي كان من فعل عناصر من جماعات إرهابية مغاربية بينها كتيبة «عقبة بن نافع» وجناح متطرّف جدا في «أنصار الشريعة»، وليس من فعل عناصر تابعة لتنظيم داعش رغم البيان الذي صدر في الموقع الإلكتروني المحسوب عليه.
بل لقد ذهب وزير الداخلية، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، بعيدا فأوضح أن «(داعش) لم يشارك مباشرة في هجوم 18 مارس (آذار) الماضي» وبيانه الذي تبنّاه يندرج في سياق «خطته الإعلامية الدعائية». وأوضح الوزير أن «كثيرا من التنظيمات الإرهابية تبحث عن الشهرة وتتبنى عمليات لم تقم بها». ومن ثم، حذّر من مسايرة بلاغات تروّج في المواقع الاجتماعية والإعلامية «لأسباب كثيرة من بينها إخفاء بعض خيوط الجريمة عن المحققين».
ورغم ضغوط بعض «الخبراء» في وسائل الإعلام التونسية والعربية والدولية، التي كانت تدفع في اتجاه «مواقف تبسيطية» تلصق الجريمة بـ«داعش»، التزم رئيس الحكومة ووزير الداخلية التونسيان منذ البداية الحذر، وأعطيا الأولوية لنتائج التحقيقات مع الموقوفين وللقرائن والحجج وليس لـ«المواقف المسبقة» التي روّجتها بعض الجهات الاستخباراتية والإعلامية الإقليمية.
ومن جهة أخرى، كشف الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية محمد علي العروي أنه بنتيجة هذا التناول تيسّر التعرف على أسماء عشرات من المتهمين الذين هم على علاقة مباشرة وغير مباشرة بجرائم قتل السياح والعسكريين والمدنيين. ولقد تبين أن معظمهم من تونس والجزائر والمغرب وليبيا، وهم ليسوا من أفراد «داعش» بل من «كتيبة عقبة بن نافع» ومن جناح في «تنظيم أنصار الشريعة» المحسوبين على تنظيم «القاعدة في المغرب الإسلامي».
هذا التناول العقلاني في التعامل مع المعطيات الأمنية - بعيدا عن الضغوط الاستخباراتية والأمنية المحلية والدولية - ساعد المحققين التونسيين ونظراءهم الجزائريين على كشف خيوط إضافية في الشبكات الإرهابية وعلى القضاء على «الزعيم الرمز» للمجموعات المتهمة بالاغتيالات السياسية والهجمات الإرهابية المتعاقبة على العسكريين والأمنيين خلال السنوات الماضية وبهجوم باردو الإرهابي.
أضف إلى ما سبق أنه كشفت المشاركة المغاربية والعربية والعالمية الواسعة في المسيرة الدولية المعادية للإرهاب بتونس أن الرأي العام الوطني التونسي والمغاربي وقادة العالم تفاعلوا إيجابا مع الساسة التونسيين الذين تعاملوا بـ«شفافية» مع الأحداث الإرهابية.. بعيدا عن كل أنواع «الرتوش». ويرى متابعون أن مصارحة الحكومة للشعب والعواصم الصديقة بحقيقة المعطيات المتوافرة لديها عامل كان عاملا حاسما في مدّها بمعلومات ساعدت خلال فترة قياسية في الكشف عن مجموعة «لقمان أبو صخر» في الجنوب الغربي وعن علاقاته مع جماعات مسلحة ليبية وجزائرية وتونسية ومغربية، بينها «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«أنصار الشريعة».
أما على الصعيد الاقتصادي، وبحكم التداخل بين المعطيات الأمنية وعنصر الاستقرار الذي يشترط المستثمرون توافره فإن النجاحات الأمنية بعد جريمة باردو، كما يرى الباحث الجامعي زهير بن يوسف «ستساهم في إعادة ثقة الشعب ورجال الأعمال والمستثمرين الأجانب في مناخ تونس وفرص الاستثمار الاقتصادي فيها».
وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن الوزير الغرسلي أورد أثناء ندوته الصحافية يوم الخميس قبل القضاء على «أبو صخر» أن 80 في المائة من المتهمين جرى توقيفهم (نحو 20 متهما وقتل 9 آخرون بعد ذلك بيومين/ ليلة السبت - الأحد) فإن ذلك يعني «تصفية الغالبية الساحقة من أعضاء هذه الجماعة المسلحة» باستثناء «المتهم الخطير جدا» ماهر القايدي الذي وزّعت صوره في كل وسائل الإعلام والمتهم بالمشاركة في جريمة باردو من خارج المتحف.

* مخاطر أمنية جديدة
«الشرق الأوسط» استوضحت في هذا السياق آراء عدد من الشخصيات والمتابعين والخبراء هم: علي زيدان رئيس الحكومة الليبية السابق، وأبو بكر بعيرة الناطق الرسمي باسم برلمان طبرق الليبي، ومحمد المؤدب أمير اللواء المتقاعد في الجيش الوطني، والدكتورة بدرة قعلول الخبيرة التونسية في الشؤون العسكرية والأمنية، والأكاديمي والمؤرخ التونسي اعلية العلاني. ومن ثم خرجت بحصيلة تتصل بالسؤال المطروح الآن، وهو: ألن تواجه تونس مخاطر أمنية جديدة في ظل تدهور الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا، وبروز تنسيق كبير بين الجماعات المسلحة المغاربية التي كانت برزت في ثوب جديد منذ 2006 بعدما تطوّرت «الجماعات السلفية للدعوة والقتال» و«الجماعة الإسلامية المقاتلة في الجزائر» (جي. إي. آ.) إلى «القاعدة في المغرب الإسلامي»؟
الدكتورة قعلول رجّحت أن تنظم عمليات إرهابية جديدة «لأن التنسيق بين بعض الجماعات السلفية المسلحة التونسية والمغاربية يعود إلى أواخر 2006 ومطلع 2007 عند الكشف عن تنظيمات مسلحة في سليمان بتونس بينها تنظيم (أسد بن الفرات) وجماعات تنتسب إلى (القاعدة) وأخرى بايع بعض رموزها في سبتمبر (أيلول) الماضي قيادات (داعش) في الشام والعراق وزعامات متشدّدة مسلّحة في مالي وكذلك في مدينتي درنة وسرت الليبيتين».
وبالعودة إلى كلام وزير الداخلية الغرسلي، فإنه كشف عن أن من الأسلحة المستخدمة في الهجوم على باردو مواد متفجرة خطيرة وذخائر عسكرية كان النظام الليبي السابق - في عهد معمّر القذافي - يستخدمها في الحروب إلى درجة أن المفعول التفجيري لـ«حزام ناسف واحد» قد يمتد 8 آلاف متر مربع في الثانية الواحدة. وبما أن ليبيا تعج بالأسلحة «المتطورة» الموروثة عن عهد القذافي وتلك التي وزّعها الحلف الأطلسي وشركاؤه العرب على «الثوار» عام 2011 فإن المخاطر الأمنية تتضاعف بالنسبة لتونس وكامل دول الاتحاد المغاربي وبقية دول المنطقة.
في ضوء ذلك قدّر أبو بكر بعيرة عدد قطع السلاح المنتشرة حاليا في ليبيا بملايين القطع، بينها الصواريخ الفردية ورشاشات الكلاشنيكوف وقنابل. أما رئيس الحكومة الليبية السابقة علي زيدان فطالب الحلف الأطلسي بالبدء فورا في تجميع هذه الأسلحة «لحماية ليبيا وتونس وكل الدول العربية والأورومتوسطية من اتساع رقعة الإرهاب». في حين حذّر محمد المؤدب من «التداخل بين الإرهاب والتهريب» لجهة توظيف الإرهابيين أموال التهريب في تمويل مجموعاتهم وتسليحها. وحقا يؤكد بعض المختصين في الدراسات الأمنية - منهم الدكتورة قعلول - أن نسبة كبيرة من العمليات الإرهابية في تونس والمنطقة مرتبطة بالفعل بعصابات التهريب وأن «لقمان أبو صخر» كان من أكبر «المهرّبين» في منطقة الحدود التونسية - الجزائرية.
في هذا السياق العام لم يستبعد اعلية العلاني أن يتواصل تأثير تنظيمات مغاربية مسلحة مثل «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«عقبة بن نافع» و«أنصار الشريعة»، بحكم تقاطع شبكاتها ومموّليها مع التهريب والاتجار غير القانوني «العابر للحدود» في مواد كثيرة من بينها المخدرات والأسلحة. وبصفة عامة، لا يعتقد خبراء في القضايا الأمنية والتنظيمات المسلحة المتطرفة أن قتل «لقمان أبو صخر» سيؤثر سلبيا على المدى البعيد على الجماعات المتطرفة في تونس والدول المغاربية لأنه سيُعوّض مثلما سبق أن عُوضّ من سبقه، لا سيما أن مثل هذه التنظيمات لا تستسلم بعد سقوط عناصرها وقادتها.
يبقى أن نشير إلى أن تنظيمات «القاعدة في المغرب الإسلامي» و«أنصار الشريعة» و«عقبة بن نافع» والجماعات المتطرفة المماثلة باتت تستهوي أعدادا متزايدة من الشباب بخلاف الأحزاب الإسلامية القانونية والمعتدلة التي تدافع عن مبدأ «التوافق» بين الإسلاميين والعلمانيين. كما تمتلك هذه الجماعات المسلحة أوراقا كثيرة مقارنة بالأحزاب الإسلامية القانونية والمعتدلة، من بينها: التركيز على الشباب وإبراز قياداتها في موقع «المرجعيات الدينية المتواضعة والزاهدة في الدنيا» والقديرة على تقديم «تأصيل شرعي وفقهي يقنع الشباب والمقاتلين الجدد». غير أن الحصيلة المبدئية لنجاحات قوات الأمن التونسية ستكون إضعاف التنظيمات المتطرفة المسلحة وليس القضاء عليها، ما يعني أن «الحرب على الإرهاب» التي تحدّث عنها كثيرا الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ستكون طويلة.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».