إريك زيمور في كتابه الأخير: فرنسا لم تقل كلمتها النهائية

الإسلام والهجرات بعبع المؤلف الساعي لإنقاذ بلاده من «البرابرة»

إريك زيمور في كتابه الأخير: فرنسا لم تقل كلمتها النهائية
TT

إريك زيمور في كتابه الأخير: فرنسا لم تقل كلمتها النهائية

إريك زيمور في كتابه الأخير: فرنسا لم تقل كلمتها النهائية

تصح عليه تسمية «فلتة الشوط» في الانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة يومي 10 و24 أبريل (نيسان) المقبل. وآخر استطلاع للرأي الذي نشرت نتائجه مجلة «تشالنج» الاقتصادية تضعه في المرتبة الثانية في الجولة الانتخابية الأولى، حيث يحصل على نسبة تتراوح بين 18 و17 في المائة من الأصوات، متقدماً بذلك على مارين لوبن مرشحة حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الذي ورثته عن والدها جان ماري لوبن. ورغم أنه لم يعلن بعد ترشحه، فإن إريك زيمور يجد نفسه، قبل خمسة أشهر من الموعد الانتخابي الرئيسي في الحياة السياسية الفرنسية، أهلاً لمنافسة الرئيس إيمانويل ماكرون على قصر الإليزيه.
والاستطلاع نفسه يضع ماكرون في المقدمة في الجولتين الانتخابيتين ويتوقع انتصاره، وبالتالي بقاؤه في قصر الإليزيه لولاية ثانية من خمس سنوات. ولكن بالنظر إلى أن الاستطلاعات تعطي صورة فوتوغرافية آنية عن حالة الرأي العام، فإن الأمور قابلة للتبدل، وبالتالي فإن مفاجأة ما قد لا تكون مستبعدة تماماً.
كان المشهد السياسي راكداً، وكان الرأي الغالب أن انتخابات 2022 ستكون تكراراً لانتخابات العام 2017، أي تنافس بين ماكرون ولوبن. لكن بروز اسم زيمور قلب المشهد رأساً على عقب وأحدث زلزالاً في الحياة السياسية، ليس فقط على صعيد ما تعكسه استطلاعات الرأي، ولكن أيضاً لجهة رواج المواضيع التي يطرحها للنقاش بحيث إن اليمين واليسار يلهثان وراءه.
زيمور يركز على مسألة الهوية الفرنسية المهددة وعلى ملف المهاجرين غير الأوروبيين الوافدين من البلدان العربية والمغاربية على وجه الخصوص ومن منطقة الساحل وأفريقيا السوداء، ويحذر من الإسلام غير القابل للانخراط في المجتمع الفرنسي... وكل ذلك يدمجه في النظرية المسماة «الاستبدال الكبير» التي أخذها عن المفكر اليميني المتطرف رينو كامو والتي تشكل الأساس الفلسفي - الآيديولوجي والسياسي لكتبه الأخيرة، وأهمها كتاب «الانتحار الفرنسي»، والأهم منه كتابه «فرنسا لم تقل كلمتها النهائية» الذي صدر في سبتمبر (أيلول) الماضي.
لا غرو أن إريك زيمور يشكل «ظاهرة» سياسية - اجتماعية - فكرية. والدليل على ذلك، أنه في الأسابيع الأخيرة يقوم بجولات على المدن الفرنسية للترويج لكتابه الأخير. وفي كل محطة من محطاته يثير جدلاً واسعاً وينجح في تجميع المئات من المواطنين بحيث تتحول عملية عرض كتابه إلى مهرجان انتخابي أو تثير مظاهرات معارضة له. وحتى منتصف أكتوبر (تشرين الأول)، بيع من كتابه الأخير 187 ألف نسخة بحيث تربع على المرتبة الأولى لمبيعات الكتب السياسية. وينتظر له أن يتخطى الرقم الاستثنائي لكتاب «الانتحار الفرنسي» الذي بيع منه 450 ألف نسخة.
وتعكس هذه الظاهرة أن جانباً من الفرنسيين الذين عرفوه صحافياً وكاتباً يتبنى أفكاراً تميل إلى اليمين المتطرف، أخذت تستهويهم أفكاره وطروحاته التي تصنف إلى يمين اليمين المتطرف بسبب جذريتها التي تجاور العنصرية الفظة. وليس هذا القول اتهاماً؛ إذ إن حكمين قضائيين صدرا بحقه، الأول في العام 2011 بتهمة تبني خطاب عنصري والترويج له، والآخر في العام 2018 بتهمة بث وتحفيز مشاعر معاداة الإسلام.
كتاب زيمور الأخير الواقع في 350 صفحة يتبنى نهجاً خاصاً في بنائه.
فباستثناء مقدمته وخلاصته، فإنه يسلك خطاً زمنياً يبدأ مع العام 2006 وينتهي مع العام 2020. وينطلق المؤلف من تعليقات مختارة من أحداث العام، أو بالأحرى مما يعتبره هو مهماً ويصب في إطار نظرية «الاستبدال الكبير» باحثاً عن حادثة هنا أو ظاهرة هناك لإثبات صحتها، ولكن أيضاً لإظهار أن فرنسا قادرة، كما يبرز ذلك تاريخها العريق، على النهوض مجدداً من كبوتها بفضل «الرجل المنقذ».
وشيئاً فشيئاً، يعي القارئ أنه يرى في نفسه ذلك المنقذ، ويذهب حتى للمقارنة بين حاله وحال الجنرال ديغول الذي رفض الهزيمة والاستسلام بوجه الغزو الألماني النازي وفضّل المقاومة على الانحناء.
وصفحة بعد أخرى، يراكم زيمور البراهين الدالة على خطورة «الانحدار» الفرنسي المتمثل بالتغيير الديموغرافي والثقافي والحضاري في هذا البلد المسيحي الذي نهض على دعائم الإرث الإغريقي - اللاتيني منذ ما لا يقل عن 1500 عام. والخطر الذي يحدق به هو الإسلام؛ إذ إن الأكثرية الساحقة من المهاجرين غير الشرعيين منذ عقود عدة وبعكس الهجرات الأوروبية، هم من المسلمين الذين يحملون ثقافة وقيماً وأساليب حياة لا تتلاءم مع ما هو سائد في المجتمع الفرنسي الذي وفدوا إليه. وبالنظر إلى استمرار تدفقاتهم ولارتفاع معدلات الولادة عندهم وانخفاضها عند الفرنسيين «الأصليين»، فإن فرنسا آخذة بالتحول إلى بلد من بلدان العالم الثالث، حيث إن شعباً أجنبياً وافداً يحل محل الشعب الفرنسي. وبحسب زيمور، فإن عقوداً قليلة ستكون كافية ليتحول المهاجرون إلى أكثرية ويصبح الفرنسيون أقلية في بلادهم إذا لم تحصل يقظة وانتفاضة، ويريد هو أن يكون رافعاً لواءها.
وبنظر الكاتب، فإن مدناً وأحياء في فرنسا اليوم تعيش حالة «الاستبدال الكبير»، حيث البرقع حل محل الرأس والوجه المكشوفين واللحم الحلال محل الملحمة الفرنسية التقليدية التي تبيع لحم الخنزير ومقاهي «الشيشا» (النرجيلة) مكان محال بيع الكحول و«الثوب الإسلامي» محل «الميني جوب» و«البوركيني» محل «البيكيني» واللغة العربية محل اللغة الفرنسية، وهكذا دواليك.
والمفارقة، أن زيمور نفسه يتحدر من عائلة يهودية مهاجرة تنتمي وفق ما يؤكده في كتابه إلى عشيرة «الزمور» اليهودية القبائلية وقد انتقلت من الجزائر إلى فرنسا في الخمسينات من القرن الماضي.
والمفارقة، أنه يصب كامل حقده على المسلمين الذين عاشت بينهم عشيرته منذ مئات السنين. وبعكس ما حصل لليهود في أوروبا، ليس فقط زمن هتلر وتمجيده العرق الآري، بل قبل ذلك بمئات السنوات، حيث كان اليهود يُحصرون في أحياء خاصة تسمى «الغيتو». وفي لفرنسا نفسها، بقي وضعهم على هذه الحال حتى وصول الإمبراطور نابوليون بونابرت إلى السلطة نهاية القرن الثامن عشر.
طريف العرض الذي يقدمه زيمور لبزوغ رغبته في النزول إلى الحلبة السياسية. هنا، يذكر كتاباً عنوانه «انتخابات عادية» لصحافي مغمور يعرض صاحبه سيناريو وصوله (زيمور) إلى قصر الإليزيه. هناك، يروي كيف أن عدداً من الأشخاص كانوا يستوقفونه في الشارع ويحثونه على التنافس الرئاسي. وبتواضع مصطنع، يكتب «في أحلامي الطفولية، لم أكن أتخيل نفسي أبداً رئيساً للجمهورية، لا بل لم يتبادر إلى ذهني إطلاقاً الانتماء إلى حزب سياسي، بل ما كنت أريده أن أصبح شاتوبريان (أحد أهم الكتاب الفرنسيين لنهاية القرن الثامن عشر ومنتصف التاسع عشر) ولا أحد آخر».
ويتابع «إن فرضية دخولي الحلبة السياسية لم تكن سوى تعبير عن ظاهرة تداعي النظام السياسي الفرنسي وانحدار مؤسسات الجمهورية الخامسة. أليس انتخاب إيمانويل ماكرون دليلاً ساطعاً على انحدار النظام؟». ويتابع زيمور «إن عالم الجبابرة الذي سكن شبابي تحول إلى عالم من الأقزام». ويروي الكاتب بالتفصيل لقاءاته واتصالاته التي كانت تدفعه في غالبيتها إلى اجتياز الخطوة التي تفصله عن عالم السياسة، مشيراً إلى النجاحات التي كانت تلاقيها مداخلاته التلفزيونية عندما كان نجم الشبكة الإخبارية «سي نيوز» التي تعد رديفة لـ«فوكس نيوز» الأميركية. كذلك يروي زيمور تفاصيل غداء جمعه مع مارين لوبن التي تحول إلى منافس لها، وكيف أنها سعت لإقناعه أنه غير أهل لمنافستها وغير قادر على تخطي عتبة الثلاثة في المائة من الأصوات في حال ترشحه، وبالتالي لن يمنعها في أن تكون في المقدمة. ويشن زيمور هجوما عنيفا على منافسته في اليمن المتطرف بحيث يقول عنها إنها «لم تقرأ أبداً كتاباً (بينما هو مثقف كبير) ولا تتعب ولا تفهم شيئاً في المجال الاقتصادي وجل اهتمامها هي قططها ونبتاتها».
وصفحة بعد أخرى، يروي زيمور «خيبته» من رجال (ونساء) السياسة، حيث «لا يرى أحد أن فرنسا التي نعرفها بصدد الموت». ويكتب «إن نظرية الاستبدال الكبير ليست خرافة وليست مؤامرة. إنها مسار راسخ ومسألة الهوية تجعل المسائل الأخرى ثانوية حتى الأساسية منها، مثل المدرسة والصناعة والرعاية الاجتماعية وحتى موقع فرنسا في العالم». ويرى الكاتب، أن «لا أحد من بين المرشحين بمن فيهم مارين لوبن يجرؤ على جعل موضوع الهوية والنزاع الحضاري في قلب حملته الانتخابية»، وأن يقرع ناقوس الخطر بالنسبة لـ«أسلمة» فرنسا التي ستتحول من أرض مسيحية عريقة إلى بلد يدخل في الأمة الإسلامية.
وبالنظر لما سبق، فإنه تقع على عاتق زيمور «مهمة» وطنية بدايتها التوعية والتنبيه من آثار «الراديكالية الإسلاموية» المدمرة التي تهدد بالقضاء على ما يمثل قلب الحضارة والثقافة الفرنسيتين، أي الهوية الفرنسية كمرحلة أولى تليها مرحلة الوقوف بوجه هذا التحول بحيث يكون هو رجل المرحلة.
إذا صدقت أقوال زيمور، فإن القارئ يقاد إلى الاعتقاد أن سياسيين أمثال رئيس الوزراء الأسبق إدوار بالادور لم يتردد في أن يقول له، إن في فرنسا «الكثير من المسلمين»، أو أن نيكولا دوبون دينيان، رئيس حزب صغير يتأرجح بين اليمين الكلاسيكي واليمين المتطرف، شجعه على خوض غمار المنافسة الرئاسية. ولكن اللافت، أن حدثاً سياسياً رئيسياً كانتخاب ماكرون رئيساً للجمهورية في العام 2017 لا يلقى أي اهتمام لدى الكاتب عند معالجته العام المذكور وكأنه بذلك اعتبره غير جدير بالتوقف عنده.
في صفحات الكتاب الأخيرة، وضع زيمور بشكل مكثف الخلاصات التي يريد دفع القارئ إليها، وعمادها أنه في عمر الأشخاص كما الأمم، ثمة لحظات انكسار ولكن دوماً تتبعها مرحلة الانبعاث.
وفرنسا، خلال تاريخها الطويل وجدت دوماً رجالاً رفعوها من كبواتها كجان دراك وبونابرت وديغول. وكل من هؤلاء نجح في جمع طاقات الأمة باسم المحافظة على بقائها وباسم مبدأ «السيادة»: سيادة الدولة ضد الإقطاع، سيادة الأمة ضد الإمبراطوريات (المعادية)، سيادة الحضارة ضد «البرابرة». ولا يجد زيمور غضاضة في تمجيد الاستعمار الفرنسي (مثلاً في الجزائر). لكن مسار فرنسا الراهن يراه انحدارياً، حيث «لم تعد فرنسا تلك الأمة المهابة التي كان يخاف منها الألمان والأوروبيون»، و«المسألة بالنسبة إليها اليوم هي أن تبقى أو أن تموت».
ولذا؛ يتعين على الفرنسيين أن «يقاتلوا على جميع الجبهات من أجل إنقاذ الهوية واستعادة السيادة وإعادة إيقاف فرنسا على قدميها». أما «الوصفة» لذلك فتبدأ مع وقف تيار الهجرات وتمكين الشعب، «من خلال آلية الاستفتاء من وضع حد للمّ الشمل العائلي (للمهاجرين) وإلغاء حق الجنسية للذين يولدون على الأراضي الفرنسية وتأطير قانون اللجوء وتدجين القضاة الفرنسيين والأوروبيين والتوقف عن انتقاد (عنف الشرطة) وإعطائهم حق الدفاع عن النفس».
وبنظر زيمور، فإن الانتماء الاثني والديني لمهربي المخدرات والمعتدين على النساء المتقدمات في السن يجب أن ينيرنا ويفتح أعيننا على أن ما يحصل هو عودة البرابرة. ويبرى الكاتب في ذلك «حرباً حضارية تبدأ بسرقة الهواتف النقالة وتتواصل بترهيب المخدرات وتنتهي بالأعمال الإرهابية على غرار ما حصل في مسرح الباتاكلان خريف العام 2015 أو من خلال قطع رأس المدرس صامويل باتي (العام الماضي) أو قتل كاهن في كنيسته».
ويخلط زيمور الحابل بالنابل ويرى أن هؤلاء جميعاً ينتمون إلى المعجن نفسه. زيمور يدعو لـ«ثورة كوبرنيقية». ويريد أن يرص صفوف الفرنسيين حول خمسة عناصر: الهوية، والهجرات، والاستقلال، والتعليم والصناعة. ولا ينسى أن يتهم اليسار الفرنسي بـ«الركوع أمام الإسلام» وقد اخترعت له تسمية «اليسار الإسلاموي». وخلاصة الخلاصات «نحن منخرطون في حرب من أجل الحفاظ على فرنسا التي نعرفها وكما عرفناها ومصير أبنائنا مرهون بمصير هذه المعركة... إن فرنسا لم تقل كلمتها النهائية».

بَيْنَ الحُبِّ والخَطِيئَةِ
بَيْنَ الـمُتْعَةِ والأَمَلْ
بَيْنَ الخَيْرِ القَلِيلِ
والشَرِّ السَّائِدِ الـمُسْتَفْحَلْ
بِفَيْرُوسِ لَعْنَةٍ
جاءَ يَجْتَاحُ بَنِي البَشَرْ...!
بارِيسِيَ!
كَمْ يَحْلُو لي أَنْ أَتَفَرَّدَ بِكِ
وأَنْتِ تَتَوَهّجِينَ
بِلُغْزِ سِحْرِكِ الـمَخْبُوءِ
الـمُبَجَّلِ...
وكَمْ... يَحْلُو لي أَنْ أَلْبَسَكِ
وأَنْتِ تَرْتَدِينَ زَنْبَقَةَ الغَوْرِ
واللَّيْلِ العَتِيِّ
لأَمْتَلِئَ بِكِ
فيَمْتَلِئُ كِلاَنَا أَمَلاً
فِي غَمْرَةِ الوُجُودِ القلِقِ...
* من أمسيات الحجر الصحي


مقالات ذات صلة

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025
TT

كتب أحلم بقراءتها 2025

كتب أحلم بقراءتها 2025

هناك كتب عديدة أحلم بقراءتها في مطلع هذا العام الجديد المبارك. لكني أذكر من بينها كتابين للمفكر الجزائري المرموق لاهوري عدي. الأول هو: «القومية العربية الراديكالية والإسلام السياسي». والثاني: «أزمة الخطاب الديني الإسلامي المعاصر - ضرورة الانتقال من فلسفة أفلاطون إلى فلسفة كانط». وربما كان هذا أهم كتبه وأشهرها. والدكتور لاهوري عدي اشتهر، منذ عام 1992، ببلورة أطروحة لافتة عن صعود موجة الإسلام السياسي، بعنوان: «التراجع الخصب أو الانتكاسة الخصبة والمفيدة». هذا المصطلح شاع على الألسن وبحق. ما معناه؟ ما فحواه؟ مصطلح التراجع أو الانتكاسة شيء سلبي وليس إيجابياً، على عكس ما يوحي به المؤلف للوهلة الأولى، ولكنه يتحول على يديه إلى شيء إيجابي تماماً، إذا ما فهمناه على حقيقته. ينبغي العلم أنه بلوره في عز صعود الموجة الأصولية الجزائرية و«جبهة الإنقاذ». قال للجميع ما معناه: لكي تتخلصوا من الأصوليين الماضويين اتركوهم يحكموا البلاد. هذه هي الطريقة الوحيدة للتخلص من كابوسهم. وذلك لأن الشعب الجزائري سوف يكتشف بعد فترة قصيرة مدى عقم مشروعهم وتخلفه عن ركب الحضارة والعصر، وسوف يكتشف أن وعودهم الديماغوجية الراديكالية غير قابلة للتطبيق. سوف يكتشف أنها فاشلة لن تحل مشكلة الشعب، بل وستزيدها تفاقماً. وعندئذ يلفظهم الشعب وينصرف عنهم ويدير ظهره لهم ويفتح صدره للإصلاحيين الحداثيين الليبراليين. هذه الأطروحة تذكرنا بمقولة «مكر العقل في التاريخ» لهيغل، أو بـ«الدور الإيجابي للعامل السلبي في التاريخ». بمعنى أنك لن تستطيع التوصل إلى المرحلة الإيجابية قبل المرور بالمرحلة السلبية وتذوُّق طعمها والاكتواء بحرِّ نارها. لن تتوصل إلى الخير قبل المرور بمرحلة الشر. لن تتوصل إلى النور قبل المرور بمرحلة الظلام الحالك. ينبغي أن تدفع الثمن لكي تصل إلى بر الخلاص وشاطئ الأمان. وقد سبق المتنبي هيغل إلى هذه الفكرة عندما قال:

وَلا بدَّ دونَ الشَّهْد من إِبرِ النحلِ

هذه الأطروحة تقول لنا ما معناه: الأصولية المتطرفة تشكل وهماً جباراً مقدساً يسيطر على عقول الملايين من العرب والمسلمين. إنهم يعتقدون أنها ستحلّ كل مشاكلهم بضربة عصا سحرية، إذا ما وصلت إلى الحكم. ولا يمكن التخلص من هذا الوهم الجبار الذي يخترق القرون ويسيطر على عقول الملايين، إلا بعد تجريبه ووضعه على المحك. عندئذ يتبخر كفقاعة من صابون. ولكن المشكلة أنه لم يتبخر في إيران حتى الآن. بعد مرور أكثر من 40 سنة لا تزال الأصولية الدينية المتخلفة تحكم إيران وتجثم على صدرها. فإلى متى يا ترى؟ إلى متى ستظل الأصولية الدينية القروسطية تحكم بلداً كبيراً وشعباً مثقفاً مبدعاً كالشعب الإيراني؟ بعض الباحثين يعتقدون أن هذا النظام الرجعي لولاية الفقيه والملالي انتهى عملياً، أو أوشك على نهايته. لقد ملَّت منه الشبيبة الإيرانية، ومِن الإكراه في الدين إلى أقصى حد ممكن. وبالتالي، فإما أن ينفجر هذا النظام من الداخل وينتصر محمد جواد ظريف وبقية الليبراليين الإصلاحيين المنفتحين على التطور والحضارة الحديثة. وإما أن يعود ابن الشاه من منفاه ويعتلي عرش آبائه مرة أخرى. ولكم الخيار.

وبخصوص إيران، أحلم بقراءة مذكرات فرح بهلوي للمرة الثانية أو ربما الثالثة. وهو كتاب ضخم يتجاوز الأربعمائة صفحة من القطع الكبير. وتتصدره صورة الشاهبانو الجميلة الرائعة. ولكنها لم تكن جميلة فقط، وإنما كانت ذكية جداً وعميقة في تفكيرها. من يُرِد أن يتعرف على أوضاع الشعب الإيراني قبل انفجار الثورة الأصولية وفيما بعدها أنصحه بقراءة هذا الكتاب. مَن يرد التعرف على شخصية الخميني عندما كان لا يزال نكرة من النكرات، فليقرأ الصفحات الممتازة المكرَّسة له من قبل فرح ديبا. كان مجرد شيخ متزمت ظلامي معادٍ بشكل راديكالي لفكرة التقدُّم والتطور والإصلاح الزراعي الذي سنَّه الشاه في ثورته البيضاء التي لم تُسفَك فيها قطرة دم واحدة. كان مع الإقطاع والإقطاعيين الكبار ضد الفلاحين البسطاء الفقراء. وكان بإمكان الشاه أن يعدمه، ولكنه لم يفعل، وإنما تركه يذهب بكل حرية إلى منفاه. بعدئذ تحول هذا الشيخ القروسطي الظلامي إلى أسطورة على يد أشياعه وجماعات الإسلام السياسي أو المسيَّس. هذا لا يعني أنني أدافع عن الشاه على طول الخط، كما تفعل فرح ديبا؛ فله مساوئه ونقائصه الكبيرة وغطرساته وعنجهياته التي أودت به. ولكن ينبغي الاعتراف بأنه كانت له إيجابيات، وليس فقط سلبيات مُنكَرة. ولكن الموجة الأصولية دمرته ودمرت سمعته كلياً، وقد آن الأوان لتدميرها هي الأخرى، بعد أن حكمت إيران مدة 45 سنة متواصلة. وعلى أي حال، فإن أفعالها وأخطاءها الكبرى هي التي دمرتها أو ستدمرها. لقد أشاعت الحزازات المذهبية في المنطقة، وأعادتنا 1400 سنة إلى الوراء. هل سننتظر مليون سنة لكي نتجاوز الفتنة الكبرى التي مزقتنا؟ هنا يكمن خطأ التفكير الأصولي الرجعي المسجون في عقلية ماضوية عفى عليها الزمن. متى ستتحقق المصالحة التاريخية بين كافة المذاهب والطوائف عندنا مثلما تحققت المصالحة التاريخية الكاثوليكية - البروتستانتية في أوروبا وأنقذتهم من جحيم الانقسامات الطائفية والمذهبية؟ متى ستنتصر الأنوار العربية الإسلامية على الظلمات العربية الإسلامية؟ بانتظار أن يتحقق ذلك ينبغي على جميع الأقليات أن تلتف حول الأكثرية، لأنها هي العمود الفقري للبلاد، ولأن نجاحها سيكون نجاحاً للجميع، وفشلها (لا سمح الله) سيرتد وبالاً على الجميع.

أضيف بأن الحل الوحيد للتطرف هو الإسلام الوسطي العقلاني المعتدل السائد في معظم الدول العربية، إن لم يكن كلها. «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً»، كما يقول القرآن الكريم. وهو الذي نصّت عليه «وثيقة الأخوة الإنسانية» في أبوظبي عام 2019، و«وثيقة مكة المكرمة» الصادرة عن «رابطة العالم الإسلامي»، في العام ذاته، وهو الذي تعلمته أنا شخصياً في ثانوية مدينة جبلة الساحلية السورية، على يد أستاذ التربية الدينية الشيخ محمد أديب قسام. كان فصيحاً بليغاً أزهرياً (خريج الأزهر الشريف). كان يحببك بدرس الديانة غصباً عنك. لا أزال أتذكر كيف كان يشرح لنا الحديث التالي: «دخلت النار امرأة في هرة حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض حتى ماتت». كأني أراه أمام عيني الآن وهو يشرح لنا هذا الحديث النبوي الشريف. هنا تكمن سماحة الإسلام ومكارم الأخلاق. فإذا كان الإسلام يشفق على الهرة أو القطة أو الحيوانات؛ فما بالك بالبشر؟ هنا يكمن جوهر الإسلام الذي جاء رحمة للعالمين لا نقمة عليهم ولا ترويعاً لهم.