باريس تراهن على المؤتمر الدولي لتثبيت الانتخابات الليبية

تهدف إلى توفير دعم جماعي لوقف إطلاق النار

كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي وصلت إلى باريس للمشاركة في مؤتمر ليبيا (أ.ف.ب)
كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي وصلت إلى باريس للمشاركة في مؤتمر ليبيا (أ.ف.ب)
TT

باريس تراهن على المؤتمر الدولي لتثبيت الانتخابات الليبية

كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي وصلت إلى باريس للمشاركة في مؤتمر ليبيا (أ.ف.ب)
كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي وصلت إلى باريس للمشاركة في مؤتمر ليبيا (أ.ف.ب)

تنطلق في باريس غداً (الجمعة) فعاليات «المؤتمر الدولي حول ليبيا»، الذي دعت إليه فرنسا بمشاركة الأمم المتحدة وحضورها، ورئاسة ثلاثية تضم فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
وفي معرض تقديمه المؤتمر، عدّ مصدر رئاسي فرنسي أنه مع اقتراب 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل؛ موعد انطلاق الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ليبيا، فإنه «من الضروري أن تتعبأ الأسرة الدولية لتوفير دعم جماعي إضافي وحاسم» لهذا الاقتراع... ولكن أيضاً لجعل وقف إطلاق النار المبرم أمراً «لا رجعة فيه»، والعمل على وقف التدخلات الأجنبية.
ووفق «الإليزيه»، فإن اختيار الصيغة التي سيتم المؤتمر في إطارها تهدف إلى الأخذ في الحسبان «البعد الإقليمي» للأزمة الليبية من خلال إشراك جميع جيران ليبيا. من هنا، تأتي دعوة تشاد والنيجر، وحتى جزيرة مالطا التي لم تكن تشارك في مؤتمري برلين أو في الاجتماعات الأخرى.
وترى باريس أن هناك 4 محاور رئيسية يجري العمل عليها؛ أولها: المحور السياسي، بحيث تكون من نتائج المؤتمر «جعل المسار الانتخابي لا رجعة عنه، وغير قابل للانتقاد، وتنبثق عنه شرعية وسلطة جديدتين لا غبار عليهما. والمحور الثاني: العسكري؛ بحسبان أن المؤتمر سيوفر دعماً دولياً لخطة العمل الليبية من أجل إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة. أما المحور الثالث فذو طابع اقتصادي، بحيث يدفع الاستقرار الأمني والسياسي إلى إعادة إنعاش الاقتصاد الليبي، وتمكين السلطات الجديدة من إطلاق الإصلاحات البنيوية الضرورية في القطاع المالي وتوحيد المؤسسات المالية. وهناك أخيراً المحور الإنساني بحيث يتوصل المؤتمرون إلى إعادة تأكيد الالتزام الجماعي بتعزيز الدعم الإنساني لليبيا، ومحاربة الاتجار بالبشر من خلال المهاجرين المتدفقين على الأراضي الليبية.
وتعدّ باريس أن مستوى الحضور سيكون مؤشراً على نجاح المؤتمر؛ لأنه سيعد إشارة لاهتمام الأسرة الدولية بليبيا. يضاف إلى ذلك أمران أساسيان: الإجماع حول التوصيات التي ستدعو إلى احترام المواعيد المقررة، وتبني المؤتمر الدولي الخطة الليبية من أجل انسحاب المرتزقة والقوات الأجنبية.
وتعي باريس أن التحدي «كبير»؛ لأنه يتناول استقرار ليبيا. كما تدرك حجم المخاطر المحيطة به. وترى أن الذين «يصطادون في الماء العكر»، وأنصار الوضع القائم الذين يستفيدون منه ومن زمن الأزمات، «سيسعون إلى حرف المسار الانتخابي عن سكته».
وقالت مصادر «الإليزيه» إن «استمرار وجود القوات الأجنبية والمرتزقة لا يهدد فقط السيادة واستقرار ليبيا، ولكن أيضاً كل المنطقة». ولذا؛ فإن المخرج «الحقيقي» يكون عبر إجراء الانتخابات، وقيام سلطتين دائمتين تشريعية وتنفيذية، وتوزيع عادل لثروات البلاد، ومعالجة ملف المهجرين؛ والمهاجرين المتدفقين على الأراضي الليبية إنسانياً.
لكن ثمة قناعة لدى باريس، مفادها بأن ملف سحب أو انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة هو الحلقة الأصعب لأسباب سياسية وعسكرية واستراتيجية. وفي هذا السياق؛ قالت مصادر فرنسية إن باريس تعمل مع اللبيين بطبيعة الحال، ولكن أيضاً مع الجهتين الخارجيتين المعنيتين بشكل رئيسي بالأزمة الليبية، وهما: تركيا وروسيا، إضافة إلى عدد من الدول الأفريقية مثل السودان وتشاد. فيما يجري العمل من أجل «خطة انسحاب متدرجة؛ واقعية ومتزامنة». وتربط باريس بين هذه الخطة وإجراء الانتخابات، بحيث تتوحد المؤسسات الليبية، وتقوم سلطة وحيدة، تكون قادرة وقتها على توحيد البلاد والمؤسسات، وتتمتع بدعم دولي لطلب خروج جميع القوى والمرتزقة من أراضيها. وعندها؛ «فلن يستطيع أي طرف أن يحتمي وراء جهة ليبية» لإدامة بقائه هناك. وتراهن باريس على دور أميركي لتحقيق مطلب الخروج، وتعدّ أن الأهداف مشتركة بين الطرفين، وأن اهتمام واشنطن؛ التي ستمثلها كامالا هاريس نائبة الرئيس الأميركي، مهم، وينصب على الاستقرار وإجراء الانتخابات وتوابعها.
يبدو العرض الفرنسي بالأهداف التي يضعها للمؤتمر بالغ الطموح بالنظر لتعقيدات الملف الليبي، وللخلافات التي لا تزال قائمة بين الشرق والغرب، والمرتبطة أيضاً بالانتخابات وقانون الترشح. إضافة إلى خلافات المجلس الرئاسي والحكومة. ومن اللافت أن باريس لم تكن تعرف حتى أول من أمس من سيمثل ليبيا، علماً بأنها دعت محمد المنفي وعبد الحميد الدبيبة، لكن الأول وحده هو من أكد حضوره. كما أن هناك علامات استفهام حول الجهة التي ستمثل تركيا، بوصفها طرفاً رئيسياً في المعادلة الليبية؛ إنْ بسبب حضورها العسكري مزدوج الشكل (قوات رسمية، ومرتزقة سوريا)، وإنْ لوزنها السياسي وقدرتها على التأثير حتى اليوم على قرارات سلطات طرابلس.
أما روسيا؛ فإن موقفها الرسمي أنه لا علاقة للدولة بقوات «فاغنر» التي تدعم قوات المشير خليفة حفتر. ومن المنتظر أن يمثل الوزير سيرغي لافروف بلاده. وبالنسبة لتونس؛ فقد استبعدت أوساط حضور الرئيس التونسي الذي سيرسل رئيسة الحكومة المعينة حديثاً.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم