حرب المراسلين: بين الورقيين والرقميين

تكنولوجيا «أمازون» تدخل «واشنطن بوست».. > «وول ستريت جورنال» تملك أكبر عدد من المراسلين في 49 بلدا.. تأتي بعدها «نيويورك تايمز»

دوغلاس جيهل رئيس القسم الخارجي في {واشنطن بوست} و مارك فيشار، «بلوغز كينغ» (ملك المدونات) و انوب كافلي رئيس القسم الخارجي الرقمي في {واشنطن بوست}
دوغلاس جيهل رئيس القسم الخارجي في {واشنطن بوست} و مارك فيشار، «بلوغز كينغ» (ملك المدونات) و انوب كافلي رئيس القسم الخارجي الرقمي في {واشنطن بوست}
TT

حرب المراسلين: بين الورقيين والرقميين

دوغلاس جيهل رئيس القسم الخارجي في {واشنطن بوست} و مارك فيشار، «بلوغز كينغ» (ملك المدونات) و انوب كافلي رئيس القسم الخارجي الرقمي في {واشنطن بوست}
دوغلاس جيهل رئيس القسم الخارجي في {واشنطن بوست} و مارك فيشار، «بلوغز كينغ» (ملك المدونات) و انوب كافلي رئيس القسم الخارجي الرقمي في {واشنطن بوست}

يوجد في صحيفة «واشنطن بوست» رئيسان للقسم الخارجي: «فورين إديتور» (رئيس القسم الخارجي) دوغلاس جيهل. و«ديجيتال فورين إديتور» (رئيس القسم الخارجي الرقمي) أنوب كافلي.
لم يكن هذا هو الحال قبل أن يشتري صحيفة «واشنطن بوست» ملياردير الإنترنت، جيفري بيزوس (مؤسس وصاحب موقع «أمازون»، الذي بدأ حياته التجارية ببيع الكتب. ثم صار يبيع ربما كل شيء. وها هو يملك أهم صحيفة في الولايات المتحدة. اشتراها بماله الخاص، وليس بمال «أمازون»). وكما توقع الناس، بدأ يطبق على الصحيفة نظريته التي حققت كل هذه النجاحات.
كما كتب كافلي (رئيس القسم الخارجي الرقمي) في دورية «كولمبيا جورناليزم ريفيو» (تصدرها كلية الصحافة في جامعة كولمبيا، في نيويورك)، شرح بيزوس نظريته في أول اجتماع مع الصحافيين بعد أن اشترى الصحيفة. حضر كافلي الاجتماع، ودون ملاحظات.
قال بيزوس إنه أعجب بتقريرين قرأهما في موقع الصحيفة صباح نفس يوم الاجتماع:
الأول: عن حارس مقهى ليلي في واشنطن. يراقب تصرفات الناس، ويمنع، ويحذر، ويناكف، ويتعارك، ويطرد، ويعتقل.
الثاني: عن سوريا، تحت عنوان: «تسعة أشياء لا تعرفها عن سوريا، وأنت محرج من أن تسأل عنها».
كتب الأول هنري ماتسيوتو (صحافي ورقي)، ونشر تقريره في الصحيفة الورقية، ثم في موقع الإنترنت. وكتب الثاني ماكس فيشار (صحافي مدونة رقمية). ونشر تقريره فقط في موقع الإنترنت.
كان الأول تقريرا إخباريا مباشرا. وكان الثاني «تقريرا شخصيا»، خاطب فيه فيشار القارئ قائلا: «إذا لم تكن تعرف أسباب الحرب الأهلية في سوريا، بل لا تعرف أين تقع سوريا، يجب ألا يصيبك الحرج. وذلك لأن الوضع هناك معقد جدا. حتى بالنسبة لنا نحن الذين نعمل في الأخبار ليلا ونهارا...».
قضى كاتب التقرير الأول أسبوعين يزور الملهى الليلي، ويتحدث مع الحارس، والزوار، ويشاهد مشاكل الملاهي الليلية. بينما كتب كاتب التقرير الثاني من مكتبه.
لهذا، في ذلك الاجتماع في غرفة الأخبار، فاجأ بيزوس الصحافيين عندما قال إنه يفضل التقرير الثاني. قال: «أفضل التقرير الشخصي، الذي يحس فيه القاري أن الصحافي يخاطبه مباشرة. أفضل التقرير البسيط، اللطيف. يجب ألا يكون الصحافي محاضرا جامعيا، أو مؤرخا. نعم للمعلومات. لكن، بطريقة شخصية».
وأضاف: «في عصر الإنترنت، توجد أطنان من المعلومات، في كل مكان، وفي كل وقت. لكن، يوجد فرق بين طريقة تقديمها للقارئ كمحاضرة جامعية، أو كدردشة جادة». وقال: «أريد أن تكون هذه صحافة المستقبل»
وفعلا، هذا ما بدأ يحدث في «واشنطن بوست». وفي صحيفة «نيويورك تايمز» أيضا. «مراسلون في الخارج، من الداخل».
حسب تقرير دورية «أميركان جورناليزم ريفيو» (تصدرها كلية الصحافة في جامعة ماريلاند)، ما بين عامي 1998 و2011، أغلقت 20 صحيفة وقناة تلفزيونية أميركية مكاتبها في الخارج. وخفضت أخرى أحجام مكاتبها «تخفيضا دراماتيكيا».
في الوقت الحاضر، تملك صحيفة «وول ستريت جورنال» أكبر عدد من المراسلين في الخارج: في 49 بلدا. تأتي بعدها صحيفة «نيويورك تايمز». لكن، بالنسبة لوكالات الأخبار، التي يجب أن تغطي الأخبار تغطية يومية، يختلف الوضع. تملك وكالة «أسوشيتدبرس» مراسلين في أكثر من مائة دولة. وتملك وكالة «بلومبرغ» مراسلين في 73 دولة. تملك «واشنطن بوست» 21 مراسلا أجنبيا في 15 دولة. لكن، قبل 15 عاما، كانت تملك 20 مكتبا (مكاتب كاملة، به مساعدون وإداريون). ثم، قبل سنوات قليلة، دخلت مجال «فيديو جورناليزم» (صحافة الفيديو) بطريقتين:
أولا: «واشنطن بوست تي في» الذي ينقل الأخبار وكأنه قناة تلفزيونية.
ثانيا: مراسلو فيديو، يتجولون بكاميراتهم من بلد إلى بلد، ويرسلون فيديوهاتهم إلى موقع الصحيفة.
وعندما انتشرت «البلوغات» (مدونات، مواقع شخصية تجمع بين الخبر والرأي)، أسست الصحيفة قسما خاصا بها. وصارت البلوغات (المدونات) جزءا من القسم الخارجي. عن هذا يقول دوغلاس جيهل، رئيس القسم الخارجي (الورقي): «نريد أن نقدم لقارئ الأخبار الخارجية طريقة أخرى لنقل هذه الأخبار. طريقة تجمع بين الخبر والرأي، طريقة تضيف نكهة شخصية إلى خبر جاد».
وأضاف: «لا تؤثر البلوغات الخارجية على مراسلينا في الخارج». وكأنه يطمئن نفسه، وزملاءه في القسم الخارجي. وذلك لأن مراسلي القسم الخارجي صاروا يواجهون الآن منافسة (أو، في الحقيقة، «خطرا»):
أولا: مراسلو «فيديو جورناليزم» الذين يتنقلون من بلد إلى بلد، ومن فندق إلى فندق (دون مكاتب، وجهاز تحرير، وميزانيات).
ثانيا: مراسلو «إن هاوس» (الذين يكتبون ما يكتبون وهم في واشنطن. مثل ماكس فيشار، كاتب التقرير عن سوريا، الذي أعجب الناشر بيزوس).
من بين الذين أحسوا بهذا «الخطر»، كاثي لالي، المديرة السابقة لمكتب موسكو. قالت: «ترددت في كتابة بلوغ بالإضافة إلى تقاريري العادية. ليس لأني ضد البلوغات، ولكن بسبب عامل الوقت».
ومن بين الذين أحسوا بهذا «الخطر» أيضا، مراسلون خارجيون في صحيفة «نيويورك تايمز». في العام الماضي، كشف صحافي مذكرة داخلية أرسلها بعض هؤلاء إلى ناشر الصحيفة، جاء فيها: «يجب أن تستمر العادات والتقاليد التي بنيت منذ أكثر من قرن ونصف، لتقديم عمل صحافي من الدرجة الأولى، ونحن ننتقل إلى الصحافة الرقمية».
خلال العامين الماضيين، زاد «الخطر» عندما طورت «واشنطن بوست» البلوغات (المدونات) في عهد المالك الجديد بيزوس. وصار ماكس فيشار (صحافي بيزوس المفضل) أول صحافي متفرغ لا عمل له غير كتابة المدونات. من مكتبه في واشنطن. وفي أي وقت. ودون «ديدلاين» (موعد إرسال المواد إلى المطبعة).
سمت الصحيفة قسم المدونات الجديد «ويرلد فيوز» (آراء عالمية). وهو ليس في حجم القسم الخارجي (الورقي)، لكن ربما سيكون.
لم يكتب كافلي (رئيس القسم الخارجي الإلكتروني) في دورية «كولمبيا جورناليزم ريفيو» عن صراع داخل مكاتب الصحيفة بين الورقيين والإلكترونيين. لكن، كتبت عن ذلك صحيفة «واشنطن تايمز» المنافسة. وقالت إن مارك فيشار («بلوغز كينغ»، ملك المدونات) «ماركد مان» (مستهدف). وأنه لم يكن أبدا مراسلا خارجيا. ولم يزر دولا خارجية كثيرة. وها هو صحافي الناشر المفضل.
لماذا نجح «ملك المدونات» وهو لا يفعل أي شيء غير جمع المعلومات من الإنترنت؟
قال كافلي: «يعيد وضعها، ويسهل شرحها. وكأنه مدرس مدرسة ابتدائية، لا محاضرا في جامعة. يعيد وضعها بطريقة مثيرة ومسلية، دون أن تفقد جديتها. معلومة بعد معلومة بعد معلومة. لكن، في أسلوب سهل وممتع».
مثلا: «9 أشياء لا تعرفونها عن سوريا» و«20 خريطة تفسر العالم» و«5 رؤساء أفارقة ليسوا مثل غيرهم».
أمام الأمر الواقع، بدأ المراسلون (الورقيون) يكتبون مدونات رقمية. مثلا:
أولا: سادران راغافان: كتب خبر صفحة أولى من اليمن. ثم كتب مدونة بطريقة شخصية عن مشاهداته وانطباعاته. ووجدت المدونة إقبالا أكثر من خبر الصحيفة. ويعتبر من أحسن المراسلين الأجانب الذين يجيدون العملين: الورقي، والرقمي.
ثانيا: ويل انغلهود: غطى أحداث أوكرانيا للصحيفة الورقية. كبير في السن (65 عاما) وقلت حركته، ولا يعرف كثيرا عن التكنولوجيا الجديدة. لكن، لم يمنعه ذلك من تصوير مناظر فيديو. ثم يعود إلى منزله، ويسجل جزءا من التقارير التي كان كتبها. ويرسل الفيديوهات والتقارير الصوتية إلى واشنطن، حيث يضعها فنيون في تقارير في الموقع نالت إقبالا كبيرا.
ثالثا: كاثي لالي: التي كانت اشتكت من عدم قدرتها على كتابة تقارير ورقية وتقارير رقمية «بسبب ضيق الوقت». هي زوجة انغلهود، وعملا في مكتب موسكو، ثم مكتب كييف. الآن، عادا إلى واشنطن، وتفرغت هي للعمل في المدونات الرقمية.
أخيرا، في العام الماضي، ترك فيشار (ملك المدونات) الصحيفة رسميا. لكنه ما زال يتعاون معها. ما زال «مراسلا خارجيا» من منزله.



تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟
TT

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

تمديد «ميتا» لقيود الإعلانات... هل يحُدّ من «المعلومات المضلّلة»؟

أثار إعلان شركة «ميتا» تمديد فترة تقييد الإعلانات المتعلقة بالقضايا الاجتماعية أو السياسية لما بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، من دون أن تحدّد الشركة وقتاً لنهاية هذا التمديد، تساؤلات حول مدى فاعلية القرار في الحدّ من انتشار «المعلومات المضلّلة»، يأتي ذلك بالتزامن مع رصد تجاوزات مرّرَتها المنصة الأشهَر «فيسبوك» خلال الفترة السابقة برغم تقييد الإعلانات.

ما يُذكر أن «فيسبوك» أعانت بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي «حظر أي إعلان يحمل رسائل توجيه سياسي أو اجتماعي من شأنه التأثير في سير الانتخابات الرئاسية الأميركية»، غير أن مراقبين قاموا برصد تجاوزات على المنصة وصفوها بـ«التضليل»، وقالوا إن «فلاتر» المحتوى على «ميتا» – التي تملك «فيسبوك» – «غير متمرّسة» بما يكفي لتمييز المحتوى الذي ينتهك إرشادات المصداقية، ما يثير شكوكاً بشأن جدوى قرار الشركة تقييد الإعلانات.

الدكتور حسن مصطفى، أستاذ التسويق الرقمي والذكاء الاصطناعي في عدد من الجامعات الإماراتية، عدّ قرار «ميتا» الأخير «محاولةً لتجاوز المخاوف المتزايدة حول استغلال الإعلانات في التأثير على الرأي العام»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «ميتا تخشى اتهامها بنشر المعلومات غير الموثوقة بشكل واسع إبان الفترات الانتخابية وما بعدها، لا سيما وأنه سبق اتهام الشركة من قبل بوجود محتوى يؤثر على الرأي العام خلال فترات انتخابية سابقة».

وعن دور «ميتا» في الحدّ من «المعلومات المضللة»، أوضح مصطفى أنه «لا تزال المعلومات المضلّلة تحدياً قائماً برغم ما اتخذته (ميتا) من إجراءات لمكافحتها، والتقليل من انتشار الأخبار الكاذبة»، وقال عن دور الشركة في هذا الصدد: «لقد عزّزَت (ميتا) التعاون مع جهات خارجية للتحقّق من صحة الأخبار، فباتت تعتمد على منظمة (فاكت تشيك/ FactCheck)، وشبكات من المؤسسات المستقلة؛ للتحقّق من الأخبار المتداوَلة عبر المنصة».

واستشهد الدكتور مصطفى ببعض التقارير الصادرة عن منظمة «هيومن رايتس ووتش»، التي أظهرت إحراز «ميتا» تقدماً في مجال الحد من «خطاب الكراهية»؛ «إذ تمكّنت خوارزميات الشركة من التعرّف على بعض الأنماط المتكرّرة للمحتوى المسيء، وحذفه تلقائياً قبل أن ينتشر»، غير أنه مع ذلك عدّ إجراءات «ميتا» غير كافية، مشيراً إلى أن «خوارزميات الذكاء الاصطناعي ما زالت محدودة القدرة على معالجة المحتوى بلغات ولهجات متنوعة، أو فهم السياقات الثقافية المعقّدة، ما يجعل من الصعوبة بمكان وضع حدود واضحة أمام تحقيق نجاح كامل في تقليص خطاب الكراهية».

هذا، وكانت المنظمة الدولية «غلوبال ويتنس» قد أعدّت تقريراً حول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي قادرةً على اكتشاف وإزالة «المعلومات المضلّلة الضارّة»، لا سيما المتعلقة بانتخابات الرئاسة الأميركية، وأشارت في نتائجها عقب الانتخابات الأميركية إلى أن أداء «فيسبوك» كان أفضل مقارنةً بمنصة مثل «تيك توك»، لكن التقرير لم ينفِ التورّط في نشر «معلومات مضلّلة» برغم القيود، كذلك ذكر التقرير أن «فيسبوك» وافَق على واحد من بين 8 إعلانات اختبرت بها المنظمة قيود المنصة للحَدّ من «المعلومات المضلّلة»، ما رأته المنظمة «تحسّناً ملحوظاً مقارنةً بأداء المنصة السابق مع أنه لا يزال غير كافٍ».

من ناحية أخرى أشار تقرير صادر عن منظمات المجتمع المدني «إيكو» و«المراقبة المدنية الهندية الدولية»، إلى أن «ميتا» سمحت بظهور إعلانات تحتوي على عبارات تحريضية ضد الأقليات على منصّتها خلال فترة الانتخابات الأميركية، كما أشارت إلى رصد «محتوى زائف» مصنوع بأدوات الذكاء الاصطناعي.

وحول هذا الأمر، علّق خالد عبد الراضي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» بمصر والمملكة العربية السعودية، لـ«الشرق الأوسط»، على قرار «ميتا» بالقول إننا بصدد محاولات عدّها «غير جادة»، ودلّل على ذلك بأن «(ميتا) قيّدت الإعلانات قبل الانتخابات الأميركية بأسبوع واحد فقط، وهذه مدة غير كافية إذا كانت المنصة بالفعل جادّة في الحدّ من التضليل والتأثير على الرأي العام، مثلاً (إكس) كانت أكثر جدّية من خلال تقييد أي منشور موجّه قبل الانتخابات بشهر»، مشيراً إلى أنه «بالتبعية شاهدنا على منصة (فيسبوك) محتوى مضلّلاً وزائفاً طُوّر بالذكاء الاصطناعي».

وأوضح عبد الراضي أن «(ميتا) لم تفرض قيوداً على الإعلانات بشكل عام، بل على نوع واحد فقط هو الإعلانات السياسية المدفوعة، ومن ثم تركت المجال أمام التضليل والتأثير على الرأي العام»، ودلّل كذلك على قلة جدّية الشركة بقوله: «بعد الانتخابات الأميركية في 2020 واجهت (ميتا) عدة اتهامات بتوجيه الرأي العام، ما دفع الشركة لاتخاذ إجراءات جادّة، من بينها توظيف (فِرق سلامة) معنية بمراجعة النصوص؛ للتأكد من ملاءمتها مع معايير المنصة، غير أن عمل هذه الفِرق أُنهِي لاحقاً، ما يشير إلى أن ادّعاءات المنصة لم تكن جدّية».