استئناف مفاوضات «السد» تصطدم باضطرابات إثيوبيا والسودان

تصطدم مطالب مصرية مُتعجلة، باستئناف مفاوضات «سد النهضة» للتوصل إلى اتفاق قانوني، باضطرابات أمنية وسياسية واسعة يُعاني منها شريكاها في المحادثات (إثيوبيا والسودان)، الأمر الذي يضع المفاوضات في مصير مجهول.
وتعول مصر على استغلال «قرار رئاسي» اعتمده مجلس الأمن الدولي، منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، يشجع الدول الثلاث على استئناف المفاوضات، برعاية الاتحاد الأفريقي للوصول إلى اتفاق مُلزم «خلال فترة زمنية معقولة»، لكن يبدو أن جهودها الدبلوماسية لن تجد صدى في الوقت الراهن، قبل أن تهدأ الأوضاع في أديس أبابا والخرطوم، بحسب مراقبين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».
وأعلنت الحكومة الإثيوبية، الأسبوع الماضي، حالة طوارئ لمدة 6 أشهر، في ظل مواجهات عنيفة مع متمردي إقليم تيغراي وحلفائهم من جيش تحرير «أورومو»، الذين يطالبون بإسقاط حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد، وسط تحذير أممي من انزلاق إثيوبيا إلى «حرب أهلية». فيما يعيش السودان، ظروفاً لا تقل سخونة، واحتجاجات منذ نهاية الشهر الماضي، ترفض «استيلاء» الجيش على السلطة، وإعلان القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، حل مجلسي الوزراء والسيادة وفرض حالة الطوارئ.
وتقيم إثيوبيا منذ عام 2011 السد العملاق على الرافد الرئيسي لنهر النيل، ووصلت الإنشاءات به لأكثر من 80 في المائة. وتخشى دولتا المصب (مصر والسودان) من تأثيره سلبياً على إمداداتهما من المياه، وكذا تأثيرات بيئية واجتماعية أخرى، منها احتمالية انهياره. وتطالب دولتا المصبّ، إثيوبيا بإبرام اتفاقية مُلزمة تضمن لهما الحد من التأثيرات السلبية المتوقعة للسد، وهو ما فشلت فيه المفاوضات الثلاثية، والممتدة بشكل متقطع منذ 10 سنوات.
وجرت آخر جلسة لمفاوضات «سد النهضة» في أبريل (نيسان) الماضي، برعاية الاتحاد الأفريقي، أعلنت عقبها الدول الثلاث فشلها في إحداث اختراق، ما دعا مصر والسودان للتوجه إلى مجلس الأمن. وفي دعوة مُتكررة، شدد وزير الخارجية المصري سامح شكري، خلال لقائه نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، في واشنطن مساء أول من أمس، على «ضرورة استئناف مسار المفاوضات في أسرع وقت ممكن»، بهدف التوصل إلى اتفاق «يحقق مصالح الدول الثلاث ويحفظ حقوق مصر المائية».
ورغم أن اضطرابات إثيوبيا قد تصب في مصلحة مصر كونها تساهم في تعطيل العمل في سد النهضة لأسباب أمنية واقتصادية وانشغال القيادة السياسية بالدفاع عن نفسها، إلا أنها، وبجانب أزمات السودان، «تزيد من تعقيدات العودة إلى المفاوضات»، وفق الدكتور عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة.
ويشير السفير محمد مرسي، مساعد وزير الخارجية السابق، إلى تأثيرات مهمة لأحداث السودان، على قضية «سد النهضة»، ليس فقط من ناحية تجميد المفاوضات، بل فيما يتعلق بطبيعة ورؤية القيادة الحاكمة المستقبلية بعد هدوء العاصفة، الأمر الذي يتطلب «ترقباً مصرياً وتنسيقاً دائماً» على حد قوله.
من ناحية أخرى، فإن تغير النظام الحاكم في أديس أبابا وعودة التيغراي للحكم بشكل سريع ودون حرب أهلية ومنهكة، وفقاً للدبلوماسي المصري «سيعزز من التشدد الإثيوبي في قضية سد النهضة، الأمر الذي يستوجب التحسب له». بينما قد يمثل في المقابل سقوط آبي أحمد «فرصة تتيح مجالاً أوسع أمام مصر للتحرك على مسارات أخرى غير المسار التفاوضي».
بدوره، يعتقد الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية المصري الأسبق، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن حكومة آبي أحمد «لا تصلح لعقد اتفاقيات أو التفاوض معها»، واصفاً إياها بأنها «تفتقد الحنكة السياسية».
وعقب قرار مجلس الأمن الدولي، في سبتمبر الماضي، تقدَّمت جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي ترأس الاتحاد الأفريقي، بـ«تصور» إلى الدول الثلاث، لاستئناف المفاوضات، دون نتيجة. كما أعلن رئيس جمهورية جنوب السودان، سلفا كير ميارديت، الشهر الماضي، فشل مساعيه لاستئناف المفاوضات. وقال وزير الموارد المائية المصري، قبل أسابيع، إن «الوضع فيما يخص سد النهضة الإثيوبي شبه متجمد حالياً»، مشيراً إلى «وجود اتصالات دولية، إلا أنها لا ترقى لطموحاتنا، وبالتالي فالوضع شبه متجمد».