الجيش السوداني... بين «لاءات» الشارع وخيار «الإخوان»

الشارع السوداني بدأ التصعيد من جديد في مواجهة إجراءات الجيش (أ.ف.ب)
الشارع السوداني بدأ التصعيد من جديد في مواجهة إجراءات الجيش (أ.ف.ب)
TT

الجيش السوداني... بين «لاءات» الشارع وخيار «الإخوان»

الشارع السوداني بدأ التصعيد من جديد في مواجهة إجراءات الجيش (أ.ف.ب)
الشارع السوداني بدأ التصعيد من جديد في مواجهة إجراءات الجيش (أ.ف.ب)

منذ الإجراءات التي اتخذها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في 25 أكتوبر (تشرين الأول) التي حلَّ بموجبها الحكومة والمجلس السيادي، وألغى بعض بنود الوثيقة الدستورية، ليسيطر على الحكم منفرداً، دخل السودان في نفق جديد، وأزمة سياسية واقتصادية، أكبر مما كانت عليه في السابق، وزاد المشهد قتامة لا يُعرف لها حدود.
فالجيش الذي يسيطر قادته الآن على كل مفاصل الدولة، ليس أمامه سوى خيارات قليلة «أحلاها مر»، فالتشبث بالسلطة، سيعقّد الأمور أكثر؛ ذلك أنه سيواجه بضغوط شعبية هائلة، وتذمر دولي واسع وتلويح بعصا العقوبات والعزلة. كما أنَّ خيار تسليم السلطة للمدنيين، والعودة إلى تطبيق الوثيقة الدستورية كاملة، كما يشترط الطرف المدني، له عواقبه أيضاً، وقد يضع هذا السيناريو قادة الجيش، أمام تحديات وقضايا، واتهامات، من بينها «تقويض الدستور والانقلاب»، بالإضافة إلى إثارة اتهامات قديمة، متجددة، مثل مجزرة فض الاعتصام، وهو أمر لا يغفله العسكر على الأقل في الوقت الحاضر.
وحتى بالنسبة لكثير من المراقبين، فإنَّ خيار تسليم السلطة للمدنيين، يبدو مرفوضاً أيضاً وبشكل قاطع من قبل الشارع الذي بدأ في التصعيد، ودفع بجداول زمنية أسبوعية، تحدد مواعيد العصيان المدني، والمظاهرات الليلية وأيام المواكب المليونية، وحملات التروس في الشوارع لتعطيل دولاب العمل وشلّ الحياة أمام «الانقلابيين».
ويرفع الشارع شعارات كثيرة ضد حكم العسكر، و«لاءات»... مثل «لا حوار... لا تفاوض... لا شراكة... لا مصالحة»، مع قادة الجيش، باعتبارهم «خانوا الدستور وانقلبوا عليه».
يقول الفاضل جميل وهو محلل سياسي سوداني، إنَّ قادة الجيش يسعون الآن وبكل قوة لـ«تكريس الأمر الواقع»، بالإشارة إلى إجراءات تم اتخاذها في الفترة الأخيرة، بتعيين شخصيات تُعدُّ من أركان النظام السابق، في المراكز والمؤسسات الحيوية والحساسة، من بينها وزارة الخارجية والنائب العام ومطار الخرطوم، وجامعة الخرطوم، بالإضافة إلى حل جميع مجالس إدارات الشركات الحكومية والمشاريع الزراعية، وتكليف شخصيات لها علاقة بنظام البشير السابق بها، لإحكام قبضتهم على الحكم، وفي المقابل يقومون بحملة اعتقالات شرسة، بين الناشطين والسياسيين، وسط انقطاع كامل لشبكة الاتصالات والإنترنت، منذ الانقلاب. وهذا يعني في نظر الفاضل، أنَّ «الجيش اختار البقاء في السلطة»، ضارباً بكل النداءات المطالبة بتحكيم العقل، وإعادة الأمور إلى نصابها، عرض الحائط.
ويرى الفاضل، أن الجانب العسكري، لا يبدو متماسكاً، بما فيه الكفاية، فالفريق البرهان يواجه كلَّ هذه التحديات منفرداً، وهو لم يعين حتى الآن حكومة أو مجلساً عسكرياً، أو مجلساً سيادياً، ويبدو في الصورة العامة وحيداً في المشهد. وهو ما يثير تساؤلات عن غياب بعض الجنرالات من حوله، مثل محمد حمدان دقلو (الذي ظهر أول من أمس، على استحياء في كلمة مصورة بعد أسبوعين من الانقلاب)، وشمس الدين كباشي وياسر العطا والفريق إبراهيم جابر (عرّاب التطبيع مع إسرائيل). وفي الجانب السياسي أيضاً، فشل البرهان في كسب أي أسماء بارزة قريبة من الشارع الغاضب، يمكن أن تحلَّ مكان حمدوك؛ ما جعله يتَّجه نحو كوادر النظام السابق من الإسلاميين، حيث قام بتعيين بعضهم في مناطق حساسة مثل وزارة الخارجية، وبعض الوزارات الأخرى، وهو إجراء يزيد من غضب الداخل، ولا يرضي المجتمعين الدولي والإقليمي بالطبع، ومن شأنه أن يشعلَ مزيداً من النيران.
وتؤكد هذا الاتجاه أيضاً، تقارير لمراقبين آخرين، متداولة على شبكة التواصل الاجتماعي، تشير إلى أنَّ الجيش يسعى بكل قوة، ومن ورائه تنظيم «الإخوان المسلمين» في السودان لاستدراك الوقت، وتحقيق أكبر المكاسب؛ تحسباً لأي سيناريو قادم.
ويذهب البعض الآخر بعيداً؛ إذ يرون أنَّ «تنظيم الإخوان» في السودان هو من يقف وراء انقلاب 25 أكتوبر، بدعم حزب المؤتمر الوطني (حزب البشير المنحل) وحلفائهم داخل المنظومة العسكرية والأمنية.
وتشير تقارير إلى إعادة عدد كبير من المسؤولين السابقين المفصولين من وظائفهم في الوزارات والمؤسسات الحكومية، بقرارات من لجنة إزالة التمكين المحلولة، والذين تم إبعادهم سابقاً على أنهم من كوادر نظام «الإخوان». كما تمَّت إقالة معظم المسؤولين الذين عُينوا بواسطة الحكومة المدنية، خلال العامين الماضين، «تحت غطاء أنهم جاءوا عبر محاصصات حزبية».
وتواصلت الاعتقالات في مختلف أنحاء البلاد، من دون وجود إحصائيات رسمية لأعداد المعتقلين وجهات اعتقالهم، كما أشار تقرير لـ«الشرق الأوسط» أمس. وقالت مصادر من مدينة ود مدني (ثاني أكبر مُدن السودان/وسط)، إنَّ المعتقلين دخلوا في إضراب عن الطعام احتجاجاً على سوء المعاملة.
وكانت تقارير صحافية قد أشارت إلى أنَّ أعداد المعتقلين تجاوز المئات في مختلف أرجاء البلاد، في وقت تعددت فيه الجهات التي تعتقل النشطاء، في محاولة لإفشال خطط الشارع، ودعوات العصيان المدني والإضراب السياسي العام.
ويؤكد أحد التقارير على وسائل التواصل، أنَّ «القرارات والمراسيم التي تصدر مذيّلة باسم البرهان تقوم بإصدارها لجنة سياسية مفوضة، تضمُّ ممثلين لتنظيم الإسلامويين بالجيش وجهاز الأمن وكوادرهم السياسية».
ويتساءل الفاضل عمَّا إذا كان في مقدور قادة الجيش، (الذين اختاروا، فيما يبدو، المواجهة)، الصمود أمام عواصف الشارع والنداءات الدولية والإقليمية المتوالية بإعادة السلطة إلى المدنيين، والتهديدات بالعقوبات وإعادة الديون. فالإجابة يبدو أنها لن تكون سهلة، في ظل الغشاوة التي تشير إلى أنَّ خيوط اللعبة ليست كلّها في يد العسكر وحدهم.
ويبقى أنَّ المتفق عليه، وفقاً للفاضل، هو أنَّ البرهان اختار التوقيت الخطأ لإعلان إجراءاته... ورمى رسالته في صندوق البريد الخطأ.



مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.