الحوار الاستراتيجي المصري - الأميركي... الثوابت والمتغيرات في حقبة بايدن

وزيرا خارجية البلدين يبحثان ملفات إقليمية وثنائية

TT

الحوار الاستراتيجي المصري - الأميركي... الثوابت والمتغيرات في حقبة بايدن

عندما صافح وزير الخارجية المصري سامح شكري نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، أمس، في واشنطن، لبدء جولة جديدة من «الحوار الاستراتيجي» بين البلدين، كانت المصافحة في العاصمة نفسها التي شهدت جولات سابقة للفعالية. كما أن اللقاء على المستوى الوزاري ذاته الذي اتسمت به غالبية تلك الحوارات، لكن يصعب القول إن هذه المباحثات التي تستمر ليومين ستُدار بالأولويات والمعالجات نفسها، خصوصاً إذا قيس ذلك بحقبة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
وعلى الرغم من أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي كان أول رئيس عربي يتقدم بالتهنئة لنظيره الأميركي جو بايدن على فوزه بالانتخابات، بينما أشاد الثاني بدور الأول في وقف التصعيد بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مايو (أيار) الماضي، فإن ذلك لم يمنع من وجود تباينات بين الإدارتين ظهر بعضها للعلن في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد إعلان «تعليق 130 مليون دولار من المعونة العسكرية الأميركية إلى مصر رهناً بتحقيق تقدم في ملف حقوق الإنسان»، وبدا ذلك متسقاً مع الإدارة الجديدة للبيت الأبيض التي تقول إن من أولوياتها القضايا الحقوقية والديمقراطية.
ومع ذلك، فإنه يصعب أيضاً حصر العلاقات بين مصر وأميركا في الملف الحقوقي وحده، فالبلدان منذ عام 1979، وفي أعقاب توقيع اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية، دخلا في طور شراكة استراتيجية متنوعة الملفات طالما عدت الأكثر رسوخاً بالمنطقة، فيما يعود تاريخ انطلاق «جلسات الحوار الاستراتيجي بين الجانبين» إلى عام 1998.
أجندة لقاء وزير الخارجية المصري المعلنة رسمياً من القاهرة تضمنت إفادة بأنها ستتطرق لـ«كافة أوجه علاقات التعاون الثنائي، ومجالات العمل المستهدف تعزيزها خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن التباحُث حول أبرز القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المتبادل».
اللافت أن الظروف المحيطة بجولة الحوار المصري - الأميركي نفسها باتت متغيرة، فالإقليم والجوار بالنسبة لمصر ليس كما كان، بينما الدور الأميركي نفسه في مرحلة يمكن عدها «إعادة صياغة».
وفي تقدير الباحث المتخصص في الشؤون الأميركية مساعد رئيس تحرير مجلة «السياسية الدولية» عمرو عبد العاطي، فإن «هناك قسمين رئيسين في العلاقات بصورتها الثنائية: أولهما ملفات الاتفاق، وتتمثل في التأكيد على أهمية مصر بالنسبة للولايات المتحدة بصفتها حليفاً استراتيجياً، مع الوضع في الاعتبار الصيغة الثلاثية التي تضم إلى جانب البلدين (إسرائيل)، وهذه من الثوابت التي من بينها كذلك دور مصر في محاربة التنظيمات الإرهابية، وخبرتها القوية في التعاون الاستخباراتي بالمجال نفسه».
ويقول عبد العاطي لـ«الشرق الأوسط» إن «التعاون العسكري يمكن عده هو الحافظ للعلاقة بين مصر وأميركا من التدهور، وبند المساعدات العسكرية 1.3 مليار دولار المقدمة لمصر يكاد يكون ثابتاً آخر، لكنه شهد أخيراً نوعاً من الخلاف عبر تعليق 130 مليون دولار من المعونة العسكرية، وصرف 170 مليون دولار، وربطها بمشروطية حقوقية، وهذا متغير في الملفات».
وفي المقابل، شهدت مصر خلال الفترة الماضية عدداً من الإجراءات في السياق الحقوقي من المؤكد أنها ستكون من بين ملفات المسؤولين المصريين في جلسات الحوار الاستراتيجي، ومنها: إطلاق «استراتيجية وطنية» لحقوق الإنسان بمصر، وإعلان عام 2022 عاماً للمجتمع المدني، وكذلك إعلان وقف إعلان حالة الطوارئ التي كانت تتضمن تدابير استثنائية، فضلاً عن تبرئة
القضاء المصري لعدد من ممثلي منظمات حقوقية كانت تواجه اتهامات بـ«تلقي تمويل أجنبي».
وبالنظر إلى أن الاهتمامات الأميركية على المستوى الثنائي ستتطرق إلى القضايا الحقوقية في مصر، فإن القاهرة بدورها لديها اهتمام بمحاولة تحفيز دور أكثر فاعلية لواشنطن في ملف «سد النهضة» الذي كان محل تحرك لإدارة ترمب سابقاً، ويرى عبد العاطي أن «القاهرة ستسعى إلى دفع واشنطن لممارسة ضغط أكبر على إثيوبيا، في ضوء أن إدارة بايدن تدافع عن حقوق إنسانية في إثيوبيا، وأن حق حفظ مصدر الحياة المتمثل في نهر النيل من بين حقوق المصريين».
وإذ كانت هذه احتياجات القاهرة من واشنطن، فما الذي تريده إدارة بايدن إقليمياً؟ يرد الباحث المصري على ذلك بالقول: «أولاً هذه إدارة تطرح ملف السلام وحل الدولتين، والوسيط المصري هو الأقوى في هذه النقطة، وثانياً أميركا تعول على دور مصري في التطورات بالسودان، وستطلب منها العمل على دعم الانتقال السلمي في الخرطوم، ووقف السيطرة العسكرية على المشهد هناك، خصوصاً في ظل الضغط الداخلي الأميركي على إدارة بايدن بالتعامل مع الأمر بصفته (انقلاباً عسكرياً)، وهو ما لم تعلنه الإدارة حتى الآن، وأخيراً هناك ملف الانفتاح العربي على سوريا الذي لا تمانع فيه واشنطن».
ونفذت مصر والولايات المتحدة خلال الأشهر الثمانية الماضية 3 تدريبات بحرية عسكرية في نطاق البحر الأحمر، بينما دشنت القاهرة، مطلع العام الماضي، قاعدة عسكرية وصفتها بـ«الأكبر» في المنطقة، وتطل على سواحلها الجنوبية.
ويضع عبد العاطي «قضية الأمن البحري بصفتها بنداً مهماً سيبقى من الثوابت في العلاقات بين البلدين، وتأمين مسارات حركة التجارة العالمية ونقل النفط مسألة بالغة الأهمية للولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين والأوروبيين»، وتابع: «هذا أمر مستقر، لكنه سيكون محل تأكيد على أهميته وضرورة تعزيزه».



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).