«حوار سري» أميركي ـ روسي حول سوريا لتجنب صدام عسكري... وإنساني

ماكغورك يلتقي فيرشينين ولافرنتييف في جنيف مع قرب انتهاء المدة الأولى لقرار المساعدات الإنسانية

عربة أميركية قرب منشأة نفطية شمال شرقي سوريا في 1 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
عربة أميركية قرب منشأة نفطية شمال شرقي سوريا في 1 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

«حوار سري» أميركي ـ روسي حول سوريا لتجنب صدام عسكري... وإنساني

عربة أميركية قرب منشأة نفطية شمال شرقي سوريا في 1 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
عربة أميركية قرب منشأة نفطية شمال شرقي سوريا في 1 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يعقد مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فرشينين، والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرنتييف، جلسة حوار رسمية عن سوريا في جنيف الأسبوع المقبل، على أمل وضع أرضية تجنب الطرفين صداماً دبلوماسياً، مع اقتراب موعد التمديد للقرار الدولي الخاص بالمساعدات الإنسانية بداية العام المقبل، وتشابك الوضع العسكري في شمال شرقي سوريا. وفي الطريق إلى الاستحقاق الدبلوماسي في مجلس الأمن بداية العام، تسعى واشنطن للتنسيق مع حلفائها، عبر قيادة اجتماع موسع لعدد من الدول الكبرى والإقليمية على هامش مؤتمر التحالف الدولي لمواجهة «داعش» في بروكسل في الثاني من الشهر المقبل، في تكرار لاجتماع روما في يونيو (حزيران) الماضي. كما قررت موسكو تنظيم مؤتمر لـ«ضامني آستانة»، بمشاركة وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا، في منتصف الشهر المقبل، لتنسيق الموقف بين الدول الثلاث الموجودة عسكرياً في سوريا.

- كيف بدأ الحوار؟
منذ مجيء إدارة الرئيس جو بايدن، رهن فريقه أي حوار سياسي مع روسيا بموافقة الأخيرة على تمديد قرار المساعدات الإنسانية «عبر الحدود» الذي انتهت مدته في يوليو (تموز) الماضي. وفي ضوء تفاهم بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في جنيف في منتصف يونيو (حزيران) الماضي، اجتمع ماكغورك وفيرشينين ولافرنتييف سراً في جنيف بداية يوليو (تموز)، واتفقوا على مسودة القرار الدولي الجديد الذي نزل من فوق على حلفاء واشنطن وموسكو في مجلس الأمن.
واشنطن قدمت تنازلات عدة لموسكو، عبر تخليها عن المطالبة بثلاثة معابر حدودية لإيصال المساعدات، والاكتفاء بمعبر باب الهوى بين إدلب وتركيا، وموافقتها على لغة جديدة في القرار، تضمنت مصطلحات مثل تمويل مشاريع «التعافي المبكر» و«الصمود»، ودعم المساعدات «عبر الخطوط». وعدت بعض الدول، بما فيها الحليفة لأميركا مثل فرنسا، تلك العبارات «اختراقاً روسياً بالالتفاف على الشروط الأوروبية» التي تتضمن 3 لاءات: لا للمساهمة بتمويل مشاريع الأعمار، لا لرفع العقوبات الغربية عن دمشق، لا للتطبيع مع دمشق، قبل حصول تقدم جوهري في عملية السلام، وتنفيذ القرار (2254).
ومقابل هذه التنازلات الأميركية، تعهدت موسكو شفوياً بالموافقة على التمديد لستة أشهر أخرى للقرار الدولي بعد الانتهاء في بداية العام من الأشهر الستة الأولى، إضافة إلى تحريك ملف عملية السلام وعمل اللجنة الدستورية، والحفاظ على وقف النار وثبات خطوط التماس بين مناطق النفوذ الثلاث، والتزام اتفاق «منع الصدام» بين الجيشين الأميركي والروسي شرق الفرات.

- أين نحن الآن؟
في منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي، عقد ماكغورك وفيرشينين ولافرنتييف جلسة ثانية من الحوار، عاتب فيها الجانب الروسي نظيره الأميركي بسبب عدم تقديم إعفاءات من عقوبات «قانون قيصر»، وعدم تخفيف الضغوطات على دمشق، وعدم استعجال منح موافقة للبنك الدولي لتمويل إصلاح خط الغاز العربي في الأراضي السورية الآتي من مصر والأردن إلى لبنان، إضافة إلى انتقاد بطء تقديم المساعدات «عبر الخطوط»، بل كان هناك عتب على صدور قائمة جديدة من العقوبات في نهاية يوليو (تموز) الماضي. وفي المقابل، جدد الجانب الأميركي المطالبة بتقديم المساعدات «عبر الحدود»، والحفاظ على وقف النار، ودفع عملية السلام وعمل اللجنة الدستورية. وتقويم عدد من الدبلوماسيين أن ماكغورك «كان مقتنعاً بأن الجانب الأميركي قام بكل ما يمكن القيام به خلال 10 سنوات لدفع موسكو لتقديم تنازلات، لكن الروس لا يريدون التحرك للضغط على دمشق، لذلك لن يقدم الأميركيون على أي مبادرة جديدة ما لم يتحرك الجانب الروسي». المفاجأة كانت هي الدعوة لعقد جولة ثالثة من الحوار في منتصف هذا الشهر. والتقويم الروسي حالياً هو عدم حصول أي تقدم بالنسبة للبنود الجديدة في القرار الدولي الخاص بالمساعدات، إذ إنه «فقط عبرت قافلتان الخطوط بين مناطق الحكومة والمعارضة في حلب وإدلب، وقامت دول أوروبية، خصوصاً فرنسا، بعرقلة تمويل مشاريع التعافي المبكر التي تخص مدارس أو مستشفيات، مع أن ألمانيا قدمت بعض التمويل، كما أنه لم تقر إلى الآن استراتيجية إطار العمل لبرنامج الأمم المتحدة في دمشق». وعليه، تعتقد موسكو أن تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لمجلس الأمن عن هذه الأمور بداية السنة المقبلة «سيكون خالياً من المعطيات، ما يسقط شرطاً أساسياً لضمان التمديد».
أما التقويم الأميركي، فيقوم على إدراك حصول «خطوة صغيرة» لدى عقد الجولة السادسة للجنة الدستورية بين 18 و22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكنها لم تحقق التقدم المطلوب، بالانتقال إلى صوغ المبادئ الدستورية، إضافة إلى ضرورة بدء المبعوث الأممي بفتح ملفات أخرى في القرار (2254)، تخص وقف النار والمعتقلين وعودة اللاجئين والنازحين. يضاف إلى ذلك أن الجانب الأميركي قدم إلى مصر والأردن ولبنان ورقة الضمانات التي تدعم مشروع «الغاز العربي»، وتؤكد استثناءه من «قانون قيصر»، حسب الرغبة الروسية. كما أن الجانب الأميركي اتخذ موقفاً حيادياً من خطوات عربية للتطبيع مع دمشق. ويقول موقفه، لكن لا يفرضه على أحد، ويذكر بعقوبات «قيصر» بصفته قانوناً.

- تشابك وصفقة
قناة ماكغورك - فيرشينين هي سياسية، بل أصبحت «إنسانية» أكثر، وتركز على قرار المساعدات «عبر الحدود» و«عبر الخطوط». صحيح أن رئيسي هيئة الأركان الروسي فاليري غيراسيموف، والأميركي مارك ميلي، قد اجتمعا قرب هلسنكي قبل أسابيع للحفاظ على اتفاق «منع الصدام» في سوريا، لكن الأيام الأخيرة شهدت زيادة في حجم وطبيعة الانتشار الروسي شرق الفرات، قرب القوات الأميركية، سواء لجهة نشر طائرات حربية في القامشلي والرقة أو توسيع نشر الدوريات والمراكز الروسية بهدف «ردع» تركيا من توغل جديد يضرب بـ«قوات سوريا الديمقراطية»، حليفة واشنطن. ولا يمانع ماكغورك في ردع تركيا، لكنه يدرك أيضاً أن هذا الانتشار الروسي يزيد الضغط على القوات الأميركية لمغادرة الأراضي السورية بعد التجربة الأفغانية.
وتطلب زيادة الحشود تفعيل وتكثيف الاتصالات اليومية الأميركية - الروسية، لكن أيضاً تطلب تنشيط المساعي السياسية، بحيث تشجع واشنطن «قوات سوريا الديمقراطية»، وجناحها السياسي في «مجلس سوريا الديمقراطية»، للحوار مع دمشق، في حين تشجع موسكو الحكومة السورية على مرونة سياسية مع الأكراد. وفي ضوء أن المسؤولة الكردية إلهام أحمد كانت في واشنطن وموسكو، ولافرنتييف كان في دمشق، فقد يشكل الحوار الروسي - الأميركي بعد أيام مناسبة لاختبار احتمالات الدفع لحوار سياسي بين القامشلي ودمشق، بناء على الإشارات التي صدرت من قياديين أكراد فيما يتعلق بالاعتراف بالرئيس بشار الأسد، والاستعداد لتسليم الموارد النفطية والاستراتيجية إلى دمشق.
وأمام الاختلاف في قراءة نتائج تنفيذ القرار الدولي الخاص بالمساعدات، وقلة المعطيات في تقرير غوتيريش، فأغلب الظن أن موسكو لن توجه ضربة للمساعدات التي تستفيد منها مناطق الحكومة، بل يرجح أن يشكل لقاء ماكغورك وفيرشينين مناسبة لتفاوض جديد للوصول إلى صفقة جديدة تضمن تقديم الجانب الأميركي ضمانات بالعمل خلال الأشهر الستة المقبلة على تنفيذ البنود المتعلقة بـ«التعافي المبكر» والمساعدات «عبر الخطوط»، مقابل موافقة روسية على تمديد إضافي للقرار الدولي. وهذا «التنازل» كان قد سبق أن تعهد به فيرشينين لماكغورك في يوليو (تموز) الماضي.



خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
TT

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)
الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

في خطوة إضافية نحو مكافحة الفساد ومنع التجاوزات المالية، أحال رئيس الوزراء اليمني، الدكتور أحمد عوض بن مبارك، رئيس إحدى المؤسسات النفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

تأتي الخطوة متزامنة مع توجيه وزارة المالية خطاباً إلى جميع الجهات الحكومية على المستوى المركزي والسلطات المحلية، أبلغتها فيه بالامتناع عن إجراء أي عقود للشراء أو التزامات مالية جديدة إلا بعد الحصول على موافقة مسبقة من الوزارة.

الخزينة اليمنية خسرت نحو 3 مليارات دولار نتيجة توقف تصدير النفط (إعلام محلي)

وقال بن مبارك في حسابه على «إكس» إنه أحال ملفاً جديداً في قضايا الفساد إلى النائب العام، ضمن إجراءات مستمرة، انطلاقاً من التزام الحكومة المطلق بنهج مكافحة الفساد وإعلاء الشفافية والمساءلة بوصفه موقفاً وليس مجرد شعار.

وأكد أن الحكومة والأجهزة القضائية والرقابية ماضون في هذا الاتجاه دون تهاون، مشدداً على أنه لا حماية لمن يثبت تورطه في نهب المال العام أو الفساد المالي والإداري، مهما كان موقعه الوظيفي.

في السياق نفسه، أوضح مصدر حكومي مسؤول أن مخالفات جديدة في قضايا فساد وجرائم تمس المال العام تمت إحالتها إلى النائب العام للتحقيق واتخاذ ما يلزم، من خلال خطاب وجّه إلى النيابة العامة، يتضمن المخالفات التي ارتكبها المدير التنفيذي لشركة الاستثمارات النفطية، وعدم التزامه بالحفاظ على الممتلكات العامة والتصرف بشكل فردي في مباحثات تتعلق بنقل وتشغيل أحد القطاعات النفطية.

وتضمن الخطاب -وفق المصدر- ملفاً متكاملاً بالمخالفات التي ارتكبها المسؤول النفطي، وهي الوقائع التي على ضوئها تمت إحالته للتحقيق. لكنه لم يذكر تفاصيل هذه المخالفات كما كانت عليه الحال في إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة التسبب في إهدار 180 مليون دولار.

وجدّد المصدر التزام الحكومة المُطلق بالمحافظة على المال العام، ومحاربة جميع أنواع الفساد، باعتبار ذلك أولوية قصوى. وأشار إلى أن القضاء هو الحكم والفيصل في هذه القضايا، حتى لا يظن أحد أنه بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، أو أنه فوق القانون.

تدابير مالية

في سياق متصل بمكافحة الفساد والتجاوزات والحد من الإنفاق، عمّمت وزارة المالية اليمنية على جميع الجهات الحكومية عدم الدخول في أي التزامات مالية جديدة إلا بعد موافقتها على المستويات المحلية والمركزية.

تعميم وزارة المالية اليمنية بشأن ترشيد الإنفاق (إعلام حكومي)

وذكر التعميم أنه، وارتباطاً بخصوصية الوضع الاقتصادي الراهن، واستناداً إلى قرار مجلس القيادة الرئاسي رقم 30 لعام 2022، بشأن وضع المعالجات لمواجهة التطورات في الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، وفي إطار دور وزارة المالية بالموازنة بين النفقات والإيرادات، فإنها تهيب بجميع الجهات المشمولة بالموازنة العامة للدولة والموازنات الملحقة والمستقلة الالتزام بالإجراءات القانونية وعدم الدخول في أي التزامات جديدة أو البدء في إجراءات عملية الشراء إلا بعد أخذ الموافقة المسبقة منها.

وأكد التعميم أن أي جهة تُخالف هذا الإجراء ستكون غير مسؤولة عن الالتزامات المالية المترتبة على ذلك. وقال: «في حال وجود توجيهات عليا بشأن أي التزامات مالية فإنه يجري عرضها على وزارة المالية قبل البدء في إجراءات الشراء أو التعاقد».

دعم صيني للإصلاحات

وناقش نائب محافظ البنك المركزي اليمني، محمد باناجة، مع القائم بالأعمال في سفارة الصين لدى اليمن، تشاو تشنغ، مستجدات الأوضاع المتعلقة بتفاقم الأزمات المالية التي يشهدها اليمن، والتقلبات الحادة في أسعار الصرف التي تُعد نتيجة حتمية للوضع الاقتصادي المتدهور في البلاد، والذي أثر بشكل مباشر على القطاع المصرفي والمالي.

وأعاد المسؤول اليمني أسباب هذا التدهور إلى اعتداء «ميليشيات الحوثي» على منشآت تصدير النفط، ما أدى إلى توقف التصدير، الذي يُعد أهم مصدر لتمويل خزينة الدولة بالنقد الأجنبي، والذي تسبب في مضاعفة العجز في الموازنة العامة وميزان المدفوعات.

نائب محافظ البنك المركزي اليمني خلال لقائه القائم بالأعمال الصيني (إعلام حكومي)

وخلال اللقاء الذي جرى بمقر البنك المركزي في عدن، أكد نائب المحافظ أن إدارة البنك تعمل جاهدة على تجاوز هذه التحديات، من خلال استخدام أدوات السياسة النقدية المُتاحة. وأشار إلى استجابة البنك بالكامل لكل البنود المتفق عليها مع المبعوث الأممي، بما في ذلك إلغاء جميع الإجراءات المتعلقة بسحب «نظام السويفت» عن البنوك التي لم تنقل مراكز عملياتها إلى عدن.

وأعاد المسؤول اليمني التذكير بأن الحوثيين لم يتخذوا أي خطوات ملموسة، ولم يصدروا بياناً يعبرون فيه عن حسن نياتهم، في حين أكد القائم بأعمال السفارة الصينية دعم الحكومة الصينية للحكومة اليمنية في كل المجالات، ومنها القطاع المصرفي، للإسهام في تنفيذ الإصلاحات.