هل تشكل «الميليشيات» تهديداً حقيقياً للانتخابات الليبية؟

سياسيون يرون أن شرعية الرئيس المنتخب ستتعارض لا محالة مع نفوذها في العاصمة

عماد السايح رئيس اللجنة العليا للانتخابات الليبية (أ.ف.ب)
عماد السايح رئيس اللجنة العليا للانتخابات الليبية (أ.ف.ب)
TT

هل تشكل «الميليشيات» تهديداً حقيقياً للانتخابات الليبية؟

عماد السايح رئيس اللجنة العليا للانتخابات الليبية (أ.ف.ب)
عماد السايح رئيس اللجنة العليا للانتخابات الليبية (أ.ف.ب)

رغم فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في ليبيا أول من أمس، فإن بعض السياسيين يرون أن الميليشيات المسلحة «تشكل تهديداً حقيقياً» على الاستحقاق المرتقب، بحجة إمكانية توظيفها من قبل بعض الأطراف لتعطيل المسار الديمقراطي.
وقالت عضو مجلس النواب الليبي، سلطنة المسماري، إن بعض التيارات السياسية: «لا تزال هي الطرف الأكثر تعنتاً والأعلى صوتاً بخصوص رفض العملية الانتخابية حتى قبل أن تبدأ، وذلك لتخوفها من أن تأتي بشخصيات لا تنال رضاها».
وأعربت المسماري في تصريح لـ«الشرق الأوسط» عن تخوفها أيضاً من «أن يتم توظيف بعض الجماعات المسلحة من قبل مرشح خسر فرصة المشاركة في السباق الانتخابي، أو استخدامها للانقلاب على نتائجها، أو لإفساد المشهد الانتخابي برمته لتجنب الهزيمة، التي لحقت به وبفصيله السياسي».
الأمر ذاته، ذهب إليه عضو المجلس الأعلى للدولة أبو القاسم قزيط، وتوقع معارضة أغلب قيادات وعناصر التشكيلات العسكرية في البلاد للانتخابات الرئاسية تحديداً، لافتاً إلى أن قطاعا كبيرا منهم «لم يتفق على تأييد مرشح رئاسي بعينه، نظراً لعدم امتلاك أي من الأسماء، التي ترشحت رسمياً حتى الآن حظوظا قوية، تدفع هذه التشكيلات للمراهنة عليها».
وقال قزيط لـ«الشرق الأوسط» إن «من يستخدم البندقية خارج سياق الدولة سيرفض حتماً أي رئيس منتخب من الشعب، مهما كان معتدلاً أو مسالماً، وذلك لأن شرعيته قطعاً ستحد من نفوذه». مشيرا إلى «جاهزية بعض التشكيلات المسلحة للدفع بشخصيات من داخلها لخوض معركة الانتخابات التشريعية، بهدف ضمان وجود ذراع سياسية تدافع عن مصالحهم في البرلمان، فضلاً عن تنسيقهم مع مرشحين آخرين قريبين من توجهاتهم الجهوية أو الآيديولوجية، أو تجمعهم بهم مصالح مادية».
وحذر قزيط من أن ليبيا «أصبحت في الطريق للتحول إلى دولة زعماء الحرب والسلطة السياسية، التي تنبع من فوهات البنادق»، وقال بهذا الخصوص: «للأسف ما تم حتى الآن من عمليات تفكيك التشكيلات المسلحة، وإعادة دمج عناصر في مؤسسات الدولة لم يتم بشكل جيد، بل إن الأمر زاد سوءاً، حيث بات الكثير من تلك المؤسسات تحت قبضة القيادات والعناصر الميليشياوية، وتسير وتأتمر بقراراتها».
ونوه قزيط إلى أن «قوة الميليشيات تعدت الارتكاز على السلاح، الذي يعد بمثابة نقطة الانطلاق، ذلك أن مراكز قوتهم اليوم باتت تتنوع بين النفوذ المالي عبر السيطرة على العديد من المسارات الاقتصادية، وخاصة ما يتعلق بتجارة الخردة والعملة، وتهريب البشر والمخدرات والسلاح، فضلاً عن نفوذهم السياسي المتمثل فيما يدور في فلك تلك المجموعات من شخصيات وفصائل سياسية».
وبالمثل أرجع وكيل وزارة الخارجية الليبية الأسبق، السفير حسن الصغير، رفض قطاع كبير من قيادات الميليشيات للانتخابات الرئاسية إلى «تخوفهم من إقدام الرئيس المنتخب على إعادة ترتيب القطاع الأمني، مما قد يؤدي إلى إزاحة بعضهم من رئاسة أجهزة أمنية بالغة الحساسية، بعدما نجحوا في الوصول إليها خلال السنوات الأخيرة، وبالتالي مراجعة ما أصدروه من قرارات، وفي مقدمتها إلحاق عناصرهم الميليشياوية بهذه الأجهزة».
ورأى الصغير أن بعض الجماعات المسلحة ترفض المساس بموعد الانتخابات بسبب «تعارض مصالحها مع القيادات الممسكة بالسلطة الانتقالية الراهنة»، مشيراً في هذا السياق إلى بعض الحوادث والاعتداءات التي شهدتها العاصمة مؤخراً بين الفريقين الرافض والمؤيد للانتخابات، والتي تمثلت في محاولة اقتحام منازل بعض القيادات الميليشياوية، ووقوع اشتباكات متكررة بينهم داخل العاصمة».
وفي إطار تأكيده على أن المنفعة هي ما يحرك أي ميليشيا، لم يستبعد الصغير «تبدل مواقف الفريق الرافض للانتخابات إذا سمح لرئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، بالمشاركة في الانتخابات بتعديل قانون الانتخابات الرئاسية». وذهب إلى أن «السلطة الراهنة لم تقم بأي خطوة يمكن وصفها بالجادة في ملف تفكيك الميليشيات ونزع سلاحها، وبالطبع فالملف يحتاج لتدخل دولي وجهد كبير».
أما الباحث في مؤسسة «غلوبال أنيشاتيف»، جلال الجرشاوي، فيرى أن الميليشيات «يمكنها منع المواطنين من التصويت في الانتخابات، أو عن طريق التسبب في التزوير»، محذراً من «صدام مرتقب خلال الفترة القادمة بين جماعات مسلحة تتمركز بالعاصمة أو بالقرب منها، وترغب بإجراء الانتخابات في موعدها، وبين جماعات أخرى لا ترغب في ذلك، وهي الجماعات الموالية لتيار الإسلام السياسي». ملمحاً إلى أن بعض السياسيين المحسوبين على هذا التيار، كخالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، «يعرفون أن الانتخابات ستنهي أي سلطة أو دور له».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.