مخاوف عراقية من إفلات المتورطين في استهداف الكاظمي من العقاب

TT

مخاوف عراقية من إفلات المتورطين في استهداف الكاظمي من العقاب

لا يخفي كثير من المراقبين المحليين خشيتهم من إفلات الضالعين في استهداف منزل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، أول من أمس، من العقاب، بالنظر لمواقف سابقة اتخذتها بعض الفصائل المسلحة في إطار صراعها مع قوى الدولة ممثلة في رئيس الوزراء وحكومته، ومنها على سبيل المثال قيام تلك الفصائل بتطويق ودخول المنطقة الرئاسية «الخضراء» على خلفية اعتقال القيادي في «الحشد الشعبي» قاسم مصلح في مايو (أيار) الماضي، وفعلت الأمر ذاته مع اعتقال عناصر مسلحة في منطقة البوعيثة جنوب بغداد في يونيو (حزيران) 2020. من هنا، فإن المراقبين لا يستبعدون هذه المرة أيضاً إمكانية انتهاء حادث الاستهداف الأخير لرئيس الوزراء بالسيناريو نفسه من «الترضيات الشكلية» التي كانت سائدة في كل مرة، رغم خطورة الاعتداء الأخير واستهدافه رأس السلطة التنفيذية بشكل مباشر.
ورغم تأكيد رئيس الوزراء الكاظمي على أن «الحكومة تعرف جيداً منفذي محاولة اغتياله وستقوم بكشفهم»، ورغم تحديد الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء يحيى رسول، منطقة انطلاق الطائرات المسيرة؛ فإن المخاوف من إمكانية إفلات المتورطين في الحادث من العقاب غير مستبعدة في نظر كثيرين؛ ذلك أن التصريحات السياسية والعسكرية في ظل أوضاع سياسية وأمنية بالغة التعقيد والصعوبة في دولة مثل العراق، غالباً ما عمقت من مشاعر الشك والقلق لدى المواطنين بدلاً من أن تدفع بهم إلى الثقة وتصديق ما يقال.
قصة الإفلات من العقاب من القصص الشائعة في عراق ما بعد 2003؛ سواء بالنسبة إلى الأشخاص والجهات المتورطة في الفساد ونهب المال العام، وتلك المتورطة في دماء جماعات الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت عام 2019، مما دفع ببعض الناشطين إلى إطلاق حملة «عدم الإفلات من العقاب» منذ أشهر طويلة وما زالت مستمرة من دون أن تحقق شيئاً مهماً من أهدافها.
ويرى الصحافي ورئيس تحرير صحيفة «الصباح» الرسمية السابق، فلاح المشعل، أن «ظاهرة الإفلات من العقاب أصبحت من معطيات غياب العدالة في المجتمع العراقي بسبب الغطاء السياسي الذي تنفذ تحت جناحيه تلك الجرائم». ويضيف المشعل في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن «في الذاكرة حزناً حقيقياً يترافق مع أسماء ووجوه مئات الضحايا من (شهداء تشرين) وغيرهم الذين قتلوا بدم بارد، (من محاسبة المتورطين)، أما استهداف رئيس الوزراء فهو جريمة وحدث فوق العادي وأخذ أبعاداً عالمية؛ ناهيك بالاهتزاز الداخلي في المجتمعين العراقي والعربي. لهذا من الصعب بمكان ترك أصحاب الجرم بحرية بعيداً عن العقاب».
لكن المشعل لا يستبعد أن «تحدث ضغوط وتنازلات وصفقات بهدف صرف النظر وإيجاد مخرج لهؤلاء، لكن الحالة ستأكل من جرف الكاظمي وهيبة الدولة ورمزيتها وسيادتها، وهنا لا بد من أن يكون ثمن الإفلات بالغ الأهمية». ويتابع: «نحن هنا نتحدث عن مسلّمة تحدث بها الكاظمي بإشارته إلى أنه يعرف من قام بالجريمة في تلميح إلى الفصائل وزعمائها الذين وجهوا له الاتهام والتهديد المباشر لشخصه، وهكذا يوحي الانطباع العام بحسب إشارة الكاظمي، أن تقديم الجناة للعدالة سيقوي شوكة الحكومة وقدرتها على مواجهة التحديات العنيفة الشرسة، كما يعيد الاعتبار للقضاء بكونه هيئة متحررة من السلطات السياسية والميليشياوية».
أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكوفة، إياد العنبر، فيرى أن ما حدث كان «نتيجة طبيعية لتهاون الحكومة في كثير من الملفات الأمنية والسياسية، مثل صواريخ (الكاتيوشا) التي كانت تستهدف السفارات الأجنبية وتسيء لسمعة العراق في المحافل الدولية، وكذلك ما حدث أكثر من مرة في إرسال رسائل تهديد إلى رئيس الوزراء وتطويق المنطقة الخضراء».
ويخشى العنبر؛ الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط»، من أن «ينتهي الحادث الأخير بالصلح وجلسات الحوار وتهدئة الأجواء ومن ثم اعتماد سياسة تقبيل اللحى دون أن يكون هنالك حرص على تكريس هيبة الدولة». ويضيف: «أعتقد أن خطوات غير مشجعة سبقت الهجوم على منزل رئيس الوزراء تمثلت في إرسال رئيس الوزراء مدير مكتبه ووزير الداخلية إلى أمين عام (العصائب) قيس الخزعلي بعد تصعيد خطابه الأخير».
وتابع أن «التراضي موجود ربما، لا سيما مع احتمال تطبيق فرضية السكوت عن عملية محاولة الاغتيال في مقابل فضّ اعتصامات جماعات الخاسرين في الانتخابات قرب المنطقة الخضراء. أتوقع أن تكون هذه السياسة حاضرة لميل الكاظمي إلى التهدئة، لكننا ننتظر منه أن يثبت مصداقيته في محاسبة المتورطين بعد إعلانه معرفتهم».
ويرى العنبر أن «المصداقية يجب أن تكون في استعادته هيبة الدولة. ما حدث يشبه تماماً عمليات الانقلاب في بلدان العالم الثالث، وهو محاولة لإرسال رسالة إلى كل من يتصدى لمنصب رئاسة الوزراء وقيادة الجيش بأن النيران قد تكون حاضرة وتستهدفه في أي وقت إذا لم يراع الصفقات والتوافقات والقوى والميليشيات المنفلتة ويحسب لها ألف حساب».



كيف تتوزع خريطة السيطرة العسكرية في سوريا؟

اندلاع النيران في أحد شوارع إدلب نتيجة قصف جوي يوم 2 ديسمبر (أ.ف.ب)
اندلاع النيران في أحد شوارع إدلب نتيجة قصف جوي يوم 2 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

كيف تتوزع خريطة السيطرة العسكرية في سوريا؟

اندلاع النيران في أحد شوارع إدلب نتيجة قصف جوي يوم 2 ديسمبر (أ.ف.ب)
اندلاع النيران في أحد شوارع إدلب نتيجة قصف جوي يوم 2 ديسمبر (أ.ف.ب)

تقدمت «هيئة تحرير الشام» مع فصائل متحالفة معها بسرعة داخل حلب، إثر هجوم مباغت، لتصبح المدينة بأكملها خارج سيطرة القوات الحكومية لأول مرة منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011.

 

وجاء التصعيد العسكري بعد سنوات من الهدوء النسبي، ليعيد تشكيل خريطة السيطرة العسكرية بعدما كانت القوات الحكومية تمكنت وبدعم رئيسي من حلفائها، من ترجيح الكفة لصالحها في الميدان على جبهات عدة.

فكيف تتوزّع القوى العسكرية التي يحظى معظمها بدعم دولي أو إقليمي، في سوريا؟ «وكالة الصحافة الفرنسية» ترصد ما يلي:

«هيئة تحرير الشام»

قبل شن الهجوم بدءاً من 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً قبل فك ارتباطها عن تنظيم القاعدة) تسيطر وفصائل متحالفة معها على نحو نصف محافظة إدلب (شمالي غرب) وأجزاء محدودة من محافظات حلب وحماة واللاذقية المحاذية، تقدر مساحتها بثلاثة آلاف كيلومتر مربع.

وتوجد في المنطقة أيضاً فصائل معارضة أقل نفوذاً فضلاً عن مجموعات جهادية متشددة تراجعت قوتها تدريجياً مثل «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي يضم مقاتلين من الأويغور.

ويعيش في مناطق سيطرة الفصائل قرابة 5 ملايين شخص، الجزء الأكبر منهم نازحون من محافظات أخرى، بحسب الأمم المتحدة.

إثر الهجوم المباغت الذي يعد الأعنف منذ سنوات، ضاعفت الفصائل مساحة سيطرتها تقريباً، وفق ما يقول الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش، مع سيطرتها على مدينة حلب وعشرات البلدات والمدن في ريفها وفي محافظتي حماة (وسط) وإدلب.

القوات الحكومية

خلال السنوات الأولى من النزاع، خسرت القوات الحكومية غالبية مساحة البلاد لصالح فصائل مسلحة ومقاتلين أكراد ثم تنظيم داعش.

لكن التدخل الروسي في سبتمبر (أيلول) 2015 أسهم تدريجياً في قلب ميزان القوى على الأرض لصالحها.

وبغطاء جوي روسي ودعم عسكري إيراني ومن «حزب الله» اللبناني، كانت قوات النظام قبل بدء هجوم الفصائل، الأربعاء، تسيطر على ثلثي مساحة البلاد، حيث يقيم 12 مليون شخص، وفق بالانش.

وتسيطر قوات النظام اليوم على محافظات السويداء ودرعا والقنيطرة جنوباً، وحمص وحماة (وسط)، وطرطوس والجزء الأكبر من اللاذقية (غرب)، فضلاً عن دمشق وريفها.

كما تسيطر على جزء من محافظة حلب، وأجزاء من ريف الرقة الجنوبي (شمال)، ونصف محافظة دير الزور (شرق).

وتدعم قوات النظام مجموعات محلية مثل قوات الدفاع الوطني الموالية لها، فضلاً عن أخرى موالية لإيران تضم مقاتلين أفغاناً وباكستانيين وعراقيين و«حزب الله» اللبناني.

وتسيطر قوات النظام بشكل رئيسي على حقول الورد والتيم والشولة والنيشان النفطية في دير الزور وحقل الثورة في الرقة وحقل جزل في حمص (وسط). كما تُمسك بحقل الشاعر، أكبر حقول الغاز، وحقول صدد وآراك في حمص.

وتوجد نقاط تمركز عدة لجنود روس في مناطق سيطرة النظام.

على مرّ السنوات الماضية، شارك أكثر من 63 ألف جندي روسي في العمليات العسكرية في سوريا، وفق موسكو. وليس معروفاً عديد القوات الروسية الموجودة حالياً في سوريا، لكن أبرز قاعدتين عسكريتين روسيتين في سوريا، هما قاعدة جوية رئيسية في مطار حميميم قرب مدينة اللاذقية الساحلية، وأخرى في ميناء طرطوس الذي تستثمره أساساً شركة روسية.

المقاتلون الأكراد

بعد عام 2012، أعلن الأكراد إقامة «إدارة ذاتية» في مناطق نفوذهم (في الشمال والشرق) بعد انسحاب قوات النظام من جزء كبير منها من دون مواجهات، وتوسعت هذه المناطق تدريجياً بعدما خاض المقاتلون الأكراد بدعم أميركي معارك عنيفة لطرد تنظيم «داعش».

وفي عام 2015، تأسست قوات سوريا الديمقراطية، وعمودها الفقري وحدات حماية الشعب الكردية، وضمنها فصائل عربية وسريانية مسيحية، وباتت تعد اليوم بمثابة الجناح العسكري للإدارة الذاتية.

وتعد «قوات سوريا الديمقراطية» التي شكّلت رأس حربة في القتال ضد تنظيم «داعش»، ثاني قوة عسكرية تمسك بالأرض بعد الجيش السوري. وتسيطر اليوم على نحو ربع مساحة البلاد، حيث يقيم نحو 3 ملايين شخص، أكثر من ثلثهم من الأكراد.

وتشمل مناطق سيطرة تلك القوات اليوم محافظة الحسكة (شمالي شرق) حيث توجد قوات النظام في بضعة أحياء عبر مؤسسات في مدينتي القامشلي والحسكة. كما تسيطر على غالبية محافظة الرقة بما فيها المدينة التي شكلت لسنوات معقلاً لتنظيم «داعش».

كما تسيطر على نصف محافظة دير الزور وعلى أحياء في شمال مدينة حلب ومناطق محدودة في المحافظة.

وتقع تحت سيطرتها أبرز حقول النفط السورية وبينها العمر، وهو الأكبر في البلاد، والتنك وجفرا في دير الزور، فضلاً عن حقول أصغر في الحسكة والرقة. وكذلك حقلا كونيكو للغاز في دير الزور والسويدية في الحسكة.

وتنتشر قوات أميركية ضمن التحالف الدولي ضد الجهاديين في قواعد عدة في مناطق سيطرة الأكراد. كما توجد في جنوب سوريا في قاعدة التنف التي أنشئت عام 2016، وتقع بالقرب من الحدود الأردنية العراقية، وتتمتع بأهمية استراتيجية كونها تقع على طريق بغداد دمشق.

تركيا والفصائل

منذ عام 2016، شنّت تركيا مع فصائل سورية موالية لها عمليات عسكرية عدة في شمال سوريا، مستهدفة خصوصاً المقاتلين الأكراد لإبعادهم عن حدودها.

وتسيطر القوات التركية والفصائل الموالية لها على شريط حدودي يمتد من جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي إلى عفرين في ريفها الغربي، مروراً بمدن رئيسية مثل الباب وأعزاز.

كما يسيطرون على منطقة حدودية منفصلة بطول 120 كيلومترا بين مدينتي رأس العين وتل أبيض الحدوديتين.

وتضم الفصائل الموالية لأنقرة والمنضوية فيما يعرف بـ«الجيش الوطني السوري»، مقاتلين سابقين في مجموعات معارضة، مثل جيش الإسلام الذي كان يعد الفصيل المعارض الأبرز قرب دمشق.

ومن بين الفصائل، مجموعات تنشط أساساً في الشمال مثل فصيل السلطان مراد، وأخرى برزت مع العمليات العسكرية التركية وبينها فصيلا الحمزة وسليمان شاه.

تنظيم «داعش»

بعدما سيطر عام 2014 على مساحات واسعة في سوريا والعراق، مُنِيَ التنظيم المتطرف بهزائم متتالية في البلدين وصولاً إلى تجريده من كل مناطق سيطرته عام 2019. ومنذ ذلك الحين قتل 4 زعماء للتنظيم، لكن عناصره المتوارين لا يزالون قادرين على شنّ هجمات، وإن محدودة، ضد جهات عدّة.

وغالباً ما يتبنى هجمات ضد قوات النظام في منطقة البادية السورية الشاسعة المساحة وغير المأهولة بمعظمها والتي انكفأ إليها مقاتلوه.

ولا يزال مقاتلوه ينشطون أيضاً في محافظة دير الزور، ويشنون هجمات تطول المدنيين، ويستهدفون قوات النظام وقوات سوريا الديمقراطية.