عشرات القضاة يتضامنون مع رئيس ناديهم الأسبق في مشهد يستعيد ذاكرة «تيار الاستقلال»

زكريا عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط»: اتهامي باقتحام أمن الدولة قلب خبيث للوقائع

المستشار زكريا عبد العزيز
المستشار زكريا عبد العزيز
TT

عشرات القضاة يتضامنون مع رئيس ناديهم الأسبق في مشهد يستعيد ذاكرة «تيار الاستقلال»

المستشار زكريا عبد العزيز
المستشار زكريا عبد العزيز

احتشد عشرات القضاة والمحامين في دار القضاء العالي بوسط القاهرة، أمس، للتضامن مع المستشار زكريا عبد العزيز، رئيس نادي قضاة مصر الأسبق، خلال أولى جلسات محاكمته أمام هيئة التأديب والصلاحية، لاتهامه بالتحريض على اقتحام مباني أمن الدولة (المسمى القديم لجهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية) قبل 4 سنوات. ووصف عبد العزيز الاتهام بـ«الكيدي» وعده «قلبا خبيثا للوقائع»، قائلا إنه يهدف لإبعاده من المنافسة على رئاسة النادي مجددا.
وتزعم عبد العزيز تيار استقلال القضاة خلال العقد الأخير من حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك الذي أطاحت به ثورة 25 يناير 2011. ويرى مراقبون أن حركة استقلال القضاء التي دخلت في صراع مفتوح مع نظام مبارك منذ 2005 لعبت دورا في التمهيد للثورة المصرية.
وقرر مجلس التأديب والصلاحية، تأجيل أولى جلسة محاكمة عبد العزيز إلى جلسة 2 مايو (أيار) القادم، للاطلاع على أوراق القضية. وقال عبد العزيز إن الجلسة كانت إجرائية.
ويعد مشهد التضامن مع عبد العزيز أحد أشكال الاحتجاج النادرة في مصر خارج سياق المواجهات العنيفة بين السلطات وأنصار جماعة الإخوان المسلمين.
ويحاكم عبد العزيز في واقعة تعود إلى مارس (آذار) عام 2011، حين اقتحم مئات من النشطاء المصريين مقار أمن الدولة في عدة مدن. وقال النشطاء حينها إن الخطوة جاءت بعد أن شوهدت أعمدة دخان تتصاعد من بعض مقار الجهاز، الذي اكتسب سمعة سيئة خلال سنوات حكم مبارك.
وقال عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط» في أعقاب الجلسة إن «الاتهام كيدي.. ويهدف إلى إبعادي عن المنافسة على رئاسة نادي القضاة، وهو أمر لا أفكر به على الإطلاق، فقد أديت واجبي خلال رئاستي لنادي القضاة من عام 2001 وحتى عام 2009».
وأعرب عبد العزيز عن اعتزازه بمساندة زملائه خلال أولى جلسات محاكمته، قائلا إن «إحساس الزملاء القضاة والمحامين بما أتعرض له من ظلم ومحاولة لتصفية الحسابات القديمة هو سبب هذا الدعم المشكور».
وأصدر المستشار محفوظ صابر وزير العدل قرارا بإحالة عبد العزيز إلى مجلس التأديب والصلاحية، نهاية مارس الماضي، وذلك في ضوء التحقيقات التي جرت معه بمعرفة أحد قضاة التحقيق في عدد من الوقائع المنسوبة إليه، ومنها التحريض والمشاركة في اقتحام مقر أمن الدولة في مدينة نصر (شرق القاهرة)، وما أسفرت عنه من الاستيلاء على بعض المستندات الخاصة بالجهاز.
وقال عبد العزيز إن «الصورة قلبت بشكل خبيث، وبات المتهم هو من ساهم في منع إتلاف المستندات (الخاصة بأمن الدولة)»، مضيفا أن كثيرا من الحاضرين للتضامن معه كانوا شهودا على الواقعة.
كان عبد العزيز من الرموز البارزة في ميدان التحرير بوسط العاصمة إبان اعتصام امتد لـ18 يوما للمطالبة برحيل الرئيس الأسبق مبارك مطلع عام 2011.
ويرى مراقبون نشطاء إن محاكمة عبد العزيز جزء من محاكمة رموز ثورة 25 يناير التي يقضي عدد منهم عقوبة السجن في اتهامات تتعلق بخرق قانون التظاهر.
وعزل مجلس التأديب والصلاحية منتصف مارس الماضي 41 قاضيا ممن أطلقوا على أنفسهم اسم «قضاة من أجل مصر»، وآخرين وقعوا على بيان مؤيد لجماعة الإخوان المسلمين التي تعدها السلطات المصرية جماعة إرهابية.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.