إتاحة أرشيفات الصحف العربية إلكترونياً تشعل نقاش «الملكية الفكرية»

خبراء يطالبون بتفعيل قوانين التداول

جانب من أرشيف صحف عربية في مركز للدراسات
جانب من أرشيف صحف عربية في مركز للدراسات
TT

إتاحة أرشيفات الصحف العربية إلكترونياً تشعل نقاش «الملكية الفكرية»

جانب من أرشيف صحف عربية في مركز للدراسات
جانب من أرشيف صحف عربية في مركز للدراسات

في خطوة أطلقت كثيراً من التساؤلات حول طرق إتاحة أرشيفات الصحف العربية إلكترونياً، أثارت قضية وصول أرشيف صحيفة «الأهرام» المصرية إلى المكتبة الوطنية الإسرائيلية حالة من الجدل والتباين بين العاملين في المجال الإعلامي محلياً وعربياً. وكان من أبرز النقاط في هذا الشأن ما يتعلق بـ«حقوق الملكية الفكرية لأرشيف الصحف»، بالتزامن مع «الحق في إتاحة أرشيف الصحف للاطلاع كجزء من حق المعرفة وحرية تداول المعلومات».
يأتي هذا الأمر وسط مطالب بـ«تفعيل قوانين تداول أرشيفات الصحف». ويرى خبراء ومتخصصون أن «حقوق الملكية الفكرية للأرشيف تعود إلى الصحيفة مالكة هذا الأرشيف ومُنتِجته». ولفتوا إلى أنه «حتى لو تعاقدت صحيفة مع شركة ما لإتاحة أرشيفها إلكترونياً على موقعها أو داخل جامعة ما، فإن هذا لا يُسقِط حق الملكية الفكرية للصحيفة، ولا يسمح لهذه الشركة بإعادة تداول الأرشيف أو بيعه لجهات أخرى».
إلا أنهم أشاروا، في المقابل، إلى «وجود خلل يتعلق بالإجراءات الإدارية في بعض الصحف بشأن التعامل مع أرشيفها الإلكتروني».

بداية القصة
الواقعة التي أثارت الرأي العام المصري بدأت بتغريدة على حساب «إسرائيل بالعربي»، الناطق بلسان وزارة الخارجية الإسرائيلية، أعلن فيها أن «أرشيف صحيفة الأهرام المصرية، بات متاحاً للدارسين والباحثين داخل إسرائيل من خلال المكتبة الوطنية الإسرائيلية». وعلى الأثر، بدأت موجة من الانتقادات والاتهامات والتحقيقات حول الطريقة التي وصل بها أرشيف «الأهرام»، الصحيفة المصرية التي أُسّست عام 1875، إلى المكتبة الوطنية الإسرائيلية.
تحقيقات أولية أشارت إلى تعاقد «الأهرام» منذ سنوات مع شركة «إيست فيو» الأميركية، كوسيط إلكتروني لإتاحة أرشيف «الأهرام» للمستخدمين، ورجحت تكهنات أن «تكون هذه الجهة هي المسؤولة عن وصول أرشيف (الأهرام) لإسرائيل».
وفي السياق نفسه وُجّه الاتهام لأستاذة مصرية بشأن بيع أرشيف «الأهرام»، لكن هذه الأستاذة نفت هذه الاتهامات. وهنا تجدر الإشارة إلى أن «إيست فيو» شركة أميركية توفر أرشيفات الصحف للباحثين حول العالم، ولديها أرشيفات صحافية من 80 دولة تقريباً بثلاثين لغة، يتيسر الاطلاع عليها مقابل اشتراك، وهي تتيح الاطلاع على أرشيف «الأهرام» المصرية، ومجموعة من الصحف العربية، ضمن ما يُسمى بـ«تحالف صحف دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» الذي يضم صحفاً عربية مرموقة.
عودة إلى واقعة أرشيف «الأهرام»، فإنها أثارت تساؤلات تتعلق بحقوق الملكية الفكرية لأرشيف الصحف. ويرى خالد القضاة، عضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، أن «الأرشيف الصحافي جزء من تاريخ الأمة، وهناك مجموعة من الأسئلة التي لم يتم حسمها قانونياً حتى الآن، من بينها السؤال: هل هذا الأرشيف ملك للمجتمع؟ أم للصحيفة؟ أم للصحافيين الذين كتبوا هذه المواد؟».
ويضيف القضاة لـ«الشرق الأوسط»: «من وجهة نظري فإن حقوق الملكية الفكرية ترجع إلى الصحيفة أو المؤسسة مالكة الصحيفة، أما الصحافي فقد تقاضى أجراً على هذه المواد، وبالتالي لا يملك حقوقاً لإعادة بيعها أو توزيعها».
هذا الرأي يتفق معه عاصم البصال، العضو المنتدب لشركة «مباشر ميديا»، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «حقوق الملكية الفكرية للأرشيف ترجع للصحيفة، فالصحافي تقاضى أجراً على مادته». ومن ثم يتابع أنه «حتى لو تعاقدت صحيفة مع شركة ما لإتاحة أرشيفها إلكترونياً على موقعها أو داخل جامعة، فإن هذا لا يسقط حق الملكية الفكرية للصحيفة، ولا يسمح لهذه الشركة التي جرى التعاقد معها بإعادة تداول هذا الأرشيف أو بيعه لجهات أخرى».
الدكتورة ليلى عبد المجيد، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة تؤكد أيضاً على «حقوق الملكية الفكرية للصحيفة»، وتضيف في تعليقها لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك مشكلات فردية أدت إلى بيع وضياع جزء كبير من أرشيفات الصحف المصرية». ووفق الكاتبة الصحافية البحرينية عهدية السيد، فإن «هناك قوانين تمنع تداول الأرشيفات أو المواد التي تنشرها الصحف والمواقع الإلكترونية، من دون نسبها إلى مصدرها، باعتبارها حقاً أصيلاً للصحيفة؛ لكن المشكلة في أن الناس لا تلتزم بهذه القوانين».
على صعيد متصل، يرى مراقبون أن «الصحف الكبرى تضع قواعد لتداول أرشيفاتها». وهنا يوضح متخصصون أن «صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية تذكر على موقعها الإلكتروني وجود طريقتين للاطلاع على أرشيفها: الأولى من خلال ما يسمى بأرشيف مقالات (نيويورك تايمز)، وهو متاح للجميع، ومن خلاله يمكن الاطلاع على الموضوع كاملاً أو جزء منه، ويغطي الفترة من 1851 وحتى الآن... أما الطريقة الثانية فتكون عبر ما يسمى بـ(آلة الزمن)، ومن خلاله يستطيع القارئ الاطلاع على الأعداد كاملة من عام 1851 وحتى 2002 مقابل اشتراك شهري يتيح للمشترك تحميل مائة (بي دي إف) كل شهر».
ولدى صحف أميركية كبرى أخرى خدمات مشابهة.
من ناحية ثانية، يقول خبراء إنه «تُعتبر أي مواد صحافية منشورة قبل الأول من يناير (كانون الثاني) عام 1923 ملكية عامة في الولايات المتحدة الأميركية، أما ما بعد ذلك فهو محمي بموجب قانون الملكية الفكرية الأميركي». ويشار إلى أن الجامعات تتعاقد مع المؤسسات الصحافية لإتاحة الأرشيفات للباحثين بشكل إلكتروني، وعلى سبيل المثال لدى جامعة بنسلفانيا الأميركية المرموقة «أرشيف صحافي متاح للباحثين لخدمة العلم والبحث العلمي، جرى توفيره بعد الحصول على إذن من مالكيه»، حسب موقع الجامعة الإلكتروني.
أما فيما يخصّ أرشيفات الصحف في بريطانيا، فيتيح موقع أرشيفات الصحف البريطانية الاطلاع على جميع ما نُشِر في الصحافة البريطانية منذ نشأتها، بالاعتماد على الأرشيف الصحافي الموجود في المكتبة البريطانية. وتتيح صحيفة «الغارديان» البريطانية أرشيفها للمستخدمين في الفترة من 1821 وحتى 2003، للاطلاع مقابل اشتراك. وتشير على موقعها الإلكتروني إلى أن «أعضاء المكتبة البريطانية يمكنهم الدخول والاطلاع على نسخ من الأرشيف داخل قاعات القراءة بالمكتبة».

نماذج أخرى
وفي المجال نفسه، تعمل مجموعة من المكتبات على مستوى العالم على أرشفة الصحف اليومية، من بينها مكتبة الإسكندرية في مصر، ومكتبة الكونغرس الأميركي، وذلك بهدف «إتاحة هذا الأرشيف للاطلاع لأغراض بحثية». ويشار إلى أنه في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2020، نشر الباحث السوري محمد صالح الفتيح تغريدة على حسابه بـ«تويتر» تضمّنت صوراً قال إنها «من قسم أرشيف الصحف العربية في مركز موشيه دايان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية».
وأضاف الفتيح حينذاك أن «هذا القسم يخزّن منذ سنوات نسخاً من الصحف اليومية الصادرة في مصر وسوريا والعراق وغيرها من الدول»، وبحسب موقع المركز، فإنه «تم رقمنة أكثر من مليون صفحة من صحف العراق والأردن ولبنان وسوريا».
وعن تجربة الأرشيف الصحافي في الأردن، يرى القضاة «وجود» خلل في بعض المؤسسات الصحافية في معالجة موضوع الأرشيفات، ينم عن قلة وعي بقيمة هذه الثروة التي تشكل جزءاً من تاريخ الأمة. ويشير القضاة إلى تجربة جريدة «الرأي» الأردنية التي تعود إلى عام1971؛ فيشرح أن «القيادات التي تعاقبت على الصحيفة لم تدرك قيمة الأرشيف، والدوائر القانونية داخل المؤسسات الصحافية لم تضع قواعد لتداول الأرشيف وتوضح لهم حق تداوله أو الاحتفاظ بنسخ منه، ما يجعلها عرضة للاختراق من جهات أخرى كإسرائيل». وحسب القضاة: «للأسف هناك قصور في النظرة المستقبلية لبعض الصحف العربية... وهو ما يؤدي إلى ما نشاهده حالياً من ضياع أرشيف أو سرقته أو تداوله من جهات ليس لها حق تداوله».
أما عهدية السيد، فتقول لـ«الشرق الأوسط» في الحوار معها إن «وزارة الإعلام البحرينية تمتلك أرشيفاً للصحف البحرينية... ولكل صحيفة في البحرين أرشيفها الخاص، وهي تنظم طريقة الاطلاع عليه للجمهور، إضافة إلى الأرشيف الموجود لدى وزارة الإعلام». وتشدد السيد على «ضرورة إتاحة الأرشيف للباحثين والصحافيين لأغراض البحث العلمي والاطلاع على التاريخ؛ فهذه الصحف تروي جزءاً من تاريخ البلاد». وتضيف أن «من أسعد تجاربها الشخصية زيارة أرشيف صحيفة (القبس) الكويتية».
وحول دور الأرشيف الصحافي في الدراسات البحثية، تشرح الدكتورة عبد المجيد فتقول إن «الأرشيف الصحافي جزء مهم في الدراسات البحثية»، مشيرة إلى أنها إبان عملها على رسالتي الماجستير والدكتوراه كانت تمضي أياماً في أرشيف صحيفة «الأهرام» وصحيفة «الأخبار»، وحينذاك كانت تطلع حتى على الخطابات المتداولة بين قيادات الصحيفة. ومن ثم، تؤكد أن «الأرشيف الصحافي سجل تاريخي مهم، لا بد من حمايته مع إتاحته للاطلاع والبحث العلمي».


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.