تباين مواقف الأحزاب الكردية من وساطة روسية مع دمشق

التهديدات التركية توحد الجهات السياسية شرق الفرات

أعلام كردية في منطقة نفوذ تابعة لـ{قسد» وإدارتها المدنية شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
أعلام كردية في منطقة نفوذ تابعة لـ{قسد» وإدارتها المدنية شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
TT

تباين مواقف الأحزاب الكردية من وساطة روسية مع دمشق

أعلام كردية في منطقة نفوذ تابعة لـ{قسد» وإدارتها المدنية شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)
أعلام كردية في منطقة نفوذ تابعة لـ{قسد» وإدارتها المدنية شمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

تباينت مواقف الأحزاب الكردية والجهات السياسية حول دور القوات الروسية بالتوسط لدى دمشق، ففي الوقت الذي تطابقت فيه دعوات حزب كردي وقيادي من «مجلس سوريا الديمقراطية»، لقيام موسكو بوساطة مع حكومة النظام للدخول في مفاوضات مباشرة، ولعب دور الضامن وإقناع حلفائها بالجلوس إلى طاولة المفاوضات وتغليب الحلول السياسية على الخيارات العسكرية، صرح مسؤول كردي بارز بالإدارة الذاتية، بأن موسكو ليست جادة بالضغط على النظام لتفعيل الحوار مع الإدارة.
طالب «الحزب الديمقراطي التقدمي» الكردي في سوريا، عبر بيان نشر على موقعه الرسمي، أمس، روسيا، إلى لعب دور الوسيط بين الحركة الكردية والحكومة السورية للتوصل إلى صيغة تفاهم بين الطرفين، «لدرء المخاطر والتهديدات التركية لاحتلال أجزاء ثانية من الأراضي السورية لا سيما المناطق الكردية، والتي تهدد وجود الشعب الكردي في المنطقة».
وقال أحمد سليمان عضو المكتب السياسي للحزب التقدمي لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه الدعوة مردها «ما يحصل على الأرض من تطورات ميدانية، ولأن سوريا باتت منطقة نفوذ روسية بموافقة أميركية، أما باقي الدول فستنسحب من سوريا عاجلاً أم آجلاً». وفي حال توفرت تفاهمات داخل البيت الكردي «يمكن إقناع الروس بجدوى الحل السياسي، خصوصاً أن الإدارة الأميركية الحالية، تشجع الكرد والإدارة الذاتية على الحوار مع دمشق». وطالب أحزاب الحركة الكردية، التوصل لاتفاقيات أولية، «بهدف تحديد خياراتها والتي ستحقق لها حماية مناطقها وضمان حقوقها المشروعة في صيغة الحل السياسي للأزمة السورية».
وهو ما ذهب إليه رياض درار رئيس «مجلس سوريا الديمقراطية»، الذي كشف عن وجود وساطة روسية بين دمشق والإدارة الذاتية، وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن التقدم الروسي داخل المناطق التي تسيطر عليها (قسد) المدعومة من واشنطن، «مؤشر على أن الروس قد يكونون أكثر جدية في دعم الحوار هذه المرة». ودعا مجلس «مسد» وقوات «قسد» للتصرف بواقعية، بالقول: «نحن بكامل الجهوزية والاستعداد للحوار إن رغبت دمشق بذلك، للوصول إلى صيغة حل سياسي لكامل القضايا في سوريا».
يذكر، أن ممثلين من «مجلس سوريا الديمقراطية»، عقدوا في الماضي، ثلاثة اجتماعات مع مسؤولين أمنيين من النظام السوري، من خلال محادثات غير رسمية عقدت الأولى منتصف 2018، والثانية 2020 والثالثة بداية العام الحالي، غير أن د. عبد الكريم عمر، رئيس دائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية، اتهم روسيا بعدم جديتها في ممارسة الضغوط على النظام السوري لتفعيل الحوار مع الإدارة الذاتية. وأكد لـ«الشرق الأوسط»، بعدم وجود أي حوارات مع النظام، قائلاً، إن «موسكو ليست جادة في الضغط على النظام للانخراط في حوار بناء. ومنذ تشكيل محور (أستانا)، غيرت أولوياتها لتعزيز علاقاتها مع تركيا، وتعميق أزمة أنقرة في حلف شمال الأطلسي خدمة لأجنداتها». وشدد على أن «الحوار مع حكومة دمشق متوقف كلياً، لأن النظام غير جدي وما زال متمسكاً بعقلية ما قبل عام 2011، ويعتقد أنه قادر على السيطرة عسكرياً على كامل سوريا وهذا غير ممكن».
من جهته، أعرب السياسي الكردي أحمد سليمان، عن اعتقاده، بأن التهديدات التركية جدية وتتحين الفرصة المناسبة لتنفيذها. وأن الحركة السياسية السورية عموماً والكردية خصوصاً، في مأزق حقيقي لما تعيشه من خلافات وتناقضات، مشدداً على أن «هذه الحالة تفسح الطريق أمام تنفيذ التهديدات التركية الخطيرة التي تهدد الوجود الكردي في المنطقة، لافتاً إلى أن تجربة احتلال عفرين ورأس العين، لم تدفع بالحركة لإعادة النظر وتقييم أسباب الفشل الذاتي». وأضاف أن انقسام الحركة شكل نقطة ضعف أساسية «وبغير التفاهم على صيغة مشتركة، يصعب إقناع القوى المؤثرة في الوضع السوري بالتفكير جدياً بمساندة حق الشعب الكردي في إطار الحل السياسي للأزمة السورية».
وأشار القيادي رياض درار، إلى أن كل من يدعو لضرورة التفاوض بين الحكومة السورية وقوات «قسد» ومكونات الإدارة «مُحق، على أن يقود ذلك إلى الصلح لا المصالحة»، فالمصالحة برأيه لا تُقدم ولا تؤخر ولا تؤسس لحل حقيقي، بينما الصلح فهو بناء على أساسات متينة وعليه يمكن أن يقام أي حل سياسي.
وعن تصاعد التهديدات التركية بشن هجوم ضد مناطق نفوذ «قسد» والإدارة شمال شرقي سوريا، شدد درار في تصريحاته، على أن «عندما يكون هناك عدوان فكل السوريين مسؤولون عن الدفاع عن وطنهم، وهناك إمكانية طلب المساعدة من الجيش السوري لصد أي عدوان تركي».
في المقابل، حذر المسؤول عبد الكريم عمر، من تدخل تركي والسيطرة على المزيد من المناطق السورية التي ستؤدي إلى موجات نزوح، وستفاقم الوضع الداخلي وتزيد من تعقيدات المشهد الميداني «كما سيخلق الاجتياح فرصة لتنظيم (داعش) كي يستعيد نشاطه، ما يهدد استقرار وأمن المنطقة»، وناشد الدول الضامنة الضغط لكبح التهديدات التركية ومنع تنفيذها، وتعهد التزام الإدارة الذاتية ومكوناتها السياسية والعسكرية «بتطبيق كافة الاتفاقيات التي تنص على وقف إطلاق النار وخفض التصعيد».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.