جولة جديدة من «العصيان المدني» في السودان

ترقب إعلان حكومة من دون حمدوك

أحد شوارع الخرطوم أمس وسط عودة الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني (أ.ف.ب)
أحد شوارع الخرطوم أمس وسط عودة الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني (أ.ف.ب)
TT

جولة جديدة من «العصيان المدني» في السودان

أحد شوارع الخرطوم أمس وسط عودة الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني (أ.ف.ب)
أحد شوارع الخرطوم أمس وسط عودة الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني (أ.ف.ب)

اصطدمت قوات الأمن السودانية أمس مع عدد كبير من المواكب الاحتجاجية في مناطق متفرقة من العاصمة الخرطوم ومدن أخرى، في إطار حملة جديدة من العصيان المدني دعا إليها «تجمع المهنيين» وتحالف «الحرية والتغيير»، احتجاجاً على تولي الجيش السلطة في البلاد منذ 25 أكتوبر (تشرين الأول)، وحل الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك.
وتوقف العمل في عدد من المصارف والشركات وبعض الدواوين الحكومية والمدارس والجامعات، استجابة للإضراب الذي أعلنته أحزاب المعارضة والنقابات، فيما أطلقت قوات الأمن الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين واعتقلت العشرات منهم. وكان متظاهرون قد أغلقوا، عشية بدء العصيان، عدداً من الشوارع الرئيسية في العاصمة الخرطوم، ضمن حملة أسموها «ليلة المتاريس».
في غضون ذلك، يترقب السودانيون إعلان قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، تشكيل حكومة جديدة لا يرأسها حمدوك الموضوع تحت الإقامة الجبرية، وذلك بعد فشل جميع الوساطات الدولية والإقليمية في إقناع الجيش بالعودة إلى الالتزام بالوثيقة الدستورية التي تؤسس للشراكة مع المدنيين، ما ينذر برفض شعبي للحكومة المرتقبة التي سيختار شخصيات الجيش، ويُتوقع أن تكون موالية له.

- «مكتب سكرتارية»
وقالتٍ مصادر من المعارضة إن حكومة مدنية يختارها الجيش ستكون بمثابة «مكتب سكرتارية» للقائد العام للقوات المسلحة، مشيراً إلى أن الرئيس السابق عمر البشير أيضاً كان يعين حكوماته من المدنيين لكنها السلطة الحقيقية تظل بالكامل في أيدي الجيش والأجهزة الأمنية. وأضافوا أن «الحكومة المدنية الصحيحة هي التي يختار أعضاءها المدنيون أنفسهم».
وتسود السودان حالة من التوتر الحذر والارتباك والمعلومات المتضاربة منذ إطاحة القائد العام للجيش بحكومة رئيس الوزراء حمدوك، وظلت البلاد بلا حكومة لقرابة أسبوعين، ووسائل الإعلام تنسب معلوماتها المتاحة والشحيحة إلى مصادر مجهولة، وتتحدث عن قرب إعلان تشكيل الحكومة ومجلس السيادة، لكن سرعان ما تتطاول الساعات والأيام وتتزايد الأوضاع اضطراباً.
وواجه استيلاء الجيش على السلطة بالقوة معارضة شعبية واسعة تتسع يومياً، فيما استخدمت السلطات العسكرية ضدها عنفاً مفرطاً نتج عنه مقتل 14 محتجاً سلمياً بالرصاص وإصابة المئات بجراح، بعضها خطرة وبعضها تسبب في إعاقات دائمة، متزامنة مع حملة اعتقالات واسعة شملت كافة مناهضي الانقلاب. وظل رئيس الوزراء وعدد من الوزراء والقادة السياسيين والمهنيين ونشطاء في «لجان المقاومة»، بالإضافة إلى كبير من المحتجين الشباب، قيد الاعتقال لدى السلطات العسكرية والأمنية.

- احتجاجات وعنف
في غضون ذلك، تواصلت أشكال الاحتجاجات المختلفة بإعلان «لجان المقاومة» العودة للمتاريس وسد الطرقات مجدداً باستخدام الأعمدة والمصدات الخرسانية وإطارات السيارات المشتغلة، كما شهد عدد من المدن احتجاجات شارك فيها الآلاف، استجابة لدعوة تحالف «الحرية والتغيير» بالعصيان المدني في جولته الثانية بعدما نفذ عصياناً مشابهاً الأسبوع الماضي لمدة 6 أيام في أعقاب استيلاء الجيش على السلطة.
وشمل العصيان المدني عدداً من المؤسسات الحكومية والتعليمية والخاصة والمتاجر والمؤسسات التي أغلقت أبوابها بالكامل، فيما لا تعمل مؤسسات أخرى بكامل طاقمها وقوتها المعهودة، وذلك بعد العودة التدريجية لحركة السير التي شهدها وسط الخرطوم في الأيام الماضية إبان رفع الإضراب مؤقتاً. وقالت لجنة المعلمين أمس إن السلطات فضت بعنف وقفة احتجاجية نظمها المعلمون والمعلمات في منطقة بحري وألقت القبض على 87 معلماً، بينهم معلمة أصيبت بكسر في الساق، ورفضت السلطات الإفراج عنهم.
وقال أحد المعلمين لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «قوات الشرطة قامت بفض المظاهرة وأطلقت الغاز المسيل للدموع فيما كنا نقف هنا فقط حاملين لافتاتنا التي كُتب عليها (لا للنظام العسكري)».
كما أطلقت قوات الأمن أيضاً الغاز المسيل للدموع على مئات المتظاهرين في حي بري في شرق العاصمة، وفق ما أفاد شهود عيان. وقالت متظاهرة إن «المحتجين احتشدوا في الشوارع وأحرقوا الإطارات، وهتفوا ضد الحكم العسكري». كما أكد متظاهر آخر أن «قوات الأمن فرقت المتظاهرين باستخدام الغاز المسيل للدموع وبدأت في إزالة المتاريس».
وشهدت مدن عطبرة، الدويم، كوستي، مدني، نيالا، تظاهرات حادة تطالب بعودة الحكم المدني، وفي العاصمة الخرطوم شهدت أحياء الشجرة، شارع الستين، بري، الديم، ومعظم أحياء مدينة الخرطوم بحري، وبعض أحياء مدينة أم درمان، عمليات كر وفر بين المحتجين وعربات القوات العسكرية على المتاريس التي يسارع الثوار إلى إعادة وضعها في مكانها بعد أن تزيلها القوات العسكرية مستخدمة الغاز المسيل للدموع والهراوات ضد الذين يحرسون المتاريس من المحتجين.

- تكثيف الاعتقالات
وأطلقت السلطات العسكرية أول من أمس سراح أربعة من الوزراء المعتقلين، بيد أن العدد الأكبر من الوزراء والسياسيين لا يزالون يقبعون في الحبس، بل تزايد استهداف القادة المجتمعيين وقادة الشباب ولجان المقاومة، ولم ينفذ البرهان وعده للوسطاء الدوليين والإقليميين بإطلاق سراح بقية المسؤولين المعتقلين، ولم يحدد موعداً لإطلاق سراحهم.
ورغم أن القائد العام للجيش وعد في بيان الانقلاب بتسمية مجلس القضاء والنائب العام، وتعيين رئيس قضاء ونائب عام في غضون يومين، كما وعد أيضاً بإكمال هياكل الحكم الانتقالي بما في ذلك تشكيل مجلسي السيادة والوزراء في أقرب وقت، ظلت الأوضاع على ما هي عليه منذ صبيحة الانقلاب في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، أي قبل نحو أسبوعين من دون حكومة ولا سلطة دستورية.
ومع غياب المؤسسات واصل البرهان عمليات إعفاء المسؤولين في الخدمة المدنية في الوزارات والبنوك والمشاريع والمؤسسات الحكومية، وكان آخرهم إعفاء مديرة جامعة الخرطوم، البروفسور فدوى علي طه، وتعيين بدلاء لهم من مؤيدي وأنصار نظام الرئيس المعزول عمر البشير الإسلامي الذي أسقط بثورة شعبية في أبريل (نيسان) 2019، ويقبع الآن مع كبار مساعديه في سجن «كوبر» المركزي.
ويرجح نشطاء ومحللون أن السلطات العسكرية لم تتوافق بعد على من تريد اختيارهم لمجلس السيادة ورئاسة مجلس الوزراء، بعد أن وصل التفاوض مع رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى طريق مسدود، لأن حمدوك لا يزال يتمسك بشرعيته وبالوثيقة الدستورية ويرفض التفاوض قبل إعادة الأوضاع لما كانت عليه قبل 25 أكتوبر الماضي.



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.