تونس: الحكومة و«اتحاد الشغل» لمناقشة ملفات سياسية واجتماعية

التكتل النقابي تحوّل إلى لاعب سياسي مهم في ظل غياب الأحزاب

رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال لقاء مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن في قصر قرطاج (إ.ب.أ)
رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال لقاء مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن في قصر قرطاج (إ.ب.أ)
TT

تونس: الحكومة و«اتحاد الشغل» لمناقشة ملفات سياسية واجتماعية

رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال لقاء مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن في قصر قرطاج (إ.ب.أ)
رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال لقاء مع رئيسة الحكومة نجلاء بودن في قصر قرطاج (إ.ب.أ)

يستعد اتحاد الشغل (نقابة العمال) لعقد لقاء يشارك فيه أعضاء من الحكومة، بقيادة نجلاء بودن رئيسة الحكومة، وقيادات نقابية من المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل برئاسة نور الدين الطبوبي.
ويسعى كل طرف منهما إلى «فرملة» الآخر ضمن حسابات سياسية معقدة؛ فأعضاء الحكومة ورجال الأعمال يصرحون بأن الوضع المالي والاقتصادي لا يسمح بزيادات في الأجور، ومن غير المعقول أن يطالب «اتحاد الشغل» بعقد جولة جديدة من المفاوضات، في حين ترى القيادات النقابية عكس ذلك من خلال تركيزها على تدهور القدرة الشرائية للمواطنين وغلاء المعيشة وتدهور قيمة الدينار التونسي، وهي تجمع في ذلك بين الاجتماعي والسياسي من خلال دعوتها أيضاً لإنهاء التدابير الاستثنائية التي أقرها الرئيس قيس سعيّد وتوضيح الرؤية المستقبلية.
ومن المنتظر أن يتناول اللقاء ملفات شائكة عدة، على غرار فتح أبواب التفاوض بين الطرفين، وبحث أوضاع الفئات الاجتماعية المهمشة، وهو بذلك سيوضح طبيعة العلاقة التي ستربط بين الطرفين، خاصة مع وجود كثير من الملفات العالقة، على رأسها الاتفاقيات التي تنتظر التفعيل الحكومي، والاتفاقيات في القطاع العام، والانطلاق الفعلي في إصلاح المؤسسات العمومية وإنقاذها من الصعوبات التي تعاني منها.
ووفق مصادر نقابية تونسية، ينتظر كذلك خلال اللقاء، فتح ملف القدرة الشرائية للأجراء، خاصة مع وجود اتفاق بين الحكومة السابقة التي كان يرأسها هشام المشيشي وقيادة «اتحاد الشغل» على فتح مفاوضات اجتماعية لسنوات 2021 و2022 و2023، وهو ما يجعل هذا اللقاء مهماً لأنه سيرسم العلاقة المستقبلية للاتحاد مع الحكومة.
وكان «اتحاد الشغل» قد سعى إلى تجاوز حالة الخلاف الحاد مع اتحاد رجال الأعمال، وذلك إثر لقاء جمع نور الدين الطبوبي مع سمير ماجول (رئيس اتحاد رجال الأعمال)، ويعود الخلاف إلى رفض أصحاب المؤسسات فتح جولة جديدة من المفاوضات الاجتماعية التي عادة ما تفضي إلى زيادات في الأجور.
ويعقد «اتحاد الشغل» اجتماعاً إدارياً يوم الأربعاء المقبل تحضيراً لهذا اللقاء، حيث سيستعرض الملفات العالقة، ويتناول طريقة التفاوض مع رئيسة الحكومة التي يدرك جيداً، وفق عدد من المحللين السياسيين، أن القرار سيعود في نهاية المطاف إلى رئيس الجمهورية.
ويرى مراقبون أن «اتحاد الشغل» بقي الطرف الوحيد الذي يتحاور مع رئاسة الجمهورية بطريقة غير مباشرة، من خلال إعلان عن استعداده للحوار الوطني الذي سيشرف عليه الرئيس سعيّد. وتدرك رئاسة الجمهورية حجم «اتحاد الشغل» ووزنه الاجتماعي الذي تحول إلى وزن سياسي، في ظل تغييب الأحزاب السياسية والسعي لإبطال وساطة المنظمات النقابية والاجتماعية.
وكان «اتحاد الشغل» قد حذر بمناسبة مرور مائة يوم على اتخاذ تدابير 25 يوليو (تموز) الاستثنائية، من الضبابية السياسية وعدم وضوع الرؤية، وطالب بإشراك المنظمات الوطنية في الحوار الوطني المزمع تنظيمه. ومن مدينة سوسة أين تم تنظيم هيئة إدارية للاتحاد الجهوي للشغل بمدينة سوسة (وسط شرق)، أوضح قاسم الزمني رئيس الاتحاد الجهوي أن نقابة العمال تمثل «صمام أمان» لاستقرار تونس، مؤكداً أن القيادات النقابية قدمت حلولاً وعرضت برنامجاً اقتصادياً واجتماعياً في كل مراحل بناء البلاد وحصلت سنة 2015 على جائزة نوبل للسلام نتيجة إنجاحها تجربة الحوار الوطني وإخراج تونس من أزمتها السياسية الخانقة.
وأكد الزمني أن رؤية الرئيس التونسي حول حوار الشباب والتنسيقيات لا يقبل بها «اتحاد الشغل» الذي يدعو إلى إشراك المنظمات الوطنية والابتعاد عن الخطاب الشعبوي، على حد تعبيره.
في غضون ذلك، قررت نادية عكاشة الوزيرة مديرة الديوان الرئاسي تعيين العقيد وحيد القاطري بمهام رئيس مصلحة إدارة مركزية برئاسة الجمهورية، كما عينت الرائد علي شكرية بمهام رئيس مصلحة إدارة مركزية بمؤسسة الرئاسة، وهي المرة الأولى التي يقع فيها الإعلان عن قرار تتخذه نادية عكاشة، الشخصية السياسية القوية التي تحظى بثقة الرئيس سعيّد.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».