متمردو تيغراي: أديس أبابا ليست هدفاً ولن يكون هناك «حمام دم»

عشرات آلاف الإثيوبيين يشاركون بتجمع مؤيد للجيش الإثيوبي في العاصمة

أنصار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
أنصار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
TT

متمردو تيغراي: أديس أبابا ليست هدفاً ولن يكون هناك «حمام دم»

أنصار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)
أنصار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أديس أبابا (رويترز)

صرح متمردو إقليم تيغراي الإثيوبي لوكالة الصحافة الفرنسية، بأن التخوف من «حمام دم» في أديس أبابا في حال دخلوا أديس أبابا لإسقاط الحكومة، أمر «سخيف» و«لا يتمتع بالصدقية»، مؤكدين أن هدفهم ليس السيطرة على العاصمة، بل التأكد من أن آبي أحمد «لا يشكل تهديداً لشعبنا».
ودعت دول عدة رعاياها إلى مغادرة إثيوبيا في وقت يشهد فيه النزاع بين المتمردين والقوات الحكومية في شمال البلاد تصعيداً. وأمرت الحكومة الأميركية السبت، دبلوماسييها غير الأساسيين بمغادرة إثيوبيا.
وبعدما أعلنوا في نهاية الأسبوع الماضي استعادتهم مدينتَي ديسي وكومبولشا، لم يستبعد مقاتلو جبهة تحرير شعب تيغراي وحلفاؤهم من جيش تحرير أورومو الزحف نحو أديس أبابا.
من جهتها، تنفي الحكومة أي تقدّم للمتمردين أو تهديد للعاصمة. إلا أنها أعلنت حال الطوارئ وطلبت سلطات أديس أبابا من السكان تنظيم أنفسهم للدفاع عن المدينة.
وقال المتحدث باسم جبهة تحرير شعب تيغراي غيتاشيو رضا، إن «أديس بوتقة يعيش فيها ناس من كل الاهتمامات، والقول إن أديس ستتحوّل إلى حمام دمّ إذا دخلناها أمر سخيف جداً. لا أعتقد أن هذه الفرضية (...) تتمتع بالصدقية». وأضاف أن «القول إن سكان أديس (أبابا) يعارضوننا بشدة، مبالغ فيه».
وأكد رضا أن السيطرة على العاصمة ليست «هدفاً». وقال: «لسنا مهتمّين بشكل خاص بأديس أبابا، بل نريد التأكد من أن آبي لا يشكل تهديداً لشعبنا». وأشار إلى أنه في حال لم يرحل رئيس الوزراء، فالمتمرّدون سيسيطرون «بالطبع» على المدينة، مؤكداً أن جبهة تحرير شعب تيغراي لا ترغب في استعادة السلطة، هي التي كانت تحكم على مدى 27 عاماً حتى عام 2018. وقال: «يمكنني أن أؤكد لكم أن ذلك لا يهمّنا»، مضيفاً: «نريد ببساطة أن نتأكد من أن صوت شعبنا مسموع، ومن أنه يمارس حقّه في تقرير مصيره خصوصاً عبر تنظيم استفتاء لتقرير ما إذا كان يريد أن يبقى في إثيوبيا أو أن يصبح مستقلاً». وأوضح أن المتمردين يتقدّمون نحو الجنوب و«يقتربون من أتاي» التي تبعد 270 كلم شمال العاصمة، وكذلك نحو الشرق باتجاه ميل الواقعة على الطريق المؤدية إلى جيبوتي الأساسي لإمدادات أديس أبابا.
في المقابل، تعهد عشرات الآلاف من الإثيوبيين الأحد بالدفاع عن العاصمة أديس أبابا خلال تجمع مؤيد للجيش، مؤكدين رفضهم للجهود الدبلوماسية لإنهاء النزاع المستمر منذ عام.
وجاءت هذه التظاهرة في وسط اديس أبابا في مسعى لحشد الدعم الشعبي في النزاع ضد جبهة تحرير شعب تيغراي وحلفائها.
وحمل المشاركون لافتات تنتقد وسائل الاعلام الغربية لبثها «أخبار كاذبة» والمبالغة في المكاسب التي حققها المتمردون.
وحثت لافتات أخرى الولايات المتحدة على «التوقف عن مص دمائنا».
وهيمنت جبهة تحرير شعب تيغراي على الأجهزة السياسية والأمنية في إثيوبيا لنحو ثلاثين عاماً، بعدما سيطرت على أديس أبابا وأطاحت النظام العسكري الماركسي المتمثل بـ«المجلس العسكري الإداري المؤقت» في 1991.
وأزاح آبي أحمد الذي عُيّن رئيساً للوزراء في 2018، الجبهة من الحكم فتراجعت هذه الأخيرة إلى معقلها تيغراي. بعد خلافات استمرّت أشهراً، أرسل آبي أحمد الجيش إلى تيغراي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 لطرد السلطات الإقليمية المنبثقة عن جبهة تحرير شعب تيغراي التي اتّهمها بمهاجمة قواعد عسكرية.
وأعلن انتصاره في 28 نوفمبر (شباط). لكن في يونيو (حزيران)، استعاد مقاتلو الجبهة معظم مناطق تيغراي وواصلوا هجومهم في منطقتي عفر وأمهرة المجاورتين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟