كينيا تعلن الحداد وتتوعد بـ«رد شديد» على منفذي هجوم الجامعة

المهاجمون أوقفوا ضحاياهم في صف واحد ثم أعدموهم.. وبعدها قالوا ستكون عطلة فصح جيدة

رجل ينظر أمس عبر نافذة إلى مشرحة يعتقد أن فيها جثث بعض منفذي الهجوم على الجامعة في مدينة غاريسا الكينية (رويترز)
رجل ينظر أمس عبر نافذة إلى مشرحة يعتقد أن فيها جثث بعض منفذي الهجوم على الجامعة في مدينة غاريسا الكينية (رويترز)
TT

كينيا تعلن الحداد وتتوعد بـ«رد شديد» على منفذي هجوم الجامعة

رجل ينظر أمس عبر نافذة إلى مشرحة يعتقد أن فيها جثث بعض منفذي الهجوم على الجامعة في مدينة غاريسا الكينية (رويترز)
رجل ينظر أمس عبر نافذة إلى مشرحة يعتقد أن فيها جثث بعض منفذي الهجوم على الجامعة في مدينة غاريسا الكينية (رويترز)

تعهد الرئيس الكيني أوهورو كيناتا مساء أمس بالرد «بأكبر قدر من الشدة» على الهجوم الذي شنته حركة الشباب الصومالية المتشددة على جامعة غاريسا وسقط ضحيته 148 شخصا، وذلك بعيد توعد جديد أطلقه المتشددون أنفسهم.
وقال كيناتا في كلمة متلفزة من مقر الرئاسة إن «حكومتي سترد بأكبر قدر من الشدة على الهجوم وأي هجوم آخر يستهدفنا. لم نرضخ أبدا ولن نرضخ وسنواصل بناء أمة مزدهرة وآمنة». وإذ أعلن الحداد الوطني لثلاثة أيام على ضحايا المجزرة، اعتبر كيناتا أن «التصدي للإرهاب بات صعبا للغاية لأن من يخططون ويمولون مزروعون داخل مجتمعاتنا وكانوا يعتبرون أناسا عاديين وغير عدائيين».
ويعد الهجوم الذي استهدف جامعة غاريسا الأكثر دموية في كينيا منذ الاعتداء على السفارة الأميركية في نيروبي عام 1998 والذي خلف 231 قتيلا. وجاء موقف كيناتا إثر تهديد جديد وجهته «حركة الشباب» الصومالية بـ«حرب طويلة مرعبة» و«حمام دم جديد» ما دامت كينيا لم تسحب قواتها من الصومال.
وقالت الحركة أمس في بيان باللغة الإنجليزية «إن شاء الله لا شيء سيوقف ثأرنا للقتلى من إخوتنا المسلمين إلى أن توقف حكومتكم قمعها وأن تتحرر كل أراضي المسلمين من الاحتلال الكيني. وحتى يتحقق ذلك، ستسيل الدماء في المدن الكينية وستكون حربا طويلة ومرعبة ستكونون أنتم، سكان كينيا، أولى ضحاياها».
وكانت كينيا أعلنت في وقت سابق أمس اعتقال 5 أشخاص في إطار التحقيق في المجزرة. وواصل المحققون الجنائيون تمشيط موقع المجزرة بحثا عن الأدلة وحيث وجدت القوات الأمنية طالبة مختبئة منذ يومين في خزانة ملابس. وقال متحدث باسم الصليب الأحمر الكيني إن طالبة في الـ19 من العمر وجدت في حالة صدمة ولكنها جسديا بخير ويراقب الأطباء حالتها.
وكان الهجوم الذي استهدف جامعة غاريسا، القريبة من الحدود مع الصومال، الخميس الماضي، أسفر عن مقتل 148 شخصا، بينهم 142 طالبا و3 شرطيين و3 جنود. واستقل نحو 600 طالب من الجامعة أمس حافلات متوجهة إلى نيروبي. ويعد الهجوم الذي استمر يوما كاملا، الأكثر دموية في كينيا منذ تفجيرات السفارة الأميركية عام 1998 في نيروبي، وهو أيضا الأكثر دموية بين هجمات حركة الشباب.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية الكينية مويندا نجوكا أمس إنه «تم اعتقال 5 أشخاص وإن التحقيقات بدأت معهم»، مشيرا إلى أن المسلحين الأربعة الذين شنوا الهجوم قتلوا الخميس بعد انتهاء العملية العسكرية. وأوضح أن الموقوفين هم 3 منسقين للهجوم اعتقلوا أثناء محاولتهم الفرار إلى الصومال، بينما الآخران اعتقلا في حرم جامعة غاريسا.
ولم يتم كشف أسماء المشتبه بهم، ولكن بحسب نجوكا فإن اللذين اعتقلا في الجامعة هما حارس أمني وشاب تنزاني وجد مختبئا. وقال نجوكا إن «التنزاني يدعى رشيد تشارلز مبيريسرو، وكان يختبئ على سقف الجامعة وبحوزته قنابل. أما الرجل الثاني فهو حارس أمني في الكلية سهل عمل المهاجمين، واسمه عثمان علي دغان وهو كيني من أصول صومالية». وشوهدت سيارات تابعة للسفارة الأميركية تدخل مبنى الجامعة. وقد ساعد مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف. بي. آي) الشرطة الكينية في التحقيقات الجنائية في هجمات سابقة. وأوضح نجوكا أن «الخبراء الجنائيين والمحققين مستمرون في عملهم». ورصدت الشرطة الكينية مكافأة مالية كبيرة مقابل معلومات توصل إلى محمد محمود، الأستاذ السابق الذي تحول إلى التشدد والمتهم بالتخطيط للهجوم.
واقتحم المهاجمون وهم يرمون القنابل ويطلقون النار من أسلحتهم الرشاشة مبنى الجامعة مساء الخميس فيما كان الطلاب نياما، وقتلوا العشرات قبل أن يعمدوا إلى إطلاق سراح المسلمين ويبقوا المسيحيين وآخرين. وسرعان ما دخلت القوات الكينية مهجع الجامعة فيما يبدو محاولة لعدم تكرار ما حصل في هجوم مجمع «ويست غايت» التجاري في نيروبي في سبتمبر (أيلول) 2013 والذي طالت فترة حصاره.
وروى ناجون من هجوم الخميس كيف دعا المسلحون الطلاب للخروج من غرفهم والتمدد على الأرض ثم قتلوهم. وأظهرت صورة لوكالة الصحافة الفرنسية جثث نحو 50 طالبا على الأرض يبدو أنهم قتلوا في المكان الذي استلقوا فيه على الأرض. وقال سالياس أوموزا (20 عاما) أحد الناجين إن المهاجمين أيقظوا الطلاب بالسلاح الخميس وفصلوا المسلمين عن غير المسلمين تبعا لملابسهم ثم بدأوا يتهكمون قبل أن يقتلوا ضحاياهم بدم بارد. وأضاف أوموزا وقد بدا في حالة صدمة في معسكر للجيش قريب من الجامعة تم نقله إليه أن المهاجمين يهتفون باللغة السواحلية «نحن لا نهاب الموت ستكون عطلة فصح جيدة لنا». ويروي الشاب أنه نجح في الفرار بعدما رأى اثنين من أصدقائه يقتلون. وكان المهاجمون المرتبطون بتنظيم القاعدة ملثمين ويرتدون بزات عسكرية. بدوره، قال الممرض ريوبين نياورا الذي يعمل لدى منظمة «إنترناشيونال ريسكيو كوميتي» للإغاثة بأسف «شهدت الكثير من الحوادث لكن لا شيء يشبه هذا. كانت هناك جثث في كل مكان، أشخاص أعدموا بعد وقوفهم صفا واحدا، رأينا أشخاصا فجرت رؤوسهم وأجسامهم مثقوبة بالرصاص وكل هذا وسط حالة من الفوضى المرعبة».
من جهة أخرى، اتصل الرئيس الأميركي باراك أوباما مساء أول من أمس بنظيره الكيني أوهورو كيناتا ليؤكد له دعم الولايات المتحدة لكينيا في مواجهة «آفة الإرهاب». وقال أوباما في بيان «لا يمكن للكلمات أن تدين بشكل كاف الفظائع الإرهابية التي ارتكبت في جامعة غاريسا حيث ذبح رجال ونساء أبرياء بوحشية». وتابع «أعرف الصلابة الهائلة التي يتمتع بها الشعب الكيني»، مضيفا «أعرف أن ما من شيء يمكن أن ينال من عزم سكان غاريسا وسائر كينيا على تحقيق مستقبل أفضل وأكثر أمنا».



انحسار نفوذ فرنسا السياسي في أفريقيا مع إغلاق قواعدها العسكرية

الرئيسان الجيبوتي والفرنسي يتفقدان القوات لدى زيارة الأخير بمناسبة أعياد الميلاد، في 21 ديسمبر (أ.ف.ب)
الرئيسان الجيبوتي والفرنسي يتفقدان القوات لدى زيارة الأخير بمناسبة أعياد الميلاد، في 21 ديسمبر (أ.ف.ب)
TT

انحسار نفوذ فرنسا السياسي في أفريقيا مع إغلاق قواعدها العسكرية

الرئيسان الجيبوتي والفرنسي يتفقدان القوات لدى زيارة الأخير بمناسبة أعياد الميلاد، في 21 ديسمبر (أ.ف.ب)
الرئيسان الجيبوتي والفرنسي يتفقدان القوات لدى زيارة الأخير بمناسبة أعياد الميلاد، في 21 ديسمبر (أ.ف.ب)

يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كان وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، في زيارة رسمية إلى تشاد. وما كاد يصعد لطائرته في طريق العودة إلى باريس حتى أعلنت السلطات التشادية، رسمياً، وضع حد لاتفاقيات الدفاع التي تربطها بفرنسا منذ عقود. جاء القرار التشادي مفاجئاً لباريس التي تربطها علاقات وثيقة بنجامينا، لا، بل إن الرئيس إيمانويل ماكرون كان الوحيد من الزعماء الغربيين الذي حضر مأتم الرئيس التشادي إدريس ديبي، ربيع عام 2021. وكان الأخير قد لقي حتفه أثناء المعارك مع متمردين شمال البلاد.

كذلك، فإن فرنسا قد غضَّت الطرف عن الطريقة التي ورث فيها محمد أدريس ديبي أنتو، ابن الرئيس المتوفَّى، السلطة عن أبيه، التي كانت بعيدة كل البعد عن الأصول الديمقراطية التي تُروّج لها باريس في أفريقيا. وخلال السنوات الثلاث المنقضية، واصلت فرنسا توفير دعمها لديبي؛ حيث استقبله ماكرون في قصر الإليزيه، في شهر يوليو (تموز) من العام نفسه، بوصفه رئيس «المجلس العسكري الانتقالي».

صور نشرها الجيش الفرنسي خلال مناورات في تشاد مطلع 2024

وفي العام الماضي وحده، قام الرئيس ديبي الابن بثلاث زيارات لفرنسا، وكانت آخر زيارة له لباريس في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وبالنظر لهذه العلاقات الوثيقة، فإن قرار نجامينا المفاجئ بوضع حد لتعاونها العسكري مع باريس جاء بمثابة الصدمة لفرنسا. ولاكتمالها، فإن السلطات التشادية أبلغت باريس رسمياً، في العشرين من الشهر الحالي، أنها تريد أن يتم رحيل القوات الفرنسية المرابطة على أراضيها قبل 31 يناير (كانون الثاني)، بحيث أمهلتها أقل من ستة أسابيع يتعين خلالها على باريس أن تسحب كامل قواتها مع أسلحتها وعتادها. ويبلغ عدد القوة الفرنسية المرابطة في تشاد 1500 رجل، يُضاف إليهم القاعدة العسكرية الجوية التي تضم طائرات «ميراج 2000» القائمة بجانب المطار الدولي المدني في نجامينا.

خسارة تشاد

الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي لدى وصوله إلى مطار بكين الدولي بداية سبتمبر قبيل «منتدى التعاون الصيني الأفريقي» (أ.ف.ب)

المزعج بالنسبة لفرنسا أن خسارة التشاد تعني أن باريس فقدت آخر موطئ قدم عسكري لها في منطقة الساحل الأفريقي. فمن عام 2021 وحتى 2023، تتابعت الانقلابات العسكرية في بلدان الساحل؛ في مالي أولاً، ثم تبعتها بوركينا فاسو، وأخيراً النيجر. وكانت النتيجة أن باريس اضطرّت إلى سحب قواتها تباعاً من البلدان الثلاثة، وإلى وضع حد لعملية «برخان» التي انطلقت في عام 2014 لمحاربة المجموعات الإرهابية في منطقة الساحل، بحيث تحولت تشاد إلى «ملجأ» أخير للقوات الفرنسية.

ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد؛ إذ انهارت العلاقات السياسية والدبلوماسية الفرنسية مع باماكو وواغادوغو ونيامي، وهي عواصم بلدان كانت مستعمرات فرنسية سابقة، وكان نفوذ باريس فيها عاملاً حاسماً.

جنود فرنسيون يودعون أقرانهم التشاديين خلال مغادرة المقاتلات الفرنسية (الجيش الفرنسي)

من هذا المنظور، يمكن تقدير أهمية الخسارة التي تلحق بفرنسا بسبب قرار نجامينا خروج قواتها من البلاد. لكنّ ثمة فارقاً تنبغي الإشارة إليه، وهو أن السلطات التشادية لا تريد قطع العلاقات مع الدولة المستعمرة السابقة، بل تعديلها وترغب في تنويعها والانفتاح على شركاء جدد، مثل روسيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة. وفي أي حال، فإن ذلك يُعدّ خسارة للنفوذ الفرنسي المتراجع منذ سنوات في القارة السوداء، خصوصاً في الدول الفرنكفونية وسط وغرب أفريقيا.

السنغال تخرج من العباءة الفرنسية

في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، استقبل الرئيس السنغالي بشيرو ديوماي فاي مجموعة من الصحافيين الفرنسيين في دكار، عاصمة البلاد. وكم كانت دهشة هؤلاء عندما أعلن أن بلاده «لن يكون فيها قريباً جداً أي جندي فرنسي»، مؤكداً أن السنغال «بلد مستقل، ودولة ذات سيادة، والسيادة لا تسمح بوجود قواعد عسكرية أجنبية».

رئيس الوزراء السنغالي عثمان سونكو ينتظر لإلقاء خطابه أمام الجمعية الوطنية الجمعة (أ.ف.ب)

بيد أن ما قاله لم يكن، حقيقة، مفاجئاً؛ إذ إن الحزب اليساري الذي ينتمي إليه (حزب «الوطنيين من أجل العمل والأخوة»)، الذي حمله إلى السلطة في الانتخابات الأخيرة، دعا دوماً إلى خروج القوات الأجنبية من السنغال واستعادة السلطات لسيادتها على كامل الأراضي السنغالية. ومساء الجمعة، أفاد رئيس الوزراء عثمان سونكو بأن رئيس الجمهورية «قرَّر إغلاق جميع القواعد العسكرية الأجنبية في المستقبل القريب». جاء ذلك في إطار بيان حكومته حول السياسة العامة أمام الجمعية الوطنية، ولكن من غير إعطاء أي تفاصيل.

صورة أرشيفية لجنود في قاعدة جوية فرنسية بدكار في 2009 (أ.ب)

في أي حال، فإن وصول الثنائي بشيرو ديوماي فاي وعثمان سونكو إلى السلطة، بعد أن كانا سجينين في عهد الرئيس السابق ماكي سال، المقرب كثيراً من فرنسا، شكّل بحد ذاته قطيعة مع السياسة التقليدية السنغالية إزاء باريس التي تواصلت منذ استقلال البلاد.

واعتبر النائب الفرنسي أورليان سانتول، عن حزب «فرنسا المتمردة» اليساري المتشدد، أن ما حصل مع السنغال يُعدّ بمثابة «عقاب لفرنسا بسبب سياستها المتلوّنة، التي لا تحترم المبادئ التي تدافع عنها». أما عضوة مجلس الشيوخ هيلين كونواي - موريه، فقد رأت أن رسالة السنغال للسلطات في باريس تقول: «نريد الاستمرار في التعامل معكم، ولكن ليس وفق الطرق القديمة الإملائية، حيث كان يقال لنا كيف يتعين أن نتصرف».

تقلص نفوذ باريس

مع خسارة تشاد والسنغال، ينحسر الوجود العسكري الفرنسي بشكل حاد في أفريقيا الغربية؛ إذ لن يبقى لباريس سوى حضور ضعيف في بلدين أفريقيين، هما ساحل العاج (600 عنصر) والغابون (350 عسكرياً). بالمقابل، فإن فرنسا ستحافظ على قاعدتها الرئيسية القائمة في جيبوتي، وهي جوية وبحرية في آن واحد، وتضمّ ما لا يقلّ عن 1500 رجل.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الجيبوتي إسماعيل عمر جيلة 21 ديسمبر (أ.ف.ب)

وبالنظر لموقع جيبوتي الاستراتيجي على مدخل البحر الأحمر، المطلّة على المحيط الهندي، الواقعة في قلب شرق أفريقيا، فإن القاعدة التي تستأجرها فرنسا منذ سنوات تُعدّ المنطلق لأي عمل عسكري فرنسي في هذه المنطقة وأبعد منها. وتم تجديد الاتفاقية في شهر يوليو (تموز) الماضي، بمناسبة الزيارة التي قام بها رئيس جيبوتي، إسماعيل عمر جيلة، إلى باريس. وينظر إلى القاعدة الفرنسية على أنها «بوليصة تأمين على الحياة» لنظام الأخير، ولبقائه على رأس البلاد المتواصل، دون انقطاع، منذ 24 عاماً. إلا أن جيبوتي تحتضن أيضاً قواعد عسكرية أخرى: أميركية، وصينية، ويابانية، وإيطالية.

بدأ رحيل القوات الفرنسية عن تشاد فعلياً، فغادرتها طائرات «ميراج 2000» المقاتلة، كما عمدت القيادة الفرنسية إلى إغلاق قاعدة «فايا لارجو» القائمة شمال البلاد، وسلّمتها للسلطات التشادية.

طائرة «ميراج» فرنسية وهي تغادر قاعدة «غوسي» التشادية (الجيش الفرنسي)

وتسعى فرنسا لإنجاز الانسحاب دون تأخير، ويبدو أنها حصلت على وقت إضافي من نجامينا. وبرحيلها تكون باريس قد فقدت محوراً أساسياً للانتشار الفرنسي في أفريقيا. وليس سرّاً أن الحضور العسكري كان يعكس نفوذ فرنسا في الدول المعنية، وأبعد منها، إلى درجة أنه كان ينظر إليها على أنها «شرطي أفريقيا» الفرنكفونية.

وبعكس بريطانيا التي خرجت من أفريقيا ولم تُبقِ لها حضوراً عسكرياً، فإن السلطات الفرنسية كانت حريصة على ديمومة حضورها العسكري والمادي. ومنذ وصوله إلى الرئاسة، حاول ماكرون تغيير فلسفة الانتشار العسكري في القارة السمراء. ورغم الوقت الطويل الذي حظي به (سبع سنوات حتى اليوم)، فإنه أخفق. ومصير القواعد التي تُغلَق الواحدة تلو الأخرى أبرز دليل على هذا الفشل. واليوم، استعرت المنافسة على أفريقيا مع الصين وروسيا وتركيا وإسرائيل، فضلاً عن الولايات المتحدة ودول أوروبية، بحيث تحولت أفريقيا إلى ميدان للتصارع على الأسواق والمواد الأولية والاقتصاد، ناهيك من النفوذ السياسي والعسكري.