مجلس الأمن يدعو إلى «إنهاء القتال» في إثيوبيا

المتمردون على بعد 400 كيلومتر عن العاصمة أديس أبابا

TT

مجلس الأمن يدعو إلى «إنهاء القتال» في إثيوبيا

دعا مجلس الأمن إلى «إنهاء القتال» في إثيوبيا والشروع في محادثات للتوصل إلى «وقف دائم لإطلاق النار». وإذ عبر عن «قلقه العميق» من تصاعد الاشتباكات المسلحة، طالب أطراف النزاع بـ«الامتناع عن خطاب الكراهية التحريضي وعن التحريض على العنف والانقسام». وعقد مجلس الأمن جلسة مشاورات طارئة عصر أمس الجمعة استمع خلالها إلى إحاطة من مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لأفريقيا مارثا بوبي.
وعقدت هذه الجلسة بطلب من المكسيك وآيرلندا وكينيا والنيجر وتونس وسانت فنسنت وجزر غرينادين. وأرجأ المجلس عقد جلسة علنية حول هذا الملف إلى الأسبوع المقبل.
لكن حالة من الغموض والخوف تسيطر على الحياة اليومية في العاصمة الإثيوبية، والكثيرون يفرون من العنف في إقليم أمهرة المتاخمة لها. فبعد مرور عام واحد وصلت الحرب، التي بدأت في إقليم تيغراي بشمال البلاد، إلى قلب ثاني أكبر دولة في
أفريقيا، من عدد السكان. ومثل كثيرين آخرين، استقبل موظف محلي في مؤسسة «فريدريش إيبرت» الألمانية، على سبيل المثال، خمسة أفراد من عائلة واحدة بعد أن فروا من القتال العنيف في مدينة ديسي، إلى العاصمة. كما لجأ آخرون من مناطق تشهد
معارك حاليا في تيغراي وعفر وأوروميا إلى أديس أبابا. ولكن بعد 12 شهرا من الصراع في إثيوبيا، صارت ظهور الناس في العاصمة إلى الحائط، من الناحية الاقتصادية، حسبما قال ميشائيل تروستر، مدير مؤسسة «فريدريش إيبرت» في إثيوبيا، كما نقلت عنه الوكالة الألمانية. ونظرا للتضخم المتسارع، فإن السلع اليومية بالكاد تكون في متناول كثير من الناس. وحتى في السابق، لم يكن من السهل على الأسرة تدبير احتياجاتها الأساسية بهذا الدخل. ولا يزال يأمل بعض الناس في انتصار الجيش على متمردي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. لكن الجيش في وضع دفاعي، وتحالف المتمردين، المكون من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي وجيش تحرير أورومو، يتقدم. وفي الشمال، يقف المتمردون على بعد أقل من 400 كيلومتر عن العاصمة التي يبلغ عدد سكانها خمسة ملايين نسمة، وفي الشرق يريدون قطع طريق الإمدادات الذي يصل المدينة بالميناء المهم في دولة جيبوتي المجاورة. ويتساءل الناس متى ستسقط العاصمة، خلال أيام، أم أسابيع، أم شهور؟ وماذا بعد؟ إنه انهيار مذهل لبلد لطالما كان دعامة للاستقرار في شرق أفريقيا. ومنذ عام 2011 بلغ متوسط النمو الاقتصادي السنوي للبلاد 9.4 في المائة، وتلا ذلك صعود رئيس الحكومة الحالي، آبي أحمد، الذي سعى إلى تعزيز التغيير الديمقراطي والاقتصادي في بلاده التي يبلغ تعداد سكانها 110 ملايين نسمة. وكان من المفترض أن يضمن آبي أحمد، وهو ابن لأم مسيحية، وأب مسلم ينحدر من عرقية الأورومو، التوازن السياسي بين الجماعات العرقية في البلاد. وبدأ الصراع في تيغراي في بداية نوفمبر (تشرين ثان) 2020 وكانت خلفية ذلك سنوات من التوتر بين الحكومة في أديس أبابا والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، التي هيمنت على مقاليد الأمور في البلاد لمدة 25 عاما حتى وصل آبي أحمد إلى السلطة عام 2018.
وقد أجرت الجبهة انتخابات غير قانونية في تيغراي وهاجمت قاعدة عسكرية بعد ذلك بوقت قصير. وشن رئيس الحكومة هجوما بدعم من إريتريا. لكن العديد من ضباط الجيش، رفيعي المستوى، انشقوا وانضموا إلى الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي. وكثفت الحكومة هجومها، ولكن دون أن تحقق نجاحا. ثم بدأت أديس أبابا، بحكم الأمر الواقع، فرض حصار على تيغراي. وقد أدى الصراع إلى أزمة إنسانية خطيرة في البلاد، حيث يعتمد ملايين الأشخاص الآن على المساعدات. وأصبح الإصلاحي المحتفي به دوليا، آبي أحمد، طرفا في الصراع وتعرض لانتقادات شديدة بسبب انتهاكات حقوقية. وأوقف المانحون الغربيون، وخاصة الولايات المتحدة، كثيرا من المساعدات لإثيوبيا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟