جوي فياض لـ «الشرق الأوسط»: الحقوا أحلامكم فهي ملاذكم

أغنية «مليت» في ألبومها الجديد تترجم صرخة الشباب اللبناني

مع فريقها الموسيقي الذي تعاونت معه في تنفيذ عملها الغنائي
مع فريقها الموسيقي الذي تعاونت معه في تنفيذ عملها الغنائي
TT

جوي فياض لـ «الشرق الأوسط»: الحقوا أحلامكم فهي ملاذكم

مع فريقها الموسيقي الذي تعاونت معه في تنفيذ عملها الغنائي
مع فريقها الموسيقي الذي تعاونت معه في تنفيذ عملها الغنائي

تلتقط المغنية جوي فياض آلة الغيتار وهي تؤدي أغانيها في حفل إطلاق ألبومها الجديد «أحلام الفرح» (reveries of joy)، وكأنه الحلم الذي لا تريد إفلاته. تعانق غيتارها وتعزف على أوتاره، تغمض عينيها وتطلق العنان لصوتها، فينصهر مع أوجاع الحرية التي مشت نحوها بثبات. جوي هي واحدة من الشباب اللبناني الذي انكسرت أحلامه. ضاعت في مغايب بلد تتوالى فيه الأزمات، ولكنها رفضت أن تغادره.
في ألبومها الجديد «أحلام الفرح»، تترجم جوي هواجسها، وتتناول في أغنية «مليت» بالعربية لبنان الجريح. فتحكي بعبارات قصيرة ومؤثرة ما يخالجها من مشاعر حزينة تجاه وطنها، وكسل أبنائه وإهمالهم له. هي التي تحمله في قلبها تتوجه إلى الشباب كي لا ييأس وتقول: «لا تفارق أحلامك... ولا تعدم بدموعك بلدك لبنان».
«يروي الألبوم حكايتي منذ صغري عندما حلمت بالوقوف على المسرح لأغني. ويتناول كل المراحل السلبية التي مررت بها في بلدي، ولكني لم أستسلم وبقيت ألحق بحلمي حتى النهاية». هكذا تصف جوي فياض أغاني ألبومها السبع التي تحث في مجملها الآخر على التسلح بالأمل والابتسامة. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «الموسيقى بالنسبة لي هي شغفي وفرحي، ولغة عالمية يفهمها الجميع من دون استثناء. ولولاها لما استطعت أن أتجاوز كل المشكلات التي واجهتني كغيري من الشباب اللبناني. كانت بمثابة خشبة الخلاص التي تعلقت بها كي أنجو من الوحول التي تحيط بي. رغبت في إيصال هذه الطاقة الإيجابية إلى شباب بلادي والعالم العربي. فهي نتاج تجارب خضتها وعلمتني أن الشغف والعمل من صميم القلب، يخولاننا أن نقضي على الطاقة السلبية التي يمارسها علينا الآخرون».
«وإن بقي حلم واحد عندك فما قيمة الحياة إن لم تحوله إلى حقيقة؟ هي واحدة من العبارات التي تستخدمها جوي في أغنية «دريمز» من ألبومها الجديد الذي تؤدي معظمه بالإنجليزية، لغة يتقنها شباب اليوم في جلساتهم وخلال تواصلهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ولكنها تمسكت في تلوين بعضها بلغتها الأم: «غنيت بالإنجليزية لأن معانيها تصل بسرعة لجيلي، ولكني لم أغيب لغتي الأم لأنها أيضاً تشكل العمود الفقري ليومياتي». ومع «أحلام» و«لو أقدر» و«mess with in» و«الثورة» و«الساعة تدق مرتين» و«أشعر أني بخير»، تكتمل حلقة الألبوم الغنائي الأول لجوي. رافقها فريق موسيقي كامل يتألف من أوليفر معلوف على الكمان، وريان فياض (شقيقها) على الباص، وفؤاد عفرة على الدرامز، وهي نفسها على الغيتار. وتعلق: «الموضوع الأساس الذي أردته في أغنياتي هو التفاؤل. فاللبنانيون يجهلون قدراتهم من أجل التغيير. وشبابنا يعيش الضياع لأنه مرات كثيرة يستسلم. فهو تربى على قاعدة أن هذا البلد لن يتغير. ولكني رفعت الصوت وصرخت كي أؤكد بأن العكس ممكن، فيما لو بذلنا الجهد. أنا أيضاً تألمت وانكسر قلبي وأحبطت بسبب سياسات اضطهادية تمارس علينا. ولكني انتفضت ولم أقبل بأن أدوس على أحلامي، وأن يتمكن الآخر من تحطيمي. كل ذلك رويته في أغاني ألبومي الأول، لأوصل رسالتي إلى الشباب». تتحدث جوي فياض عن حيثيات أغانيها التي كتبتها ولحنتها بنفسها وتعاون معها كامل فريقها الموسيقي في توزيعها موسيقياً. «لقد شكلوا عنصراً رئيسياً لإكمال طريقي الفني، وكذلك في ولادة ألبومي». تقول فياض التي يتذكر اللبنانيون حفلاتها الغنائية أثناء الجائحة. فهي وقفت أمام المستشفيات لمساندة المصابين في عدوى «كوفيد - 19» فغنت لهم ليشعروا بالأمل. ينبض الألبوم بالشباب انطلاقا منها وبفضل فريقها الموسيقي، حتى مخرج أغانيها المصورة رامي حنكش والمديرة التنفيذية ريتا نصر ينتميان إلى هذا العمر.
وتتابع في سياق حديثها: «في أغنية: أشعر أني بخير» توجهت لأبناء جيلي. قلت لهم خبئوا دموعكم، أوقفوا أحزانكم، وانظروا نحو الضوء، تفاءلوا وإن خسرتم، وسيروا في طريقكم غير آبهين لما يجري حولكم. في رأي، كل الآمال اليوم معقودة على جيلنا وعلى قدراتنا، فلا يجب أن نخيب توقعات أهالينا وبلدنا وعلينا الكفاح. لا شيء يولد من فراغ، فكيف ببناء الأوطان؟
من خلال الغناء والموسيقى تنسى جوي نفسها وهي على المسرح. «نعم أصرخ مرات كثيرة بأعلى صوتي لأن الموسيقى تجعلني شفافة. أخرج كل ما في داخلي إلى النور، وبالموسيقى أوصل كل أحاسيسي. هي وسيلة مقاومة من نوع آخر، ومعها نستطيع أن نوصل الرسالة من دون التسبب في أي أذية لمتلقيها». في أغنيتها «العبث بها» (mess with in) تسلط جوي الضوء على الطاقة السلبية التي يحاول كثيرون تزويدها بها. تشير فيها إلى وسائل الإعلام وإلى السياسيين والناس الذين نسوا الابتسامة، ويرغبون في أن تكون مثلهم. «كنت أكتب الأغاني وأنا أسترجع مراحل مختلفة من حياتي ومن وطني وناسه. رفضت أن تكون مجرد كلمات مغناة، بل أردتها محرك بحث عن أفق أزرق لا يشبه واقعنا. وفي أغنية «الثورة» (rebel) التي كتبتها منذ 10 سنوات، عدت وعشت معانيها في ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول). فقررت إنزالها في ألبومي الجديد، وأطالب فيها الآخر أن لا يسمح بأن تنكسر أجنحته، وأن يخرج من القفص المسجون فيه ليحلق عاليا نحو التغيير والحرية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».