حساسيات تاريخية وعرقية قد تؤخر سقوط أديس أبابا

إثيوبية تشارك في إحياء ذكرى مرور عام على حرب تيغراي في أديس أبابا الأربعاء (إ.ب.أ)
إثيوبية تشارك في إحياء ذكرى مرور عام على حرب تيغراي في أديس أبابا الأربعاء (إ.ب.أ)
TT

حساسيات تاريخية وعرقية قد تؤخر سقوط أديس أبابا

إثيوبية تشارك في إحياء ذكرى مرور عام على حرب تيغراي في أديس أبابا الأربعاء (إ.ب.أ)
إثيوبية تشارك في إحياء ذكرى مرور عام على حرب تيغراي في أديس أبابا الأربعاء (إ.ب.أ)

تقدمت قوات إقليم تيغراي في إثيوبيا مقتربة من العاصمة أديس ابابا وتهدد بالزحف إلى المدينة التي يقطنها خمسة ملايين نسمة. لكن الأمر قد يستغرق وقتاً طويلاً لإسدال الستار على الحرب المستمرة منذ عام.
وسيكون على القوات الموالية لـ«جبهة تحرير شعب تيغراي» أن تقاتل في مناطق تكن لها العداء في إقليم أمهرة المجاور من أجل بلوغ أديس أبابا، بحسب تحليل لوكالة «رويترز». كما قد تواجه أيضاً مقاومة من إثيوبيين آخرين يخشون أن يعود إلى السلطة حزب حكم البلاد بقبضة من حديد لقرابة 30 عاماً وسيطر على الحكومة المركزية قبل تولي أبي أحمد رئاستها في 2018.

تمرد في مسقط رأس أبي أحمد
وتعاني أوروميا، وهي المنطقة المحيطة بأديس أبابا، من الانقسامات. ولأبي أصول من جماعة أورومو العرقية، وساعدته أكبر الجماعات العرقية في البلاد في الوصول إلى منصبه بعد أعوام من الاحتجاجات المناهضة للحكومة. لكنه فقد بعض الدعم بعدما اعتقلت قوات الأمن الآلاف من الأورمو الذين اتهمه بعضهم بأنه لا يقدم ما يكفي لجماعتهم. كما احتجزت السلطات زعماء عدة من الأورومو في أعقاب أحداث شغب أودت بحياة المئات.
بعدها تحالفت «جبهة تحرير شعب تيغراي» مع «جيش تحرير أورومو» الذي يحارب الحكومة المركزية أيضاً. وهذا الأسبوع أعلنت الجماعتان أنهما سيطرتا على بلدات استراتيجية في أمهرة وتدرسان التقدم نحو أديس أبابا. كما أعلنتا، الجمعة، تحالفاً مع سبع جماعات متمردة أخرى أصغر حجماً.
وقالت المتحدثة باسم رئيس الوزراء بيلين سيوم إنه لا يمكن التعويل على هذا التحالف لتحقيق الديمقراطية. وكتبت في تغريدة على «تويتر»: «أتاح فتح المجال السياسي قبل ثلاثة أعوام فرصة كبيرة للمتنافسين لتسوية خلافاتهم عبر صندوق الانتخابات في يونيو 2021».

تهديدات حقيقية أم مناورة؟
وقال دبلوماسيون إقليميون، تحدثوا شريطة عدم الكشف عن أسمائهم، إن التهديدات بالزحف إلى أديس أبابا قد تكون مناورة لإجبار أبي أحمد على الدخول في مفاوضات أو التنحي. وقال المتحدث باسم «جبهة تحرير شعب تيغراي» جيتاشيو رضا الذي لم يرد على طلبات للتعليق، إنه يجب تشكيل حكومة مؤقتة ومحاكمة أبي.
واتهم مسؤولون إثيوبيون قوات تيغراي بالمبالغة في المكاسب التي حققتها على الأرض. ولم يرد متحدثون باسم الحكومة والجيش على اتصالات هاتفية تطلب التعليق على تهديدات الجماعتين.
ويمكن لقوات تيغراي بدلاً من ذلك محاولة زيادة الضغط على حكومة أبي عن طريق عزل البلد غير الساحلي عن الميناء البحري الرئيسي في المنطقة. ويمكنها أيضاً دخول العاصمة مع حلفائها من الأورومو أو خلفهم.
وقال المتحدث باسم «جيش تحرير أورومو» أودا طربي إن «العملية سيقودها جيش تحرير أورومو... هذه ببساطة أرضنا وبالتالي تقع تحت ولايتنا».

توترات عرقية
أزهق الصراع في الدولة التي كانت تعتبر في الماضي حليفاً مستقراً للغرب في منطقة تموج بالاضطرابات، أرواح آلاف الأشخاص ودفع نحو 400 ألف في تيغراي إلى شفا المجاعة وأرغم أكثر من 2.5 مليون على الفرار من ديارهم.
أرسل أبي قوات إلى تيغراي في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، متهماً الحزب الحاكم هناك «جبهة تحرير شعب تيغراي»، بشن هجمات مباغتة على القواعد العسكرية في المنطقة. وقالت الجبهة إنها تحركت لأن الجيش كان يستعد للهجوم بعد أن أجرت المنطقة انتخابات في سبتمبر (أيلول) 2020 في تحدٍ لأوامر الحكومة الاتحادية.
واحتشدت قوات من أمهرة، ثاني أكبر مناطق إثيوبيا من حيث عدد السكان، دعماً لحكومة أبي. وهناك نزاع حدودي طويل الأمد بين تيغراي وأمهرة. وسيطرت أمهرة على أراضٍ في غرب تيغراي. كما اندلع العنف على الحدود بين أوروميا وأمهرة.
وقال المحلل في «مجموعة الأزمات الدولية» وليام دافيسون، إنه قد يكون هناك رد فعل عنيف إذا استولت قوات تيغراي وأورومو على العاصمة. وأوضح: «قد تشن منطقة أمهرة تمرداً صريحاً إذا فرضت قوات تيغراي وجيش تحرير أورومو سيطرتهما على أديس أبابا. فسكان أمهرة ليسوا غاضبين فقط من جبهة تحرير شعب تيغراي وجيش تحرير أورومو فحسب، ولكن أيضا من القادة الاتحاديين لأنهم تركوا أمهرة مكشوفة من دون دفاع».

الطريق إلى العاصمة
وقد يكون طريق قوات تيغراي وأورومو إلى العاصمة التي تحتضن أيضاً مقر الاتحاد الأفريقي والعديد من البعثات الدولية مفروشاً بالدماء. فأديس أبابا كانت البؤرة الساخنة للمعارضة لحكم جبهة تيغراي منذ أن أشرف الحزب على حملة قمع أسفرت عن اعتقال 30 ألفاً في أعقاب انتخابات عام 2005.
ويقول تيفيري ميكونين، وهو عامل في محطة وقود يبلغ من العمر 30 عاماً: «لا أعتقد أن جبهة تحرير شعب تيغراي ستصل إلى أديس أبابا. لست خائفاً على الإطلاق... إذا أعطتني الحكومة سلاحاً وطلبت مني القتال، فسأفعل ذلك. لا أحد سيقبل عودتهم».
وقد يطلب أبي أيضاً المساعدة من إريتريا مرة أخرى. وكانت قوات إريتريا قد دخلت تيغراي العام الماضي لدعم الجنود الإثيوبيين قبل أن ينسحب معظمهم في يونيو (حزيران) بعد سيل من التقارير عن عمليات قتل جماعي لمدنيين وحوادث اغتصاب جماعي. وتنفي إريتريا ارتكاب انتهاكات.
وتتزايد الدعوات لوقف لإطلاق النار وإجراء محادثات من الشركاء الدوليين، ومن بينهم أوغندا وكينيا وهما دولتان لهما وزنهما في المنطقة، وكذلك من جهات مانحة مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التي علقت وصول الصادرات الإثيوبية المعفاة من الرسوم الجمركية هذا الأسبوع.
وحتى الآن لا توجد مؤشرات تذكر على أن أياً من الجانبين يريد إجراء محادثات. لكن بعض الأصوات الإثيوبية بدأت تنادي علناً بالسلام. ويلفت دافيسون إلى أن «سلطة أبي لم تُمس حتى الآن... لكن في ظل كل هذه الضغوط، من الممكن أن تنفتح أبواب الغضب على مصارعها».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟