الشعر احتجاج باللغة على العنف والموت وتعبير عن الرغبات المقموعة

«أنطولوجيا الشعر الأفغاني الحديث» في ترجمة لمريم العطار

الشعر احتجاج باللغة على العنف والموت وتعبير عن الرغبات المقموعة
TT

الشعر احتجاج باللغة على العنف والموت وتعبير عن الرغبات المقموعة

الشعر احتجاج باللغة على العنف والموت وتعبير عن الرغبات المقموعة

قلّ أن تعرض شعب من الشعوب لذلك القدر من الهول والحروب المتعاقبة والعنف الدموي الذي تعرض له الشعب الأفغاني، وبخاصة في العقود الخمسة الأخيرة. فمنذ الاجتياح العسكري السوفياتي لأفغانستان في أوائل ثمانينات القرن المنصرم، حتى الاجتياح الأميركي في مطالع الألفية الجديدة، وما تخللتهما من نزاعات أهلية دامية، لم يتح لسكان تلك البلاد المنكوبة أن ينعموا بالقليل من الهدوء، ولم يأخذ شلال دمهم النازف، بفعل التنابذ القومي والمذهبي والآيديولوجي، طريقه إلى التوقف.
كأن قدر هذا البلد الواقع على طريق الحرير، والذي حوّلته جباله السيفية الشاهقة إلى حصن منيع في وجوه الغزاة، أن يدفع غالياً ثمن موقعه المتميز وتنوعه الإثني، اللذين أصبحا لعنته الدائمة بدل أن يكونا مصدر نعمته وثرائه.
على أن الجانب الأكثر قتامة لمثل هذا الوضع، هو أن يصبح اسم أفغانستان مرادفاً بديهياً لكل ما يتعلق بالرعب والقتل المتواصل والإرهاب التكفيري، بحيث لا يكاد ملايين البشر البسطاء والمتقوقعين بهلع داخل بيوتهم والحالمين بنهاية ما لكوابيسهم اليومية، يسترعون انتباه العالم، أو يحظون بما يستحقونه من الاهتمام.
وإذا كان الشعراء والكتّاب الأفغان قد بذلوا كل جهد ممكن لكي يعبروا، فيما قدموه من نصوص، عن مكابداتهم وهواجسهم الوجودية ووضع بلادهم الكارثي، فعلينا ألا ننسى أن للكتابة في بلد كأفغانستان، محكوم بالاستبداد والعنف والمحظورات التي لا تحصى، كلفتها الباهظة التي تتراوح بين القتل والسجن والمنفى.
ومع أن مسألة القمع ومصادرة الأعمال الأدبية التي تتسم بالجرأة والاعتراض على الواقع، تطال الكتّاب والكاتبات على حد سواء، فإن الأمر يصبح مع النساء أكثر صعوبة وتعقيداً ؛ حيث نادى البعض بتحريم تعليم المرأة، بحجة أن التعليم يسهّل لها طرق الغواية والمعصية والانحراف.
كما أن غياب الترجمة، بفعل العزلة الطويلة التي فُرضت على البلاد، لم يتح لجمهور القراء في غير مكان من الكوكب، أن يطّلع بشكل كافٍ على النتاج الأدبي والفني والثقافي لأحد أكثر شعوب الأرض رزوحاً تحت وطأة القهر والخوف والنزاعات الدامية.
قد لا تكون محاولة الشاعرة والمترجمة العراقية مريم العطار لنقل مجموعة وافية من تجارب الشعراء الأفغان المتأخرين إلى العربية، هي الأولى في هذا الباب، فثمة ترجمات سابقة صدرت من قبل، من بينها «اللانداي - الشعر الشعبي للنساء البشتون»؛ حيث نتعرف إلى الوجه المضيء للمرأة الأفغانية التي قدّر لها أن تواجه أعتى أنواع القهر والتسلط الذكوري، فضلاً عن العنف والإرهاب التكفيري.
صحيح أن النصوص المترجمة تقع في دائرة الفولكلور الشعبي المتوارث جيلاً عن جيل، لكنها تكشف في الوقت ذاته عن قدر غير قليل من البوح العاطفي والتعبير عن المكبوت الجسدي والنفسي، الأمر الذي يفسر تحول الفولكلور، بنصوصه الغفْل، إلى شكل من أشكال الالتفاف على المحظورات الأخلاقية والاجتماعية المختلفة، والتنفيس عن المكبوت، والتعبير عن الرغبات المقموعة.
تقدم مريم العطار في «أنطولوجيا الشعر الأفغاني الحديث» كوكبة واسعة من الشعراء الأفغان الذين تتوزع تجاربهم على كثير من المدارس الفنية والأسلوبية. ورغم أن معظم الشعراء المختارين يعتنقون الحداثة كخيار تعبيري، فإنهم لا ينتمون إلى جيل واحد، بل تم اختيارهم من أجيال مختلفة؛ حيث تبدأ الأنطولوجيا مع برتو نادري المولود في أوائل الخمسينات من القرن المنصرم، وتنتهي مع زينب حسيني، المولودة في منتصف التسعينات.
وإذا كان بين الشعراء، بحكم تقدمهم في السن، من اكتملت تجاربهم الإبداعية أو شارفت على الاكتمال، فإن بعضهم الآخر ما زالوا في ريعان شبابهم ومقتبل أعمارهم. على أن الأسماء المختارة تكشف، على تنوعها، عن حيوية الشعر الأفغاني الحديث، الذي يجد ظهيره الأول في جذوره المحلية وفي المعاناة القاسية لأصحابه، فيما يجد ظهيره الثاني في التجارب الشعرية العالية لأحمد شاملو ونيما يوشيج وفروغ فرخزاد.
لا يبذل قارئ الأنطولوجيا كثيراً من الجهد لكي يلاحظ الأثر العميق الذي عكسته الحرب على كثير من النصوص، وهو أمر بديهي في بلد عانى من ويلات الحروب وأهوالها كما لم يعانِ بلد آخر. لذلك يتغلغل الحزن في ثنايا النصوص ويكتنف أصحابها شعور عارم بالضياع والغربة واللاجدوى.
وكما هو الحال في القصائد التي تكتب في زمن الحرب، فإن التعبير عن المعاناة يتفاوت بين شاعر وآخر بحيث يلجأ بعضهم إلى ما يشبه الكتابة التسجيلية و«توثيق» المأساة بلغة مباشرة، كما في بعض نصوص محمد شريفي سعيدي «حلمت أن بوش أصيب بإيبولا - كأفغانستان في الحجر الصحي معزولة عن العالم»، وأبو طالب مظفري «ماذا أفعل بسرطان ينتشر في معدة (كويته)، والسل في رئة باكستان، والجنون في رأس كابول؟». فيما يذهب البعض الآخر إلى لغة مواربة تتقصى ظلال الحرب وآثارها في الدمار الأكثر فتكاً الذي يلحق بنفوس البشر وأحلامهم وعلاقاتهم الإنسانية. كما أن هاجس الموت والفقدان يرفد بعض قصائد الكتاب بكثير من العذوبة والشجن والصدق التعبيري، كما هو حال عاصف حسيني الذي يقول في قصيدة «حزن الوداع» التي يهديها إلى أمه:
هل ترين يا أمي أنني كبرت
البشر بحجم حزنهم يكبرون
بحجم القصص التي لم تُقرأ
والكلمات التي لا أحد سمعها
أضع يدي فوق مقبرة
من الكلمات الميتة
في عالمي الذي يشبه المكعب
النمور تشبه القمر
والأشجار تملك حكايات
بعدد عصافيرها
وإذا كانت مريم العطار قد أولت التجارب الشعرية النسوية كثيراً من الاهتمام، بحيث توزعت الأسماء المختارة بالتساوي بين الجنسين، فإن السبب في رأيي لا يعود إلى رغبة المترجمة في إنصاف بنات جنسها فحسب، بل لارتفاع منسوب الشاعرية لدى المرأة الأفغانية التي ما تنفك منذ عقود تواجه أعتى أشكال المعاناة والتهميش والوأد الفكري والجسدي.
ومع ذلك فهي لا تحول الشعر إلى منصة للخطابة أو التفجع أو العنف اللفظي، بل إلى سؤال وجودي، أو وجع في الروح. وهو ما نرى تمثلاته عند سلوى شريفي التي تعبر بصور صادمة وحسية عن مأساة المرأة الأفغانية وما تواجهه من أشكال القهر والتغييب.
لذلك فهي تتحدث عن الوحدة التي تمدّ جذورها كالشجرة في الأقدام، وفي العيون تنضج ثم تتعفن. كما أنها تهتف بالرجل:
ألف مرة ركضت
من قلبكَ إلى لسانك
لكنني لا أصبح صوتاً
ثمة بالمقابل من ذهبن إلى خيار آخر يتمثل برفع التحدي مع القيود الاجتماعية المرهقة إلى الحدود القصوى، فاخترن الإفصاح العلني الجريء عن رغباتهن العاطفية والجسدية، كما فعلت مارال طاهري، التي لم تتحرج من الإفصاح عن كل ما يعتمل في داخلها من هواجس ورغبات، معلنة التمرد الكامل على كل أشكال القمع الجسدي واللغوي. وكذلك هو حال كريمة شبرنك التي عكست قصائدها النابضة بالتحدي والعصف الروحي وقوة الحياة، تأثراً واضحاً بالشاعرة المعروفة فروغ فرخزاد. وحيث راحت توائم بشكل لافت بين الإيروتيكي والرومانسي، كما بين أرض الجسد وسماء الروح، كانت تعبر في غير قصيدة عما تعانيه من أشكال الحصار والقهر والتعنيف، في وطن يتحول بالتدريج إلى سجن واسع. وفي قصيدة شبيهة بالرثاء الذاتي للنفس الموءودة تكتب:
في هذه المدينة،
العيش بصدق هو نوع من العبث
خذي بيدي أيتها الريح
إنهم يشنقون أصابعي العارية
يخنقون صرختي
إنها صرخة ظمأ
أيتها الريح
الجدار هشّ
لا يمكنني أن أتكئ عليه
قد لا تكون هذه القراءة الموجزة، أخيراً، قادرة على الإحاطة بالتجارب المختلفة التي يتضمنها الكاتب، إذ ليس من السهل على الإطلاق التوقف التفصيلي عند 35 تجربة شعرية، لكل منها سماتها وملامحها ومقاربتها الخاصة للوجود والعالم. على أن ما يمكن استخلاصه في النهاية هو أن الأرض الأفغانية غنية بالفن وبالإبداع، الشعري والسردي، بقدر ما هي غنية بالحزن والألم والمعاناة المزمنة.
كما أن اختيار المترجمة لأسماء شابة لم يتجاوز بعضها العشرينات، هو أمر يُحسب لها لا عليها، لأن من حق الأجيال الجديدة، بما تجسده من حساسية مختلفة ومقاربة مغايرة للغة والأشياء، أن يكون لها حضورها على خريطة الشعر الأفغاني الحديث، وأن توصل صوتها بالتالي إلى جمهور القراء.
وإذا كان بعض التجارب يحتاج إلى مزيد من التبلور والنضج فإن الزمن كفيل يذلك، فيما لو بذل أصحابها ما يكفي من الجهد لتحويل الطموح إلى حقيقة واقعة.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.