«قصائد النور» رحلة تشكيلية في معاني الزهد والسمو

معرض تجريدي استضافه متحف الفن الإسلامي في القاهرة

«قصائد النور» رحلة تشكيلية في معاني الزهد والسمو
TT

«قصائد النور» رحلة تشكيلية في معاني الزهد والسمو

«قصائد النور» رحلة تشكيلية في معاني الزهد والسمو

نصوص وأشعار وموسيقى صوفية، شكّلت بحروفها ونغماتها الرخيمة مفردات رئيسية في أعمال المعرض التجريدي «قصائد النور»، بينما أضفت معاني الزهد والتجرد تكوينات فنية رسمت عوالم غامضة امتزجت فيها القصائد بالخطوط والألوان، والموسيقى بفن «الذكر» الصوفي الشهير، فتحولت أشعار أمير الشعراء أحمد شوقي، وصوت سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وموسيقى رياض السنباطي إلى لوحة تجريدية تقدم رؤية جديدة للتصوف والصوفية تتوحد فيها القصائد بكلماتها وموسيقاها مع الفرشاة والألوان والخطوط، إذ يشدو الجميع «وُلد الهدى».
عبر 35 عملاً تشكيلياً من المدرسة التجريدية أبرز معرض «قصائد النور» للفنانة الدكتورة ثريا حامد، الأستاذ في قسم الرسم والتصوير بكلية التربية الفنية جامعة حلوان، أعماقاً جديدة في عالم الصوفية والتصوف، كأن القصائد والغناء الصوفي يسكب ألوانه وكلماته في خطوط اللوحات، ويصوغ معاني تشكيلة جديدة في معرض فني متفرد استضافه متحف الفن الإسلامي (وسط القاهرة) لغاية نهاية الشهر الماضي.
قبل أن تطالع أعمال المعرض سيقفز إلى ذهنك سؤال وجودي تجريدي بنفس طعم لوحاته: كيف يمكن رسم القصائد والموسيقى والغناء الصوفي؟ ومفردات التجرد والزهد؟ غير أنّ رؤية اللوحة الأولى ستكون غنية بإجابات أعمق من السؤال نفسه، ففي واحدة من أعمالها شكّلت قصيدة «وُلد الهدى» إحدى أشهر قصائد مديح النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مفردات وتكوينات فنية حولت كلماتها التي كتبها أحمد شوقي، وموسيقاها التي أبدعها رياض السنباطي، وصوت أم كلثوم إلى خطوط وألوان تبرز طبقات متداخلة من المعاني والقيم الصوفية التي تضمنتها القصيدة.
تقول الفنانة الدكتورة ثريا حامد، الأستاذ في قسم الرسم والتصوير بكلية التربية الفنية، جامعة حلوان، لـ«الشرق الأوسط»: «تأثري بقصيدة (وُلد الهدى) والأفكار الصوفية فيها دفعني إلى محاولة التعبير عنها في لوحة تشكيلية حاولتُ أن أصوغ فيها رؤيتي للمعاني العميقة التي تضمنتها، ووضعت مقطعاً من كلماتها أعلى اللوحة كأنها تحاول التحليق إلى السماء، بينما يمثل الجزء السفلي الأرض، واستخدمت الألوان لإبراز مفهوم نورانية المعاني».
وحاولت الفنانة في أحد أعمالها التعبير عن الأجواء الروحانية داخل الكعبة الشريفة من خلال لوحة رسمتها على قماش أسود يشبه قطعة النسيج القديم لإضفاء ملامح تراثية تتداخل مع المعاني الروحية والدينية وقدسية المكان، بينما فتح الجزء الخشبي في اللوحة المجال لتعبر النصوص الدينية المتشابكة المبعثرة عليه عن نفسها بطلاقة كأنها الأدعية التي يرددها الزوار في الكعبة. كما فرض مفهوم التكرار الذي يستخدم في فن الذكر والتسبيح نفسه بقوة على العديد من الأعمال، وشكّل حضوره الطاغي بُعداً مختلفاً غاص في أفكار صوفية عديدة، أبرزت معاني التسامي والارتقاء والسمو، إذ تعد فلسفة تكرار الكلمات جزءاً من فن الذكر والتسابيح وإحدى تيماتها الرئيسية، فتحول تكرار مفردات «الله... الله»، أو أيٍّ من ألفاظ الجلالة، إلى تيمة فنية دفعت المعاني الروحية إلى معاودة الرقص في فضاء اللوحات.
ولعبت الألوان دوراً فنياً واضحاً في إبراز المعاني الروحانية، واستخدمت الفنانة ألواناً بسيطة منها الأزرق للتعبير عن التطلع إلى السماء والصفاء والسكينة، والأخضر بدرجات مختلفة لتصوير الطبيعة، بينما أضفى استخدام الخط العادي بحروفه الواضحة في كتابة نصوص الأشعار، مع الزخارف الإسلامية المتنوعة المتناثرة في أركان اللوحات جسراً خفياً يربط المتعبد الزاهد في الأرض بما يتطلع إليه في السماء.



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».