نيتشه... فن تحويل اللغة اليومية إلى مستويات فنية غير مسبوقة

بنى علاقة مع القراء تتجاوز برودة مطالعة النص المكتوب

الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه
الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه
TT

نيتشه... فن تحويل اللغة اليومية إلى مستويات فنية غير مسبوقة

الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه
الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه

ذهب الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه (1844 – 1900) إلى رفض المفاضلة بين العقل والغريزة، وتحدث عن تشابكهما. فالكلام عنده قد يكون طوعياً متعقلناً، أو تلقائياً غريزياً. فنحن ننطلق من وجهة نظر محددة لما نريد قوله، ثم يأخذ نظام اللغة وإجراءات الكلام الأمر من يدنا ويدير الحديث كسائق آلي، فيما يترك ذلك عقلنا متحرراً من ضغط الصياغة اللحظية ويدعه لإدارة أمور أخرى، وهي بالتأكيد ميزة عظيمة للعقل البشري.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن المعرفة الفلسفية التي يتم التعبير عنها من خلال الكلام قد تنتهي إلى ذلك المكان تماماً، أقرب للفعل الغريزي منه للتعقل. ولعل ضمانتنا الوحيدة لمنع انزلاقها نحو اللاطوعية هي في بناء مجال لغوي خاص يمكن من استفزاز العقل دون خلق لغة خاصة بديلة، وإلا انتهت الفلسفة إلى الانفصال نهائياً عن العالم الحي، وانعزلت في كوكبها الخاص تماماً كما يحدث الآن في أبراج الأكاديميات العاجية.
نيتشه رفض دائماً التعاطي بتلك المصطلحات المجردة التي يخترعها الفلاسفة ليقرأها أقرانهم وسعى بدلاً من ذاك إلى رفع سوية اللغة اليومية وصقلها وأوصلها في الممارسة الفلسفية إلى مستويات فنية غير مسبوقة. ولقد بقيت لغته في متناول الأغلبية رغم إمكان فهمها على عدة مستويات مختلفة بحسب ثقافة المتلقي. ونيتشه في ذلك قد جعل خياره الأسلوبي في الكتابة شكلاً من أشكال التفلسف بحد ذاته.
التشابك العضوي بين العقل والغريزة الذي يتحدث عنه نيتشه يسمح له وقتما يكتب بالتخلي عن الجدال والتظاهر والألعاب اللغوية ويفاجئنا بعميق الرؤى التي توسع إمكانيات المعرفة الفلسفية، وبالتالي زعزعة الأسس التقليدية للجدال والتظاهر. وبهذه الطريقة «تُخلق» الفلسفة بالمعنى الذي يستشعر نيتشه: فهي تفتح إمكانيات جديدة لفهم وتشكيل العالم وأيضاً معرفة ذاته، ولكنها مع ذلك لا تُخلق إلا من مادة الإمكانيات المتاحة في لحظة معينة بما فيها اللغة والمعارف التي قد يتم توسيعها في البحث الفلسفي، ولكن دائما ضمن ممرات محددة.
يميل نيتشه إلى ربط عضوي بين نشوء الوعي الإنساني وتطور اللغة، إذ إن كل وعي جديد بحاجة إلى لغة أكثر تعقيداً للتعبير عنه، كما أن استيعاب التعقيد المتزايد في بنية التكوينات اللغوية يتطلب بالضرورة مزيداً من الوعي. وهو لذلك يرى أن الوعي الفردي في واقعه مشتق أساساً من وعي جمعي وفق منظور القطيع، وبالتالي فإن كل وعي فردي إنما يتطور بدقة في إطار مدى خدمة ذلك الوعي للحياة المشتركة. وعليه فإن أي جهد مخلص يبذله أحدنا لفهم ذاته عبر وعيه الفردي سيأخذه حتماً إلى فضاء الوعي الجمعي - اللافردي - الأقرب إلى حالة وسطية لمجموع وعي (القطيع)، وهو فضاء مهما اتسع فإنه يفرض سقفاً لكل فكرة فردية، ويعيدها دائماً إلى حظيرة القطيع.
وإذا ترتب على هذا التصور من شيء، فإنه من الأولى أن ينطبق على المعرفة الفلسفية ذاتها التي وفق ما ذهب إليه نيتشه ستكون حكماً داخل فضاء (القطيع) المجتمعي. فكيف يتسق ذلك مع دور الفلسفة في استكشاف سماوات غير مطروقة في الفكر والعمل، وأين تقع «الثورات العلمية» – وفق تعبير توماس كوهين – التي تطيح بكل قيود على العقل في هذا السياق؟
يصف نيتشه الفلسفة بأنها وعكس المعارف البشرية الأخرى لا تسعى لاستعادة غير المألوف إلى مساحة المعلوم المعرف بحكم الخوف من المجهول الذي يوجه حاجتنا للبحث والمعرفة، بل تحديداً مساءلة ذلك المعلوم، وإظهار غرائبيته، وتباعده عنا، ووقوعه خارج نطاقنا. وهي لذلك – ودائماً وفق نيتشه – تجربة فردية شجاعة يعرض فيها الإنسان ذاته للخوف، ويتحدى شعوره الغريزي بالحاجة إلى الألفة والأمان، ويخاطر بفقدان الاتجاه جاعلاً من نفسه سيرة استكشاف لأجل بشرية جديدة ستجد دائماً بأنها تطوف على سطح بحر مفتوح غاضب، وأنها ينبغي أن تستمد القوة والإلهام من داخلها إن هي أرادت النجاة. الفلسفة هكذا تصبح قهر الخوف من مواجهة غير المألوف، الأمر الذي يستدعي اللغة والوعي والمعرفة معاً لأن يشرع كل منها بكسر سقوفه الزجاجية.
وفق هذه المجادلة، يبدو نيتشه وكأنه يُخاطر – كفيلسوف - بألا يفهمه غالب (القطيع)، أو على أفضل الأحوال، أن يُساء فهمه. وفي الواقع، فإنه ذكر في غير موضع من نصوصه أنه لاحظ ذلك كثيراً معتبراً إياه ثمناً لا بد من دفعه عند محاولة التحليق خارج سقف (القطيع)، وأن ذلك نوع من الميزة لا العيب في وسط يمارس العنف لتدجين اللغة وحصرها ضمن الأطر المتعارف عليها، وهو عنف يصفه نيتشه بأنه مقبول ومرحب به من قبل الأغلبية لأنه يمكنها من الشعور بالأمان والسيطرة على المصير، واضعاً في الوقت نفسه تلك القلة من الرواد الاستثنائيين في مربع صعوبة عبور نصوصهم ومحدودية جمهورهم.
نيتشه، في مختلف أعماله كان واعياً بالكلية لتلك المسألة، وهو يريد عندما يكتب أن يختار، من خلال أسلوبه عند استخدام اللغة، جمهوره الذي يرغب بالتواصل معه، وفي ذات الوقت أن يبني جدراناً عازلة تمنع كل الآخرين من النفاذ إلى أفكاره. يبدو نيتشه بذلك وكأنه يمارس عنفاً مضاداً في وجه عنف اللغة، لكنه عنف معقلن، يخدم كأداة لامتلاك ثبات الجأش قبالة هاوية المجهول وغير المألوف.
يتحدث نيتشه عما يسميه منطقاً متوارياً يسكن أسلوب الكتابة ويعتمده عند تدوين نصوصه، ويمنحه الوسع لبناء علاقة مع القراء تتجاوز برودة عملية مطالعة النص المكتوب إلى ما يشبه الخطاب المباشر، فكأنهم يستمعون إليه أكثر مما هم يقرأونه. هؤلاء المستمعون وبحكم قدرتهم على ترك انحيازاتهم الشخصية جانبا يلحظون لدى ممارسة طقوس التعامل مع النصوص نوعاً من موسيقى داخلية ذات إيقاع ونبرة مميزين، يمكن من خلالها التقاط معالم فردانية الكاتب وديدنه في صوغ أفكاره.
هذا المنطق المتواري داخل أسلوب الكتابة يتطلب التقاطه، وفق نيتشه، أذناً مرهفة وخبيرة في آن، قادرة على مواجهة حقائق مفاجئة وصادمة لا يحتاج طرحها إلى طويل تقديم، ويكون تأثيرها على المتلقين صريحاً في برودته، وربما يكون متسبباً بالهلع لهم لدرجة أنهم قد لا يتحملون وقعها إلا لفترة وجيزة. هذه الحقائق، تتسبب لغير أصحاب الآذان المرهفة بفقدان للأمان، فلا يطيقون سماعها، «إذ لم تمنحهم الحياة من عطاياها سوى السذاجة».
نصوص نيتشه بهذا المعنى لا تسعى إلى تخريب شعور الأفراد بالأمان، بقدر ما تهدف إلى تنبيهم إلى حقائق العالم القاسية، وإلهامهم لفعل ما يمكنهم فعله تجاهها. وهي لذلك محاطة بجدر فاصلة عن الضعفاء والأبرياء والسذج وتخاطب جمهوراً محدداً لديه مزاج للاستقلال الفكري، والمرونة لتغيير المواقف، وعنده رغبة في التجوال عبر آفاق الحياة.
بالطبع، فإنه من المستحيل عملياً الوصول إلى فهم متطابق بين ما قصد إليه الكاتب وما التقطه القارئ، وخصوصا أحداً مثل نيتشه بكل تعقيد أفكاره وفجاجتها، وكل ما يتأمله المرء هنا هو التقاط ذبذبات الموسيقى الداخلية للنص و(الرقص) على أنغامها. وبعكس اللغة المحملة بتعدد المعاني والتأويلات الممكنة، فإن الرقص، عندما تعجز اللغة، أصدق تعبيراً وأبلغ، وأقدر على نقل التدرجات والتلوينات الدقيقة للفكر المجرد. نيتشه نفسه كان يقول عن نفسه إنه «مقيم في تلك التنويعات على الأفكار».



ثور تيماء يقف بثبات على قوائمه الأربعة

الثور كما يظهر في قطعتين أثريتين من تيماء
الثور كما يظهر في قطعتين أثريتين من تيماء
TT

ثور تيماء يقف بثبات على قوائمه الأربعة

الثور كما يظهر في قطعتين أثريتين من تيماء
الثور كما يظهر في قطعتين أثريتين من تيماء

تقع واحة تيماء في الجزء الشمالي الغربي من جزيرة العرب، وهي اليوم إحدى المدن السعودية التابعة إدارياً لمنطقة تبوك، وتُعرف بالعديد من المعالم التاريخية المثيرة. كشفت دورات التنقيب المتلاحقة في هذه الواحة عن العديد من النقوش والقطع الأثرية، منها لوح يحمل نقشاً ناتئاً يمثّل ثوراً يقف بثبات على قوائمه الأربعة، وقطعة جزئية من مجسّم خزفي على شكل رأس ثور.

عُثر على لوح الثور خلال حملة التنقيب التي جرت بين خريف 2005 وربيع 2006، كما يشير التقرير الثالث الخاص بالمشروع الآثاري الألماني المشترك الذي نُشر في العدد 21 من حولية الآثار العربية السعودية التي تحمل اسم «أطلال». يذكر هذا التقرير بشكل عرضي «قطعتين أثريتين في المخلفات الحجرية»، تتمثّل في حجر مربّع، وحجر آخر من الطراز نفسه «نُحت عليه رسمة ثور وإنسان». ونقع على صورة فوتوغرافية ضمن الملحق الخاص بهذا التقرير تمثّل هذا الحجر، حضر فيها الثور بشكل جليّ، وغاب عنها الإنسان بشكل كامل.

يتميّز هذا النقش الناتئ بأسلوبه المتقن الذي يتجلّى بتصوير النسب ومجمل التفاصيل التشريحية. يحضر الثور من الوجهة الجانبية، واقفاً بثبات على قوائمه. ويبدو رأسه المرفوع كأنه يميل بشكل طفيف إلى الوجهة نصف الجانبية، كما يتضح من موقع العين والأنف والفك والأذن. محيط الصدر عريض، ويتميّز بسلسلة من العروق المتوازية تجسّد أضلاعه الأمامية. الظهر مستوٍ وطويل، مع انحناءة بسيطة في الوسط. البطن عريض ومجرّد، مع انحناءة موازية مماثلة في الوسط تحدد موقع الخاصرة. القائمتان الأماميتان منجزتان بدقة تُظهران في تحديد مفصلي الفخذين والركبتين والحافرين. أما القائمتان الخلفيتان فقد ضاعتا للأسف، ولم يبقَ منهما سوى الجزء الأعلى من مفصلي الفخذين. ينتهي ردف الظهر بمؤخرة نصف دائرية، يعلوها ذيل عريض يتدلّى بشكل ملتوٍ، تحدّه كتلة دائرية عريضة في طرفه الأسفل.

في المقابل، عُثر على رأس الثور الخزفي خلال حملة التنقيب التي جرت في 2011، كما جاء في التقرير الخاص بهذه الحملة الذي نُشر في العدد 27 من حوليّة «أطلال». تضمّن هذا التقرير صورة لهذه القطعة الجزئية مع تحديد لمقاساتها، وهي 6 سنتيمترات طولاً، و4 عرضاً، و7.5 عمقاً، كما تضمّن وصفاً علمياً لها يحدّد الموقع الذي عُثر فيه على هذا الرأس. وبحسب هذا التقرير، لم يكن القسم العلوي والخلفي للرأس موجوداً، «بالإضافة إلى القرن الأيسر، أما القرن الأيمن فبقي محفوظاً بالكامل». للأسف فُقدت «بقية التمثال ابتداءً من الرقبة»، ولم يُعثر عليها، «وبالنسبة لحالة الرأس فقد بقيت الطبقة المصقولة بحالٍ جيدة باستثناء المنطقة المحيطة بالفم التي يتراوح لونها ما بين الأخضر الفاتح والأخضر المزرق الغامق، وتُعدّ التفاصيل الأخرى كالعيون والقرون واضحة ومرئية، في حين يمثل نتوء بسيط في مؤخرة الرأس العرف، أما المربع الموجود على الجبهة فقد يكون جزءاً من شكل هلالي».

في دراسته الخاصة بمعبودي جنوب الجزيرة العربية، رأى الباحث اليمني محمد سعيد القطحاني أن الثور أثار بقوته واندفاعه الإنسان الأول، وجعلت منه قدرته الإخصابية منذ فجر التاريخ نموذجاً لعطاء الطبيعة الجامحة، ورمزاً «للرجولة والذكورة، والنمو والتكاثر»، وهكذا برز في المعتقدات القديمة، «فكان سيد الحيوانات والنموذج الأعلى البدائي لها»، وكان في العديد من الحضارات القديمة رمزاً لكبار المعبودين، كما في جنوب الجزيرة العربية حيث ارتبطت صورته بالمعبود الرئيسي «الممثل بالقمر، والذي عُبد بتسميات عدة: المقة، وعم، وود، وسين، وسمع، وتألب، وغيرها». تعدّدت صور رؤوس الثور في هذه الناحية من الجزيرة، وتبدّلت وظائفها ورموزها. كذلك ظهر الثور بشكل كامل على لوحات منقوشة وموائد قرابين ومذابح وأوانٍ ومسكوكات، «كما مُثّل على جدران المعابد من الداخل والخارج وعلى المداخل».

في تيماء، يظهر الثور على أشهر قطعة أثرية خرجت من هذا الموقع، وهي المسلة التي عثر عليها «مكتشف تيماء» المستشرق الفرنسي شارل هوبير في محيط هداج في 1884، واقتناها يومذاك بمبلغ زهيد من المال. في العام التالي، دخلت هذه المسلة متحف «اللوفر» في باريس بعد مصرع مكتشفها، وشرع كبار البحاثة في دراسة نقشها الكتابي الطويل الذي يتحدّث عن إقامة عبادة معبود يُدعى «صلم هجم». على طرف الإطار الجانبي لهذه المسلة، يظهر نقش تصويري ناتئ يجمع بين مشهدين. في المشهد الأعلى، يقف كاهن يحمل صولجاناً طويلاً. وفي المشهد الأسفل، يقف متعبّد يرفع ذراعيه في اتجاه مذبح يعلوه رأس ثور. وترافق هذا المتعبد كتابة بالخط الآرامي، تذكر اسم «صلم شزب».

في شتاء 1979، في خربة تقع في الجهة الشمالية من واحة تيماء وتُعرف بـ«قصر الحمراء»، عُثر على مكعب من الحجر الرملي، له وجهان مزينان بنحت غائر وبارز. على الوجه الأول، كما على طرف مسلة «اللوفر»، يظهر متعبد يتقرّب من مذبح مدرّج يعلوه رأس ثور يتميّز بقرص شمسي يستقرّ بين قرنيه الطويلين. وعلى الوجه الثاني، يظهر ثور كبير صُوِّر كاملاً بوضعية جانبية، يعلو رأسه كذلك قرص شمسي مماثل، ويحضر من أمام هذا الثور متعبّد آخر يحمل قرباناً بين ذراعيه الممدودتين. يشابه الثور المكتشف بين خريف 2005 وربيع 2006 هذه الصورة بشكل عام، مع اختلاف في التفاصيل، ويظهر هذا الاختلاف بشكل أساسي في غياب القرص الشمسي الذي يكلل رأس الثور على وجهي مكعّب «قصر الحمراء».

يخرج رأس الثور الخزفي الذي عُثر عليه في 2011 عن هذا السياق بشكل كامل، ويُعيد تكوينه إلى الذاكرة تماثيل نذرية من الحقبة السومرية البعيدة تمثّل ثوراً جاثياً، ومنها قطعة محفوظة في متحف «اللوفر» مصدرها أوروك، وقطعة محفوظة في المتحف البريطاني مصدرها أور، وقطعة مرصّعة بزخارف من اللازورد تسلّمتها أخيراً سفارة جمهورية العراق في واشنطن من المدعي العام لمدينة نيويورك، وفقاً «لدبلوماسية الاسترداد»، مصدرها كذلك أوروك.


بيكام يصطحب عائلته للعرض الأول لفيلم وثائقي عنه على «نتفليكس»

بيكام بصحبة زوجته مصممة الأزياء فيكتوريا بيكام وأطفالهما الأربعة (إ.ب.أ)
بيكام بصحبة زوجته مصممة الأزياء فيكتوريا بيكام وأطفالهما الأربعة (إ.ب.أ)
TT

بيكام يصطحب عائلته للعرض الأول لفيلم وثائقي عنه على «نتفليكس»

بيكام بصحبة زوجته مصممة الأزياء فيكتوريا بيكام وأطفالهما الأربعة (إ.ب.أ)
بيكام بصحبة زوجته مصممة الأزياء فيكتوريا بيكام وأطفالهما الأربعة (إ.ب.أ)

حول لاعب كرة القدم السابق ديفيد بيكام عرض فيلمه الوثائقي الجديد على منصة «نتفليكس» إلى مناسبة عائلية أمس الثلاثاء عندما اصطحب زوجته مصممة الأزياء فيكتوريا بيكام وأطفالهما الأربعة على البساط الأحمر في حي مايفير الراقي بالعاصمة لندن.

وحسب «رويترز»، يستعرض الفيلم الوثائقي «بيكام» المؤلف من أربعة أجزاء مشوار نجم كرة القدم البريطاني من البدايات المتواضعة حتى أصبح أحد أبرز اللاعبين في عصره داخل الملعب وخارجه.

ويظهر كيف صعد نجم الرجل، البالغ من العمر 48 عاما الآن، ليصبح رياضيا مشهورا وتحوله إلى رمز عالمي يتمتع بذكاء إعلامي بعد صفقات الرعاية التي أبرمها وزواجه بفيكتوريا آدامز إحدى فتيات فريق «سبايس جيرلز» الغنائي.

وقال بيكام لـ«رويترز»: «شعرت أن هذا هو الشيء الصحيح لفعله وفي الوقت المناسب، حقا، كما أردت شيئا تتذكره عائلتي لاحقا وتستمتع به».

وأضاف: «عندما بدأت مشواري في التسعينات في مانشستر... كانت هناك موسيقى رائعة ومشاهد رائعة وكان مانشستر يونايتد أحد أنجح الفرق في كرة القدم... يذكرك هذا بشيء كان شديد التميز وأتمنى أن يشاهد الناس ذلك ويشعروا بالتميز وأن يذكرهم بأوقات جيدة».

يشمل الفيلم الوثائقي لقطات لم تنشر من قبل، كما يتطرق بعمق لخلافات وصعوبات ذكرت كثيرا في حياة بيكام العامة والشخصية.


امرؤ القيس يعود إلى بلاده بعد 15 قرناً عبر بوابة الدرعية

اشتهرت تيماء بقصورها وأسوارها التاريخية ولعل «الأبلق» هو الأشهر
اشتهرت تيماء بقصورها وأسوارها التاريخية ولعل «الأبلق» هو الأشهر
TT

امرؤ القيس يعود إلى بلاده بعد 15 قرناً عبر بوابة الدرعية

اشتهرت تيماء بقصورها وأسوارها التاريخية ولعل «الأبلق» هو الأشهر
اشتهرت تيماء بقصورها وأسوارها التاريخية ولعل «الأبلق» هو الأشهر

بعد 15 قرناً من الغياب، يعود الشاعر العربي امرؤ القيس إلى الواجهة، وإلى بلاده نجد من خلال بوابة العاصمة الأولى للدولة السعودية في مرحلتها الأولى، بعد أن خصصت وزارة الثقافة السعودية مهرجاناً عن الشاعر الجاهلي، أول من نظم الشعر عند العرب، وحمل المهرجان اسم: امرؤ القيس - شاعر الغزل. وينظم المهرجان ابتداءً من اليوم الأربعاء، حتى الثاني عشر من هذا الشهر، ويتضمن فعاليات مستوحاة من حياة الشاعر في عصره، وذلك ضمن مبادرة «عام الشعر العربي 2023» التي تسعى إلى تعزيز مكانة الشعر العربي في ثقافة الفرد.

«الشرق الأوسط» أجرت هذا الحوار الافتراضي مع الشاعر صاحب أشهر المعلقات الجاهلية وأكملها دربة فنية، وأقصاها بعداً نفسياً، كما أجمع على ذلك النقاد المتقدمون والمتأخرون، وحفلت حياة الشاعر بالكثير من الأحداث والقصص، وحمل بسببها ألقاباً عديدة أشهرها: «الملك الضليل»، و«ذو القروح»، وهو من «بيت ملكي»؛ حيث كان والده حجر ملكاً على بني أسد الذين قتلوه، ليحمل ابنه امرؤ القيس الذي خلعه والده من هذا البيت وهو صغير بسبب مجونه ثأر أبيه، مطلقاً صرخته المشهورة وهو ثمل: ضيعني صغيراً وحملني ثأره كبيراً... اليوم خمر وغداً أمر.

وزارة الثقافة السعودية تنظم فعالية عن الشاعر امرئ القيس في الدرعية

هنا نص الحوار:

* أنت شاعر مشهور وكنت شخصية ضاجة صاخبة في ديوان الشعر العربي ولا تحتاج إلى تعريف، لكن غيابك منذ 15 قرناً يفرض أن تقدم نفسك للقراء كما تريد؟

- أنا امرؤ القيس ولدت في أوائل القرن السادس في نجد، ووالدي هو حُجر الكندي، ونشأت في قبيلة كندة، وأسرتي هي أسرة ملوك حيث كان والدي حجر ملكاً على بني أسد الذين ثاروا عليه لأنه كان يتعسف بهم ويفرض عليهم إتاوات أثقلت كاهلهم.

* لماذا خلعك والدك حجر من البيت الملكي، وماذا فعلت إزاء هذا الموقف وأنت ابن ملك؟

- أصدقك القول: إنني في مطلع حياتي لم أكن أهتم بأبهة المُلك، لقد كنت شغوفاً شغفاً شديداً بالحياة أقتنص لذاتها، وأعانق حيّها وجمادها. لقد خلعني والدي حجر من البيت الملكي - كما أشرت في سؤالك - لأنه لمس مني بعدي عن السياسة وإدارة الدولة، وبعد أن ظهر له مجوني وتهتكي وتشبيبي بنساء قبيلتي، فهمتُ على وجهي كالطريد الشريد. ولأنني أملك المال وأتكئ على أسرة معرقة في الملك، كونت جماعة من الصعاليك والخلعاء نسير في كل اتجاه من جزيرة العرب، لا نلوي على شيء ولا نخضع لبرنامج محدد، ننام متى شئنا ونستيقظ والطيور في أعشاشها، نقيم على ماء أو على كثيب رمل أو القرب من غدير ننصب خيمتنا تارة أو نطويها ونضعها على ظهر جمل ونفترش الأرض ونلتحف السماء.

* وماذا تم بعد؟

- لما وافاني نعي أبي بعد مقتله تملكني الجزع وفدحني الخطب، فأخذت أضرب بين القبائل، مؤلباً للثأر من بني أسد، وشعرت أن أبي ضيعني وأنا صغير وحملني دمه وأنا كبير، وآل إليّ ملك متداع، مخضب بالدم ومشحون بالثارات.

*هل يمكن القول إنك ولجت إلى السياسة من بابها الملحمي بعد مقتل أبيك، وعقدت العزم على الثأر من قاتليه؟

- نعم لقد بدأت حياتي لاهياً مستهتراً ثم تصرفت بي الأحداث وقادتني من النقيض إلى النقيض، وحملت على كتفي وقر الهموم والثأر، لألج إلى السياسة من بابها الملحمي كما وصفت، أقود الجحافل بعد أن أنفقت شبابي في مقارعة كؤوس اللهو والمنادمة.

*طرح الناقد الجاحظ رأياً عنك، هل ترى أنه أنصفك؟

- شكراً للجاحظ فقد قال عني: أنني أول من نظم الشعر عند العرب، كما أجمع النقاد القدماء على أني أول من وقف واستوقف وبكى واستبكى.

*سجلت كتب الأدب مناظره شهيرة بينك وبين الشاعر علقمة الفحل الذي عاصرته مع شعراء آخرين من سادة الشعر الجاهلي مثل عمرو بن كلثوم والنابغة. هل من الممكن أن تورد قصة هذه المناظرة؟

- نعم حدثت مناظرة بيني وبين الشاعر علقمة الفحل فيما يمكن تسميته بالشعر البديهي، بحضور زوجتي أم جندب، وهي بالمناسبة ذواقة للشعر وفنونه، وتملك حساً نقدياً عالياً؛ حيث طلبت زوجتي منا شعراً نصف به الخيل فقال كل منا على الفور قصيدة طويلة. وكان مطلع قصيدتي:

خليلي، مرا بي على أم جندب

لنقضي لبانات الفؤاد المعذب

في حين كان مطلع قصيدة علقمة:

ذهبت من الهجران في كل مذهب

ولم يك حقاً كل هذا التجنب

وقد حكمت زوجتي أم جندب لقصيدة علقمة على قصيدتي، وبررت تفضليها ذاك بكشف مبدع، فقالت: إنك (أي امرئ القيس) زجرت فرسك وجهدته بالسوط، ومريته بساقك عندما قلت:

فللسوط ألهوب وللساق درة

وللزجر منه وقع أهوج متعب

وقد لاحظت زوجتي أم جندب الطريقة السهلة اللطيفة التي عالج بها علقمة فرسه وهو يكر بها، من دون ضغط ولا قسر حين قال:

فأدركهن ثانياً من عنانه

يمر كمر الرائح المتحلب

* والدي خلعني صغيراً من «البيت الملكي» بسبب مجوني وحملّني ثأره كبيراً بعد مقتله

* أول مناظرة في التاريخ الشعري تمت بيني وبين علقمة الفحل وزوجتي أم جندب فضلت شعره على شعري

* آلام نفسية أشعر بها بعد مقتل ابن الشاعر السموأل لأني كنت سبباً في ذلك

* أقول للسعوديين: لقد أسستم دولة حضارية مثل أسلافكم منذ آلاف السنين فحافظوا عليها

وقالت تشرح تحليلها للبيت: فأدرك علقمة الطريدة وهو ثانٍ من عنان فرسه، ولم يضربه بسوط، ولا مراه بساق ولا زجره.

* ما قصتك مع الشاعر صموئيل بن عاديا الشاعر المعروف باسم السموأل صاحب قصر «الأبلق» الذي يعد أول نزل (الفندق في وقتنا الحاضر) وهي قصه هزتّ الإباء العربي وسط الصحراء العربية عندما ضحى بابنه مقابل عدم تسليم دروعك التي سلمتها له أثناء رحلتك لإعادة ملكك الضائع؟

- إنك بسؤالك هذا تزيد مواجعي، لأنني كنت سبباً في مقتل ابن الشاعر السموأل وكنت أحد شخوص القصة، حيث شهد القصر فصولاً عن هذا الحدث الذي يدل على الوفاء والصمود والحزم أمام اختيار رهيب ورفض لامتهان الإنسان وقيمه بكل غال كي لا ينكث عهد الأمانة.

وجاءت فصول القصة عندما أودعت دروعي التي ورثتها عن أبي الملك المقتول، عند الشاعر السموأل صاحب الحصن المنيع الأبلق لتكون وديعة خلال رحلتي إلى بلاد الروم لطلب المساعدة منهم في استعادة ملك أبي الضائع والأخذ بالثأر من واتري، ولما علم الحارث الغسّاني ملك الغساسنة بقصة الدروع طلب من السموأل تسليمها إليه، لكنّه رفض طلبه وهو ما يعد نكثاً لعهد الأمانة، ولم يجد الملك الغساني الذي أرسل جيشاً لهذا الغرض أمام هذا الرفض غير القبض على ابن السموأل الذي كان وقتها خارج القصر المنيع، وخيّر والده بين حياة ابنه وبين أن يخون العهد، بإعطاء الدروع إلى غير صاحبها، فاختار الخيار الصعب وهو التضحية بالابن.

* دائماً ما تردد في شعرك العذارى، هل يعني هذا أنك تفضل العذارى على سائر النساء؟

- لا هذا الكلام غير صحيح لكن العذارى جزءٌ من مغامراتي مع النساء، لقد طرقت أبواب كل النساء، كانت أيام لهوي مع صوحباتي في دارة جلجل يوم نعمت معهن وسعدت بهن وقلت فيها:

ألا رب يوم لك منهن صالح

ولا سيما يوم بدارة جلجل

ويوم عقرت للعذارى مطيتي

فيا عجباً من كورها المتحمل

فظل العذارى يرتمين بلحمها

وشحم كهداب الدمقس المفتل

عندما نحرت للعذارى مطيتي، عجبت من نفسي لذلك، وقضيت على راكبها أن يتحملوا على مطية أخرى، والعذارى كل واحدة ترمي قطعاً منها إلى الأخرى وشحمها المسترسل شديد البياض كالدمقس، أو كما تسمونه اليوم بالحرير الأبيض.

لقد طرقت ليلاً خدر كثيرات مثل محبوبتي عنيزة عندما دخلت عليها في خدرها، وكن حبالى فأغويت الواحدة عن طفلها وألهيتها، وقد أردت بذلك أن أظهر شدة تتيم النساء بي وإقبالهن علّي:

فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع

فألهيتها عن ذي التمائم محول

* محبوباتك حملن أسماء كثيرة: عنيزة، فاطمة، أم الرباب، أم الحويرث، هل هي أسماء حقيقية أم أنها رموز لنساء مررت عليهن مروراً عابراً؟

- إنها أسماء حقيقية فعلاً، وقد ذكرتهن جميعاً مع تحديد مساكنهن في معلقتي التي مطلعها:

قفا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل

بسقط اللوى بين الدخول فحومل

فقد ذكرت أسماء المحبوبات:

كدأبك من «أم الحويرث» قبلها

وجارتها «أم الرباب» بمأسل

إذا قامتا تضوع المسك منهما

نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل

ويوم دخلت الخدر خدر «عنيزة»

فقالت لك الويلات إنك مرجلي

تقول وقد مال الغبيط بنا معاً

عقرت بعيري يا امرأ القيس فانزل

...

«أفاطم» مهلاً بعض هذا التدلل

وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

أغرك مني أن حبك قاتلي

وأنك مهما تأمري القلب يفعلِ

* لوحظ أن كثيراً، إن لم يكن جل الشعراء في عصركم، خصوصاً أصحاب المعلقات السبع، وأنت واحد منهم، لم تظهر في أشعاركم أي نزعة عقائدية، عدا الشاعر لبيد بن ربيعة، الذي عرف بتقواه ولحق بالنبي محمد، وكان من المؤلفة قلوبهم في الإسلام، ما هو تفسيرك لذلك؟

- نعم أغلب المعلقات السبع في عصر ما قبل الإسلام الذي تسمونه بالعصر الجاهلي، وما بعده الذي تسمونه بالعصر المخضرم، لم تظهر في أشعارهم نزعة عقائدية رغم أنهم عاشوا في أجواء الوثنية واليهودية والمسيحية والزرادشية، وغيرها من الديانات والعقائد. لقد انشغل هؤلاء الشعراء وأنا واحد منهم بالغزل والتغني بالطبيعة والمرأة، وأغلبهم عاش في قومه عيشة السادة وطلب ملك ضائع لهم، وتنظيم المراثي المتفجعة في فقد عزيز لديهم مثل لبيد بن ربيعة الذي فجع بمقتل أخيه «أربد»، ومثل المهلهل في مراثي أخيه «كليب»، والشاعرة الخنساء في مراثي أخيها «صخر»، كما أن الأعشى الشاعر الذي عرف بحبه للنساء والخمر لم تبد عنده نزعة عقائدية رغم أنه صار إلى النبي محمد للقائه، لكن صناديد قريش منعوه، وقد نظم قصيدة في النبي امتدحه فيها، وقد تكون هذه هي إعلان إسلامه.

أما بالنسبة لي فإنني أعترف بأني أمعنت في الوصف والغزل والتفرغ للتغني بالطبيعة والمرأة بشكل فاحش.

* أنت اليوم في محافظة الدرعية القريبة من الرياض (حجر اليمامة)، مسماها السابق التي مررت بها مرات كثيرة في طريق رحلتك إلى المجهول لاهياً وثائراً، ماذا تقول؟

- يا الله أما زالت تلك القرية (حجر) باقية وقائمة وصامدة إلى اليوم منذ آلاف السنين، نعم أعرف الرياض جيداً بمسماها حجر، وقد ذكرها زملائي الشعراء ومنهم خالي المهلهل في بيت من قصيدة قالها بعد أن أخذ بثأره من قاتل أخيه كليب:

فلولا الريح أُسمع من بحجر

صليل البيض تقرع بالذكور

وقد عد هذا البيت أكذب بيت قيل لأن المسافة بين حجر ومعركة الذنائب ثلاثة أيام.

* بعد غيبة طويلة عن نجد أو اليمامة تحديداً منذ حوالي 1500 عام، تعود إليها اليوم في محافظة الدرعية القريبة من الرياض التي تعرفها باسم حجر، ماذا تقول عن ذلك؟

- وجدت بلاداً كبيرة وعاصمتين لها الدرعية والرياض، وعلمت أنهما عاصمتان لدولة تسمى المملكة العربية السعودية وتأسست منذ 300 عام على مراحل ثلاث، وقد حكمها أسرة آل سعود، من بني حنيفة القبيلة الموغلة في القدم وأفرادها أولو عزم وبأس وشدة، وكانوا حكاماً على المنطقة منذ آلاف السنين.

وقد أُبلغت بأن حاكمها اليوم هو الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ويعد سابع حكام الدولة في مرحلتها الثالثة التي أسسها والده الملك عبد العزيز، الذي يشاركني بأنه كان طالب مُلك آبائه وأجداده، وقد نجح في ذلك، في حين أنني لم أستطع إعادة ملك أبي الذي تضعضع، كما أبلغت بأن الملك سلمان ملك رحيم وعادل وحازم في الوقت نفسه، ديدنه وهاجسه إحقاق الحق وتنمية بلاده، وجعلها حاضرة في هذه المعمورة، وقد نجح في ذلك، كما يساعده نجله ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وهو شاب متقد الحماس لإنشاء دولة عظيمة تذكرني بالحضارات والدول التي قامت على هذه الأرض.

وأجدها فرصة لأشكر الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان والشعب السعودي، وأقول لهم: «لقد أسستم دولة حضارية مثل أسلافكم منذ آلاف السنين فحافظوا عليها».


أدونيس: لست ضد الدين أبداً بل هو حاجة كيانية للإنسان

أدونيس: لست ضد الدين أبداً بل هو حاجة كيانية للإنسان
TT

أدونيس: لست ضد الدين أبداً بل هو حاجة كيانية للإنسان

أدونيس: لست ضد الدين أبداً بل هو حاجة كيانية للإنسان

«لست متديناً، لكنني لست ضد الدين أبداً. الدين أعده حاجة كيانية للإنسان، على الأقل، ليحل مشكلاته مع الغير ومع الموت. وهذا من حقه. وأنا أول من يدافع عن هذا الحق»، يقول الشاعر أدونيس رداً على سؤال خلال لقاء حواري معه في «متحف نابو» (شمال لبنان) يوم الأحد الماضي، وذكر أنه يعد الدين «تجربة شخصية لا تلزم إلا صاحبها».

عقدت الجلسة التي تحدث خلالها أدونيس، وكذلك المحللة النفسية المغربية حورية عبد الواحد الأستاذة في جامعة السوربون، وأدارها الشاعر زاهي وهبي، ضمن مؤتمر «ميلينيا مرآة الإنسانية» الذي خصص لباحثين وفنانين على مدى يومين لمناقشة علاقة الإبداع بعلم النفس. والمؤتمر من تنظيم «المركز اللبناني للعلوم النفسية والاجتماعية – نفسانيون».

وقال أدونيس رداً على سؤال من زاهي وهبي حول معوقات النهضة، إنها «معوقات داخلية وخارجية في وقت واحد»، متسائلاً: «هل لدينا كتاب واحد في تراثنا العربي، يمكننا أن نسميه كتاباً حراً. بمعنى أنه كُتب بحرية كاملة، ويُقرأ بحرية كاملة؟ ليس هناك كتاب واحد، والذين حاولوا أن يكتبوا هذا الكتاب، قتلوا أو أحرقت كتبهم».

ووصف أدونيس المجتمع اللبناني بأنه مجرد «تجمعات لبنانية، الصلة بينها نظام قائم على سلطة مغتصبة بشكل أو بآخر. هي ليست سلطة نابعة من إرادة الشعب. لأنه ليست هناك سلطة مدنية»، وعدَّ لبنان حالة مصغرة عن حال الدول العربية الأخرى.

وخلال إجابته على أسئلة الحضور، أسف أدونيس لأنه بعد مائة سنة من انتهاء الحكم العثماني (1923-2023) إذا درسنا التحولات في المجتمع العربي وقارناها بمجتمعات أخرى، نجد أن انقلابات حصلت في مختلف الميادين، في العالم كله، حيث انتقل من سيئ إلى أقل سوءاً، ومن حسن إلى أحسن، إلا العرب، بدأوا جيداً، والآن هم في أسوأ حالاتهم. وتساءل أدونيس: «لماذا هذا الانحدار؟».

وفي محاولة للإجابة، عدَّ الشاعر أننا قد نتفق على بعض الأفكار السياسية العامة، لكننا حين ندخل قليلاً في التفاصيل، فلن نتفق على اسم رئيس أو نائب واحد أو حتى موظف، كل ما يتعلق بالنظام أو الدولة نختلف عليه. «لماذا وحّدنا الفن، الغناء أو الموسيقى؟ لأن الصوت يصلنا بالطبيعة. نحن والطبيعة واحد، لكن بالثقافة نحن متعددون. كل مجموعة من الأفراد عليهم الواجبات نفسها، لكنهم لا يتمتعون بالحقوق نفسها. كيف يمكن أن يكون مجتمع متقدماً، لا يتساوى أفراده في الحقوق. ولماذا لا يتكلم المبدعون عن هذه المشكلات؟».

كأنك تقول المبدعون غائبون؟ سأله زاهي وهبي، ليجيب: «ليس لدينا مجتمع، وإنما مجموعة من الأفراد. هل حقاً لدينا مجتمع لبناني؟ هل لدينا مجتمع سوري؟ هل لدينا مجتمع عراقي؟ المجتمع يتشكل حين يتساوى الأفراد في الحقوق والواجبات، ما عدا ذلك لا يمكن أن يتشكل مجتمع. نحن لا نزال قبائل. والسردية التاريخية يجب أن تعاد قراءتها، ودون هذا لن نستطيع أن نتقدم، سنظل ندور حيث نحن».

استذكر أدونيس رئيس الجمهورية اللبنانية الراحل فؤاد شهاب. وعدَّ أن المصادفة قد تأتي مرة أخرى بزعيم إصلاحي مثله، ويقوم بخطوات كبيرة من أجل الإصلاح، ويحاول أن يفعل شيئاً مختلفاً، لكنه لن يستطيع. «سنظل نطرح أسئلتنا على السردية الثقافية السائدة عند العرب، وهي سردية خاطئة ومختلقة، ويجب أن نعيد النظر فيها. واستناداً إلى إعادة النظر في هذه السردية، يجب أن نعيد النظر بأنفسنا. لماذا لا أستطيع أن أعبر عن نفسي تمام التعبير، في المجتمع الذي أعيش فيه؟ ثم المجتمع والناس الذين نتحدث معهم».

وأضاف أن «الحقوق المدنية والحرية هما أساس، ومن دونهما لا يمكن أن يكون عندنا مجتمع». واشتكى أدونيس من غياب حوار عميق بين الإنسان وذاته، وبين بعضنا البعض. ورداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن تفسيره لتطور شعوب لا حريات لها ولا حياة ديمقراطية. أجاب بأن الفرد العربي هو فرد ناجح، أينما حلّ. وأن بين هؤلاء من بلغوا مراتب كبيرة وعالية، وبمقدوره أن يعطي أسماء كثيرة. لكن «لا توجد في المقابل مؤسسة واحدة ناجحة». وبالتالي فهي مشكلة المؤسسات. كما أن الصين مثلاً برأيه وبرأي الدكتورة حورية هي «مجتمع غير ديمقراطي صحيح، لكن ليست له مرجعية دينية تكبله، كما هي حالنا، وهذا أحد أسباب نجاحه».

ووجه الحضور أسئلتهم إلى أدونيس والمحللة النفسية عبد الواحد، التي عدّت بدورها أن «أدونيس تحدث عن الذاتية. وأنا كمحللة نفسيه، أقول إننا نحن العرب عندنا مشكلات ككل البشر. لكن ثقافتنا لا تسمح لنا بالتعبير عن الذات. حين تأتيني مريضة مغربية لا تستطيع أن تعبر عن رغباتها مثل امرأة فرنسية، لأنها تشعر بالخجل والخوف. أدونيس تحدث عن تقديس النص لكننا نقدس الأشخاص أيضاً». عبد الواحد ترى أن عملية التحليل النفسي تحتاج زلزالاً عنيفاً، وبدونه لا تحليل. «أول ما أسأل عنه مرضاي هو عن علاقتهم بالأب. لكن في ثقافتنا الأب مقدس، والعلاقة بالأم مقدسة أكثر. هناك تقديس، تبجيل، خوف، قلق، وعوائق ثقافية أخرى، وأظن أن هذا يعيق التعبير عن النفس».

واشتكى أدونيس «من أننا لا نقرأ. وإذا ما قرأنا فإن أول ما نسأل عنه هو اسم الكاتب، وقد نسأل ما معتقده، وقد نسأل ما دينه أيضاً أو مذهبه؟ نحن نقرأ الكتب في ضوء همومنا لا في ضوء النص».

وحين سُئل عن ابن رشد وقراءته للنص الديني، قال أدونيس إنه «خلق إسلامه الخاص، لأنه كان إما السيف أو التراجع، والحياة غالية ويتمسك بها الإنسان لأنها تعطى لمرة واحدة»، مقولة ابن رشد باختصار هي أن النص القرآني ما من آية فيه إلا وتتطابق مع التفسير العقلي.

وكرر أدونيس: «أنا لست ضد الدين بحد ذاته. أنا أتحدث عن الإسلام المؤسسي. الإسلام المؤسسي الفقهي شيء، وإسلام النص القرآني شيء آخر. نحن الآن في إسلام الخلافة ولسنا في إسلام النبوة. إنما الخلافة تبنت النبوة كي تستطيع أن تكمل. الدولة الأموية رفضت إسلام النبوة علناً».

وعن التصوف، قال: «إن المتصوفين خلقوا أكبر ثورة في تاريخ الإسلام في تقديري. الله في نظرهم هو قوة مبثوثة في العالم، وليس من خارج العالم. ثانياً، هم غيروا الهوية، فهي بالنسبة لهم ليست إرثاً نرثه كما نرث بيتنا، وإنما عندهم الهوية إبداع. الإنسان يبتكر هويته كما يبتكر نفسه، فقد غيروا مفهوم تقسيم العالم أو البشر من كافر ومؤمن، وقالوا بالذات والآخر، وأضافوا أن الذات لا توجد إلا مع الآخر، وهو ما أخذه السورياليون فيما بعد، بحيث إن الإنسان هو دائماً في سيرورة نحو الآخر المختلف كي تكتمل ذاته ويكتمل وجوده. ومع ذلك المتصوفون ليسوا من التراث العربي الحقيقي الذي يعيش بيننا اليوم. فقد تم تهميشهم وجعلهم في حيز النسيان.

وربما السؤال السياسي المباشر الذي سُئله أدونيس في هذه الأمسية كان حول تأثيرات التدخلات الخارجية على المنطقة العربية، وعدَّ أننا نحن «إذ خرجنا من الخلافة العثمانية 1929، هل خرجنا بإرادتنا وبثورة خاصة قمنا بها نحن كعرب ضد الأتراك. نحن لم نفعل، وإنما أخرجنا البريطانيون والفرنسيون لا حباً بنا، إنما ليحلوا محل الأتراك، ويأخذوا ثرواتنا وفضاءنا الاستراتيجي ويهيمنوا علينا. قالوا لنا: هذه سوريا، وقبلنا، وقالوا لنا: هذا لبنان، وقبلنا، وقالوا لنا: هذا العراق وقبلنا. وزعوا علينا التركة العثمانية، ودخلنا في عثمانية جديدة. نحن الآن ولايات عثمانية. وليس هناك نظام واحد حرّ ذو إرادة مستقلة، كي يكون عنده حريات، وجامعات مستقلة. نحن ولايات عثمانية جديدة للبريطانيين والفرنسيين والآن للأميركيين».

وتوجه وهبي لأدونيس بالقول إن البعض يرى أن منطلقاته منحازة غير علمية، ولها أبعاد ذاتية، وأجاب: «الله يقول لنبيه إنك لن تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء، لكن المسلمين اليوم لا يتركون الله ليهديهم، يحبون أن يهدي بعضهم بعضاً». وحين سُئل عن المستقبل، قال: «إن جلسة كالتي جمعته بقرائه ومحبيه في (متحف نابو) بما حملته من صراحة وحرية وحوارات مفتوحة، هي مما يبشر بخير ويجعله يتفاءل بالغد».


كتاب «الأمير تركي السديري»... مسيرة تاريخية لشخص استثنائي

الأمير سلطان بن سلمان أثناء تدشينه لكتاب الأمير تركي بن أحمد السديري في معرض الكتاب (الشرق الأوسط)
الأمير سلطان بن سلمان أثناء تدشينه لكتاب الأمير تركي بن أحمد السديري في معرض الكتاب (الشرق الأوسط)
TT

كتاب «الأمير تركي السديري»... مسيرة تاريخية لشخص استثنائي

الأمير سلطان بن سلمان أثناء تدشينه لكتاب الأمير تركي بن أحمد السديري في معرض الكتاب (الشرق الأوسط)
الأمير سلطان بن سلمان أثناء تدشينه لكتاب الأمير تركي بن أحمد السديري في معرض الكتاب (الشرق الأوسط)

دشّن الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز المستشار الخاص لخادم الحرمين الشريفين، مؤسس ورئيس مجلس أمناء «مؤسسة التراث»، أول من أمس (الأحد)، كتاب «الأمير تركي بن أحمد السديري – سيرة وتاريخ»، واحتوى الإصدار على معلومات ووثائق وصور بعضها يُنشر لأول مرة، ويعد الكتاب أحدث إصدارات «مؤسسة التراث» غير الربحية.

وفي كلمة للأمير سلطان بن سلمان في حفل تدشين الإصدار بمعرض الرياض الدولي للكتاب الذي بدأ فعالياته يوم الخميس الماضي، أوضح أن «هذا الكتاب للجد الأمير تركي بن أحمد السديري ليس سيرة ذاتية، وإنما مسيرة تاريخية لشخص استثنائي»، مضيفاً أن «الـجـــد الأميــر تركــي بــن أحمــد بن محمــد بـن أحمــد السديــري رحمــه اللــه (1319 - 1397هـ/1902 - 1977م) كان أحد أولئك الذين أخلصوا لهذا الوطن وعملوا وضحوا من أجل رفعته؛ لذا كان من المهم تدوين تاريخه في كتاب موثق يحكي سيرة مواطن خدم الدولة طيلة حياته، وكان أحد البُناة الأساسيين والرجال المخلصين الذين اعتمد عليهم الملك المؤسس عبد العزيز، طيّب الله ثراه، كما اعتمد أئمة الدولة السعودية على آبائه وأجداده من قبله، فأظهروا إخلاصهم ومقدرتهم على القيام بالأعمال الجسيمة والمهام الصعبة، وتجاوز تحديات وظروف شاقة جعلت مهماتهم أشبه بالمستحيل».

غلاف الكتاب

وقال الأمير سلطان بن سلمان إن «هذا الكتاب يأتي تخليداً لذكرى رجل من رجالات الوطن البارزين، كنموذج لأبناء وطننا وقدوة في مسيرة حياتهم. كما أن هذه السيرة تمثل جزءاً مهماً من تاريخ توحيد بلادنا، والقصص والملاحم التي حدثت لتمكين استقرارها وازدهارها الذي نعيشه اليوم ولله الحمد، حتى يعي الشباب مكانة هذه البلاد والتضحيات التي بُذلت لتوحيدها وتمكين استقرارها، إلى جانب وعيهم بأهميتها من حيث موقعها الجغرافي الحي الغني المترابط مع الحضارات والهجرات والتنقلات البشرية عبر التاريخ، ودورها على الساحة الدولية خلال المراحل التاريخية المتعاقبة، وإدراك ثقلها الديني والسياسي والاقتصادي».

وعبر عن شكره لوزير الثقافة الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان آل سعود على جهودهم المميزة في تنظيم هذا المعرض الاستثنائي، وللرئيس التنفيذي لهيئة الأدب والنشر والترجمة الدكتور محمد حسن علوان، ولجميع من عمل على إخراج هذا المعرض بهذه الصورة المشرفة.

من جهته، أكد الدكتور أحمد العرف، مؤلف الكتاب، أن هذا الإصدار يتناول سيرة فارس مقدام، وسياسي وإداري حكيم، خدم الدولة طيلة حياته، وكان أحد البُناة المؤسسين والرجال المخلصين الذين رافقوا الملك المؤسس عبد العزيز - طيّب الله ثراه - في مسيرة التوحيد، واعتمد عليه في كثير من المهام، مؤكداً أن الكتاب الذي استغرق إنجازه نحو 6 أعوام يحتوي على وثائق وصور بعضها يُنشر لأول مرة.

سلطان بن سلمان: هذا الكتاب يأتي تخليداً لذكرى رجل من رجالات الوطن البارزين كنموذج لأبناء وطننا وقدوة في مسيرة حياتهم

وُلد الأمير تركي بن أحمد السديري عام 1319هـ، وتُوفي عام 1397هـ، وقد تولى عدداً من إمارات المناطق في السعودية: إمارة منطقة الجوف مرتين، وإمارة منطقة عسير، ثم إمارة منطقة نجران، وظل بها حتى تُوفي، وشارك الأمير تركي السديري في معركة السبلة، وعدة حملات في الحدود الشمالية والغربية، ثم عاد إلى عمله أميراً على منطقة عسير، وفي عام 1371هـ عُين رسمياً في جازان، وظل على رأس العمل حتى وفاته في مسقط رأسه الغاط. ووالده هو أحمد بن محمد بن أحمد الكبير السديري أمير الوشم وسدير والأفلاج وبريدة في عهد الملك عبد العزيز آل سعود. ووالدته هي شريفة السويد من قبيلة البدارين الدواسر أمراء جلاجل في سدير. وللأمير الراحل تركي بن أحمد السديري، خمس عشرة أختاً، أشهرهن الأميرة حصة زوجة الملك عبد العزيز ووالدة الملك سلمان. وله سبعة إخوة، تولى ستة منهم منصب أمير منطقة لفترات مختلفة.

ويشار إلى أن «مؤسسة التراث» غير الربحية، التي أصدرت الكتاب، هي مؤسسة وطنية أسّسها ويرأس مجلس أمنائها الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وساهمت في خدمة التراث الوطني السعودي، والتراث العربي والإسلامي، منذ تأسيسها عام 1996م، وتسعى إلى المحافظة على هذا التراث، وتأكيد أهميته، وقد حصلت على الجائزة العربية الكبرى للتراث التي تمنحها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو)، وذلك عن دورها في التعريف بالتراث ونشره عبر مختلف وسائل الاتصال العصرية والمكتوبة سنة 2012م، كما نالت «التراث» جائزة الدكتور عبد الرحمن الأنصاري لخدمة آثار المملكة 2017م، عن فئة الرواد من علماء الآثار السعوديين، وذلك لدورها المميز، وإسهاماتها في مجال تطوير مواقع الآثار وتأهيلها، ودورها التوعوي في مجال الآثار من خلال عدد من المعارض والأنشطة المختلفة.


عبده خال: أفتش عن مشاعر القطة!

عبده خال: أفتش عن مشاعر القطة!
TT

عبده خال: أفتش عن مشاعر القطة!

عبده خال: أفتش عن مشاعر القطة!

في المسرح الكبير بمعرض الكتاب الدولي في الرياض، التقى روائيون وروائيات من الخليج، ممن يحفل سجلهم بالجوائز الأدبية، لكنهم أجمعوا على أن الجوائز ليست معياراً لتقييم جودة العمل، وأن الوصول للعالمية لا يمرّ قسراً بطريق الجوائز، ولا ينبغي للكاتب أن يلهث خلف الجوائز، مثلما لا ينبغي له أن يضيع الوقت في السعي لتحقيق العالمية عبر الترجمة.

جمعت ندوة «الرواية الخليجية وسؤال ما بعد العالمية»، التي أقيمت ضمن البرنامج الثقافي لمعرض الرياض الدولي للكتاب، كلاً من الروائي السعودي عبده خال، والروائي والشاعر العماني زهران القاسمي، والروائية العمانية بشرى خلفان، والباحثة والناقدة العمانية الدكتورة عزيزة بنت عبد الله الطائية، والكاتب والروائي السعودي عبد الواحد الأنصاري، وأدارتها الباحثة العمانية الدكتورة منى بنت حبراس السليمي.

الجوائز والعالمية

تساءل الروائي السعودي عبده خال، الذي حصد جائزة «البوكر العربية» عن روايته «ترمي بشرر»: هل يعتيّن على الكاتب أن يسعى للعالمية عبر حصوله على الجوائز؟ ليجيب: إذا كانت الجوائز معياراً للعالمية، فماذا يعني أن روائياً كبيراً مثل الروائي الكولومبي إكتور آباد فاسيولينسي، والأرجنتيني خورخي بورخيس، لم يحصلا على جائزة «نوبل»، ومع ذلك فهما روائيان عالميان؟

وأضاف: «المبدع الذي يملك مشروعاً روائياً، لا يكتب من أجل الجائزة، فالجائزة تأتي أحياناً تثميناً لما تكتب، لكن ليست هي المستهدفة بحد ذاتها، ولو أن أي كاتب استهدف الحصول على جائزة، فعليه أن يتوقف عن الكتابة».

وزاد قائلاً: «الكتابة مختبر داخلي للبحث عن مشروعات الكاتب الخاصة ولغته الخاصة وإنسانه الخاص، فإذا كان التكريم بالجائزة يوقف هذه المسألة؛ فأتمنى ألا أحصل على أي جائزة.. فأنا أسعى للبحث عما في داخلي من عوالم، هي عالمية بذاتها ولم تأتِ عالميتها من حصولها على جائزة».

وأضاف: «العالمية تأتي حين يعبر الكاتب عن إنسانيته، وعن إنسانية الإنسان مهما كان في أي بقعة من العالم. إن الكاتب في ذاته هو عالمي، ومتى ارتقى بذاته أصبح كاتباً عالمياً، وحين يكتب عن الإنسان في أي بقعة من العالم فقد وصل إلى العالمية».

وأضاف: «في كتاباتي لا أريد جوائز بتاتاً... الذي أريده كيف أستطيع إخراج ما في داخلي من حيوات كثيرة... لي ستُ سنوات منذ شاهدتُ قطاً تمّ دهسه من قبل سيارة مسرعة، ورأيت قطة عادت تحوم حول القط المصاب وتراقبه بألم وحسرة... فقد تملكني المنظر واستولى على جوارحي وطيلة ستِ سنوات أحاول أن أكتب هذه المشاعر التي صدرت من هذه القطة دون أن أتمكن حتى الآن... فأمنياتي كلها إخراج ما في داخلي من شخوص ومن مشاعر إنسانية، وعدا ذلك لا يعنيني الحصول على الجائزة».

بشرى خلفان: نزاهة الجوائز

قالت بشرى خلفان إن «فكرة ربط جودة الكتابة بالجوائز تمثل نظرة سطحية للأدب، فكم من الكتاب الذين نعرفهم ونقدرهم ولكنهم لم يحوزوا على (نوبل)، فهل يعني أن من حاز على تلك الجائزة هم الأفضل في مجال الأدب من الآخرين؟ وهذا ينطبق كذلك على بقية الجوائز».

وأضافت: «الجوائز تنتقي ما قُدم لها في فترة محددة، واختيار الأفضل يكون عادة خاضعاً لذائقة القارئ – المحّكم، بل إن الاختيار في كثير من الأحيان يخضع للاتجاهات الفكرية والسياسية، فهناك شكل من أشكال (الموظة) يحكم اتجاه اختيار الأعمال الفائزة، كالأحداث التي تقود الرأي والأفكار المطروحة في فترة وزمان محددين».

وتساءلت: هل الجوائز تُعلي من شأن الأدب، وهل هناك نزاهة مطلقة للجوائز؟ وفي السياق نفسه قالت: هل يعقل أن أمة عظيمة كالهند يفوز منها كاتب واحد بجائزة نوبل بينما يأتي أغلب الفائزين من فرنسا؟

ورداً على كلام منى السليمي بأن الجوائز هي أنجع الطرق للتعريف بالرواية، قالت بشرى خلفان: يمكننا القول إن الجوائز أنجع الطرق للتسويق وليس للمعرفة.

الترجمة والعالمية

لكنّ ما هو دور الترجمة في الوصول للعالمية؟ وعن أي عالمية يجري الحديث، فثمة من يرى أن الوصول للعالمية يعني الوصول إلى القارئ الغربي تحديداً، وإغفال بقية شعوب الأرض.

الدكتورة منى السليمي استشهدت بمقولة للكاتب والروائي والناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو، يصف فيها العلاقة بين الكاتب العربي والقارئ الفرنسي بأنها علاقة «حبّ من طرف واحد»: «فإن هذا الكاتب قلق بشأن رضا ذلك القارئ ويبحث عن رضاه، بينما القارئ هناك غير معني بما ينجزه الكاتب العربي، كذلك فإن الكاتب في الغرب لا يهتم إن كان القارئ العربي اهتمّ بأدبه أم لا»، لتتساءل: بناء على ذلك هل هناك جدوى من ترجمة غير غربية ولا يقوم بها الغرب للأدب العربي؟

من جهته، تساءل الروائي زهران القاسمي: هل يترجم أصحاب اللغة أعمالهم إلى لغات أخرى، أم يبادر أصحاب اللغات الأخرى إلى البحث عن هذه الأعمال وترجمتها إلى لغاتهم؟ وقال إنّ الفكرة من الترجمة هي البحث عن الأدب بلسان آخر، أي «المقروئية»، وبالتالي فإن ترجمة الأدب ليست حكراً على اللغتين الفرنسية والإنجليزية، فلدينا عالم مليء باللغات، وفي الفترة الأخيرة كان هناك توجه من دول شرق آسيا كالصين مثلاً لترجمة الكثير من الأعمال العربية إلى الصينية، ولديهم مراكز كثيرة للترجمة وتبحث عن الإنتاج العربي مهما كان موطنه.

وأضاف: نحن حتى الآن أنظارنا مصوبة نحو الغرب ونتجاهل اللغات الأخرى.

المركز والأطراف

وبدا أن الروائيين الخليجيين المشاركين في هذه الندوة يحملون ندوباً في الذاكرة مما يعدونه ثنائية «المركز والأطراف»، التي عبرّ عنها الروائي السعودي عبده خال قائلاً: لو عدنا للخلف قليلاً سنجد أننا في دول الخليج نعاني من عقدة «الدونية» تجاه المثقف العربي، وأضاف: في الستينات والسبعينات وحتى ثمانينات القرن الماضي كنا نُعد أطرافاً، وكانت بعض الشخصيات العربية تعدنا أطرافاً.

وقال خال: «ساهمت الطفرة الاقتصادية في أن تحظى دول الخليج بقفزة اقتصادية عالية، تلا ذلك ما حدث من «تهشيم» لبعض دول المركز في العالم العربي... وحين عادت دول الخليج للصدارة عاد السؤال مجدداً: هل يحصل كتاب الخليج على جوائز لأنهم من دول أصبحت مراكز في العالم العربي، أم لأنهم جديرون بتلك الجوائز؟».

بينما قالت الدكتورة عزيزة الطائية: «هناك من ينظر إلى العمل الأدبي من منظار الآخر، ولا ينظر للعمل مجرداً من إيحاءات الآخرين. فنحن نطلب من الآخر أن يعترف بنا قبل أن يعترف بنا أبناء (جلدتنا)، وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى جدلية المركز والهامش، وهذا ما يعاني منه الكتاب في الخليج، خصوصاً عندما يحقق أحدهم الفوز في أي مسابقة أدبية، أو جرى استحسان نصوصه، فإن الملامة توجه إليه فوراً بدعوى كيف يتفوق هذا النصّ على نصّ أديب عربي آخر، لأن الأديب الخليجي يُنظر إليه على أنه خرج من هذه البقعة المهمشة».

منيف والعالمية

أوردت الدكتورة منى السليمي، نقداً كتبه في عام 1988 الروائي الأميركي المعروف جون جون أبدايك في مجلة «نيويوركر»، قال فيه «إنه لأمر يؤسف له أن السيد (عبد الرحمن) منيف لم يكن متشبعاً بما يكفي بالقيم الغربية التي تؤهله لإنتاج سردية روائية تقترب كثيراً مما ندعوه رواية بالرغم من أنه يعيش في فرنسا»، وتساءل السليمي: هذا الحكم الذي أطلقه جون أبدايك على رواية «مدن الملح»، ألا يعطي إجابة على مفهوم العالمية من وجهة نظر الغرب..؟

ليجيب عبد الواحد الأنصاري، بأنه يتفق مع جون أبدايك بأن رواية «مدن الملح»، «ليست ذات فنية عالية رغم أنها عالمية، (..) فهي أصبحت عالمية لأنها تعد مختلفة في فترة ما، ولأجل أنها حملت مسحة هجائية كان اليسار العربي الاشتراكي واليسار الغربي يبحثان عنها في تلك الفترة التي كانت الحرب الباردة تستدعي نوعاً من التنازلات بحيث إن أي شخص يهجو الحكومات الملكية ولا يدعو للشيوعية السوفياتية فإنه يكون مقبولاً ومحتفى به».

ومضى يقول: «أوافق جون أبدايك في ضعف مستوى هذه الرواية على الرغم من أنها اشتهرت وتحظى بجماهير كثيرة، وفي الوقت نفسه أتفق مع رؤية لغازي القصيبي حول رواية (مدن الملح) - رغم أن القصيبي ليس روائياً وليس ناقداً – حيث عدَّ هذه الرواية رواية مترهلة».

وقال: «ربما كان جون أبدايك يقصد بالقيم الغربية في حديثه عن رواية منيف القيم الفنية التي يقوم على أساسها تحرير الرواية وشدها، وهذا لا يمنع أيضاً أن كلامه يحتمل تلك القيم التي جرى عولمتها مع انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، والمأخذ المحتمل إن منيف لم يستوعب الرؤية التي جرى تبنيها في ذلك الوقت».


قصة قصيدة «عالقة» لاكثر من 30 عاماً

رشدي العامل
رشدي العامل
TT

قصة قصيدة «عالقة» لاكثر من 30 عاماً

رشدي العامل
رشدي العامل

ننشر هنا قصيدة مجهولة للشاعر العراقي رشدي العامل (1934 - 19 سبتمبر/ أيلول 1990) لم تنشر من قبل، ولم تتضمنها أعماله الشعرية الكاملة، التي صدرت عن دار «المدى» عام 2010.

وكان الشاعر قد أرسل شريط كاسيت إلى صديقه وقريبه ضمير العاني، المقيم في المغرب، يتضمن هذه القصيدة، عام 1989، أي قبل وفاة الشاعر بسنة واحدة، بيد الشاعر المغربي الراحل محمد الطوبي. ولظروف ما، بقيت هذه القصيدة في أدراجه لأكثر من 30 سنة، إلى أن أرسلها قبل أيام إلى ابن الشاعر، علي.

ينتمي رشدي العامل إلى مرحلة ما بعد الرواد إلى جانب سعدي يوسف ويوسف الصائغ ومحمود البريكان وحسين مردان. وتميز شعر العامل بالتزامه السياسي، مازجاً إياه بحس رومانسي رهيف لم يفارقه طوال حياته القصيرة؛ شاعراً وإنساناً، لا نجد فرقاً كبيراً بين قصيدة رشدي الأولى، في أوائل الخمسينات، وآخر قصيدة كتبها في آخر الثمانينات، حتى ليمكن القول إن رشدي لم يكتب سوى قصيدة واحدة، ابتداء من «أغانٍ بلا دموع»، الصادر عام 1957 إلى آخر قصيدة له. تعرض العامل للاضطهاد في العهد الملكي، ففُصل من الدراسة في شبابه، ونفي إلى القاهرة، ثم عاد إلى العراق بعد انقلاب 1958. وبعد انقلاب 1963 البعثي، سجن في «قصر النهاية». وبعد انقلاب 1968، مُنعت كتابته أكثر من مرة.

من مجموعاته الشعرية: «همسات عشتروت» 1951، و«أغانٍ بلا دموع» 1956، و«عيون بغداد والمطر» 1961، و«للكلمات أبواب وأشرعة» 1971، و«أنتم أولاً» 1983، و«هجرة الألوان» 1983، و«حديقة علي» 1986، و«الطريق الحجري» 1988.

(تخطيط الفنان فيصل لعيبي)

المنعطف

وعبرتُ الحزن

مزقتُ على ارصفة الليل شراعي

عدت أستلقي من الضحك على كل

الذي كنا وكان

جمراتُ الشعر والثورة في

التاريخ والاحرفُ في الراية

والاوتار في القيثار

والبُحّةُ في صوت المغني والاغان

لا الأسى يخنقُ صوتي، لا براكينُ الغضب

كل ما لذتُ به يوماً، بيوتٌ من قصب

كل ما أضحكَ او أبكى مرايا ولعب

يا زمانَ التيه في عقل العصافير مضى ذاك الزمن

ها انا مملكتي الصمتُ وبوابةُ حزني مقفلة

ودروبي أينما يمّمتُ وجهي مستحيلة

في دمي يصرخ ثعبانٌ الى متكأٍ لن أصله

في شفاهي يذبل الوردُ وتبكي السنبلة

فأتركي لي باقة النسيان في سلّة روحي المثقلة

ما انا وهمٌ تخطاك وما انت بخيلة

تعب الوردُ من الطَلَّ، وناء الغصنُ بالاوراق

ضاق الأفقُ بالاجنحة المنتقلة

عُصرت كلُ العناقيد ومال النهر عن مجراه

وأبيضّت عيونُ البرتقال

يبس الصدر وما درّ حليب الثدي بالرضعِ

واستلقى من القهر الرجال

واستحال الثلج اكواماً من الطين

وتلاً من رمال

غير ان الأرضَ ما ضاقت بموتاها وما زالت

تدور المقصلة

في عراء الدرب ألقيتُ وراء الباب ظلي، وتركت

الغابَ والنهر ورائي

والضفاف

ودخلت المعبدَ النائي

تربعتُ على الأرض

لمستُ الخشب البارد والكرسيّ

مهجوراً بركن الاعتراف

قلت يا سيدي الكاهن صليتُ بلا قلب

وغنيتُ بلا صوت

وحاربتُ بلا سيفٍ

ومُتُّ

مرةً في شارع النهر امام امرأة شاحبة الوجه

ركعتُ

مرة في غرفة التعذيب في السجن

بكيتُ

مرة من اجل طفل جاحظ العينين في الدرب

سرقتُ

مرةً في المعركة لم اكن اعرف

من يقتل من

من اجل ماذا

فهربتُ

حاكموني، قطّعوا لحمي اوصالاً

رأيت الله في وجهيَ يبكي، فبكيتُ

غير اني كلما غيّبني قبرٌ عميق، وصرختُ

سحبوني دونما ذنبٍ الى محكمة الصبر

وشقوا كفن الأموات عني وبُعثت

ها انا يا سيدي الكاهن، ارجو الصفحَ والغفران

من غير خطيئة

فنهاراتي ضياءٌ، ولياليّ بريئة

اسأل الربَ ولو شبراً من الأرض

يواريني به حيث ولدتُ

ها انا، ها انتِ، وجهان على المسرح

في احدى الزوايا

عافنا المخرج بين الظل والضوء عرايا

ترتدي اشباحُنا الصمتَ، وتُخفي الأقنعة

لعبةً في مسرح التهريج، ما بين المرايا

حسناً، نحن بلا ارضٍ، ولا وجهٍ، ولا إسمٍ

ولا تاريخْ

ألقانا جناحُ الزوبعة

وبدأنا اللعبةَ

انت المخرجُ الحاذق والناقدُ

انت المسرحيةْ

وانا الشاعر والأشعار، والجوقة والعاشقُ

يبكي والمغني

وانا القاضي، انا الشاهدُ

والمتهمُ الغائب في كل قضية

يركع الحاجبُ: يا سيديَ القاضي

لقد جاءت وفودُ العدل، والمتهمُ الثاني

وسيّافُ العدالة

من هو المتهم الثاني

هو الجمهور يا سيدي القاضي

وها جاء الملقّنْ

تبدأ الجلسةُ نصفَ الليل: باسم العدل والقانون

والرمزِ الذي يحكمنا الربُ خلاله

ينتهي المشهدُ بالاعدام للشاهد والقاضي

وبالحجز على المتهم الثاني، وبالحبس لقيثار المغني

وبجلد الشاعرِ المجنون والعشاقِ في مملكة الله ودفنِ المسرحية

وعلى الناقد والمخرج، قانوناً، رسومُ البلدية

وعلى أجهزة التنفيذ اغلاقُ القضية.

لك وجهان

فوجهٌ يمنح للعين براءته

يمرح كالاطفال

ويرقد في الليل جميلاً ونهائياً

والثاني

يملأه الضجرُ

قل لي كيف أشوفُ الضلعَ

الثالث في منحنيات

الخيبة والقهر، تعكس للضحك المتماوج

كيف ألمُّ الصدقَ من الوجهين

لك قلبان، فقلبٌ للغضب المر

تنوح به الريحُ وتسكنه النار

ويُذكيه الشرر

والآخر كالموج رخياً

يسبح فيه القمر

ايّهما ينأى لو عدتُ اليك

وايهما ينتظر

سأظل اوزع دربي بين الدربين

وامنح نبعَ جراحي للقلبين

لي صوتان

صوت للهمس يقدم أوراقاً رسمية

للحراس الوطنيين، وللباعة في أسواق اللحم البشري والتجار

والصوتُ الآخر، مخبولٌ، للثورة والثوار

يا أمرأةً

تعرفُني وجهين ولا تُبصرني

تُصغي للاصوات على شفتي ولا تسمعني

تسكن نبضَ القلب ولا تعرفني

نحن غريبان نلوذ ببرد الصحراء

نحن طريدان بلا أسماء

نهرب في عُري خطانا

من أقنعة المدن

هذا زمنُ العشقِ الكاذب

خليني عند محطات الليل، وحيداً

منتظراً زمني

أيار 1988


روائيون عمانيون يناقشون واقع الرواية في أمسية بـ«معرض الرياض الدولي للكتاب»

 ندوة (الرواية العُمانية) ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب
ندوة (الرواية العُمانية) ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب
TT

روائيون عمانيون يناقشون واقع الرواية في أمسية بـ«معرض الرياض الدولي للكتاب»

 ندوة (الرواية العُمانية) ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب
ندوة (الرواية العُمانية) ضمن فعاليات معرض الرياض الدولي للكتاب

في ندوة «الرواية العُمانية: بانوراما ثقافية وفنية»، التي أقيمت ضمن البرنامج الثقافي لـ«معرض الرياض الدولي للكتاب 2023»، تحدّث ثلاثة من الأدباء العمانيين عن واقع الرواية العُمانية، والمستوى الفني والأدبي الذي وصلت إليه، وما وصلت إليه من تطور وحضور محلي وعربي، وما حققته من جوائز ثقافية خلال الفترة الأخيرة.

وشارك في الندوة القاصّ والشاعر زهران القاسمي، والروائية بشرى خلفان، وأدارها الكاتب والإعلامي سليمان المعمري. واعتبر زهران القاسمي أن الرواية العُمانية تعيش زخماً أدبياً، خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث ينتمي أغلب الروائيين إلى جيل واحد، واستطاعت تحقيق جوائز عربية ودولية عدة؛ وعلى رأسها «البوكر»، مبيناً أن الجانب السياسي فاعل في تركيبة الرواية المحلية، مثلما كانت الحال عربياً.

وقال: «فكرة الأب الروحي للأدب والرواية ليست مقصورة على الأدب المحلي فقط، وبالنسبة للروائيين العُمانيين يتنوع استخدامهم للأسلوب الفني دون تأطير، ومضامينها ومجالاتها وأشكالها، وأساليب كتابة حبكتها وحوارها، ورسم ملامح شخوصها».

وذكرت بشرى خلفان أن الرواية العُمانية كانت بحاجة إلى النضج الفني وقوة المنتج، ومن ثم استطاعت لفت الانتباه عربياً، وليس تحقيق الجوائز فحسب، مشيرة إلى أنهم تتلمذوا على يد كثيرين من الأدباء العرب والرواية والأدب العالمي.

وأفادت بأن الروائيين المحليين مختلفون في استخدام تقنيات وطرق الكتابة والسرد القصصي، ولا سيما من ناحية البناء الفني لها وطرائق إجرائها، للتعبير عن المضامين الروائية.

بدأت بشرى خلفان الكتابة عام 1995، لكن إصدارها الأول تأخّر حتى عام 2004 وهو مجموعتها القصصية «رفرفة»، ثم توالت إصداراتها بعد ذلك، فقدمت روايتين لقيتا نجاحاً نقدياً وجماهيرياً لافتاً هما «الباغ»، و«دلشاد» التي فازت بجائزة «كتارا» للرواية العربية عام 2022، ووصلت، في العام نفسه، إلى القائمة القصيرة لجائزة «البوكر» العربية. كما أصدرت ثلاث مجموعات قصصية هي «رفرفة»، و«صائد الفراشات الحزين»، و«حبَيْب رمان»، وقد جمعت هذه المجموعات الثلاث في كتاب واحد عنوانه «حيث لا يعرفني أحد»، مضيفة إليه كتاب نصوصها السردية المفتوحة: «غبار». ولها كتابان هما «مظلة الحب والضحك»، و«ما الذي ينقصنا لنصبح بيتاً».

وبالنسبة لزهران القاسمي فقد صدر له حتى الآن أربع روايات هي: «جبل الشوع» 2013، و«القناص» 2014، و«جوع العسل» 2017، و«تغريبة القافر» 2022. بالإضافة إلى كتابين في القصة هما: «سيرة الحجر1» 2009، و«سيرة الحجر 2» 2011.

وزهران القاسمي أيضاً شاعر معروف في عمان، أصدر حتى الآن تسع مجموعات شعرية.

صورة بانورامية

وفي مقدمته للأمسية، قدّم سليمان المعمري صورة بانورامية لواقع الرواية العمانية، موضحاً أن الرواية العُمانية شهدت تألقاً لافتاً، خلال السنوات الأخيرة، على الصعيد العربي، رغم العمر القصير نسبياً.

وبيَّن أن الرواية العمانية مرّت بمرحلتين؛ مرحلة التأسيس في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، ومرحلة النضج منذ عام 1999.

وقال المعمري إن النجاحات التي حققتها الرواية العمانية، في السنوات الأربع الماضية، تحققت رغم العُمر القصير نسبيًّا للرواية في عُمان؛ منذ فوز جوخة الحارثي بجائزة «مان بوكر» العالمية عام 2019 عن الترجمة الإنجليزية لروايتها «سيدات القمر»، ثم فوزها من جديد عام 2021 بـ«جائزة الأدب العربي» في فرنسا عن الترجمة الفرنسية للرواية نفسها. ووصول رواية «سر الموريسكي» لمحمد العجمي للقائمة الطويلة لـ«جائزة الشيخ زايد» عام2021، وفوز بشرى خلفان بجائزة «كتارا» عام 2022، فضلاً عن وصولها للقائمة القصيرة لجائزة «البوكر» العربية في العام نفسه، وأخيراً فوز زهران القاسمي بجائزة «البوكر» العربية عام 2023.

وأضاف أن عبد الله الطائي كتب روايته «ملائكة الجبل الأخضر»، وهي أول رواية عُمانية (كُتبت عام 1963)، إلا أن الصحيح أيضاً أنها نُشرت بعد وفاته، وتحديداً عام 1981، لذا فإن عمر الرواية العُمانية، اليوم، هو اثنتان وأربعون سنة فقط. وحتى هذا العمر القصير ينقسم إلى مرحلتين؛ الأولى هي مرحلة التأسيس، التي بدأت برواية الطائي هذه، وروايته الأخرى «الشراع الكبير»، واستمرت بروايات نُشرت في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، لسعود المظفر، وسيف السعدي، وحمد الناصري، ومبارك العامري، وآخرين.

وأضاف: «لأنها مرحلة البدايات فإن النقد والتأريخ الأدبي في عُمان كان يتغاضى دائماً عن عثراتها الفنية، ولم ينظر إلى أغلبها أكثر من كونه تسجيل حضور تاريخي». أما المرحلة الثانية فهي مرحلة النضج الفني (أو بداياته على الأقل) التي يمكن التأريخ لها برواية بدرية الشحي «الطواف حيث الجمر» عام 1999، وهي ثاني رواية من تأليف كاتبة عُمانية (بعد رواية «قيثارة الأحزان» لسناء البهلاني الصادرة عام 1994).

وقال المعمري: «من هذا المعطى يمكن القول إذن إن الرواية العُمانية احتاجت فقط إلى عشرين عاماً لتفوز بجائزة عالمية مرموقة كـ(مان بوكر)، وهو عمر قصير في تاريخ الأدب. غير أنه ينبغي الإشارة إلى أنه إذا كانت الرواية هي ابنة الحركة والتدافع والصراع اليومي بين الأضداد، فإن عقدين من الزمن بين روايتيْ بدرية الشحي وجوخة الحارثي شهدا تحولات اجتماعية وسياسية واضحة في عُمان انعكست على الرواية ومضامينها، بل تقنيات كتابتها».

وقد شاهدنا روايات عُمانية، خلال هذه الفترة، تُنافس في مسابقات أدبية عربية (فازت رواية «الأشياء ليست في أماكنها» لهدى حمد بجائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2009، وصعدت «تبكي الأرض يضحك زحل» لعبد العزيز الفارسي، إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2008، و«سيدات القمر» لجوخة الحارثي، للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد عام 2011، قبل سنوات من فوزها بجائزة مان بوكر العالمية).

كما شهدنا تنوعاً في مضامين الروايات العُمانية أو الهمّ الكتابي الذي يحرّك مؤلفيها؛ فإذا كانت روايات جوخة الحارثي وهدى حمد قد عُنيت بتقديم نماذج لنساء عُمانيات قويات يواجهن متاعب الحياة بصلابة وإصرار، فإن تجربتَي الروائيين الراحلين أحمد الزبيدي وعلي المعمري اهتمتا بتقديم التاريخ السياسي المعاصر لعُمان في قالب فني، ولا سيما تاريخ ثورة ظفار الذي تناوله الزبيدي في رواياته «أحوال القبائل»، و«سنوات النار»، و«امرأة من ظفار»، في حين تناوله علي المعمري في روايته «همس الجسور»، بينما تناولت روايتُه «بن سولع» تاريخ الصراع في واحة البريمي. هذا التاريخ السياسي العُماني المعاصر فرض حضوره أيضاً في روايتي «حوض الشهوات»، و«الحرب» لمحمد اليحيائي، ورواية «الباغ» لبشرى خلفان، و«الأحقافي الأخير» لمحمد الشحري، و«عودة الثائر» ليعقوب الخنبشي.

وثمة روايات عمانية يمكن أن نُدرجها في خانة «تسريد المستقبل»، كرواية «عام 3000» لسالم آل تويه، التي يذهب فيها الروائي إلى عام 3000 ليتخيل طبيعة تطور المجتمع البشري العلمي والإنساني، من خلال محاولة علماء ذلك الزمن إحياء ميت عربي من زمننا... ورواية «الفطر» التي يتخيل فيها الروائي محمد العجمي ما يمكن أن يصنعه اندماج الروبوتات في النسيج الاجتماعي في المستقبل.


عناوين روايات خالد خليفة تتصدر نعوات أصدقائه

لوحة الفنان بطرس المعري في نعي خالد خليفة
لوحة الفنان بطرس المعري في نعي خالد خليفة
TT

عناوين روايات خالد خليفة تتصدر نعوات أصدقائه

لوحة الفنان بطرس المعري في نعي خالد خليفة
لوحة الفنان بطرس المعري في نعي خالد خليفة

*كانت الأجهزة السورية تمنحه إجازة سفر لمرة واحدة غير قابلة للتجديد، على أمل أن تكون مغادرته بلا عودة، إلا أنه كان يعود دائماً

كأن السوري خالد خليفة حين كان يضع عناوين رواياته، كان يخطّ كلمات نعواته التي تدفقت، مساء السبت، إلى حسابات طيف واسع من المثقفين والفنانين السوريين على وسائل التواصل الإجتماعي، لدى تلقّيهم نبأ رحيله المفاجئ. حيث وجده أصدقاؤه المقرَّبون مستلقياً على الأريكة مفارقاً الحياة، على أثر احتشاء في العضلة القلبية، إذن «الموت عمل شاقّ لك ولنا» كتب كثيرون من الأصدقاء مؤكدين أن قلوب كثيرين ستصلّي عليه، استعارة لعنوان رواية «الموت عمل شاق»، ورواية «لم يصل عليهم أحد».

الروائي خالد خليفة، الذي يناديه الأصدقاء بـ«الخال»، كان قد تفرّغ منذ بداية مسيرته الأدبية، لاحتراف الكتابة الإبداعية، وسخَّر لها كل طاقاته ونشاطاته، وتمكّن، بدماثته المشهودة، من نسج علاقات صداقة ودية متينة في الأوساط الثقافية المحلية والعربية، وحتى الأجنبية، بدأب في السنوات الأخيرة، على السفر، رغم تقييد حركته من قِبل الأجهزة الأمنية السورية التي كانت تمنحه إجازة سفر لمرة واحدة غير قابلة للتجديد، على أمل أن تكون مغادرته بلا عودة، إلا أن «خالد» كان يعود إلى دمشق التي اختار الاستقرار فيها، ما دام قادراً على البقاء. صديقه المقرَّب، ابن مدينة حمص، عبد الباسط فهد، أكد ذلك في نعيه لخالد، عبر حسابه في «فيسبوك»: «جمعَنا شعور مشترك وقرار حازم لا رجعة فيه بالبقاء في البلد، رغم خرابها الأخير، ورغم الفرص الكثيرة للرحيل والهجرة».

وبينما تجاهلت الجهات الرسمية السورية نبأ رحيل خليفة، وما خلفه من صدمة وحزن كبيرين في الأوساط الثقافية والفنية، نعاه المحتجّون في محافظة السويداء، ورفعوا عبارات النعي مع صور الراحل في ساحة الاحتجاجات المركزية، يوم أمس الأحد: «عشتَ حرّاً كما سنديان الجبل، وداعاً خالد خليفة». وبدورها نعته «رابطة الكُتاب السوريين»، في بيان قالت فيه إن «خالد» رحل في دمشق التي عاش فيها ولم يغادرها، «تاركاً خلفه الصدمة والحزن لدى كل من عرفه وقرأه في سوريا وفي عموم الوطن العربي والعالم». ولفت البيان إلى أن خليفة هو من أبرز وجوه الروائيين السوريين الذي قدّموا للقراء أعمالاً جماهيرية تلتزم قضايا المجتمع وتحاول أساليب مختلفة في السرد، فكان من خلال ذلك «أنموذجاً للكاتب الذي حمل روح التجدد والشباب». وتابعت الرابطة أن «خالد» لم يتردد لحظة في الوقوف مع مواطنيه في عام 2011، حين نزلوا الشوارع، وتعرَّض لاعتداء جسدي مباشر ومُضايقات متكررة على مدى أعوام طويلة، وتم تقييد حركته لفترة، قبل أن يُسمح له بالمغادرة، بموجب موافقة أمنية لا تجدَّد تلقائياً، الأمر الذي وضعه تحت طائلة حرمانه من حقه في السفر والعودة».

خالد عبد الرزاق، الشهير بخالد خليفة، وُلد في حلب 1963، لعائلة تنحدر من بلدة مريمين، في ريف عفرين (شمال حلب)، درس الحقوق في جامعة حلب، وتخرَّج فيها عام 1988، دخل عالم الأدب بكتابة الشعر، ومع بداية التسعينات برز بوصفه كاتب سيناريو، من خلال مسلسلات تركت أثراً واضحاً في الدراما السورية، منها «قوس قزح»، و«سيرة آل الجلالي»، و«المفتاح»، و«العراب»، و«هدوء نسبي»، و«ظل امرأة»، كما كتب أفلاماً وثائقية وأفلاماً قصيرة، وأفلاماً روائية طويلة؛ منها فيلم «باب المقام».

أولى رواياته كانت «حارس الخديعة» عام 1993، بعدها أصدر رواية «دفاتر القرباط» عام 2000، ليحترف كتابة الرواية، ويَذيع صيته مع صدور رواية «مديح الكراهية» التي تُرجمت إلى اللغات (الفرنسية، والإيطالية، والألمانية، والنرويجية، والإنجليزية، والإسبانية)، كما وصلت إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية «بوكر» في دورتها الأولى عام 2008، ليواصل نجاحه، وتتوالى أعماله الأدبية التي كانت تلقى رواجاً واسعاً كرواية «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة»، التي حازت، عام 2013، جائزة نجيب محفوظ للرواية، ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية. و«الموت عمل شاق» الصادرة عام 2016، و«لم يصلّ عليهم أحد» عام 2019.

رحل خليفة وهو في أوج عطائه، مخلّفاً الصدمة، وكثيرون من أصدقائه لم يصدّقوا بدايةً النبأ، وظنّوا أنها مزحة سمجة، لكنْ ومع تأكد الخبر تدفق إلى وسائل التواصل الاجتماعي موجة عالية من نعوات المثقفين والصحافيين والفنانين والناشطين السياسيين داخل سوريا وخارجها، وكتب الشاعر السوري منذر المصري معاتباً: «خالد... عأساس تطبع مخطوط الرواية الجديدة (غرفة بصاق للعمة) على ورق ونشتغل عليها سوا... أي أساس!؟ حياتنا كلها حفر وخراب»، ذاكراً أنه، وخلال مقابلة صحافية، حين سُئل عن خالد قال: «أخاف أن يموت قبلي! صدقاً كنت عارف!».

الفنان التشكيلي بطرس معري نعاه بلوحة رمزية تضمنت «بورتريه» مع كتابة «خالد خليفة أحبَّ بلده فأحبَّه البلد وأهل البلد».

من جانبه أظهر الكاتب والصحافي المصري سيد محمود فيضاً من مشاعر الحزن والأسى، وكتب: «أنعى لكم قطعة من قلبي، مات خالد خليفة وتركني في العراء، لا أحد عندي مثل خالد».

وكذلك نعاه الأديب الكويتي طالب الرفاعي قائلاً: «كأن الموت ينتقي أحبابه، خبر صادم يا صديقي». المخرج السوري هيثم حقي بدا غير مصدّق النبأ: «خالد خليفة، هل حقاً رحلت؟ كيف ترحل وأنا ما زلت بانتظارك للقاء أجّلناه، ولم نتصوّر أن (الموت الشاق) لن يعطينا فرصة كنا نتمناها... أخي وصديقي الحبيب وشريكي في عدد من أعمال تلفزيونية، نجحت بك وببراعة حسّك الروائي العالي... ورغم عدم تصديقي أتلفّظ أصعب جملة: رحل خالد خليفة... الألم والمرارة أصرّا على صفعي بالحقيقة».


رواية سورية تصدر بعد 37 سنة من كتابتها

رواية سورية تصدر بعد 37 سنة من كتابتها
TT

رواية سورية تصدر بعد 37 سنة من كتابتها

رواية سورية تصدر بعد 37 سنة من كتابتها

صدرت حديثاً عن «محترف أوكسجين للنشر» في أونتاريو، رواية للروائي السوري علي عبد الله سعيد، وهي بعنوان «سكّر الهلوسة»، وذلك بعد 37 سنة من كتابتها.

جاء في كلمة الناشر:

«تتجاوز هذه الرواية زمنَها الحقيقي بين عامي 1983 و1986، لتفرض زمنها الخاصّ، مديداً وآنيّاً، مليئاً بالأحداث والشخصيات، في حبكة تتخطى فيها كل ما هو تقليدي، ليس تناغماً مع موضوعها الشائك وعوالمها المركّبة فحسب؛ إنَّما لقدرةِ علي عبد الله سعيد على إحداث الدهشة منذ السطر الأول: (هارباً من الجحيم اليوميّ). ولتمضي لعبة السرد على مدار تسعة فصولٍ يطارد فيها البطل هروبه إلى ما يتوق إليه وينفلت منه، إلى ما يجعلُه يصارع مصائره بضعفه وهشاشته، بتأمّلاته الفلسفية، بتوْقه المتجدّد للحبّ والامتثال الكامل للجسد، باقتحامات وتصادمات وهلوسات تتجلى في غرفٍ مظلمة، وفي شوارع تتربّص بالعابرين إلى خلواتهم في زمن الحرب، وفي دهاليز المؤسّسة بجدرانها الصمّاء ومكاتبها الضيّقة، وبموظّفيها وطقوسهم المجنونة، في محاولةٍ لدرء تصدّعات الحياة».

لا تأبه هذه الرواية بالمنع والتغييب، ولا بكل ما جُوبهت به لئلا تُطبع، وها هي تخرج إلى النور طازجة، كما لو أن الروائي السوري علي عبد الله سعيد انتهى من تأليفها للتوّ، وليس منذ أكثر من سبعٍ وثلاثين سنة. إنها رواية عصيّة على الزمن، تُوقظ وردة نديّة من حلمها، وتجعل من الشهيق والزفير معركة، أما سُكّرُها فله أن يذوب بحياة راويها ونسائه، وهو يقصّ على سلام الجزائري حيواته مع النازفين المرميّين في العراء، تارة يسرد ويضيء، وأخرى يُهَلوس ويهذي، وفي خضمّ ذلك تتوالى الحكايات والإشراقات والرغبات، والخيانات والخيبات والهزائم، كما لو أنّ النص قفزةٌ في الزمن، ومعبرٌ روائيّ استثنائي إلى واقع يوثّقه سعيد بأن يشكّله ويعيد تشكيله مراراً تحت إملاءات التوق إلى الحب والحرية والحياة.

من أجواء الرواية:

«الحب... يا سلام...

ما الفائدة من الحب؟

ما الفائدة من الحزن؟

ما الفائدة من الوطن؟

ما الفائدة من الفرح؟

أبدو يائساً وشهيّاً...

كان يأسي لذيذاً...

كان الوطن بين القتَلة ضيِّقاً كالحذاء الذي اهترأ. لذا... أتلمَّس مسامير اللحم التي خلّفها الوطن على قفا أصابعي.../ وأنتِ أتقبلين يأسي هكذا؟ أم تريدين وردة السفرجل الحزينة الذابلة؟».