سيمون فتال تعرض في لندن أعمالها السيراميكية

الفنانة سيمون فتال مع بعض أعمالها
الفنانة سيمون فتال مع بعض أعمالها
TT

سيمون فتال تعرض في لندن أعمالها السيراميكية

الفنانة سيمون فتال مع بعض أعمالها
الفنانة سيمون فتال مع بعض أعمالها

تقيم الرسامة والنحاتة وفنانة السيراميك سيمون فتال معرضاً جديداً في غاليري «وايت شابل» white chapel في لندن يستمر حتى شهر مارس (آذار) من العام المقبل 2022. ويضم المعرض أعمالاً متنوعة من تجربتها الجديدة في فن السيراميك والخزف، وهو يحمل عنوان «إيجاد الطريق» finding a way. وطريق سيمون فتال يؤدي إلى معالم الحضارات القديمة، المتوسطية والمصرية والإغريقية، عبر الفن وتحديداً فن السيراميك الذي يعتمد في شكل رئيسي على الطين، أي على مادة الخلق الأول، بحسب الحكاية التراثية في الأديان الإبراهيمية. إنها في معنى ما تعيد خلق الأشكال والأجساد من جديد وتبث فيها حياة رمزية قائمة على المعاني التي تختزنها هذه الكائنات الطينية التي تحولت إلى أعمال فنية جمالية، تخاطب العين مثلما تخاطب القلب والعقل والمخيلة.
تبدو صالات غاليري وايت شابل في لندن ملائمة لهذه الأعمال السيراميكية، بجدرانها الحجرية وجوها الهندسي، فكأن المنحوتات الطينية وجدت هنا مكانها التاريخي والحضاري. قامات كأنها لأشخاص نهضوا من حياتهم السابقة ووقفوا منتظرين إشارة من السماء. أعمدة مجوفة كتبت عليها جمل أو رسمت عليها أزياء ورموز حتى لتغدو شواهد على حياة مضت أو حياة ستأتي، أجساد طينية شبه ممحوة التفاصيل بل أطياف أجساد حاضرة بثقلها الوجودي وبعدها الميتولوجي. لا يحتاج الجسد بين يدي سيمون فتال إلى أن يكتسب كل تفاصيله، إنه حاضر في معانيه ودلالاته الرمزية. وقد نجحت الفنانة في توزيع هذه القامات والأجساد في فضاء الصالة، فبدت كأنها تتلاقى وتتحاور بصمت، مستعيدة حكايات الحضارات القديمة، لتجسد مشهداً من مشاهد القيامة. قامات تتحدى فعل الموت وتجعل من تشوهات التاريخ وكوارثه مادة جمالية، هي جمالية الكينونة الترابية أو الطينية.
ويضم المعرض مجموعات من اللوحات الطينية المستطيلة أو المربعة الملقاة بعضاً إلى بعض لتمثل مدفناً رمزياً ربما أو مزاراً حجرياً أو كتلة من الأشكال المتداخلة والمنفصلة في وقت واحد، كأنها واحد من المعالم الحضارية التي يربض فيها الزمن وتطلع منها الذكريات الغابرة. تتنوع أعمال سيمون فتال في هذا المعرض لكنها تمثل صورة بانورامية شاملة عن مسارها الإبداعي، كيف بدأته وكيف طورته لتصل إلى هذه المرحلة من الرسوخ. فتؤكد نفسها فنانة لبنانية وعربية وعالمية في فن السيراميك الذي فرضت عليه بصمتها الفريدة والخاصة.



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.