أبحاث جريئة لكشف أسرار قوة الذاكرة لدى بعض المسنين

خلايا كبيرة الحجم في المخ قد تكون مسؤولة عنها

أبحاث جريئة لكشف أسرار قوة الذاكرة لدى بعض المسنين
TT

أبحاث جريئة لكشف أسرار قوة الذاكرة لدى بعض المسنين

أبحاث جريئة لكشف أسرار قوة الذاكرة لدى بعض المسنين

تعرفت طالبة تدعى تامار غيفين على مجموعة من الأفراد الكبار في السن عام 2010؛ كانوا قد تطوعوا من أجل دراسة عن الذاكرة تجريها كلية طب «فينبرغ» بجامعة «نورث ويسترن» الأميركية. ورغم أن أعمارهم كانت تتجاوز الثمانين، اكتشفت غيفين وزملاؤها أنهم أحرزوا في اختبارات الذاكرة درجات مرتفعة تكافئ درجات من هم في الخمسينات من العمر. واشتكت من أن ذاكرتهم قوية للغاية، وكانت تطلق عليهم هي وزملاؤها لقب «المتقدمون في العمر الخارقون». وكانت مثابرتهم وما يتمتعون به من حس دعابة مثارا للإعجاب بالنسبة لها.
واتخذ بحث غيفين أخيرا منحى جديدا حادا، ففي بداية الدراسة، وافق المتطوعون على التبرع بأدمغتهم من أجل البحث العلمي. وتُوفي بعضهم وكانت مهمة غيفين تتمثل في البحث عن أدلة تشريحية تشير إلى تميز وتفرد عقولهم. وقالت: «كانت أمامي فرصة متميزة هائلة لا يمكنني وصفها. لقد تعرفت عليهم وأجريت عليهم اختبارات أثناء حياتهم وبعد مماتهم. وفي النهاية كنت أنا من ينظر إليهم من خلال عدسة الميكروسكوب».

* خلايا كبيرة
وتتجه غيفين وزملاؤها الآن نحو نشر نتائج هذه الدراسات التي أجريت عليهم بعد الوفاة. وذكر العلماء في دورية «العلوم العصبية» حديثا أن أحد الاختلافات يتعلق بوجود خلايا مخ كبيرة بشكل ملحوظ، وتعرف تلك الخلايا باسم خلايا «فون إيكونومو» العصبية von Economo neurons. وكانت نسبة تلك الخلايا الموجودة لدى تلك المجموعة من «المتقدمين في السن الخارقين» أكبر بخمس مرات من نسبتها لدى الآخرين.
وقد تساعد معرفة ما يميز تلك الأدمغة، الباحثين في العثور على علاج لمرض ألزهايمر، وغيره من الأمراض التي تؤدي إلى تراجع القدرات العقلية. مع ذلك فمن الصعب القول بمدى فائدة توفر ذلك النوع من الخلايا العصبية في المخ. وقالت الدكتورة ماري آن راغانتي، الباحثة في علم الإنسان بجامعة «كينت» للدولة التي لم تشارك في الدراسة الجديدة: «إننا لا نعلم بعد ما هي وظيفة تلك الخلايا».
وبمجرد أن بدأ علماء جامعة «نورث ويسترن» إدراج المتقدمين في العمر الخارقين في دراستهم عام 2007، أجرى الفريق مسحا عالي الجودة لأدمغتهم. وتم اكتشاف أن أدمغتهم تتكون من مجموعة سميكة من الخلايا العصبية داخل القشرة الحزامية الأمامية، حيث وجد العلماء أن متوسط درجة سمكها أكبر بنسبة 6 في المائة من سمكها لدى أشخاص في الخمسينات من عمرهم. وبعد وفاة بعض أفراد تلك المجموعة من العجائز، فحص العلماء في جامعة «نورث ويسترن» تلك التكوينات عن كثب. وصبغ الباحثون النسيج ووضعوه تحت الميكروسكوب وأذهلتهم كثرة خلايا «فون إيكونومو» العصبية. وقالت غيفين: «كان الأمر في غاية الوضوح».
وكان فلاديمير بيتز، عالم التشريح الأوكراني، أول من لاحظ وجود هذه الخلايا العملاقة «ذات الشكل المغزلي» كما وصفها عام 1881، وفي عشرينات القرن الماضي، أجرى قسطنطين فون إيكونومو، عالم التشريح النمساوي، أول دراسة تفصيلية عن الخلايا، لكن كان بحثه مغرقا في الغموض. وفقط، وفي تسعينات القرن الماضي أعاد الباحثون اكتشاف الخلايا العصبية ذات الشكل المغزلي، وأطلقوا عليها اسم «فون إيكونومو» عام 2005، ولا تنمو هذه الخلايا إلا في جزأين من أجزاء المخ البشري أحدهما القشرة الحزامية الأمامية، وقد يكون حجمها أكبر من خلايا المخ الأخرى بمقدار 4 مرات. وبدلا من أن تكون مخروطية الشكل، أو على شكل نجمة، مثلما يكون الحال عادة، تكون تلك الخلايا العصبية طويلة ورفيعة وتمتد منها أفرع تتشعب في أنحاء المخ.

* نقل الإشارات
واكتشف العلماء وجود خلايا «فون إيكونومو» العصبية لدى أنواع محدودة من الثدييات الأخرى مثل القردة، والحيتان، والأبقار. وقد يعود ظهورها إلى مواجهة أنواع مختلفة من الثدييات لبعض التحديات أسفرت في النهاية عن تطورها. مع ذلك ليس من الواضح ماهية التحديات التي قد تكون واجهتها تلك الثدييات المختلفة.
وتوصل باحثون يدرسون اضطرابات المخ إلى أدلة تشير إلى غرض تلك الخلايا العصبية ووظيفتها. ويفقد الأشخاص، الذين يعانون من شكل من أشكال الشيخوخة يسمى «الخرف الجبهي الصدغي»، الكثير من خلايا «فون إيكونومو» العصبية. وتقل نسبة ذلك النوع من الخلايا لدى مدمني الكحول 60 في المائة عن المتوسط في جزء من المخ يسمى القشرة الانعزالية.
ويظن جون ألمان من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، الذي درس خلايا «فون إيكونومو» العصبية لعشرين عاما، أن وظيفة تلك الخلايا هي نقل استجابات الأعصاب لمسافة طويلة، حيث يساعد الحجم الكبير للخلايا في الحفاظ على الإشارات الكهربائية التي تنتقل في رحلة طويلة عبر المخ. وأوضح قائلا: «أتكهن بأنها مثل جهاز سريع لنقل الإشارة». وربما تتطلب أنواع بعينها من التفكير سرعة خاصة في الأدمغة كبيرة الحجم. وربما تساعدنا خلايا «فون إيكونومو» بنقلها للإشارات من القشرة الحزامية الأمامية والقشرة الانعزالية، إلى أجزاء أخرى من المخ، في تنظيم الاستجابات، والحفاظ على تركيزنا على الأهداف طويلة المدى، حسبما أوضح ألمان.
كذلك تعد احتمالية أن تكون وظيفة تلك الخلايا العصبية هي الحفاظ على ذكاء عقول كبار السن أمرا مثيرا للاهتمام على حد قول ألمان، رغم إشارته إلى أن النتائج الجديدة كانت تستند إلى أبحاث أجريت على عدد محدود من الأفراد.
وفحصت غيفين وزملاؤها أدمغة 5 من المتقدمين في العمر الخارقين وعقدت مقارنة بينها وبين أدمغة 5 من الأشخاص العاديين في الثمانينات من العمر، و5 آخرين يعانون مشكلات طفيفة في الذاكرة.
وقد تجعل الزيادة في خلايا «فون إيكونومو» المرء أكثر جلدا ومثابرة، لكن لا يمكن لأحد تفسير سبب وجود عدد كبير من تلك الخلايا لدى البعض. هل كانت لديهم منذ البداية، أم أنهم تمكنوا بطريقة ما من الحفاظ عليها على مدى السنوات؟ وأعربت غيفين عن رغبتها في دراسة أشخاص لعقود طويلة لمعرفة كيف تظهر تلك الخلايا العصبية وتبقى، لكنها أوضحت قائلة: «من يريد الانتظار لمدة 65 عاما؟ ستقتلني أمي لأنها تريد علاجا لمرض ألزهايمر الآن».

* خدمة «نيويورك تايمز»



مصاعد فضائية لرحلات جماعية إلى القمر

رسم تخيلي للمصعد القمري
رسم تخيلي للمصعد القمري
TT

مصاعد فضائية لرحلات جماعية إلى القمر

رسم تخيلي للمصعد القمري
رسم تخيلي للمصعد القمري

حتى مع انخفاض أسعار رحلات الفضاء بشكل كبير في ثلاثينات القرن الحادي والعشرين المقبلة، فإن التكاليف البيئية والمالية المترتبة على استخدام الصواريخ المعبأة بوقود كيميائي للإفلات من جاذبية الأرض، كانت سبباً في إعاقة التوسع البشري إلى القمر وما بعده. كما كان هناك أيضاً غضب واسع النطاق من أن استكشاف الفضاء أصبح حكراً على الأغنياء، ما أدى إلى الرغبة في إضفاء «الطابع الديمقراطي» على الوصول إلى الفضاء.

مصاعد فضائية

كان الحلم، منذ قرون، أن نبني مصعداً فضائياً لنقلنا من الأرض إلى الفضاء من دون استخدام الصواريخ. ولكن كيف يمكن بناؤه، وأين؟ كانت التحديات الهندسية، جنباً إلى جنب مع العقبات السياسية، بالغة الضخامة. وكانت الإجابة تتلخص في قلب الفكرة وبناء خط واصل من سطح القمر إلى مدار الأرض... كل ما عليك فعله هو أن تنتقل من الأرض إلى نهاية الخط الواصل ثم القفز إلى ترام يعمل بالطاقة الشمسية والتحرك على طول المسار إلى القمر.

لكن تظل هناك حاجة إلى الصواريخ للوصول إلى النهاية المتدلية للخط الواصل، ولكن بما أن تلك الصواريخ لن تضطر إلى الإفلات تماماً من جاذبية الأرض، فانها ستحتاج إلى وقود أقل بكثير.

وكتب روان هوب في مجلة «نيو ساينتست» العلمية، وعلى عكس التصميمات التقليدية للمصاعد الفضائية، أن الخط الذي تسير عليه لم يكن بحاجة إلى ثقل موازن عملاق، يكون الضغط على الكابل أقل بكثير، وتكون المواد اللازمة لجعل هذا الأمر حقيقة متاحة، وأصبحت الفكرة قابلة للتطبيق بحلول عام 2040.

بمجرد بنائه، يصبح من الممكن نقل البشر والبضائع من الأرض بواسطة الصواريخ إلى الخط الواصل ثم إلى القمر، مع خفض إجمالي كمية الوقود اللازمة لنقل شيء ما من عالمنا إلى القمر الطبيعي بمقدار الثلثين. وأدى انخفاض الأسعار الناجم عن ذلك إلى تغيير جذري فيما يمكن القيام به في الفضاء ومن يمكنه أن يذهب من البشر.

خط قمري

يتم تصميم قاعدة أول خط قمري واصل بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، على الجانب القريب من القمر، حيث يجري إنشاء العديد من القواعد القمرية في ثلاثينات القرن الحادي والعشرين للاستفادة من الضوء شبه الثابت في القطب الجنوبي والاحتياطيات الكبيرة من المياه المتجمدة في فوهة «شاكلتون».

على عكس قواعد القمر، التي ترتبط بالشركات الخاصة والدول على الأرض، يعد المصعد مورداً مشتركاً. وقد تم بناؤه بموجب قوانين وضعتها المنظمات غير الحكومية مثل مؤسسة «من أجل كل أنواع القمر» For All Moonkind ومؤسسة «القمر المفتوح» Open Lunar Foundation، والمنظمات المناظرة في المناطق المساهمة الرئيسية (الهند، واليابان، والصين، والاتحاد الأوروبي).

إن الخط الواصل يتصل بالقمر عبر نقطة «لاغرانج» القمرية «إل 1». هذه هي المناطق في الفضاء حيث تتوازن الجاذبية للقمر والأرض، ولا تكون هناك حاجة إلى الوقود للحفاظ على موضع الجسم.

في الواقع، فإن هذه النقطة هي عبارة مواقف سيارات في الفضاء، ومن ثمّ فهي مواقع مفيدة للغاية للمستودعات والموانئي الفضائية. الخط الواصل - أو السلم القمري Lunar Ladder، أو الممشى القمري MoonWalk، أو «عصا الجبن» Cheese Stick، كما كان يُطلق عليه بشكل مختلف - تم بناؤه في وقت واحد من مستودع فضائي في «إل 1» والقاعدة على سطح القمر. وتم اختيار البوليمر الاصطناعي فائق القوة «إم 5» كمادة، لتسليم آلاف الأطنان منه إلى «إل 1» للبناء.

كل ما عليك فعله هو الانتقال من الأرض إلى نهاية الخط الواصل والقفز إلى الترام الشمسي والتحرك على طوله إلى القمر.

تطورات المصعد القمري التاريخية

أثار هذا المشروع عدة تطورات مفيدة. كانت الصواريخ الكيميائية، التي توفر قوة دفع كافية للخروج من سطح كوكب، لا تزال قيد الاستخدام للوصول إلى مدار الأرض المنخفض، ولكن بعد ذلك، انضمت المحركات الأيونية إلى المصعد، ثم استُخدمت بعد ذلك للتحرك في جميع أرجاء النظام الشمسي. تولد هذه المحركات قوة دفع عن طريق تسريع الذرات المشحونة كهربائياً عبر حقل كهربائي، وكانت تعمل بالطاقة الشمسية، ولقد سمح هذا باستكشاف الكون الواسع على نحو أقل تكلفة وأكثر عمقاً.

يرجع أول اقتراح للمصاعد الفضائية إلى عام 1895، في تجربة فكرية ابتكرها رائد الفضاء الروسي «كونستانتين تسيولكوفسكي». كتب تسيولكوفسكي في عام 1911 يقول: «الأرض مهد الإنسانية، ولكن البشرية لا يمكن أن تبقى في المهد إلى الأبد». وقد أجري أول اختبار لهذه التكنولوجيا عام 2018، مع ظهور مشروع «STARS - Me»: القمر الاصطناعي الآلي المستقل المربوط بالفضاء - المصعد المصغر».

حدث هذا بجوار محطة الفضاء الدولية، باستخدام تصميم من قبل الباحثين في جامعة شيزوكا في اليابان. ويتكون من قمرين اصطناعيين صغيرين متصلين بكابل طوله 11 متراً مع زاحف يتنقل بينهما.

في ثلاثينات القرن الحادي والعشرين، عندما تبدأ بعثات «أرتميس» إلى القمر، سيتم بناء محطة «البوابة الفضائية» في المدار القمري، وأصبح هذا حجر انطلاق لمستودع «إل 1».

إن الخط الواصل يلعب دوراً محورياً في إضفاء الطابع الديمقراطي على الفضاء، إذ يصبح الذهاب إلى القمر للعمل أو قضاء وقت الفراغ شيئاً يمكن لأي شخص تقريباً فعله إذا أراد. ويتبع ذلك تحقيق اختراقات علمية من إنشاء قاعدة أبحاث في «إل 1»، ويتم نقل العمليات المدمرة - مثل التعدين - خارج كوكب الأرض. فقد تم نقل جزء كبير من البنية الأساسية الصناعية الملوثة للأرض - لا سيما منشآت الخوادم التي تدعم الطلب على الكومبيوترات - إلى القمر، حيث يمكن استخدامها بكفاءة أكبر بواسطة الطاقة الشمسية.