دعوات ليبية إلى محاكمة عاجلة للمتورطين في جرائم «المقابر الجماعية» بترهونة

جانب من اكتشاف «مقابر جماعية» في مدينة ترهونة غرب ليبيا (هيئة البحث عن المفقودين)
جانب من اكتشاف «مقابر جماعية» في مدينة ترهونة غرب ليبيا (هيئة البحث عن المفقودين)
TT
20

دعوات ليبية إلى محاكمة عاجلة للمتورطين في جرائم «المقابر الجماعية» بترهونة

جانب من اكتشاف «مقابر جماعية» في مدينة ترهونة غرب ليبيا (هيئة البحث عن المفقودين)
جانب من اكتشاف «مقابر جماعية» في مدينة ترهونة غرب ليبيا (هيئة البحث عن المفقودين)

طالب سياسيون ليبيون بسرعة البحث عن المتورطين في «المقابر الجماعية» بمدينة ترهونة غربي البلاد وإخضاعهم للمحاكمة، جاء ذلك بالتزامن مع اقترح نائب رئيس المجلس الرئاسي موسى الكوني، إنشاء محكمة خاصة تتولى هذه القضية.
ورأى عضو مجلس النواب محمد عامر العباني، أن قضية «المقابر الجماعية» التي عُثر عليها في مدينة ترهونة (95 كيلومتراً جنوب شرقي طرابلس) هي «إحدى جرائم العصر التي لا يمكن إنكارها أو تجاهلها لما تمثله من انتهاك لجميع الحقوق والقيم الإنسانية»، إلا أنه شكك في الطرح المقدم من الكوني.
وقال العباني في تصريح لـ«الشرق الأوسط» «البعض يحاول انتهاز الفرص وتسييس القضية واستغلالها لتحقيق مكاسب انتخابية بدلاً من تفعيل القانون وملاحقة الجناة ومعاقبتهم وبالتالي التخفيف من معاناة أهالي الضحايا»، متابعاً: «هناك من يهدف للتشويش على المشهدين الانتخابي والسياسي بكل خلافاته، وتحميل المسؤولية عن هذه الجرائم للجيش الوطني الليبي ممثلاً في شخص قائده المشير خليفة حفتر، وهو منها براء».
وذهب العباني إلى أن عملية العثور على «مقابر جماعية» في ترهونة ربما بدأت منذ عام 2012 وتوالت في عهد الحكومات السابقة ونشطت في عهد حكومة «الوفاق» السابقة برئاسة فائز السراج.
كانت وزارة الخزانة الأميركية قد أدرجت ميليشيا «الكانيات» وزعيمها محمد الكاني، على «القائمة السوداء» الأممية، بتهمة ارتكاب جرائم تعذيب وقتل، وحمّلتها مسؤولية الكثير من «المقابر الجماعية» التي عُثر عليها في ترهونة.
ومضي العباني يقول: «هم يسعون لتقليل حظوظ المشير حفتر كمرشح محتمل للرئاسة، وتعزيز حظوظ مرشحين آخرين، فترهونة تعد خزاناً بشرياً لا يمكن التقليل من ثقله»، داعياً «لفتح المزيد من التحقيقات القضائية في الكثير من الجرائم والمظالم التي وقعت خلال الأعوام العشرة الماضية ولم تحظَ بالتغطية الإعلامية الكافية، والقضاء الليبي كفيل بمعاقبة الجناة المعروف هويتهم للجميع».
وكان الكوني قد وصف «المقابر الجماعية» التي يتم العثور عليها في ترهونة حتى الآن بـ«الإبادة الجماعية»، وقال إن المدينة «باتت أشبه بالقبر الجماعي للعديد من المدنيين الأبرياء بما في ذلك شيوخ ونساء وأطفال، بل إن عائلات بأكملها تمت إبادتها». ودافع عضو مجلس النواب عن مدينة ترهونة أبو بكر أحمد سعيد، عن مقترح الكوني إنشاء محكمة خاصة بقضية المقابر، وقال إن الأمر يعكس «استشعار المسؤولية وفداحة الجرائم».
ورأى أن «تشكيل المحكمة هو مقترح مقدم فعلياً وتجري دراسته رغم تحفظ البعض عليه بحجة أنه قد يخالف ما جاء في الإعلان الدستوري المؤقت للبلاد الذي يحظر تشكيل محاكم خاصة».
وقال سعيد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن المجلس الرئاسي بادر ودعا كبار المسؤولين المعنيين من السلطات الثلاث التنفيذية والقضائية والتشريعية بالتنسيق مع المسؤولين بالمدينة وأهاليها، وتم الاتفاق على تسريع عملية البحث عن الجثث بمساعدة الخبرات الدولية، بجانب تحليل البصمة الوراثية وتحديد هوية المفقودين مما سيصبّ في نهاية الأمر في تسريع كشف الحقائق والقبض على الجناة وتقديمهم للعدالة.
ونوه إلى أن الجميع يتفقون على أنه «لا سلطان لأحد فوق القضاء والكل خاضع للمساءلة، ومن تثبت عليه تهمة ضلوعه في هذه المجازر بشكل مباشر أو غير مباشر سيكون ملاحَقاً من القضاء عاجلاً أو آجلاً، فهي جرائم لا تسقط بالتقادم».
وأشار سعيد إلى أن الجثث التي تم انتشالها من المقابر منذ بداية الكشف عنها في يونيو (حزيران) العام الماضي وحتى الآن وصل عددها إلى 232 جثة من بينهم نساء وأطفال وشيوخ، لافتاً إلى أنه لم يتم تحديد هوية سوى 65 جثة فقط.
وتحدث عن أن التحقيقات في القضية جارية، وهناك لائحة بأسماء المتهمين وأوامر قبض صدرت من مكتب النائب العام المختص بمباشرة القضية، بل تم إرسال مذكرات من الإنتربول لجلب الموجودين من هؤلاء المتهمين بدول عدة ومنها دول الجوار لتقديمهم للعدالة».
وأُعلن في يوليو (تموز) الماضي، عن مقتل محمد الكاني، في منطقة بوعطني بمدينة بنغازي، جراء مقاومته أمراً باعتقاله، استناداً إلى مذكرتين من القضاء المدني والعسكري على خلفية اتهامات بتورطه وأعوانه في قضية «المقابر الجماعية» بترهونة.
في السياق، رأى الأمين العام للمنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا عبد المنعم الحر، أن تنفيذ الاقتراح المقدم من المجلس الرئاسي سيعني «حسم معضلة تنازع الاختصاص ما بين القضاء الليبي صاحب الاختصاص الأصيل والذي باشر بالفعل جمع الأدلة والاستماع لشهود العيان في القضية، وبين القضاء الدولي وتحديداً المحكمة الجنائية الدولية».
ووصف الحر القضية في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأنها «معقدة»، وقال إن المقابر التي تم الكشف عنها بترهونة تعود لفترات مختلفة، حيث تُظهر المؤشرات الأولية للمعاينة والفحوص والشهادات أن بعض الجثامين التي تم التعرف عليها تعود إلى الفترة اللاحقة لقيام قوات «الجيش الوطني» بالتقدم نحو العاصمة طرابلس في أبريل (نيسان) 2019.
واستكمل: «كما أن هناك مؤشرات تدل على وجود جثث ربما تعود إلى الفترة ما بين عامي 2016 و2018»، لافتاً إلى أن بعض الضحايا ليسوا من داخل المدينة وإنما من خارجها.
ودعا الحر «الجميع وبخاصة المسؤولين في الدولة إلى احترام جلال وحرمة الموت، والامتناع عن توظيف هذه المأساة في سياق الصراعات السياسية أو القبلية، وتوجيه الاهتمام لاستكمال إجراء التحقيقات في كل الجرائم أمام القضاء الطبيعي، وضمان مساءلة مرتكبيها لمنع إفلاتهم من العقاب».



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.