موجة الطهي المعاصر... أطباق شهية من بقايا الطعام

في ظل ضغوط الحياة وبهدف توفير الوقت والمال

 الشيف الأردني  محمد الكلحة
الشيف الأردني محمد الكلحة
TT

موجة الطهي المعاصر... أطباق شهية من بقايا الطعام

 الشيف الأردني  محمد الكلحة
الشيف الأردني محمد الكلحة

بمزيج مما تبقى في مطبخنا من لحوم وأرز، وقشر خضراوات، يمكننا بقليل من المهارة إعداد أطباق شهية، جميع مكوناتها من بقايا الطعام، شريطة أن يكون جيداً ولم يتعرض للتلف بعد.
هنا مجموعة نصائح يقدمها بعض الطهاة لمساعدتنا على تحضير صحن حساء، أو أكلة كبسة، وصولاً للاستمتاع بإعداد طبق مميز من الفتة؛ سعياً لتقليل هدر الطعام؛ ومن دون اللجوء إلى مكونات باهظة التكاليف.
وبعد أن كان مصير بقايا الطعام سلة المهملات، فرضت ضغوط الحياة من حيث الوقت والمال، هذا الاتجاه راهناً ليتجسد المثل المصري الشعبي «الشاطر يعمل من الفسيخ شربات»، في دلالة على أن الطاهي المحترف يمكنه أن يحول السمك المملح إلى مشروب حلو يُقدم في المناسبات.
ويشاركنا الطاهي الأردني المقيم بالكويت، محمد الكلحة، أسراره في إعادة استخدام المتبقي من أكلاته، ويقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «إعادة استخدام بقايا الطعام مهمة لها أكثر من مغزى، بالطبع يأتي في المقدمة تثميناً لنعم المولى عز وجل، كذلك، ثمة غرض إنساني ومسؤولية تجاه الأرض التي باتت مهددة بسبب تفاقم الهدر، لكن لا أخفي أنها أيضاً تحدٍ ممتع يكشف عن مهارة الطاهي، ويدحض فكرة أن الاحترافية تستلزم مكونات باهظة التكاليف، بينما الحقيقة أنها تأتي من تقديم طبق شهي أياً كانت الإمكانات».
ويمتلك الطهاة طرقاً متنوعة لتقليل هدر الطعام، سواء في المنزل أو حتى في المطاعم، من خلال استخدام بقايا الخضراوات والعطريات، كما يمكن تحضير معجّنات شهية، بجانب ما يقدمه المحترفون من أفكار لحفظ بقايا الطعام بطرق تحمي المذاق لإعادة استخدامها بتقنيات جديدة بهدف تحضير طبق طيب مجهزاً بمسؤولية تعي أن العالم يعاني أزمة طعام، وأن الكوكب لم يعد يحتمل مزيداً من الهدر. وصفات عدة تضج بها شبكة الإنترنت لإعادة استخدام بقايا الطعام، مثلاً يقترح الطاهي جيرمي بانغ، مقدم برنامج «ريدي ستيدي جو» على هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، تجميد المكونات العطرية في حال أوشكت على فقدان رائحتها المميزة، من خلال حيلة مكعبات الثلج، فمكونات مثل الزنجبيل، والثوم، وعشب الليمون وحتى الأعشاب، يمكن تخزينها داخل مكعبات الثلج وتُحفظ داخل الفريزر وتستخدم وقت الحاجة، وبحسب رأي الطاهي «هذه الطريقة تحمي رائحة المكونات العطرية من النفاد ما يعمق مذاق الطبق».
ووضع الكلحة شروطاً لاستغلال بقايا الطعام، قائلاً «لا مانع من إعادة استخدام بقايا الطعام، بشرط أن تكون صالحة ولم تتعرض لظروف هددت المذاق أو القيمة الغذائية»، و«إذا بقي الطعام خارج الثلاجة وتعرض للحرارة لعدد ساعات طويلة، ربما يكون قد فسد ولا يمكن إعادة استخدامه كمكون لطبق جديد، بل غدا يهدد صحتك، هنا أنصح بالتخلص منه فوراً».
وقال «يمكن تحضير أشهى أصناف الكبسات من بقايا الوجبات كاملة الطهي، مثل الحمسات أو اللحوم والخضراوات التي سبق وجُهزت من قبل»، وعن أفضل المكونات المطهية التي يمكن إعادة استخدامها في وصفة جديدة يضيف الطاهي الأردني «إذا كان الأرز صالحاً يمكن بسهولة إدخاله عنصراً في وصفة جديدة مثل أطباق الفتة، كذلك بقايا اللحوم المسلوقة من دون صلصات، أما المعكرونة فلا أفضّل إعادة طهيها لأنها ربما تعرضت لتغيير واضح في القوام والمذاق».
تركيز الحديث عن المشكلات التي تهدد المستقبل، والتحديات المرتقبة التي يواجهها العالم، ومنها هدر الطعام، فكان لا بد من البحث عن طرق طهي بقايا الأكل، حسبما يرى الكلحة «كل شخص يمكن أن يُسخّر أدبيات مهنته ليلعب دوراً مجتمعياً، وأعتبر صفحتي الشخصية فرصة لتقديم رسالة إنسانية من خلال وصفات متعدد الأغراض؛ لذا أشارك المتابعين كثيراً بأفكار مبتكرة لإعادة تقديم بقايا الطعام بدلا من سكبها».
ويستكمل «استخدمت حشوة الكبب الفائضة في عمل حمسات كثيرة، كذلك، طبخة البازيلاء باللحم المفروم إذا تبقت يمكن تحويلها إلى صحن مقلوبة بطبقات من اللحم، ثم البازلاء والأرز مع صوص الطماطم، أما حشوة الكوسة عند تفريغها لتحضير محشي يمكن استخدامها لعمل متبل أو ثريد، حتى أقراص الكبب الزائدة أحضر منها وصفة كبة حميص».
صحيح أن هناك كثيراً من الابتكارات لاستغلال بقايا الطعام، لكن الأفضل دائماً هو تحديد الكميات اللازمة من البداية، وهنا ينصح الكلحة بشراء ما يلزم فقط، ولا ننخدع التخفيضات «اجعلوا لأنفسكم صدقة مستمرة، إذا لاحظتم أن ما تم طهيه أكثر من حاجة الأسرة، أفضّل تقديمه هدية لشخص محتاج وهو ما زال طازجاً»، وانتهى قائلاً «قبل البدء في طهي الطعام اليومي، يجب تفقد الثلاجة ربما هناك بقايا يمكن أن تستغل في طبق مبتكر ولذيذ».
أما الطاهية البريطانية من أصل بنغالي، ناديا حسين، فتقول لـ«بي بي سي»، إن بقايا وقشر الخضراوات يمكن أن تصنع أشهى صحن حساء، وتنصح «احتفظ بجميع قشور الخضراوات الجذرية - الجزر والبطاطس والجزر الأبيض - وحتى البروكلي وسيقان القرنبيط، ضعها في كيس تخزين وقم بتجميدها لتحويلها إلى مخزون يمزج مع بعض الأعشاب لتجهيز حساء دافئة وغنية بالعناصر الغذائية».
وعن أطباق الحلو، يقول الكلحة «أصناف الكيك السادة هي أفضل مكون يمكن إعادة استغلاله، حتى وإن جفت قليلاً، وذلك من خلال إضافة أنواع الكريمة الشهية أو الصوص الحلو مثل الكرميل والشوكولاتة»، ويضيف «بشكل عام الكيك الكلاسيكي هو قوام لعدد لا بأس به من الأطباق الحلوة، من ثم لا مانع من الاستثمار في قالب من الكيك يُقدم مع المشروبات الدافئة الصباحية وإذا تبقى شيء، بوصفة سهلة يتحول إلى طبق مبتكر للعائلة».


مقالات ذات صلة

طارق إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: نعيش مرحلة انتقالية للعودة إلى الجذور

مذاقات الشيف طارق إبراهيم في مطبخه (إنستغرام)

طارق إبراهيم لـ«الشرق الأوسط»: نعيش مرحلة انتقالية للعودة إلى الجذور

في جعبته أكثر من 30 عاماً من الخبرة في صناعة الطعام. مستشار هيئة اللحوم والماشية الأسترالية.

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات «السوشي»... شارة اجتماعية أم أكلة محبوبة؟

«السوشي»... شارة اجتماعية أم أكلة محبوبة؟

«جربت السوشي؟»... سؤال يبدو عادياً، لكن الإجابة عنه قد تحمل دلالات اجتماعية أكثر منها تفضيلات شخصية لطبق آسيوي عابر من ثقافات بعيدة.

إيمان مبروك (القاهرة)
مذاقات الشيف العالمي أكيرا باك (الشرق الأوسط)

الشيف أكيرا باك يفتتح مطعمه الجديد في حي السفارات بالرياض

أعلن الشيف العالمي أكيرا باك، اكتمال كل استعدادات افتتاح مطعمه الذي يحمل اسمه في قلب حي السفارات بالرياض، يوم 7 أكتوبر الحالي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
مذاقات البرغر اللذيذ يعتمد على جودة نوعية اللحم (شاترستوك)

كيف أصبح البرغر رمز الولايات المتحدة الأميركية؟

البرغر ليس أميركياً بالأصل، بل تعود أصوله إلى أوروبا، وبالتحديد إلى ألمانيا.

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات الشيف دواش يرى أنه لا يحق للبلوغرز إعطاء آرائهم من دون خلفية علمية (انستغرام)

من يخول بلوغرز الطعام إدلاء ملاحظاتهم السلبية والإيجابية؟

فوضى عارمة تجتاح وسائل التواصل التي تعجّ بأشخاصٍ يدّعون المعرفة من دون أسس علمية، فيطلّون عبر الـ«تيك توك» و«إنستغرام» في منشورات إلكترونية ينتقدون أو ينصحون...

فيفيان حداد (بيروت)

من يخول بلوغرز الطعام إدلاء ملاحظاتهم السلبية والإيجابية؟

الشيف دواش يرى أنه لا يحق للبلوغرز إعطاء آرائهم من دون خلفية علمية (انستغرام)
الشيف دواش يرى أنه لا يحق للبلوغرز إعطاء آرائهم من دون خلفية علمية (انستغرام)
TT

من يخول بلوغرز الطعام إدلاء ملاحظاتهم السلبية والإيجابية؟

الشيف دواش يرى أنه لا يحق للبلوغرز إعطاء آرائهم من دون خلفية علمية (انستغرام)
الشيف دواش يرى أنه لا يحق للبلوغرز إعطاء آرائهم من دون خلفية علمية (انستغرام)

فوضى عارمة تجتاح وسائل التواصل التي تعجّ بأشخاصٍ يدّعون المعرفة من دون أسس علمية، فيطلّون عبر الـ«تيك توك» و«إنستغرام» في منشورات إلكترونية ينتقدون أو ينصحون خلالها كأنهم امتلكوا مفاتيح المعرفة. وتطول هذه الموضوعات المجتمع والصحة والأزياء والأناقة وأساليب المكياج. ولعلّ أكثر هذه المنشورات إثارة للجدل هي الخاصة بـ«بلوغرز الطعام». فهم يسمحون لأنفسهم بإعطاء آرائهم حول مطعم وطبق ومقهى، وأي منتج يمتّ للمأكولات بصلة.

وفاء مصطفى "فود بلوغر" أثارت الجدل بآرائها حول بائعة ذرة (انستغرام)

مؤخراً أثار فيديو مصور نشرته بلوغر الطعام وفاء مصطفى، عبر حسابها على «تيك توك»، الجدل. قدّمت البلوغر عرضاً مباشراً لزيارة قامت بها لبائعة طعام على عربة في بيروت. حصلت على طلبها من صحن فيه تشكيلة من الذرة والفول والترمس. وبعد تذوقها لمحتواه لم تتوانَ عن بصق حبوب الترمس، وانتقاد عدم نضج حبوب الذرة والفول بالحامض. المشهد أثار حفيظة المتابعين وانتقدوا أسلوبها لأنه يسهم في قطع رزق البائعة. وتساءلوا عمّن يعطي الحق لوفاء وأمثالها بتصوير وانتقاد منتجات معينة من الطعام. فالأمر قد ينبع عن سابق تصميم لمحاربة هذه البائعة أو غيرها. وقد يكون انتقاداً في محلّه، ولكن لا يصحّ إيصاله بهذه الطريقة القاسية.

أمثال وفاء كثر، وأعدادهم تفوق المئات على «السوشيال ميديا». يدخلون مطعماً ما لنراهم يثنون على أطباقه وخدماته. وفي مكان آخر يشنّون حملات ضده لعدم إعجابهم بأكله.

جومانا دموس سلامة، منظمة «صالون هوريكا» للخدمات الغذائية والطعام في لبنان والعالم العربي، تبدي رأيها بهذا الموضوع لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أن الفوضى تعمّ وسائل التواصل الاجتماعي وتنعكس سلباً على نواحٍ عدة.

جومانا دموس سلامة الساحة تغربل نفسها (انستغرام)

وفيما يخص موضوع بلوغرز الطعام فهو أحياناً يتجاوز قصة إبداء الرأي المنطقي ليصل إلى الأذيّة. وهو أمر غير مقبول. ولذلك على أصحاب المطاعم وكل من يعمل في مجال الأكل أن يختار الشخص المحترف والجدير بالثقة».

وتشير سلامة، في سياق حديثها، إلى أن تقاضي المال مقابل هذه الحملات، سلبية كانت أم إيجابية، تقف وراء غياب الآراء السليمة. وتتابع: «هناك مؤثرو طعام كثر بدأوا عملهم بشكل صحيح. فكانوا يتبعون قواعد معينة حول تذوقهم لطبق ما. فلاقوا شهرة واسعة ونسبة متابعين كبيرة. ثم ما لبث العنصر المادي أن أفسد مهمتهم. واليوم تمنعهم مطاعم كثيرة من دخول صالاتها».

نجد مؤثراً يدخل مطعماً معيناً، ويبدأ في التحدث عن أطباقه المميزة وهو يتذوقها بشهية مفتوحة. الأمر الذي يدفع بكثيرين إلى تقليده، فيتوجهون إلى المطعم المذكور. ولكن يتفاجأون بأن مؤثّر الطعام بالغ في تقديراته.

وعندما سئلت المؤثرة وفاء، صاحبة الفيديو الشهير، عن بائعة الذرة والقاعدة التي تتكئ عليها لإبداء رأيها. أجابت ببساطة: «على فمي والمذاق الذي أشعر به، فالأمر لا يحتاج فلسفة».

ولكن للطهاة المعروفين رأياً مناقضاً لهذه القاعدة. فتذوق الطعام وتقدير جودته وطعمه اللذيذ ليس بالأمر السهل. فهو يحتاج لخبرة طويلة ودراسات مكثفة. وكذلك إلى خلفية علمية تخوّل المتذوق التفريق بين طبق تم تحضيره بجودة ودقة أو العكس.

يقول الشيف دواش، المعروف بأطباقه المبتكرة، لـ«الشرق الأوسط»: «شهرتي التي اكتسبتها على السوشيال ميديا جاءت بناء على خبرة لمسها متابعي. فقد درست لسنوات طويلة وحصلت على شهادات عدة في عالم الطبخ حتى صرت (شيف). ولذلك على من يريد دخول هذه المهنة، أن يكون قد عمل فيها. فالخبرة مهمة في عالم الطهي. كما أن هناك قواعد أساسية للطهي يجهلها العدد الأكبر من هؤلاء المؤثرين، ما لا يجيز لهم إبداء آرائهم بالطعام لمجرد تذوقه».

ويرى الشيف دوّاش أنه هو نفسه لا يسمح لنفسه بإعطاء رأيه بطبق لغيره: «أحرص على هذا الموضوع دائماً مع أن أطباقاً كثيرة أتذوقها في مطعم ما، تكون عندي ملاحظات كثيرة عليها. فهناك طرق خاصة لطهي اللحوم والأسماك والدجاج تؤثّر على المذاق. كما أن جودة المكونات تلعب دوراً أساسياً في الموضوع. فهذه المعايير لم تلد بالصدفة، بل من رحم خبرات طويلة وشاقة يمضيها الطاهي في العلم والتجربة. ويمكنني القول إن فوارق قليلة، يمكننا أن نشعر بها في طبق معين بين مطعم وآخر. وهذا الأمر يلزمه شخص بارع في مجاله ولديه خلفية علمية. ومع الأسف غالبية (الفود بلوغرز) لا يتمتعون بها».

ولكن كيف يمكن وضع حدّ لهذه الفوضى التي يثيرها «الفود بلوغرز» على وسائل التواصل الاجتماعي؟ تردّ جومانا دمّوس سلامة: «هناك وعي عند الناس يجعلهم يكتشفون المؤثر الجيد عن غيره. فالغربلة تحدث تلقائياً، لأن المتابع المفتوح على مواقع إلكترونية عدة، أصبحت لديه القدرة الكافية لإدراك الصح والخطأ في هذا الموضوع».

أما الشيف السعودي ياسر جاد، مستشار التغذية لرئيس الهيئة الملكية لمدينة الرياض، فلديه رأيه بالموضوع. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «أنا ضد هذه الظاهرة وأراها غير صحيّة. فمعظمهم يعملون مقابل أجر مادي للترويج لمطعم ما.

الشيف ياسر جاد يرى ظاهرة البلوغرز غير صحية (انستغرام)

وهذا الأمر يؤثّر مباشرة على بيزنس المطاعم والتغذية عامة. والأفضل لأصحاب المطاعم أن يصرفوا نفس المبالغ على حملات إعلانية متقنة. فهي تثمر نتائج أفضل وتكون مصدر ثقة أكبر. وللحدّ من هذه الظاهرة يجب برأيي استخدام (ريفيو سيستم) لمنظمات معترف بها عالمياً، تغيب عنها المصالح الخاصة، وتضع الأمور في نصابها ضمن منهج أكاديمي».

وفي النهاية، السؤال يطرح نفسه هنا في ظل غياب تنظيم محتوى وسائل التواصل الاجتماعي: «من يخول بلوغرز الطعام إدلاء ملاحظاتهم السلبية والإيجابية؟».