واشنطن تحضّ متمردي تيغراي على الانسحاب من إقليمي أمهرة وعفر

قدرت أن 900 ألف شخص يعيشون في ظروف «أقرب إلى المجاعة»

جنود إثيوبيون اعتقلهم متمردو جبهة تيغراي في ميكيلي 22 أكتوبر الحالي (أ.ب)
جنود إثيوبيون اعتقلهم متمردو جبهة تيغراي في ميكيلي 22 أكتوبر الحالي (أ.ب)
TT

واشنطن تحضّ متمردي تيغراي على الانسحاب من إقليمي أمهرة وعفر

جنود إثيوبيون اعتقلهم متمردو جبهة تيغراي في ميكيلي 22 أكتوبر الحالي (أ.ب)
جنود إثيوبيون اعتقلهم متمردو جبهة تيغراي في ميكيلي 22 أكتوبر الحالي (أ.ب)

دعت واشنطن متمردي «جبهة تحرير شعب تيغراي» الذين يواجهون القوات الفيدرالية الإثيوبية منذ عام، إلى «وقف تقدمهم» في شمال إثيوبيا، وفق ما قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، أمس (السبت).
وأورد برايس، في بيان، أن «الولايات المتحدة قلقة للغاية لتوسع المعارك في شمال إثيوبيا. نجدد دعوتنا جبهة تحرير شعب تيغراي إلى الانسحاب من منطقتي أمهرة وعفر ووقف تقدمها حول مدينتي ديسي وكومبولشا».
وأعلن ناطق باسم متمردي تيغراي، السبت، أن الجبهة «سيطرت بالكامل» على مدينة ديسي الاستراتيجية في شمال إثيوبيا، الأمر الذي سارعت الحكومة إلى نفيه بعد أنباء عن انسحاب قواتها من المدينة، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وأضاف الناطق: «ليس هناك حل عسكري لهذا النزاع، وعلى جميع الأطراف بدء مفاوضات للسماح بوقف لإطلاق النار». وتابع برايس: «لا نزال قلقين حيال المعلومات التي تشير إلى حظر متعمد لإيصال المساعدات الإنسانية في شمال إثيوبيا». وأوضح أن «ما يصل إلى 900 ألف شخص يعيشون في ظروف أقرب إلى المجاعة في تيغراي، في حين تفرض الحكومة قيوداً على شحنات المساعدات الإنسانية في ظل حاجة ماسة إليها».
من جانبه، قال ناطق باسم جبهة تحرير شعب تيغراي على «تويتر» أمس: «باتت مدينة ديسي تحت السيطرة الكاملة لقواتنا». لكن خدمة الإعلام التابعة للحكومة الإثيوبية ردت على «فيسبوك»: «لا تزال ديسي ومحيطها تحت سيطرة قواتنا الأمنية».
وكان سكان ذكروا لوكالة الصحافة الفرنسية أن القوات الإثيوبية انسحبت من مدينة ديسي الاستراتيجية الواقعة في إقليم أمهرة المحاذي لتيغراي، وذلك عقب مواجهات عنيفة وانقطاع الكهرباء عن أجزاء من المدينة. وأفاد أحد سكان ديسي، عرف عن نفسه باسم أمير: «بدأ الجنود الإثيوبيون الانسحاب من المنطقة نحو الساعة الثانية صباحاً». وقال آخر عرف عن نفسه باسم محمد، إن متمردي تيغراي «دخلوا المدينة، ولم يشاهَد جنود قوة الدفاع الوطني الإثيوبية... لا أعرف إن كان الجنود غادروا أو اعتقلوا»، مضيفاً أنه يحاول الفرار من المدينة.
والاتصالات مقطوعة عن معظم مناطق شمال إثيوبيا، حيث تُفرض قيود على وصول الصحافيين، ما يصعّب مهمة التحقق من الأنباء الواردة منها بشكل مستقل. وتقع ديسي على بُعد 400 كيلومتر شمال أديس أبابا.
وسبق أن تحدث السكان عن احتشاد كبير للجيش في المنطقة، فيما تدفق مدنيون فروا من بلدات شهدت معارك شمالاً إلى ديسي.
في الأثناء، تتعرض تيغراي لقصف جوي يومي تقريباً منذ الأسبوع الماضي، في وقت يكثف الجيش اللجوء إلى سلاح الجو في النزاع. وأفاد مسؤول في أحد المستشفيات بمقتل عشرة أشخاص جراء ضربة جوية الخميس، فيما أشارت الأمم المتحدة إلى أن ضربتين استهدفتا ميكيلي عاصمة تيغراي في 18 أكتوبر (تشرين الأول) أسفرتا عن مقتل ثلاثة أطفال. وقُتل شخص آخر في هجوم منفصل هذا الشهر.
وذكرت الحكومة أن المنشآت التي تعرضت للقصف في شمال وغرب تيغراي كانت عسكرية في طبيعتها، وتساعد متمردي جبهة تحرير شعب تيغراي. وأثارت عمليات القصف انتقادات دولية وعرقلت وصول منظمات الأمم المتحدة إلى المنطقة، حيث يواجه مئات آلاف الأشخاص ظروفاً أشبه بالمجاعة في ظل حصار مفروض بحكم الأمر الواقع.
وتتفوق الحكومة الفيدرالية عسكرياً على المتمردين بفضل سيطرتها على الأجواء وعديد جنودها. واندلع النزاع في تيغراي في نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي، عندما أرسل رئيس الوزراء آبي أحمد قوات إلى تيغراي في إطار عملية تحوّلت إلى حرب طال أمدها وشهدت مجازر واغتصابات جماعية، فيما بات شبح المجاعة يخيم على المنطقة.
وأشار رئيس الوزراء الحاصل على «نوبل» للسلام سنة 2019 حينذاك إلى أن العملية جاءت للرد على هجمات استهدفت معسكرات للجيش نفذتها جبهة تحرير شعب تيغراي، الحزب الحاكم للإقليم سابقاً، الذي هيمن على المشهد السياسي في البلاد على مدى ثلاثة عقود قبل وصول آبي إلى السلطة. وتعهد بتحقيق انتصار سريع لكن بحلول أواخر يونيو (حزيران)، أعاد المتمردون تنظيم صفوفهم وسيطروا على معظم تيغراي بما فيها ميكيلي فيما امتدت المعارك إلى إقليمي أمهرة وعفر المجاورين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟