اقتصاديون سعوديون يؤكدون أهمية إنشاء هيئة حكومية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة

في ظل توجه البنوك لدعم المشروعات القائمة

أحد مشاريع البناء في السعودية (رويترز)
أحد مشاريع البناء في السعودية (رويترز)
TT

اقتصاديون سعوديون يؤكدون أهمية إنشاء هيئة حكومية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة

أحد مشاريع البناء في السعودية (رويترز)
أحد مشاريع البناء في السعودية (رويترز)

أكد اقتصاديون سعوديون أهمية إنشاء هيئة حكومية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وفقا لما أقره مجلس الشورى في عام 2012، الأمر الذي يساعد في تسهيل عملية القروض البنكية وتقليل المخاطر عليها في حال تعثر السداد، إضافة إلى دحر ظاهرة التستر التي عادة ما تنتشر في مثل هذا النوع من الأنشطة التجارية الصغيرة والمتوسطة.
وأوضح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور عبد الوهاب أبو داهش، مستشار ومحلل اقتصادي سعودي، أن من أهم أهداف الهيئة تسهيل إجراءات القروض عن طريقها بشكل مباشر أو عن طريق البنوك، مؤكدا أن وجود مظلة تستند إليها تلك المنشآت يعطيها الضمانات، إضافة إلى تغطيتها بنظام قانوني واضح لكلا الطرفين لضمان الحقوق، وأخيرا دعم الهيئة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة فنيا في التنظيم والإدارة، الأمر الذي سيساهم في خفض المخاطر على البنوك المقرضة. وأضاف أبو داهش: «إن على المبتدئين والراغبين في دخول السوق بمشروعات يأملون منها أن تدر عليهم عوائد مالية مجزية، اللجوء بداية إلى البنك السعودي للتسليف والادخار، وهي الوسيلة الأسهل - على حد تعبيره - لأن نجاح المنشأة في بدايتها هو مطلب رئيسي ومشجع لكل الأطراف الداعمة، حتى إن كانت خارج نطاق البنوك من خلال شراكات صغيرة مع بعض الممولين».
واعتبر أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تشكل لمختلف دول العالم المحرك الأساسي في نمو اقتصادها، مشددا على عدم إهمال هذه المشروعات ودعمها بكل الوسائل لما تقدمه من حلول لمشكلتي الفقر والبطالة اللذين تعاني منهما معظم الدول في العالم، مما لم تجد لنفسها حلولا لتخفيفهما على مستوى الدولة والمجتمع، باعتبارها مشاركا للدولة في تقليص البطالة.
وأشار إلى أهمية دور الجامعات ومعاهد التعليم بالسعودية في تبني الطلبة المبدعين في مجال الأعمال، واحتواء هذه الفئة وإعدادها بشكل علمي يساعدهم في التنظيم الإداري والمالي والدخول في دورات بهذا الخصوص، إضافة إلى تعاون الجامعة أو الجهة التعليمية في تقديم توصية للبنوك بتسهيل إجراءات الإقراض بناء على معطياتها.
وقال الدكتور فاروق الخطيب، أستاذ علم الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز، بجدة غرب السعودية: «إن وجود هيئة للمنشآت الصغيرة هو أحد أهم الحلول لنمو هذا القطاع الذي يشكل أكثر من 50 في المائة من إجمالي المشروعات القائمة في السعودية»، مستدلا بذلك على ما جاء في تقارير عن أكبر الدول نموا في اقتصادها مثل أميركا، حيث تشكل المشروعات الصغيرة 97 في المائة من عدد المشروعات فيها، وباختلاف النسب بالنسبة لليابان والصين وسنغافورة وإندونيسيا وغيرها من الدول التي لا تقل هذه المشروعات فيها عن 80 في المائة».
وحول تبني البنوك سياسة متحفظة بعدم دعم المشروعات في طور النشأة، أوضح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور الخطيب، أن البنوك تبتعد عن المخاطرة في دعم مثل هذه المشروعات ما لم تكن قائمة، ولديها حركة مالية مستمرة لدى البنك، إضافة إلى بعض الأوراق الرسمية التي تبيّن عملها وميزانيتها وأرباحها. لافتا إلى أن هناك اختلافا في إعطاء تعريف للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، بين مختلف القطاعات التي تعمل إلى جانب دعم المشروعات، فالبعض يقيمها بعدد العاملين، والآخر برأس المال. وأشار الخطيب إلى أن ما تتخوف منه البنوك في آلية إقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة هو عدم وجود ضمانات التسديد، التي في الغالب لا يتمكن أصحابها من جلب تلك الضمانات، فالبنك يدير أموال مستثمرين ومودعين، وهذا يتطلب عدم المخاطرة بتلك الأموال، على حد قوله، الأمر الذي يترتب عليه أن النسبة الأكبر منها لن تسدد أو يصبح لديها قصور في التسديد، وحتى الهرب في حال كانت المبالغ كبيرة.
من جهة أخرى، طالب المهندس منصور الشثري، عضو مجلس الإدارة ورئيس مجلس أمناء مركز الرياض لتنمية الأعمال الصغيرة والمتوسطة بغرفة الرياض، البنوك السعودية بالتجاوب مع توجيهات الحكومة بالعمل على تحفيز المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز دورها في تحقيق التنمية الاقتصادية، وما تنتجه من وظائف للشباب السعودي، مؤكدا أن البنوك يجب ألا تنظر للقطاع كمصدر لتنمية أعمالها وزيادة أرباحها فقط، بل يجب أن تشارك في تعزيز فرص نموه عبر تحمل بعض المخاطر عند إقراضه، لأن قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة سيكون المحرك الرئيسي للاقتصاد السعودي.
وقال الشثري، في كلمة افتتح بها ورشة عمل: «دور البنوك في دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة» التي نظمتها غرفة الرياض، ممثلة في مركز الرياض لتنمية الأعمال الصغيرة والمتوسطة، يوم الثلاثاء الماضي: «إننا ما زلنا نطمح إلى دور قيادي من البنوك، لا تنظر فيه إلى قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة نظرة ربحية، بل تنظر إليه باعتباره قطاعا منتجا يساهم بقوة في التنمية الاقتصادية، ويخلق فرص عمل للشباب، وألا يكون همها الأول هو الربح».
وأكد الشثري أهمية الحرص على حقوق البنوك التي تمثل حقوق المساهمين، التي تعد جزءا من رأسمال الوطني المساهم في نمو الاقتصاد الوطني، وشدد على ضرورة البحث عن صيغة متوازنة تسهل منح التمويل الميسر من البنوك للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتحفظ في الوقت نفسه حقوق البنوك واسترداد أموالها.



 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
TT

 «موديز» ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع الاقتصاد

مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)
مشهد من العاصمة السعودية وتظهر فيه ناطحات السحاب في مركز الملك عبد الله المالي (كافد) (رويترز)

رفعت وكالة التصنيفات الائتمانية «موديز» تصنيفها للسعودية بالعملتين المحلية والأجنبية عند «إيه إيه 3» (Aa3) من «إيه 1» مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، وذلك نظراً لتقدم المملكة المستمر في التنويع الاقتصادي والنمو المتصاعد لقطاعها غير النفطي.

هذا التصنيف الذي يعني أن الدولة ذات جودة عالية ومخاطر ائتمانية منخفضة للغاية، هو رابع أعلى تصنيف لـ«موديز»، ويتجاوز تصنيفات وكالتي «فيتش» و«ستاندرد آند بورز».

وقالت «موديز» في تقريرها إن رفعها لتصنيف المملكة الائتماني، مع نظرة مستقبلية «مستقرة»، يأتي نتيجة لتقدمها المستمر في التنوع الاقتصادي، والنمو المتصاعد للقطاع غير النفطي في المملكة، والذي، مع مرور الوقت، سيقلل ارتباط تطورات سوق النفط باقتصادها وماليتها العامة.

ترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته

وأشادت «موديز» بالتخطيط المالي الذي اتخذته الحكومة السعودية في إطار الحيّز المالي، والتزامها بترتيب أولويات الإنفاق ورفع كفاءته، بالإضافة إلى الجهود المستمرة التي تبذلها ومواصلتها استثمار المـوارد الماليـة المتاحـة لتنويـع القاعـدة الاقتصاديـة عـن طريـق الإنفـاق التحولي؛ مما يدعم التنمية المستدامة للاقتصاد غير النفطي في المملكة، والحفاظ على مركز مالي قوي.

وقالت «موديز» إن عملية «إعادة معايرة وإعادة ترتيب أولويات مشاريع التنويع -التي ستتم مراجعتها بشكل دوري- ستوفر بيئة أكثر ملاءمة للتنمية المستدامة للاقتصاد غير الهيدروكربوني في المملكة، وتساعد في الحفاظ على القوة النسبية لموازنة الدولة»، مشيرة إلى أن الاستثمارات والاستهلاك الخاص يدعمان النمو في القطاع الخاص غير النفطي، ومتوقعةً أن تبقى النفقات الاستثمارية والاستثمارات المحلية لـ«صندوق الاستثمارات العامة» مرتفعة نسبياً خلال السنوات المقبلة.

شعار «موديز» خارج المقر الرئيسي للشركة في مانهاتن الولايات المتحدة (رويترز)

وقد وضّحت الوكالة في تقريرها استنادها على هذا التخطيط والالتزام في توقعها لعجز مالي مستقر نسبياً والذي من الممكن أن يصل إلى ما يقرب من 2 - 3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي للمملكة نمواً بمعدل 2.8 في المائة على أساس سنوي في الربع الثالث من العام الحالي، مدعوماً بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بواقع 4.2 في المائة، وفقاً لبيانات الهيئة العامة للإحصاء السعودية الصادرة الشهر الماضي.

زخم نمو الاقتصاد غير النفطي

وتوقعت «موديز» أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للقطاع الخاص بالسعودية بنسبة تتراوح بين 4 - 5 في المائة في السنوات المقبلة، والتي تعتبر من بين أعلى المعدلات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، معتبرةً أنه دلالة على استمرار التقدم في التنوع الاقتصادي الذي سيقلل ارتباط اقتصاد المملكة بتطورات أسواق النفط.

وكان وزير المالية، محمد الجدعان، قال في منتدى «مبادرة مستقبل الاستثمار» الشهر الماضي إن القطاع غير النفطي بات يشكل 52 في المائة من الاقتصاد بفضل «رؤية 2030».

وقال وزير الاقتصاد فيصل الإبراهيم إنه «منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 نما اقتصادنا غير النفطي بنسبة 20 في المائة، وشهدنا زيادة بنسبة 70 في المائة في الاستثمار الخاص في القطاعات غير النفطية، ومهد ذلك للانفتاح والمشاركات الكثيرة مع الأعمال والشركات والمستثمرين».

وأشارت «موديز» إلى أن التقدم في التنويع الاقتصادي إلى جانب الإصلاحات المالية السابقة كل ذلك أدى إلى وصول «الاقتصاد والمالية الحكومية في السعودية إلى وضع أقوى يسمح لهما بتحمل صدمة كبيرة في أسعار النفط مقارنة بعام 2015».

وتوقعت «موديز» أن يكون نمو الاستهلاك الخاص «قوياً»، حيث يتضمن تصميم العديد من المشاريع الجارية، بما في ذلك تلك الضخمة «مراحل تسويق من شأنها تعزيز القدرة على جانب العرض في قطاع الخدمات، وخاصة في مجالات الضيافة والترفيه والتسلية وتجارة التجزئة والمطاعم».

وبحسب تقرير «موديز»، تشير النظرة المستقبلية «المستقرة» إلى توازن المخاطر المتعلقة بالتصنيف على المستوى العالي، مشيرة إلى أن «المزيد من التقدم في مشاريع التنويع الكبيرة قد يستقطب القطاع الخاص ويُحفّز تطوير القطاعات غير الهيدروكربونية بوتيرة أسرع مما نفترضه حالياً».

النفط

تفترض «موديز» بلوغ متوسط ​​سعر النفط 75 دولاراً للبرميل في 2025، و70 دولاراً في الفترة 2026 - 2027، بانخفاض عن متوسط ​​يبلغ نحو 82 - 83 دولاراً للبرميل في 2023 - 2024.

وترجح وكالة التصنيف تمكّن السعودية من العودة لزيادة إنتاج النفط تدريجياً بدءاً من 2025، بما يتماشى مع الإعلان الأخير لمنظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفائها «أوبك بلس».

وترى «موديز» أن «التوترات الجيوسياسية المتصاعدة في المنطقة، والتي لها تأثير محدود على السعودية حتى الآن، لن تتصاعد إلى صراع عسكري واسع النطاق بين إسرائيل وإيران مع آثار جانبية قد تؤثر على قدرة المملكة على تصدير النفط أو إعاقة استثمارات القطاع الخاص التي تدعم زخم التنويع». وأشارت في الوقت نفسه إلى أن الصراع الجيوسياسي المستمر في المنطقة يمثل «خطراً على التطورات الاقتصادية على المدى القريب».

تصنيفات سابقة

تجدر الإشارة إلى أن المملكة حصلت خلال العامين الحالي والماضي على عدد من الترقيات في تصنيفها الائتماني من الوكالات العالمية، والتي تأتي انعكاساً لاستمرار جهـود المملكـة نحـو التحـول الاقتصـادي فـي ظـل الإصلاحـات الهيكليـة المتبعـة، وتبنـّي سياسـات ماليـة تسـاهم فـي المحافظـة علـى الاستدامة الماليـة وتعزز كفـاءة التخطيـط المالي وقوة ومتانة المركز المالي للمملكة. ​

ففي سبتمبر (أيلول)، عدلت «ستاندرد آند بورز» توقعاتها للمملكة العربية السعودية من «مستقرة» إلى «إيجابية» على خلفية توقعات النمو القوي غير النفطي والمرونة الاقتصادية. وقالت إن هذه الخطوة تعكس التوقعات بأن تؤدي الإصلاحات والاستثمارات واسعة النطاق التي تنفذها الحكومة السعودية إلى تعزيز تنمية الاقتصاد غير النفطي مع الحفاظ على استدامة المالية العامة.

وفي فبراير (شباط) الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيفها الائتماني للمملكة عند «إيه +» مع نظرة مستقبلية «مستقرة».