«الشرق الأوسط» تزور أول مركز طبي تونسي لمعالجة مرض ألزهايمر في أفريقيا والشرق الأوسط

مراكز مماثلة يتوقع افتتاحها في السعودية والكويت ولبنان والجزائر والمغرب

«الشرق الأوسط» تزور أول مركز طبي تونسي لمعالجة مرض ألزهايمر في أفريقيا والشرق الأوسط
TT

«الشرق الأوسط» تزور أول مركز طبي تونسي لمعالجة مرض ألزهايمر في أفريقيا والشرق الأوسط

«الشرق الأوسط» تزور أول مركز طبي تونسي لمعالجة مرض ألزهايمر في أفريقيا والشرق الأوسط

لم يكن من الصعب الوصول إلى أول مركز طبي لمعالجة الزهايمر على مستوى أفريقيا والشرق الأوسط، فبمجرد سؤال أحد المارة كانت إشارته واضحة أنه في مكان هادئ على الجانب الأيمن من الشارع. كان الموعد محددا وكانت مسؤولة الاستقبال في استقبالنا وعلى الفور توجهنا إلى الدكتورة عفاف الهمامي مديرة هذا المركز الطبي المتخصص في علاج أحد الأمراض التي باتت منتشرة بكثرة في صفوف التونسيين.
في البداية أعلمتنا الدكتورة عفاف الهمامي أنها كانت تعمل في فرنسا في مجال البحوث الطبية بإحدى المؤسسات المتعددة الجنسيات قبل أن تقرر العودة إلى تونس وافتتاح هذا المركز بشراكة مع هياكل مختصة من الولايات المتحدة الأميركية وذلك خلال منتصف شهر يناير (كانون الثاني) 2014.
وبشأن هذا المرض، قالت الهمامي إنه يصيب المخ ويتقوى بصفة تدريجية، يتسبب في حصول نقص في الوظائف العقلية وفي فقدان الذاكرة، إلى درجة يصبح معها العمل الاجتماعي والوظيفي غير ممكن، إضافة إلى عدم القدرة على التركيز أو التواصل مع الآخرين. وأضافت أن هذا المرض الذي ينعكس سلبا على المريض وعلى عائلته نتيجة العبء المادي والمعنوي الذي يتسبب فيه، وليس للمرض علاج، إلا أن علاجات خاصة يمكن توفيرها وتتيح الحد من تطور هذا المرض. وعن أعراض هذا المرض، أفادت أنها تتمثل بالخصوص في النسيان والاكتئاب وعدم الإدراك والإحساس بالمكان والزمان، وأوضحت أن أسباب هذا الداء متعددة إلا أن سببه الفعلي لم يتم تحديده بعد. وعبرت عن أملها في أن يتم ضم مرض الزهايمر إلى لائحة الأمراض المزمنة مثله مثل السكري وارتفاع نسبة الكولسترول في الدم.
وتعد تونس اليوم أكثر من 30 ألف مصاب بمرض الزهايمر. وتفيد التوقعات بأن هذا العدد قد يتجاوز 60 ألف حالة مع حلول سنة 2020 مع زيادة هرم السكان وارتفاع عدد المسنين. ويعاني 10 في المائة من التونسيين الذين تبلغ أعمارهم 60 سنة أو أكثر من أمراض الخرف.
وبشأن فكرة تأسيس هذا المركز الطبي المتخصص في تونس، قالت الدكتورة عفاف الهمامي أن فترة إنجاز هذا المشروع دامت سنتين بكلفة إجمالية ناهزت 500 ألف دينار تونسي (نحو 250 ألف دولار أميركي). وسيمكن المركز توفير وظائف عمل لـ50 متخصصا طبيا وشبه طبي خلال السنة الأولى تزداد تدريجيا خلال السنوات التالية. وأوضحت أن فكرة إنجاز هذا المركز نابعة من عدم توفر هيكل مختص في علاج الزهايمر والتكفل بمرضاه في تونس.
ويفتح المركز أبوابه أمام عدد من الأطباء المختصين في الطب العام وطب الأعصاب والشيخوخة والطب النفسي وغيرها من الاختصاصات التي تمكن من توفير العلاج المناسب والمتكامل للمريض.
وأشارت مديرة هذا المركز الطبي المتخصص في علاج الزهايمر إلى أن الأطباء والممرضين ومختلف الاختصاصات الطبية تتوجه إلى المريض والعائلة أثناء فترة العلاج ويبقى المركز في علاقة دائمة مع عائلة المريض للتعرف على مختلف خصوصياته الحياتية المفيدة في نجاح العلاج. وأضافت أن المركز الطبي يتكفل بالمرضى خلال ساعات اليوم فقط (مركز طبي نهاري) ويرجعه إلى أهله نهاية اليوم للحفاظ على الاندماج في المحيط العائلي. وتتكلف حصة العلاج اليومي والتكفل الطبي والحياتي بنحو 100 دينار تونسي (نحو 60 دولارا أميركيا).
وبشأن الصعوبات التي لاقتها في إدارتها لهذا المركز الطبي، قالت د. الهمامي إن عدم توفر الأرضية المناسبة للعمل في هذا الاختصاص الطبي وضعف التقاليد في هذا الباب ونظرة المجتمع الدونية لمن ضعفت ذاكرته، زادت مهمة العمل صعوبة، ولكن النتائج التي تحققت خلال ظرف زمني وجيز هي التي دفعت الجميع لمواصلة العمل وإنجاح هذه التجربة.
وبسؤالها عن إمكانية بعث مراكز أخرى في تونس والعالم العربي، قالت الهمامي أن المركز الطبي التونسي لمعالجة الزهايمر يعتبر مركزا نموذجيا وهو محط أنظار عدة مؤسسات دولية كبيرة تسعى لدخول هذا المجال. وأكدت أن عدة دول عربية ستدخل نفس التجربة في القريب العاجل ومن بينها المملكة العربية السعودية والكويت ولبنان والجزائر والمغرب، وليبيا في حال استقرار الأحوال السياسية بها، إضافة إلى تركيا.
وأسرت لنا الدكتورة عفاف الهمامي أن المركز الطبي لمعالجة الزهايمر لا يمكن أن نقارنه بمراكز المسنين الحكومية التي تؤوي كبار السن ولا تجوز المقارنة بينهما على حد تعبيرها. ولهذا السبب تضيف محدثتنا أنها رفضت تسلم بعض كبار السن لأن أفراد عائلاتهم حاولوا التخلص منهم فحسب، وتفادي أعباء الاهتمام بهم وليس تلقي العلاج.
وحول دور الاختصاصيين الطبيين الساهرين على علاج المرضى، قالت أميرة المصمودي الأخصائية النفسية في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إن معالجة مرض الزهايمر والتكفل به تمكن من تأخير المرض من 10 إلى 20 سنة. وأضافت أن المعالجة تعتمد على ما هو موجود من طاقات لدى المصابين بالمرض وليس الإمكانات التي فقدوها بسبب المرض. وعن نظرة العائلة التونسية إلى المصابين بمرض الزهايمر، أشارت إلى اتهام بعض العائلات لأفرادها المصابين بأن العملية من تدبيرهم للتنصل من المسؤوليات العائلية. وقالت إن بعض المرضى يصابون بالاكتئاب والاضطرابات السلوكية بسبب إحساسهم أنهم باتوا عالة على الآخرين بعد أن كانوا أفرادا فاعلين في محيطهم العائلي والمهني.
وقالت إن المركز لا يقتصر على الدور العلاجي فحسب، بل يتجاوز هذا الأمر إلى الوقاية وتوعية المريض وأيضا عائلته. وقالت إن من بين من يتلقون العلاج رؤساء مؤسسات ومسؤولين سابقين من الحجم الثقيل على حد تعبيرها.
وفي السياق ذاته تحدثت «الشرق الأوسط» إلى مروى القيزاني (مساعدة على الحياة) عن تراجع مستويات الإصابة بشكل كبير بعد فترة وجيزة من العلاج، وقالت إن بعض الحالات الواردة إلى المركز الطبي كانت لا تقبل على الحياة بشكل عام وترفض الحديث مع الآخرين وفي غضون أيام قليلة شهدت حالاتهم تحسنا ملحوظا.
وبشأن قدومها إلى مركز معالجة الزهايمر وظروف العمل والإحاطة بالمرضى، أكدت القيزاني أن ممارسة العمل في هذا المركز تتجاوز حدود تعاطي مهنة طبية إلى الاهتمام بوضعيات إنسانية في حاجة إلى المساعدة. وهذا الاهتمام هو الذي يؤدي على حد قولها إلى التعافي بسرعة ومحاولة إدماج المصابين من جديد في الحياة العامة.
في نهاية الزيارة، سألنا الدكتورة عفاف الهمامي عن سر سيطرة العنصر النسائي على معظم المواقع الطيبة داخل مركز معالجة الزهايمر، فأكدت أن هذه ظاهرة عامة في مختلف البلدان فالعناية بالمرضى وطول البال والصبر طباع متوفرة لدى المرأة قبل الرجل. وقالت هذا الأمر موجود كذلك في الولايات المتحدة الأميركية وليس بدعة تونسية. وأضافت قولها «لا تحمل هما فبعض المتكفلين بالمرضى قد يصابون بالمرض قبل مرضاهم»!



بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
TT

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)
جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

وذكرت أن قبل خمس سنوات، سمع العالم التقارير الأولى عن مرض غامض يشبه الإنفلونزا ظهر في مدينة ووهان الصينية، والمعروف الآن باسم «كوفيد - 19».

وتسبب الوباء الذي أعقب ذلك في وفاة أكثر من 14 مليون شخص، وأصيب نحو 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم لفترة طويلة، وكذلك في صدمة للاقتصاد العالمي، وأدرك زعماء العالم أن السؤال عن جائحة أخرى ليس «ماذا إذا ظهرت الجائحة؟»، بل «متى ستظهر؟»، ووعدوا بالعمل معاً لتعزيز أنظمة الصحة العالمية، لكن المفاوضات تعثرت في عام 2024، حتى مع رصد المزيد من التهديدات والطوارئ الصحية العامة العالمية.

وإذا ظهر تهديد وبائي جديد في عام 2025، فإن الخبراء ليسوا مقتنعين بأننا سنتعامل معه بشكل أفضل من الأخير، وفقاً للصحيفة.

ما التهديدات؟

في حين يتفق الخبراء على أن جائحة أخرى أمر لا مفر منه، فمن المستحيل التنبؤ بما سيحدث، وأين سيحدث، ومتى سيحدث.

وتظهر تهديدات صحية جديدة بشكل متكرر، وأعلن مسؤولو منظمة الصحة العالمية تفشي مرض الملاريا في أفريقيا، كحالة طوارئ صحية عامة دولية في عام 2024. ومع نهاية العام، كانت فرق من المتخصصين تستكشف تفشي مرض غير معروف محتمل في منطقة نائية من جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويعتقد الآن أنه حالات من الملاريا الشديدة وأمراض أخرى تفاقمت بسبب سوء التغذية الحاد.

وتشعر القائمة بأعمال مدير إدارة التأهب للأوبئة والوقاية منها في منظمة الصحة العالمية، ماريا فان كيرخوف، بالقلق إزاء وضع إنفلونزا الطيور، فالفيروس لا ينتشر من إنسان إلى إنسان، ولكن كان هناك عدد متزايد من الإصابات البشرية في العام الماضي.

وقالت إنه في حين أن هناك نظام مراقبة دولياً يركز بشكل خاص على الإنفلونزا، فإن المراقبة في قطاعات مثل التجارة والزراعة، حيث يختلط البشر والحيوانات، ليست شاملة بما فيه الكفاية.

وتؤكد أن القدرة على تقييم المخاطر بشكل صحيح «تعتمد على الكشف والتسلسل وشفافية البلدان في مشاركة هذه العينات».

تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهمية الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

وتقول إن جائحة «كوفيد - 19» تركت أنظمة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم «مهتزة حقاً»، وتبعتها قائمة طويلة من الأزمات الصحية الأخرى.

وأضافت: «بدأت الإنفلونزا الموسمية في الانتشار، وواجهنا الكوليرا، والزلازل، والفيضانات، والحصبة، وحمى الضنك. إن أنظمة الرعاية الصحية تنهار تحت وطأة العبء، وتعرضت القوى العاملة الصحية لدينا على مستوى العالم لضربة شديدة، ويعاني الكثيرون من اضطراب ما بعد الصدمة. ومات الكثيرون».

وقالت إن العالم لم يكن في وضع أفضل من أي وقت مضى عندما يتعلق الأمر بالخبرة والتكنولوجيا وأنظمة البيانات للكشف السريع عن التهديد.

وتضيف أن توسيع قدرات التسلسل الجينومي في معظم البلدان في جميع أنحاء العالم، وتحسين الوصول إلى الأكسجين الطبي والوقاية من العدوى ومكافحتها، تظل «مكاسب كبيرة حقاً» بعد جائحة «كوفيد - 19». وهذا يعني أن إجابتها عمّا إذا كان العالم مستعداً للوباء التالي هي: «نعم ولا».

وتقول: «من ناحية أخرى، أعتقد أن الصعوبات والصدمة التي مررنا بها جميعاً مع (كوفيد) ومع أمراض أخرى، في سياق الحرب وتغير المناخ والأزمات الاقتصادية والسياسية، لسنا مستعدين على الإطلاق للتعامل مع جائحة أخرى، ولا يريد العالم أن يسمعني على شاشة التلفزيون أقول إن الأزمة التالية تلوح في الأفق».

وتقول إن عالم الصحة العامة «يكافح من أجل الاهتمام السياسي، والمالي، والاستثمار، بدلاً من أن تعمل الدول على البقاء في حالة ثابتة من الاستعداد».

وذكرت أن الحل الطويل الأجل «يتعلق بالحصول على هذا المستوى من الاستثمار الصحيح، والتأكد من أن النظام ليس هشاً».

هل الأموال متاحة للاستعداد للوباء؟

وجد وزير الصحة الرواندي الدكتور سابين نسانزيمانا نفسه يتعامل مع تفشي مرضين رئيسيين في عام 2024: حالة الطوارئ الصحية العامة في أفريقيا، و66 حالة إصابة بفيروس «ماربورغ» في بلاده.

ويشارك في رئاسة مجلس إدارة صندوق الأوبئة، الذي أُنشئ في 2022 كآلية تمويل لمساعدة البلدان الأكثر فقراً على الاستعداد للتهديدات الوبائية الناشئة.

ويحذر نسانزيمانا مما إذا وصل الوباء التالي في عام 2025 بقوله: «للأسف، لا، العالم ليس مستعداً، ومنذ انتهاء حالة الطوارئ الصحية العامة بسبب (كوفيد) العام الماضي، حوّل العديد من القادة السياسيين انتباههم ومواردهم نحو تحديات أخرى، ونحن ندخل مرة أخرى ما نسميه دورة الإهمال، حيث ينسى الناس مدى تكلفة الوباء على الأرواح البشرية والاقتصادات ويفشلون في الانتباه إلى دروسه».

وقال إن صندوق الأوبئة «يحتاج بشكل عاجل إلى المزيد من الموارد للوفاء بمهمته»،

وفي عام 2022، بدأت منظمة الصحة العالمية مفاوضات بشأن اتفاق جديد بشأن الجائحة من شأنه أن يوفر أساساً قوياً للتعاون الدولي في المستقبل، لكن المحادثات فشلت في التوصل إلى نتيجة بحلول الموعد النهائي الأولي للجمعية العالمية للصحة السنوية في 2024، ويهدف المفاوضون الآن إلى تحديد موعد نهائي لاجتماع هذا العام.

جائحة «كورونا» غيّرت الكثير من المفاهيم والعادات (إ.ب.أ)

وتقول الدكتورة كلير وينهام، من قسم السياسة الصحية في كلية لندن للاقتصاد: «حتى الآن، أدت المحادثات في الواقع إلى تفاقم مستويات الثقة بين البلدان»، ولا يوجد اتفاق حول «الوصول إلى مسببات الأمراض وتقاسم الفوائد»، وكذلك الضمانات التي تُمنح للدول الأكثر فقراً بأنها ستتمكن من الوصول إلى العلاجات واللقاحات ضد مرض وبائي مستقبلي، في مقابل تقديم عينات وبيانات تسمح بإنشاء هذه العلاجات».

وتشير الأبحاث إلى أن المزيد من المساواة في الوصول إلى اللقاحات في أثناء جائحة «كوفيد - 19» كان من الممكن أن ينقذ أكثر من مليون حياة.

وذكرت وينهام: «الحكومات متباعدة للغاية، ولا أحد على استعداد حقاً للتراجع».

وقالت آن كلير أمبرو، الرئيسة المشاركة لهيئة التفاوض الحكومية الدولية التابعة لمنظمة الصحة العالمية: «نحن بحاجة إلى اتفاق بشأن الجائحة يكون ذا معنى».