مثلما كان مرتقباً، ستوفر قمة مجموعة العشرين التي تنعقد يومي «الجمعة والسبت» في روما الفرصة للقاء يجمع الرئيسين الفرنسي والأميركي، هو الأول من نوعه وجهاً لوجه بعد الأزمة التي نشبت بينهما بسبب صفقة الغواصات الأسترالية التي خسرتها فرنسا لصالح غواصات أميركية تعمل بالدفع النووي، وبعد استبعاد باريس من التحالف الاستراتيجي الثلاثي بين الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا في منطقة تعتبرها فرنسا استراتيجية وحيوية لمصالحها.
وفي بادرة تكشف رغبة البيت الأبيض في قلب صفحة الخلاف مع الإليزيه، كشف مصدر رئاسي، أمس، أن الرئيس بايدن هو الذي سيقوم بزيارة الرئيس ماكرون في روما في إحدى الممتلكات الفرنسية التاريخية في العاصمة الإيطالية، أكان ذلك «فيلا ميديسيس» أو «قصر فارنيز». واعتبر المصدر الفرنسي، أن لهذه اللفتة «مغزى سياسياً» وأن الأساسي المنتظر من اللقاء التأكيد على العناصر الأساسية التي «تؤطر العلقات الفرنسية - الأميركية وامتداداتها الأوروبية، إضافة إلى إعادة التأكيد على الالتزامات الأميركية المهمة والأساسية المتضمنة في البيان المشترك الأميركي - الفرنسي الذي أعقب بعد أسبوع اندلاع أزمة الغواصات، خصوصا بالنسبة لموضوع الأمن المشترك».
ليس سراً أن باريس تدعو وتلح، منذ وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه على الحاجة إلى بناء دفاع أوروبي وعلى الاستقلالية الاستراتيجية. والحال، أن رغبات باريس كانت تصطدم برفض أو بتحفظ مجموعة من الدول الأوروبية التي لا ترغب في التخلي عن المظلة الأطلسية والأميركية لصالح مظلة أوروبية غير موجودة.
لذا؛ فإن فرنسا تخطط لعقد قمة أوروبية خلال رئاسة باريس للاتحاد الأوروبي للأشهر الستة الأولى من العام 2022، لدفع مشروعها الذي لاقى معارضة قوية من إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب إلى الأمام. وفي البيان المشترك المشار إليه، تلتزم واشنطن بتسهيل قيام الدفاع الأوروبي المشترك، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال زيارته المطولة إلى فرنسا قبل أسبوعين. وبحسب مصادر الإليزيه، فإن أهمية اللقاء أنه سيدفع باتجاه تثبيت التعاون في إطار الحلف الأطلسي بين جناحيه الأميركي والأوروبي، ولكن في الوقت عينه الدفع باتجاه قيام دفاع أوروبي.
ومجدداً، برّرت باريس رغبتها هذه بانحراف الاهتمامات الأميركية نحو منطقة المحيطين الهندي والهادي والتركيز على ملف علاقاتها التنافسية مع الصين. وخلاصة الطرف الفرنسي، أنه في هذا السياق، يتعين على الشركاء الأوروبيين القيام بأمرين متلازمين: الأول، تحمّل مسؤولياتهم في إطار الأطلسي، ولكن بالتوازي، تحمّل مسؤوليات إضافية بالنسبة لأمنهم الخاص مع التركيز على أن «لا تناقض بين الالتزام الأطلسي والدفاع الأوروبي». وبكلام آخر، فإن ما تريده باريس هو طمأنة المترددين من الأوروبيين ومن مشروع الدفاع الأوروبي وتخلي واشنطن عنهم بالتأكيد على ضرورة السير بالأمرين معاً.
تدعو باريس لإطلاق مزيد من البرامج المشتركة الطموحة في قطاع الصناعات الدفاعية والتجهيزات، والاستعداد للعمل معاً في عمليات التدخل الخارجية في المحيط المباشر للتكتل الأوروبي، وحماية المصالح الأوروبية من غير الحاجة للولايات المتحدة. ويجري العمل حالياً على إنشاء «قوة تدخل» أوروبية سريعة. وفي المحصلة، فإن باريس تروّج لعملية «توزيع أدوار» بين المجموعتين الأطلسية والأوروبية، علماً بأن غالبية دول الاتحاد أعضاء في الحلف الأطلسي الأمر، الذي من شأنه جعل أكثر أهلية وقوة لتحمل مسؤولياته.
ولا تتوقف الطموحات الفرنسية عند هذا الحد؛ إذ إن باريس تريد أن يكون لها وللاتحاد الأوروبي مكان ودور في الاستراتيجية الشاملة في منطقة الهندي - الهادي، حيث استبعدت منها في التحالف الثلاثي. كذلك، فإن باريس تطمح، كما أشارت مصادرها أمس، إلى مزيد من الانخراط الأميركي في مساعدة القوة الفرنسية (برخان) والقوة الأوروبية المشتركة (تاكوبا) في منطقة الساحل، حيث يوفر الجانب الأميركي، حتى اليوم، الدعم الاستخباري واللوجيستي الذي تراه القيادة العسكرية الفرنسية «أساسياً» لإنجاز مهمة محاربة التنظيمات الإرهابية المتواجدة في هذه المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن إدارة بايدن كانت تخطّط لإغلاق القاعدة الأميركية الجوية شمال النيجر التي تنطلق منها الطائرات الخفيفة المسيرة المولج بها جمع المعلومات والصور الضرورية لعمل «برخان» و«تاكوبا». وتجدر الإشارة إلى أن باريس تدفع باتجاه مزيد من الانخراط الأوروبي في منطقة الساحل، حيث روسيا وتركيا تسعيان لمناطق نفوذ فيها.
لن تكون قمة روما نهاية مسيرة «التطبيع» الفرنسية - الأميركية. فنائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس ستزور باريس في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وستلتقي الرئيس ماكرون. ووفق مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي جاك سوليفان، فإن الجانبين سيعيدان التأكيد على عمق العلاقة الأطلسية وعلى ترحيب ودعم واشنطن لقيام الدفاع الأوروبي. وبهذه المناسبة، ستشارك هاريس التي تقوم بأول زيارة لها لأوروبا منذ انطلاق إدارة بايدن بداية هذا العام، في القمة التي تدعو إليها فرنسا بالاشتراك مع الأمم المتحدة حول ليبيا التي يراد منها أن توفي الدعم الدبلوماسي والسياسي الدولي لإجراء الانتخابات الليبية الرئاسية والتشريعية نهاية العام الحالي.
وفي سياق موازٍ، سيلتقي ماكرون نظيره التركي رجب طيب إردوغان في روما، وهو اللقاء الثاني هذا العام. وقالت المصادر الرئاسية، أمس، إن اللقاء يأتي في سياق اتفاق الرئيسين اللذين تدهورت علاقاتهما العام الماضي، على متابعة الحوار الفرنسي - الأوروبي - التركي حول الأمن شرقي المتوسط وأزمات الشرق الأوسط والحلف الأطلسي.
واعتبرت المصادر الفرنسية، أن أزمة ترحيل سفراء عشر دول غربية قد «انتهت» بعد تراجع الرئيس التركي عن قراره، مضيفة أن «القلق» بالنسبة لمصير المعارض والناشط عثمان كافالا ما زال قائماً. ومن اللقاءات المهمة لماكرون في روما اجتماع مع رئيس الوزراء الهندي مودي. فبعد أزمة الغواصات الأسترالية، أخذت باريس تشدد على اعتبار الهند «شريكاً استراتيجياً رئيسياً» في منطقة الهندي - الهادي، وأنها راغبة في استمرار الحوار معها في المسائل الاستراتيجية.
بايدن وماكرون يستكملان في روما إعادة «تطبيع» العلاقات الفرنسية ـ الأميركية
مصادر في الإليزيه: الدفاع الأوروبي وانخراط واشنطن في منطقة الساحل على طاولة المحادثات
بايدن وماكرون يستكملان في روما إعادة «تطبيع» العلاقات الفرنسية ـ الأميركية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة