العراق: الصدر يواصل تجاهل حراك «الإطار التنسيقي»

يصدر «توجيهات يومية» إلى الحكومة المقبلة

TT

العراق: الصدر يواصل تجاهل حراك «الإطار التنسيقي»

بدءاً من رؤيته إمكانية إقامة علاقة متوازنة مع الولايات المتحدة الأميركية، وانتهاء بضرورة الاهتمام بالعيش الرغيد للمواطن العراقي، لا يبدو أن زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، في وارد الاهتمام بما يقوم به خصومه في البيت الشيعي... ففيما يواصل «الإطار التنسيقي» التصعيد في مواقفه الداعية إلى إعادة العد والفرز اليدوي في كل المحطات الانتخابية، فإن الصدر؛ الذي يزداد اطمئناناً على فوزه، يواصل إصدار التعليمات والتوجيهات للحكومة المقبلة التي سوف يشكلها الصدريون، حسب قناعته.
المعلومات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصدر مطلع تفيد بأنه «رغم المحاولات التي يقوم بها زعيم (ائتلاف دولة القانون) نوري المالكي بشأن الكتلة الأكثر عدداً؛ فإن الكتلة الصدرية التي فازت بـ73 مقعداً تكاد تبلغ الآن الـ100 مقعد في البرلمان المكون من 329 مقعداً». ويضيف المصدر أن «هناك نواباً كانوا جزءاً من (تحالف سائرون) الصدري في الانتخابات الماضية دخلوا الانتخابات الأخيرة بصفة مستقلين وفازوا بثقة أبناء مناطقهم، لكن عدداً منهم إن لم يكن كلهم باتوا ينتظمون في الكتلة الصدرية، فضلاً عن مستقلين آخرين»، موضحاً أنه «في الوقت الذي يحتاج فيه التصويت على نيل الثقة بالحكومة 165 مقعداً؛ فإن هناك مرحلة تسبق ذلك، وهي حسم مصير الكتلة الكبرى». وبين أن «الصراع على الكتلة الكبرى يعدّ أحد التحديات التي سوف تواجه البيت الشيعي؛ سواء عبر (الإطار التنسيقي) و(الكتلة الصدرية)»، كاشفاً عن «جهود تهدف إلى محاولة تذليل الصعوبات في هذا المجال بين الصدر وخصومه من باقي القوى الشيعية من منطلق أن هذا التمزق في البيت الشيعي بات مصدر قوة للشريكين السني والكردي لجهة أنهما لا يزالان ينتظران كيفية حسم هذا النزاع».
الصدر؛ ومن منطلق محاولاته الاستعداد لتسلم زمام السلطة عبر رئيس وزراء يرشحه هو بصفته الكتلة الكبرى، حدد منذ الآن مسارات رئيس الحكومة المقبلة. فبعد سلسلة من التغريدات شبه اليومية بشأن برنامج الحكومة المقبل على صعيدي السياستين الداخلية والخارجية؛ فإنه أكد أمس الثلاثاء أن سياسته المقبلة سوف تكون حاسمة على صعيد كيفية التعامل مع الخارجين عن القانون.
وقال الصدر إن «سياستنا المستقبلية هي التعامل بحزم وفق القانون ضد أي مواطن يتعدّى على القانون، كالتعدّي على أنابيب الماء أو أسلاك الكهرباء، أو استغلال الأرصفة والأماكن العامة، والمخالفات المرورية، وإطلاق العيارات النارية في أي من المناسبات، أو قطع الشوارع في الاحتفالات، أو في ترويج الإشاعات الكاذبة ونشر الفتن الطائفية... وغيرها، أو في تعاطي الرشوة، أو التعدي على الكوادر التعليمية والطبية، وما شاكل ذلك، أو إصدار الشهادات المزوّرة، أو رفع الأسعار والاحتكار، أو الاستيلاء على الأراضي أو بيوت الأقليات، والبناء العشوائي، أو استعمال مواقع التواصل الاجتماعي في الابتزاز والخطف والتهديد... وما إلى غير ذلك».
ومضى الصدر في تحديد طبيعة سياسة حكومته المقبلة قائلاً: «وكذا التجاهر بالإفطار في نهار شهر رمضان، أو التحرش أو الاعتداءات الجنسية، أو العنف الأسري، أو تعاطي المخدرات، أو التعدي على السيطرات الأمنية والمرورية وعدم الالتزام بقواعدها، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وعصابات التسول».
سياسياً أيضاً؛ فإنه في الوقت الذي عقد فيه الرئيس العراقي برهم صالح اجتماعاً مع القيادات السياسية في البلاد، بما فيها القوى الخاسرة، في محاولة للخروج دستورياً من المأزق الحالي؛ فقد رحبت الولايات المتحدة الأميركية بالقرار الصادر عن مجلس الأمن بشأن الانتخابات العراقية. وقال بيان لوزارة الخارجية الأميركية: «نهنئ شعب وحكومة العراق على عملية الانتخابات الآمنة والسليمة من الناحية التقنية والمسالمة إلى حد كبير». وأضاف البيان أن «الانتخابات العراقية كانت فرصة للناخبين العراقيين لتقرير مستقبلهم من خلال حكومة تعكس إرادتهم». وفيما حثت واشنطن «جميع الأطراف على احترام سيادة القانون ونزاهة إجراءات الانتخابات»؛ فإنها أكدت أنها «تنضم إلى المجتمع الدولي في إدانة تهديدات العنف ضد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات». كما أعلنت الولايات المتحدة عن أملها في «العمل مع الحكومة العراقية الجديدة عند تشكيلها وذلك لتعزيز شراكتنا الاستراتيجية فيما يتعلق بمصالحنا المشتركة المتعددة».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.