بينما تجنبت تركيا خسائر ضخمة كان يمكن أن تتكبدها من أزمة سفراء الدول الغربية العشر، ومن بينها أميركا، الذين هدد الرئيس رجب طيب إردوغان بإعلانهم أشخاصاً غير مرغوب فيهم بسبب بيان مشترك طالبوا فيه بالإفراج الفوري عن رجل الأعمال الناشط البارز في مجال الحقوق المدنية، عثمان كافالا، المعتقل منذ نحو 4 سنوات بتهم التجسس ودعم محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، بدا أن العلاقات مع واشنطن تسير نحو مزيد من التعقيد بفعل توسع الملفات الخلافية بين البلدين الحليفين في حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وفيما حاولت وسائل الإعلام التركية الموالية لإردوغان، فضلاً عن بعض مستشاريه، الترويج لانتصار حققه الرئيس التركي على الولايات المتحدة والدول التسع الأخرى، ونشر مانشيتات متطابقة عن «تراجع السفراء عن بيان دعم كافالا» وذهاب بعض الصحف إلى وصف السفراء بـ«المتجاوزين»، أعادت واشنطن التأكيد على موقفها من قضية كافالا، وتعهدت بمواصلة الدفع باتجاه تعزيز حقوق الإنسان في تركيا.
واعتبر إردوغان، في تصريحات مساء أول من أمس عقب ترؤسه اجتماع حكومته في أنقرة، أن السفراء تراجعوا بعدما أصدروا بياناً شددوا فيه على «احترام المادة 41 من اتفاقية فيينا» التي تضع إطاراً للعلاقات الدبلوماسية وتحظر أي تدخل في الشؤون الداخلية للبلد المضيف.
وبدورها راحت وسائل الإعلام الموالية لإردوغان تروج لفكرة انتصاره على السفراء وتحديه لأميركا، عادّة الرسالة التي وجهتها السفارة الأميركية والسفارات الأخرى تراجعاً عن البيان الصادر في 18 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي بشأن الإفراج عن كافالا تطبيقاً لقرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية.
في المقابل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس ليل الاثنين - الثلاثاء: «سنواصل الدفع باتجاه تعزيز سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان عامة ونعتقد أن السبيل الأفضل للمضي قدماً هو عبر التعاون في مسائل ذات أهمية مشتركة». وأضاف برايس أنهم شاهدوا التصريحات الأخيرة لإردوغان بشأن بيان السفراء العشرة ومن بينهم السفير الأميركي حول كافالا و«نعرب عن اعتقادنا بأن البيان الذي أصدرناه في 18 أكتوبر منسجم مع المادة 41 من اتفاقية فيينا ونؤكد التزامنا بتعزيز سيادة القانون من أجل احترام حقوق الإنسان على الصعيد العالمي».
وكانت السفارة الأميركية أفادت في تغريدة عبر «تويتر»، أول من أمس، بأن الولايات المتحدة تؤكد مراعاتها للمادة 41 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، عقب التساؤلات التي أثيرت حول البيان الصادر في 18 أكتوبر. وقامت سفارات كل من ألمانيا وفرنسا وهولندا والدنمارك وفنلندا والسويد والنرويج وكندا ونيوزيلندا بإعادة نشر تغريدة بيان الولايات المتحدة، بعضها عبر الحسابات الرسمية لسفاراتها في أنقرة، وبعضها عبر الحسابات الشخصية للسفراء.
وبينما انتهت أزمة السفراء التي كان يمكن أن تكلف تركيا خسائر سياسية واقتصادية جسيمة، برز ملف آخر يشكل أحد الملفات الخلافية في العلاقات التركية الأميركية، حيث استقبل الرئيس جو بايدن ووزير خارجيته أنتوني بلينكن بطريرك الأرثوذكس في تركيا بارثليموس الأول، الموجود في واشنطن لإجراء فحوص طبية.
وعقد بارثليموس اجتماعاً مغلقاً مع بايدن أعقب محادثات مع بلينكن. وتم التأكيد على دعم الولايات المتحدة للبطريرك. وقال الوزير الأميركي إن بلاده تدافع بقوة عن مبدأ الحرية الدينية، مشيراً إلى أنهما ناقشا وضع مدرسة «هالكي» اللاهوتية، التي كانت في الماضي المدرسة اللاهوتية الرئيسة للكنيسة الأرثوذكسية الشرقية قبل أن يتم إغلاقها بموجب قانون تركي عام 1971.
وقالت الخارجية الأميركية، في بيان: «شدد الوزير بلينكن على أن إعادة فتح مدرسة هالكي الدينية ستبقى أولوية بالنسبة لإدارة الرئيس جو بايدن». وأعرب بارثليموس عن امتنانه للدعم الأميركي للبطريركية ولأفكارها وقيمها، التي قال: «إننا نحاول حمايتها فيما نكافح في الوقت ذاته للبقاء في مدينتنا التاريخية إسطنبول».
ويثير ملف الحريات الدينية خلافاً شديداً بين أنقرة وواشنطن. ورفضت تركيا مراراً التقارير السنوية للحريات الدينية التي تصدر عن الخارجية الأميركية لانتقادها سجل الحريات الدينية في تركيا. وأثار إردوغان الغضب، العام الماضي، عندما حول متحف آيا صوفيا، الذي كان من قبل الكنيسة الأساسية للإمبراطورية البيزنطية، إلى مسجد. ورغم أن إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أقامت علاقات، لا بأس بها مع إردوغان، لكن إدارته شددت مع ذلك على ملف الحريات الدينية. وعقب الانتخابات الأميركية العام الماضي، أجرى مايك بومبيو وزير الخارجية في إدارة ترمب، زيارة وداعية غير متوقعة أثارت غضب تركيا، بسبب قصرها على إسطنبول فقط، وإجراء لقاء مع بارثليموس، دون أن يلتقي أي مسؤول تركي.
وفي ملف ثالث، لوح عدد من النواب الديمقراطيين والجمهوريين بالكونغرس بعرقلة أي صفقة محتملة لبيع طائرات «إف 16» و80 من معدات التطوير لمقاتلات من الطراز نفسه إلى تركيا بالأموال التي سبق أن دفعتها لاقتناء مقاتلات «إف 35» التي منعتها واشنطن من الحصول عليها رداً على اقتنائها منظومة الدفاع الجوي الصاروخي الروسية «إس 400».
وكتب النواب رسالة إلى بلينكن يحذرون فيها من معارضتهم الشديدة لأي توجه من هذا النوع بسبب سياسات إردوغان وتقربه من روسيا.
في سياق آخر، زار إردوغان أذربيجان، أمس، تلبية لدعوة تلقاها من الرئيس إلهام علييف، في زيارة هي الثانية من نوعها في 4 أشهر، رافقه خلالها وزراء الخارجية مولود جاويش أوغلو، والدفاع خلوصي أكار، والبيئة والتطوير العمراني مراد كوروم، والنقل والبنية التحتية عادل كارا إسماعيل أوغلو، حيث شارك مع نظيره الأذري في مراسم افتتاح مطار فضولي الدولي، ووضع حجر أساس لمشاريع أخرى تسهم فيها تركيا في إقليم قره باغ، الذي سيطرت عليه أذربيجان العام الماضي، بدعم من تركيا، في معارك مع أرمينيا، استمرت من 27 سبتمبر (أيلول)، حتى توقفت في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) بوساطة من روسيا.
وأجرى إردوغان زيارتين رسميتين إلى أذربيجان، في ديسمبر (كانون الأول) 2020، ويونيو (حزيران) الماضي، تأكيداً للدعم التركي لأذربيجان.
وبعد استعادة أذربيجان السيطرة على إقليم ناغورنو قره باغ، أجرت تركيا مناورات عسكرية ثنائية معها، فضلاً عن مناورات ثلاثية ضمت باكستان معهما، في خطوة أثارت قلق إيران، التي تدعم أرمينيا، وأجرت بدورها مناورات على الحدود مع أذربيجان.
وينظر مراقبون إلى الدعم التركي لأذربيجان على أنه يأتي ضمن إطار التنافس التركي الروسي في منطقة القوقاز، ويترجم رغبة إردوغان في دور لبلاده في آسيا الوسطى.
بعدما تجنبت «أزمة السفراء»... تركيا تواجه ملفات معقدة في علاقتها مع أميركا
إردوغان يقوم بثاني زيارة لأذربيجان في 4 أشهر
بعدما تجنبت «أزمة السفراء»... تركيا تواجه ملفات معقدة في علاقتها مع أميركا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة