اجتماع في بروكسيل الأربعاء حول «النووي» وطهران متمسكة بالضمانات

أخيرا سيُعقد غدا في بروكسيل الاجتماع الذي تسعى إليه إيران منذ أسابيع، بين مساعد وزير خارجيتها علي باقري كني، الذي سيكون مفاوضها الأول في فيينا عندما تستأنف الجلسات المتوقفة عند الجلسة السادسة، وأنريكي مورا، المفاوض والوسيط الأوروبي الذي زار طهران يوم 14 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري أملا في الحصول على تاريخ محدد للعودة الى فيينا. وحتى اليوم، لم يصدر عن طهران شيء بهذا المعنى، الى درجة ان مندوب روسيا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية دعا المسؤولين الإيرانيين علنا الى تعريف ما يقصدونه بكلمة «قريباً» عندما يُسألون عن موعد رجوعهم الى طاولة المفاوضات.
الأسبوع الماضي، نجحت واشنطن في نسف مشروع اجتماع جماعي في إطار 4 زائد 1 (فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين زائد ألمانيا) مع باقري في العاصمة البلجيكية. وشددت الأطراف الغربية على أن المفاوضات مقرها فيينا وليس بروكسيل وأن الأخيرة ليست بديلا للعاصمة النمساوية. كذلك سارعت المفوضية الأوروبية الى نفي أي لقاء مقرر بين باقري ووزير الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل. وبدا واضحا أن الغربيين ليسوا راغبين مطلقاً في توفير منصة لإيران تمكنها من مناقشة الملف النووي في غياب الطرف الرئيسي أي واشنطن. ولذا، فإن باقري سارع الى نشر تغريدة يؤكد فيها أنه سيلتقي غدا الأربعاء أنريكي مورا فيما الناطق باسم بوريل أشار الى أن الأخير لا يخطط للقاء المندوب الإيراني. وجاء في تغريدة المسؤول الإيراني قوله: «سأجتمع يوم الأربعاء مع منسق الإتحاد الأوروبي لمتابعة محادثاتنا حول معاودة المفاوضات الهادفة الى تحقيق نتائج». ومن جانبه، أشار بيتر ستانو، الناطق باسم بوريل الى أن الاجتماع الذي سيحصل هذا الأسبوع بين باقري ومورا غرضه «مناقشة المسائل التي بقيت معلقة» عقب لقاء طهران قبل أسبوعين ويأتي بناء على طلب الجانب الإيراني.
الواضح حتى اليوم، وفق مصادر أوروبية متابعة لملف المفاوضات عن قرب، أن الجانب الإيراني «يتمسك، منذ انتخاب إبراهيم رئيسي، بنهج متشدد ويريد إظهار أنه مختلف عن نهج الرئيس السابق حسن روحاني». وعمليا، تريد طهران الحصول على ضمانات من الجانب الأميركي أهمها اثنتان: الأولى، أن واشنطن لن تخرج مجددا من الاتفاق المرتقب الذي بموجبه ستتراجع طهران عن انتهاكاتها لإتفاق العام 2015 كما فعلت إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب. والثانية، أن واشنطن لن تصر على إدخال فقرتين تلزمان طهران لاحقا بقبول مناقشة برنامجها الصاروخي ــ الباليستي وسياستها الإقليمية. وتسوق طهران حجتين: الأولى، أن غياب الضمانة الأولى سيترك الباب مفتوحا للعودة الى نقطة الصفر إذا قرر بايدن أو أي رئيس أميركي قادم الخروج من الاتفاق وفرض العقوبات مجددا على طهران. وثمة تنويعات على هذه الضمانة إحداها أن تلتزم واشنطن بالإمتناع عن فرض عقوبات على الشركات والأطراف الأوروبية التي قد ترفض السير بالعقوبات الأوروبية. والحجة الثانية تتناول البرنامج الباليستي وتقول إن سلاح الجو الإيراني بالغ الضعف وقوة طهران في ترسانتها الصاروخية وبالتالي فإن تقييدها «ينسف قدرة إيران على الدفاع عن نفسها وعن أمنها القومي».
حقيقة الأمر أن غياب الضمانات التي ترغب بها طهران تشكل السبب الرئيسي لمماطلتها في العودة الى فيينا بعد أربعة أشهر من التوقف. والحال، أن الغربيين بوجه عام غير مستعدين للتجاوب مع طهران، وغير راغبين في أن تكون بروكسيل بديلا لفيينا. كذلك، يتبين من تردد بوريل، حتى اليوم، في لقاء باقري وترك الأمر لمساعده أنريكي مورا، أن المطلوب إفهام الجانب الإيراني، وفق المصادر الأوروبية، أن «مناورات إيران لن تنفع وأن الأفضل لها أن تختصر الطريق وتعود الى فيينا لاستكمال المفاوضات» التي يشدد الغربيون على ضرورة أن تنطلق مجددا «من حيث توقفت» في الجولة الأخيرة، بمعنى ألا تعود إيران بلائحة مطالب جديدة. وتقول باريس إنه يتعين المحافظة على النتائج التي تحققت في الجولات السابقة.
ما ينتظره الغربيون من لقاء الأربعاء أن ينطق باقري بكلمة السر أي موعد استئناف المفاوضات. لكن المؤشرات تدل على ان إيران «لم تعد مستعجلة»، وذلك لأنها تعتبر أن عامل الوقت يلعب لمصلحتها، إذ أنه يوفر لها أوراقاً ضاغطة إضافية على واشنطن والعواصم الغربية، كما يمكنها من إحراز تقدم جديد في برنامجها النووي على صعيد الإرتقاء بالتخصيب الى مستويات قد تفوق نسبة الستين في المائة التي اعترفت بالوصول إليها، وعلى صعيد نشر وتجريب أجهزة الطرد المركزية الحديثة كما فعلت بداية الأسبوع الجاري في منشأة نطنز.
وفي أي حال، يعتبر الغربيون أن إيران تراهن على الإستدارة شرقا وعلى قدرتها على بيع الصين نحو 800 ألف برميل من النفط يوميا فيما الإحتجاجات الشعبية تراجعت في الفترة الإخيرة. لكن هذه السياسة تبدو للمراقبين الغربيين محفوفة بالأخطار، بمعنى أن يطبق اليأس على الغربيين (وعلى رأسهم واشنطن) من القدرة على إعادة «المارد النووي الإيراني الى القمقم» أو من فائدة العودة الى الاتفاق النووي بعد التقدم الذي تكون طهران قد أحرزته. وهذا الواقع يفسر تركيز الجانب الأميركي على الإشارة الى أن واشنطن «تدرس خيارت أخرى» وإعلان إسرائيل أنها رصدت 1,5 مليار دولار لعمليات عسكرية محتملة تستهدف البرنامج النووي الإيراني. ولا شك أن هذا التركيز يعد وسيلة ضغط على المسؤولين الإيرانيين لحملهم على وضع حد لسياسة المماطلة وكسب الوقت.
والسؤال اليوم هو: هل ستنجح الضغوط الغربية أم أن إيران سوف تستمر في تقطيع الوقت واعتماد سياسة حافة الهاوية للحصول على مبتغاها؟ أم أن المنطقة قادمة على تطورات دراماتيكية في الأسابيع والأشهر المقبلة إذا ما تبين أن طهران بصدد بلوغ ما يسمى «الحافة النووية»؟ الجواب في الآتي من الأيام.