«حزب الله» يتحرك لتهدئة التصعيد الكلامي بين شريكيه «أمل» و«الوطني الحر»

TT

«حزب الله» يتحرك لتهدئة التصعيد الكلامي بين شريكيه «أمل» و«الوطني الحر»

استمر التصعيد الكلامي بين «التيار الوطني الحر» المؤيد لرئيس الجمهورية ميشال عون وحركة «أمل» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري إثر حرب البيانات بين الطرفين، مع اتهام «التيار» حركة «أمل» بالتواطؤ مع حزب «القوات اللبنانية» في أحداث الطيونة التي قُتل خلالها 7 أشخاص في أثناء مظاهرة نظمها «الثنائي الشيعي»، لتعود حركة «أمل» وتصف «الوطني الحر» بـ«تيار الفساد»، متهمة وزير العدل السابق المستشار الرئاسي سليم جريصاتي بـ«تسييس القضاء» و«إدارة عمل المحقق في انفجار بيروت طارق البيطار».
ويأتي ذلك في وقت ساد الصمت على خط حليف الطرفين (أي حزب الله)، علماً بأن بيان حركة «أمل» تطرق بشكل مباشر إلى تحالف الحزب مع «التيار»، معتبراً أن الأخير يستغل التفاهم الذي وقعه مع الحزب عام 2006 في «زرع الفتن، والمس بالتحالف المتمثل بالثنائية الحقيقية بين الحركة والحزب». وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يتصاعد فيها الخلاف بين حليفي الحزب، اكتفت مصادر قريبة من «حزب الله» بالإعراب عن أسفها لـ«التراشق الإعلامي بين حليفينا»، مؤكدة: «سنعمل خلال الفترة المقبلة على تخفيف التوتر بين الطرفين، وتقريب وجهات النظر بينهما».
وفي المقابل، وفيما هناك من رأى أن صمت الحزب هو رضا عن بيان الحركة، ترفض الأخيرة التعليق على رأي الحزب في خلاف حليفيه، وتقول مصادر في كتلة «التنمية والتحرير - حركة أمل» لـ«الشرق الأوسط»: «على الأقل، نعلم أن رأي الحزب يتوافق مع رأينا في الشق المتعلق بتحقيق المرفأ وأحداث الطيونة».
وفي سياق التصعيد المستمر بين «الخصمين اللدودين»، رد مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي، أمس، على بيان الحركة ببيان مقتضب، قال فيه: «إذا كانت سياسات حركة (أمل) وتموضعاتها الوطنية والإقليمية مبنية على مثل هذه الاتهامات الزائفة والمعزوفات المملة، فهنيئاً لها وأبواقها الإعلامية المواقف الفاشلة بانبهار»، وأضاف: «من الخفة والظلم والعيب والجرم اتهام المحقق العدلي في انفجار المرفأ بأنه يتحرك بإملاء من (غرفة سوداء) بإدارتي وإشرافي. كاد المريب أن يقول خذوني، يا إخوة. اتقوا الله، وعودوا إلى ثوابت إمامنا المغيّب، فهو الركن إن خانتكم أركان».
وهذا الرد استدعى رداً من قبل عضو المكتب السياسي لحركة «أمل»، طلال حاطوم، بالقول: «مجدداً، إذا لم تستحِ فافعل ما شئت، حبذا لو يبهر جريصاتي اللبنانيين، ويصارحهم كيف، وبسحر ساحر، وبين ليلة وضحاها، وبين قاضٍ وقاضٍ، تحوّل هو من متهم أو مقصر أو مُدعى عليه في هذه القضية إلى حارس للحق والحقيقة والعدالة... وقى الله لبنان والعدالة والحقيقة شرور الغرفة السوداء».
ومن جهته، انتقد النائب في كتلة «التنمية والتحرير»، قاسم هاشم، ما وصفها بالأساليب الشعبوية والشحن السياسي والطائفي، من دون تسمية «الوطني الحر»، مطالباً من جهة أخرى بكشف حقيقة ما حصل في الطيونة. وقال: «البعض يحاول استثمار كل ما يتوفر له من أساليب وإمكانيات لبناء شعبوية انتخابية، ولو بالعودة إلى مساحات الإثارة والتحريض والشحن السياسي والطائفي، وذلك سعياً لتحقيق مكاسب رخيصة على حساب الاستقرار الوطني».
وأضاف: «ما نشهده في هذه الفترة من تطورات ومواقف تكاد تأخذ البلد إلى مزيد من التوترات، في حال لم يتحكم الوعي وإدراك مخاطر ما قد تقودنا إليه بعض السياسات والرهانات الخاطئة التي تضع الوطن على حافة الهاوية، في ظل الأوضاع المتردية بكل مستوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وما يدل على ذلك ما حصل الأسبوع الماضي من سفك دماء للأبرياء، ومحاولة أخذ البلد إلى فتنة وقتال داخلي، لولا الحكمة والوطنية لدى القادة الذين سارعوا إلى العض على الجراح، ولملمة ذيول ما حصل، مع التأكيد على ضرورة كشف حقيقة ما حصل، لينال المرتكبون جزاءهم، أياً كانت حدود مسؤوليتهم».
وشدد على أن «المطلوب معالجة سريعة، وإيجاد مخرج لقضية أوصلت الأمور إلى هذا الانحدار، لأن مصلحة البلد والاستقرار أهم من أي مكابرة أو تعنت. وما دام هناك قانون ودستور، فلن تعدم الحلول، إلا إذا أراد البعض الاستمرار في نهج الاستنسابية والمعايير المزدوجة والانتقائية، انتقاماً ولطمس حقيقة ما».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.