اتجاه «فيسبوك» لتغيير اسمه يُثير تساؤلات

اتجاه «فيسبوك» لتغيير اسمه يُثير تساؤلات
TT

اتجاه «فيسبوك» لتغيير اسمه يُثير تساؤلات

اتجاه «فيسبوك» لتغيير اسمه يُثير تساؤلات

في إجراء يثير الكثير من التساؤلات حول مستقبل المنصة الأكثر شهرة في العالم، يتجه «فيسبوك» إلى تغيير اسمه، وسط مطالب متجددة للشركة بخطوات لإعادة الثقة مع الجمهور.
المراقبون ربطوا بين تسريب أنباء عن خطط الشركة لتغيير اسم «فيسبوك»، والتحقيقات الجارية حالياً في الولايات المتحدة بشأن «أضرار المنصة على الصحة النفسية للمراهقات، واعتمادها سياسة تميزية». وبينما وصف خبراء خطوة «فيسبوك» بـ«المهمة والضرورية لمستقبل الشركة»، شدد متخصصون على أن «ما يفعله (فيسبوك) بتغيير الاسم نوع من الهروب للأمام، لن يفيد الشركة»، لافتين إلى أن «(فيسبوك) يحتاج أولاً إلى إعادة الثقة مع الجمهور».
حالة الجدل هذه بدأت في أعقاب تقرير نشره موقع «ذا فيرج» المتخصص في سوق التكنولوجيا، الثلاثاء الماضي، كشف فيه عن «اتجاه شركة (فيسبوك) إلى تغيير اسمها، كجزء من خططها لإنشاء عالم (ميتافيرس) الافتراضي». ووفق التقرير، فإن الشركة ستعلن عن الاسم الجديد خلال مؤتمرها السنوي المقرر عقده في 28 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. وحسب «ذا فيرج»، فإن الاسم الجديد للشركة سيكون مختلفاً عن اسم منصتها الأشهر «فيسبوك»، لكون الشركة تمتلك خدمات أخرى مثل «واتس آب» و«إنستغرام». ولقد ذكر كاسي نيوتن، مؤسس مدونة «بلاتفورمرز» المتخصصة في شؤون التكنولوجيا، في تقرير نشره على المدونة، صحة المعلومات الخاصة باعتزام شركة «فيسبوك» تغيير اسمها، بيد أنه أضاف أنها لم تستقر على اسم بديل حتى الآن.
نيوتن أشار أيضاً إلى أن «(فيسبوك) تناقش فكرة تغيير الاسم منذ شهرين، وأن أنطونيو لوتشيو، مدير التسويق السابق في الشركة، كان يدفع في اتجاه فصل (فيسبوك) عن اسم الشركة منذ ثلاث سنوات».
أنس بنضريف، الصحافي المغربي المقيم في هولندا، يرى أن «تغيير الاسم (أي العلامة التجارية) عادة ما تستغرق وقتاً طويلاً، لأن لها توابع مالية وتنظيمية كبيرة، وربما بدأت الشركة في التخطيط لذلك قبل 6 أشهر على الأقل». في حين يرى فادي رمزي، الخبير المصري المتخصص في شؤون مواقع التواصل الاجتماعي، أن «خطط تغيير اسم الشركة ليست مفاجأة، إذ بدأت الشركة تتجه نحو فصل اسمها عن اسم منصة (فيسبوك) منذ مدة، عندما غيرت لون شعار الشركة إلى لون مختلف عن لون منصة (فيسبوك) الأزرق الشهير». وتابع رمزي في لقاء مع «الشرق الأوسط» شارحاً أن «شركة (فيسبوك) تحاول جاهدة الفصل بين اسمها، واسم منصة التواصل الاجتماعي التي أصبحت أخيراً منصة ضعيفة - حسب قوله - لا سيما وأن لدى الشركة منصات أكثر شعبية مثل (إنستغرام) و(واتس آب)».
ما يجدر ذكره هنا، إعلان «فيسبوك» عام 2019 عن تغيير شعار الشركة إلى شعار يحتوي على اسم الشركة فقط بأحرف واضحة، تبدأ باللون البرتقالي وتنتهي باللون البنفسجي، خصوصاً بعدما باتت الشركة التي انطلقت عام 2004 كتطبيق واحد هو «فيسبوك»، تضم الآن مجموعة من الخدمات والتطبيقات مثل «واتس آب» و«إنستغرام» و«أوكولوس» و«كاليبرا».
نيوتن برر خطط «فيسبوك» لتغيير الاسم «بتعرض سمعتها للضرر» منذ 2016، في أعقاب الانتخابات الأميركية وفضيحة «كمبريدج أناليتيكا»، وتحقيقات لجنة منع الاحتكار الأميركية معها، ومن ثم، ما حدث من تسريبات لدراسات تحدثت عن إهمال «فيسبوك» نتائج أثبتت تأثير الشركة السلبي على المراهقين». ووفق نيوتن فإن «منصة (فيسبوك) تعاني اليوم من تناقص دعم السياسيين لها، وتراجع أهميتها لدى الجيل الجديد. ثم إنه من المتوقع أن يشهد الأسبوع المقبل إعصاراً حاداً بعد نشر صحافيين نتائج تحقيقاتهم عن المنصة، واستمرار التحقيقات في تسريبات فرانسيس هوغن، الموظفة السابقة في (فيسبوك)».

مشاكل السمعة

في هذا الإطار، يقول بنضريف لـ«الشرق الأوسط»، إن «(فيسبوك) تعيش مشاكل داخلية، وأيضاً على مستوى السمعة، ولذلك تأتي خطط تغيير الاسم والعلامة التجارية لمواجهة المشاكل التي تحيط بالعلامة التجارية». ويضيف أن «هذه الطريقة ليست جديدة، بل سبق أن اعتمدتها شركات غيرها من قبل، لعل أشهرها شركة (فيليبس موريس) (لصناعة السجائر)، التي لم ينفعها تغيير الاسم بل ظلت معروفة به، وكذلك شركة (بريتيش بتروليوم) النفطية التي غيرت اسمها لمواجهة ارتباطها السيئ بقضايا البيئة، ولم ينفعها ذلك». ووفق بنضريف، فإن ما تفعله «فيسبوك» بتغيير الاسم «نوع من الهروب للأمام لن يفيد الشركة، خصوصاً مع الفضائح الأخيرة التي سربها موظفون سابقون فيها عن علاقة المنصة بإدمان الأطفال واستغلالها لهم».
يشار إلى أنه جارٍ حالياً التحقيق مع «فيسبوك» في الاتهامات التي وجهتها له فرانسيس هوغن في شهادتها أمام الكونغرس الأميركي، زاعمة «تجاهل مارك زوكربيرغ، مؤسس (فيسبوك)، لدراسات داخلية أكدت تأثير المنصة السلبي على الصحة النفسية للمراهقات، إضافة إلى اتباعه (سياسيات تمييزية) تجاه المشاهير، وتركيزه على الأرباح في مقابل مصلحة المستخدمين».
وثمة سبب آخر يدفع «فيسبوك» لتغيير اسمها، حسب نيوتن، هو أن «التطبيق لم يعد يشكل مستقبل الشركة، إذ إنه ما عاد يحظى بشعبية بين الأجيال الجديدة التي ربما تفضل (إنستغرام). كما توجد الآن خطط توسعية للشركة في مجال الواقع الافتراضي والمعزز».
فادي رمزي، فيما يخصه، يعتبر أن «الصورة غير واضحة الآن؛ لكن من المرجح، تغيير الاسم تماماً، لأن (فيسبوك) كشركة تريد تمييز نفسها عن منصة (فيسبوك)، خصوصاً أن لدى الشركة مخططات أخرى مثل إطلاق عملة وغيرها». وعليه، رجح رمزي أن «تتجه الشركة نحو اسم شبابي أكثر، مع تراجع شعبية المنصة في أوساط الجيل الجديد، خصوصاً في الولايات المتحدة، ومخاوف الشركة من أن تخسر هذه الفئة لصالح منافسين آخرين». ويضيف رمزي أن «مساعي تحسين السمعة وتغيير الاسم عادة ما تكون ناجحة، إذ سبق أن طبقتها (غوغل) عندما غيرت اسم الشركة إلى (ألفابت)، التي تملك عدداً كبيراً من الخدمات إلى جانب موقع (غوغل)، وإن كانت ماكينة الدعاية للشركة ما زالت تستخدم اسم (غوغل)».

الفكرة ليست جديدة

عطفاً على ما سبق، فإن فكرة تغيير الاسم - أو ما يسمى بالإنجليزية «Rebranding» - ليست جديدة، فقد نفذت عدد شركات عالمية ذلك من قبل، بما فيها «غوغل» التي غيرت اسمها إلى «ألفابت» عام 2015. وتبعاً تقرير «ذا فيرج»، فإن «(فيسبوك) ما زالت تتكتم على الاسم الجديد، وإن توقع البعض أن يكون متعلقاً بـ(هورايزون)، نظارات الواقع الافتراضي التي أطلقتها الشركة منذ مدة، أو (ميتافيرس) التي سبق أن تحدث عنها مارك زوكربيرغ. إذ قال إن الشركة ستركز عليها في المستقبل ضمن سياق تطوير خدمات الإنترنت، اعتماداً على الواقع الافتراضي، حيث تمكن المستخدم من إجراء لقاءات افتراضية وحضور فعاليات بشكل أقرب للواقع». وللعلم، أعلنت «فيسبوك» أخيراً عن توفير 10 آلاف وظيفة داخل الاتحاد الأوروبي على مدار خمس سنوات لتطوير «ميتافيرس».
ختاماً، يشدد بنضريف على ضرورة خروج «فيسبوك» باعتذار وتغيير النهج المتعلق بالخصوصية وحماية المستخدمين، والتقليل من الجشع والطابع التجاري للمنصة، قبل التفكير في تغيير اسمه». في حين يرى رمزي أن تغيير الاسم «مجرد رتوش» لتحسين الصورة، وليس معالجة للمشكلة، إذ تحتاج المنصة لتنفيذ سياسات كثيرة لمعالجة مشكلة تراجعها، وإن كان تغيير الاسم أحد العناصر المهمة في هذه الخطة.


مقالات ذات صلة

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

يوميات الشرق مبنى التلفزيون المصري «ماسبيرو» (تصوير: عبد الفتاح فرج)

لماذا تم حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي في مصر؟

أثار إعلان «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر حظر ظهور «المنجمين» على التلفزيون الرسمي تساؤلات بشأن دوافع هذا القرار.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
شمال افريقيا الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام (موقع الهيئة)

مصر: «الوطنية للإعلام» تحظر استضافة «العرّافين»

بعد تكرار ظهور بعض «العرّافين» على شاشات مصرية خلال الآونة الأخيرة، حظرت «الهيئة الوطنية للإعلام» في مصر استضافتهم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» أثارت جدلاً (تصوير: عبد الفتاح فرج)

​مصر: ضوابط جديدة للبرامج الدينية تثير جدلاً

أثارت قرارات «المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام» بمصر المتعلقة بالبرامج الدينية جدلاً في الأوساط الإعلامية

محمد الكفراوي (القاهرة )
الولايات المتحدة​ ديبورا والدة تايس وبجانبها صورة لابنها الصحافي المختفي في سوريا منذ عام 2012 (رويترز)

فقد أثره في سوريا عام 2012... تقارير تفيد بأن الصحافي أوستن تايس «على قيد الحياة»

قالت منظمة «هوستيدج إيد وورلدوايد» الأميركية غير الحكومية إنها على ثقة بأن الصحافي أوستن تايس الذي فقد أثره في سوريا العام 2012 ما زال على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي شخص يلوّح بعلم تبنته المعارضة السورية وسط الألعاب النارية للاحتفال بإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق (رويترز)

فور سقوطه... الإعلام السوري ينزع عباءة الأسد ويرتدي ثوب «الثورة»

مع تغيّر السلطة الحاكمة في دمشق، وجد الإعلام السوري نفسه مربكاً في التعاطي مع الأحداث المتلاحقة، لكنه سرعان ما نزع عباءة النظام الذي قمعه لعقود.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.